صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح حديث: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)

خالد بن سعود البليهد
binbulaihed@


عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت" . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

هذا الحديث في بيان فضل خلق الحياء وبيان أثره. وفيه مسائل:


الأولى: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى) دليل على أن الجملة الواردة هي من مأثور كلام الأنبياء السابقين من غير تحديد نبي معين وهذا مما يرويه العامة عمن سبقهم صاغر عن كابر ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أيده بالوحي المصدق فنؤمن بثبوته وما سواه مما اشتهر حكايته عن الأنبياء فلا حرج في ذكره ولكن لا نجزم بثبوته أو نفيه إلا ما خالف الشرع كما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في حكاية أخبار بني إسرائيل وقد درج أهل التأريخ والمفسرون على حكاية أقوال وأخبار السابقين فلا حرج على الواعظ حكاية القصص والحكم من باب الاستئناس ما لم تخالف شرعنا المحكم.

الثانية:
في قوله: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) قولان لأهل العلم في تفسيرها:
الأول: أنه ليس على سبيل الأمر وإنما هو على سبيل الذم والنهي عنه ولهم وجهان في تفسير هذا القول: أحدهما: أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد وله نظائر في القرآن قال تعالى: (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير). والمعنى إذا لم يكن عندك حياء فاعمل ما شئت والله مجازيك على فعلتك. ثانيهما: أنه أمر بمعنى الخبر والمعنى: من لم يكن عنده حياء فعل كل ما يستنكر ومن كان عنده حياء منعه عن كل قبيح كما جاء في الحديث: (من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). أي فقد تبوأ مقعده. وهذا اختيار الإمام أحمد وكلا الوجهان جائزان في اللغة إلا أن الثاني هو الأقرب والأكثر استعمالا. والقول الثاني: أن الحديث أمر على ظاهره يفعل المؤمن ما يشاء من قول وتصرف إذا كان لا يستحي من فعله عادة لا من الله ولا من خلقه فيفعله ولا يضره كلام الناس إذا كان من أفعال الطعات وجميل الأخلاق. والقول الأول أصح في تفسر الحديث لأن المقصود التنفير والتحذير من ترك الحياء وبيان أثر ذلك في أخلاق المؤمن.

الثالثة:
الحياء من شعب الإيمان له فضل عظيم وهو عمل قلبي يبعث العبد على فعل الجميل وترك القبيح من منكر ودنيء فكل ما أفضى إلى ترك السوء وفعل الحسن فهو من الحياء المحمود شرعا أما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك السؤال عن مسائل العلم و السكوت عن بيان الحق فهذا ضعف وخور وليس من الحياء وإن ادعاه الناس ولذلك قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). فكل ما أدى إلى ترك الحقوق والتساهل فيها فهو عجز ومهانة والضابط في تمييز الحسن والقبيح دلالة الشرع وليست أهواء الناس وأعرافهم الفاسدة. ومن تمام الحياء أن يدع المرء ما يستهجنه قومه مما سكت عنه الشرع لأنه من المروءة. ومن علامة الاستحياء أن يتجنب المرء المواطن التي يستحيا منها.

الرابعة:
الحياء من العبد ممدوح في كل حال وفي كل أمر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها يعرف فرحه وغضبه واستبشاره وكراهيته في وجهه الشريف فلا يذم الحياء من العبد ولو هضم حقه وانتقصه الناس ولذلك ورد في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك لتستحيي كأنه يقول قد أضر بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان(. وفي الصحيحين أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء لا يأتي إلا بخير(. فينبغي على المؤمن أن يلازم الحياء في سائر أحواله الخاصة والعامة وفي جميع معاملاته ولا يلتفت لأوهام الناس وآرائهم الفاسدة فإنها لا تغني عن الحق شيئا.

الخامسة:
الحياء يدعو لكل خير وعاقبته حسنة في الدنيا والآخرة وكلما ازداد العبد حياء ازداد إيمانا وبرا حتى يبلغ منزلة الكمال ولذلك ورد في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق عثمان: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة). وقال الحسن يقول: (الحياء والتكرم خصلتان مِن خصال الخير لم يكونا في عبد إلا رفعه الله عز وجل بهما). وإذا ترك العبد الحياء كله ذهب إيمانه وارتكب المحرمات وترك الفضائل لخلو قلبه من مهابة الله ومهابة الناس وإذا نقص حياؤه نقص إيمانه وبره بقدر ما نقص من حيائه والناس في هذا الباب مقل ومكثر. وأولى الناس بالحياء هم أهل العلم وأهل الفضل ويقبح بالناسك أن يكون صفيق الوجه لا حياء له.

السادسة:
الحياء نوعان من حيث المصدر:
الأول: حياء طبيعي يخلقه الله ويوجده في جبلة العبد بحيث ينشأ من الصغر متصفا بالحياء فيجتنب القبيح ويفعل الحسن بلا تكلف وهو قليل في الناس وصاحبه يحميه الله من الصبوة والمعاصي منذ نعومة أظفاره كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا من أجمل الأخلاق ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير). وقال الجراح الحكمي: (تركت الذنوب حياء أربعين سنة ثم أدركني الورع). ومن رزق هذا فليحمد الله وليحافظ على هذه النعمة الجليلة.
الثاني: حياء مكتسب وهو الذي يتخلق المرء به ويكتسبه بالتعلم والتربية والمجاهدة والمصابرة والتفكر ولم يكن الحياء من خلقه وهذا حال كثير من الناس لم يعرفوا بالحياء في نشأتهم ثم تعرفوا عليه وربوا أنفسهم ودربوها على الحياء ثم تخلقوا به وهذا من خصال الإيمان وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: (استحي من الله كما تستحي من رجل من صالح عشيرتك).

السابعة:
مشاهدة القلب لصفات الجلال والجمال لله والتفكر في آلاء الله مع التقصير في حق الله بشكر هذه النعم تورث المؤمن الحياء والتعرف على فضائل الحياء وثوابه يعين على الاتصاف بالحياء وصحبة أهل المروءة والحياء تكسب الحياء والتفكر في الآثار المترتبة على ترك الحياء يحمل المرء على التحلي بالحياء وعدم الزهد فيه والتفكر في أن خلق الحياء يستر العيوب ويجعل لصاحبه مودة بين الناس ويكسبه الصيت الحسن مما يرغب في الحياء ولذلك قال أبو حاتم: (إن المرء إذا إشتد حياؤه صان ودفن مساوئه ونشر محاسنه.( وبالضد من ذلك مصاحبة أهل الوقاحة والسفه تورث السفه وقلة الحياء والجهل بفضل الحياء يزهد المرء فيه وكثرة الذنوب واتباع الهوى تجعل القلب خال من الحياء.

الثامنة:
لما ترك كثير من الناس الحياء وفضائل الأخلاق صاروا لا يبالون من ارتكاب قبائح الأمور والمجاهرة بها في المجتمع وانتشر في كثير من المجتمعات المسلمة إظهرا الفواحش والمنكرات وقل الناصح والمغير من قبل الولاة وهذا سببه ضعف الإيمان والافتتان بحب الدنيا وطول الأمل ولهذا قال عمر رضي الله عنه: (من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه). وقد كان المسلمون يغلب عليهم الحياء ويستترون بالمعاصي تحت رحمة الله وعفوه وكان الحياء يظهر في مجالسهم وطرقاتهم وأسواقهم ولذلك ينبغي على الأولياء أن يربوا أهلهم وأولادهم على الحياء وينبغي على العالم والمعلم مراعاة ذلك في تلاميذه.

التاسعة:
جلباب الحياء أعظم ما تستتر به المرأة المسلمة وله أثر عظيم في صلاح أقوالها وأفعالها وتصرفاتها قال ربيط بني إسرائيل: (زين المرأة الحياء وزين الحكيم الصم). وإذا تسلحت به خفضت صوتها ولزمت بيتها إلا لحاجة واعتزلت نوادي الرجال ولم تزاحمهم حياء من الله وغلب عليها الستر والصيانة وربما تركت شيئا من مصالحها خوفا من خدش الحياء كحال نساء السلف المتعففات العابدات وإذا تركت المرأة الحياء فسد طبعها وقل سترها وبرزت للرجال وظهرت مساوئها وتشبهت بالرجل كحال كثير من نساء الزمان اللاتي يكثرن من مخالطة الرجال ويظهرن زينتهن للأجانب ولا يتحرجن عن كل ما يخدش الحياء وقوة المرأة وعزها وجمالها في التحلي بالحياء وضعف المرأة وذلها وقبحها في ترك الحياء لا كما يظنه السفهاء وأهل الفتنة.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية