صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح رسالة فضل علم السلف على الخلف 2

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

خالد بن سعود البليهد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


(وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علماً ولم ينفعهم علمهم. فهذا علم نافع في نفسه لكن صاحبه لم ينتفع به. قال تعالى (مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا). وقال (وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ). وقال تعالى (فَخَلَفَ مِن بَعدَهُم خَلفَ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأَدنى وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ أَلَم يُؤخَذ عَلَيهِم ميثاقُ الكِتابِ أَلّا يَقولوا عَلى اللَهِ إِلّا الحَقَّ وَدَرَسوا ما فيهِ وَالدارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذينَ يَتَّقون). الآية وقال (وَأَضَلَّهُ اللَهُ عَلى عِلمٍ). على تأويل من تأول الآية على علم عند من أضله الله).

لما ذكر المصنف فضل العلم النافع وشرفه كأن سائل سأل فقال ما بال قوم نالوا العلم ولم ينتفعوا به فأشار المصنف إلى دفع هذا الإيهام والإشكال وهذه طريقة حسنة في التأليف أن يبين المصنف ذلك ابتداء من غير سؤال. فكيف هؤلاء القوم لم ينتفعوا بالعلم مع كونه نافعا مباركا في نفسه والجواب أن هذا العلم لا شك أنه نافع ومبارك باعتبار أصله ويقتضي إصلاح القلب وتزكية النفس واستقامة الجوارح لكن الخلل جاء من قبل حملة العلم ولذلك لم ينتفعوا به والخلل يكون في جهتين:
1- فساد النية والقصد لغلبة الشبهات من شك ونفاق ورياء وحب شرف وغير ذلك من الأمراض الخفية.
2- فساد العمل والإتباع للشرع لغلبة الشهوات وهوى النفس وطلب الملذات المحرمة.

فهذا العالم الفاسد إما أن يكون طلب العلم لأجل الحصول على الجاه والرئاسة أو الكيد للإسلام وأهله ونصرة الباطل وأهله وهذا يرجع لسوء قصده. أو يكون طلبه ليتمكن من استباحة المحرمات وتسهيل الكبائر وفتنة عباد الله وهذا يرجع لسوء عمله ولذلك لم ينتفع به بل يحصل له أشد من ذلك أن يزيده هذا العلم ضلالا وإعراضا عن الحق لأنه مطلع على دقائقه وخفاياه فيستعين بذلك على المعاصي والعياذ بالله. ويكون هذا العلم وبالا وحجة عليه يوم القيامة وتعظم عقوبته عند الله لأنه لا يعذر كالجهال. وقد ذكر المصنف أربعة صور لعالم السوء ذكرت في القرآن: الأولى حال متأخري اليهود الذين عرفوا التوراة وعرفوا الحق ثم تركوا العمل بها فذمهم الله وشبههم بالحمير التي تحمل العلم فوق ظهورها ولا تعي منه شيء ولا تنتفع به وهذا من أعظم الحرمان وقلة التوفيق والله كثيرا ما يشبه الكفار بالبهائم ولذلك سمي اليهود بالمغضوب عليهم لأنهم استحقوا الغضب فخالفوا الحق عن علم به. والصورة الثانية: حال رجوع عالم ممن كان قبلنا من بني إسرائيل من الهدى إلى الضلالة يقال له بلعام بن باعوراء وكان عالما بالكتاب وأوتي اسم الله الأعظم مجاب الدعوة ثم أطاع الشيطان وصار عبدا لشهوات الدنيا لا يتورع عن المحرمات وسخر علمه في نصرة أعداء موسى عليه السلام وخذل موسى فحلت فيه عقوبة في ليلة فسلب علمه بالكلية وانسلخ من الدين والعياذ بالله وقد نبه الله أنه مستحق ما حل به من سلب الإيمان والعلم لفساد قصده وعمله. والصورة الثالثة: حال متأخري أهل الكتاب الذين ورثوا الإيمان والعلم ولكنهم أعرضوا عن اتباع الحق والعمل به فلم ينتفعوا به فصاروا كلما عرض لهم شيء من الدنيا أكلوه ولا يبالون أمن حلال هو أم من حرام فباعوا دينهم بعرض من الدنيا زائل وكتموا الحق مقابل المال ويسرفون على أنفسهم بالذنوب ويعدونها بالتوبة ويقولون سيغفر لنا فهؤلاء تمنوا على الله الأماني الكاذبة فأنكر الله عليهم وذكرهم بأنه أخذ عليهم الميثاق ببيان الحق والعمل به وعدم كتمه. والصورة الرابعة: فيمن آتاه الله علما واسعا في الدين وعرف أدلة الحق وميز الحلال عن الحرام ثم أضله الله بعد بلوغ العلم له لعلمه السابق بفساد قصده وعمله فلا يستحق أن يكون حاملا للعلم وليس أهلا لتبليغه. فهذه الصور الأربع التي ذكرها المصنف مثالا على من حمل العلم ولم ينتفع به لأنه لم يوافق محلا صالحا وقصدا صحيحا وعملا مستقيما. وقد أكثر السلف من التحذير من عالم السوء ومغبة زلته وخطرها على الأمة. قال
سفيان بن عيينة: (من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا كان فيه شبه من النصارى). وقال بعض السلف: (احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون). وقد ورد ذم شديد لهذا الصنف في السنة كما سيذكر المصنف شيئا منه في آخر الرسالة.

(وأما العلم الذي ذكره
الله تعالى على جهة الذم له. فقوله في السحر (وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ) وقوله (فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئون) وقوله تعالى (يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غافِلون)).

بعد أن فرغ من ذكر العلم النافع ذكر العلم الضار ويستدل عليه بوروده في القرآن في سياق الذم فكل ما ذكره الله ذاما له أثناء تحريم فعل معين أو التشنيع على طائفة من أعداء الرسل أو ذكر حال المكذبين للبعث واليوم الآخر أو غير ذلك من الأحوال المخالفة للحق فهو دليل على أن هذا العلم ضار في نفسه وأصله يؤتي ثمارا فاسدة يفضي إل الكفر والتكذيب أو يوقع المرء في غفلة عن الآخرة أو يؤدي العبد إلى الكبر والتعالي والإعراض عما جاءت به الرسل. وقد ذكر المصنف على هذا المعنى ثلاث آيات: الأولى في السحر وقد بين الله عز وجل فيها أن اليهود ومن تبعهم على ذلك يطلبون علم السحر المحرم في سائر الشرائع السماوية والسحر هو رقى وعزائم وتعويذات شيطانية تنفث على العقد فتؤثر على المسحور بإذن الله وهو حقيقة خلقه الله لحكمة والساحر لا يتمكن من فعل ذلك إلا إذا عبد الشيطان وكفر بالله وبين الله أن علم السحر ضار يفرق بين المرء وزوجه ويجمع بينهما ظلما وقهرا ويفسد بين الناس وله آثار سيئة ومفاسد متنوعة لا يحصيها القلم وبين الله أن هؤلاء الطالبين له على علم أن من باع دينه لشراء السحر لا يكون له يوم القيامة حظ ولا نصيب في الإسلام لكفره وفي هذه الآية دليل على تحريم طلب كل علم يفسد الدين ويضر بالخلق كالسحر والموسيقى والبدع وغيرها. وفي الآية الثانية بين الله حال الأمم المكذبة أنهم لما جاءهم الرسل بالحجج القاطعات والبراهين الساطعات على الإيمان والبعث أعرضوا وكذبوا مغترين بما معهم من العلم وقالوا لن نبعث ولن نعذب ففرحوا بالباطل الذي معهم وحملهم ذلك على التكذيب بما جاء به الرسل ففي هذه الآية دليل على تحريم العلم الذي يكسب صاحبه غرورا وإعراضا وتيها عن اتباع الحق ويحمله على التكذيب كعلم الفلسفة والمنطق اليوناني وغير ذلك من علوم الكلام. وفي الآية الثالثة يخبر الله تعالى عن سبب غفلة الكفار عن طلب الحق واتباعه ما هم عليه من علوم الدنيا وتوسعهم في معرفة طرق المعاش وأسباب التكسب مما أشغلهم عن طلب علم الآخرة ففي هذه الآية دليل على تحريم كل علم يشغل عن ذكر الله وعلم الآخرة ويجعل صاحبه في غفلة عما خلق من أجله والغالب على أهل علوم الدنيا الغفلة والإعراض عن طاعة الله وذكره إلا من عصمه الله وقد استدل أهل العلم بهذه الآية على أن العلم المحمود شرعا المرتب عليه الثواب هو علم الأنبياء الذي يوصل إلى الجنة ويكون سببا في رضا الله من علم الكتاب والسنة والوسيلة إليهما وأما علم الدنيا فلا يدخل في نصوص الفضل والثواب فلا تغتر بكلام الخلف الذين يلوون أعناق النصوص لتوافق أهوائهم وتصدق محدثاتهم.

واعلم أن العلم باعتبار الثواب والعقاب على أقسام ثلاثة:

الأول: علم يثاب تعلمه وتعليمه ويمدح فاعله وله منزلة في الدين وهو العلم الشرعي المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر). رواه البخاري. وكل ما ورد في النصوص من مدح وثناء فالمراد به العلم الشرعي.

الثاني: علم يحرم تعلمه وتعليمه وتعاطيه وهو كل علم ضار أو يفضي إلى تكذيب الشرع أو يشغل ويصد عن ذكر الله ونحو ذلك من المفاسد سواء نص الشرع على تحريمه أو كان داخلا في عموم الأدلة التي تنهى عن تعاطي العلوم الضارة كالسحر والتنجيم والكهانة والمعازف والكفر والبدع.

الثالث: علم لا يؤاخذ الإنسان في طلبه ولا يترتب على تعلمه ثواب ولا عقاب من حيث أصله وهو من الأعمال المباحة كعلوم الدنيا التجريبية والسلوكية وغيرها فإن اقترن به نية صالحة في الاستعانة به على إعلاء كلمة الله وخدمة المسلمين والقيام بمصالحهم كان عبادة باعتبار ما اقترن به من الإخلاص وأثيب على ذلك وإن استعان به على المعصية أو شغل عن طاعة الله كان محظورا من هذا الوجه وعوقب على ذلك كحال الكفار الذين كانت علومهم سببا في الإعراض عن عبادة الله والوقوع في الكفر والإيمان بالماديات دون الغيبيات.

 

 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية