اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/brigawi/61.htm?print_it=1

إليك أخي

جواهرَ الهداية

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
الجوهرة الحادية عشر
الزكام ولا الجذام ..


الأعراض والأمراض درجات ومراتب فمنها ما يشفى مباشرة ومنها يشفى بعد مدة ومنها ما هو عضال لا أمل فيه...
والسنة أن يتداوى الإنسان
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى فَقَالَ:
" تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ " أبو داود /3375/

وكما يمرض الإنسان تمرض المجتمعات..
وأمراض المجتمعات درجات كما هي أمراض الإنسان
منها مرض يحتاج إلى أدوية لشفائه
منها مرض يحتاج إلى صبر في تطبيبه
منها مرض يحتاج إلى عمل جراحي
منها مرض يحتاج إلى بتر
منها مرض عضال لا أمل فيه
منها مرض يحتاج إلى نقاهة وعزلة
و منها مرض يحتاج إلى معالجة فيزيائية وتدريب
و منها مرض يحتاج إلى معالجة فكرية وتأهيل

والنبي صلى الله عليه وسلم عالج أمراض مجتمعه بكل أنواع الأدوية فما من علة في المجتمع أو الأفراد إلا ولها علاج ودواء

فصبر على أبي سفيان صبراً كثيراً حتى أسلم وصبره هذا دام سنوات طويلة فقد أسلم أبو سفيان في فتح مكة كان ذلك في السنة الثامنة للهجرة وحسن إسلامه بعدما خاض كل حروب المشركين ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم

وداوى بأدوية عديدة كثيراً من الصحابة

رأى أنه لا أمل في عمه أبي لهب فهو مرض عضال فأوحى الله إليه أنه لا أمل فيه ولا في زوجته أروى بنت أبي سفيان وأنزل الله عليه قوله :
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ{3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ{4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ{5}

وأجرى عملية جراحية فاستأصل كعب بن الأشرف وبتر أبا جهل..
وحاور عدي بن حاتم الطائي محاورة فكرية حتى أسلم
وأحال خالدَ بن الوليد إلى منطق العقل، فقال له: "إنّي أرى لك عقلاً لا يدلُّك إلاَّ على الخير"
وحجر حجرا اجتماعيا كعبَ ابن مالك ورفيقيه خمسين يوما عندما تخلفا عن غزوة تبوك وهكذا...
فإنك ترى أن كل علة لها دواء

وبراعة الطبيب تكمن في نقطتين :
1 – معرفة وتشخيص الداء .
2- معرفة الدواء الذي يصادف الداء فيشفى بإذن الله تعالى

عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
" لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " مسلم/ 4084/

وهذا الحديث المبارك كما يشمل الأمراض العضوية فإنه أيضا يشمل الأمراض كلها بما فيها أمراض المجتمعات
في المجتمع المسلم مشاكل نتجت عن عدم معرفة هذه القاعدة البديهية

من هذه المشاكل :
1- عدم التشخيص الداء الاجتماعي بشكل صحيح .
2- عدم معرفة الدواء الصحيح .
3- عدم إنزال الدواء الصحيح في مكانه وقدر جرعاته .

وهذه المشاكل الثلاث تولِّد مشاكل أكبر منها كمن يطبب إنسانا من الزكام فأصابه بالجذام
ومن أراد أن يعالج مشكلة لا بد أن يحيط بها ويرجع إلى المراجع فيرى ويبحث عن الدواء الصحيح ثم ينزله بقدره وبوقته
إن هناك مرضا اسمه الملل عالجه الإسلام بأسلوب رائع
فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا "متفق عليه

فقد ترى أناسا لا يأبهون لهذا الأمر فيجلسون ليحدثوا الناس وإذا بهم قد أوقعوهم في الضجر والملل والسآمة والكلل فبدلا من جني الفائدة نجني نفورا وإعراضا

وقد ترى إنسانا أجهد نفسه ليؤدبها فإذا به يتعدى على حقوق نفسه وأهله فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قُلْتُ فُلَانَةُ لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا فَقَالَ : " مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا" متفق عليه

فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
"إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ " متفق عليه

والخطأ كل الخطأ أن يُنزل دواء مكان دواء
فإن أراد الإنسان أن يعالج شيئاً فلا بد أن يُصيب الدواء ذلك الداء..

إن من لا يعرف الأمراض والأعراض ولا يعرف الدواء ولا العلاج ولا يفقه تشخيص الأمراض فإنه ينْزل دواءً مكان دواء وهو يظنّ نفسه قد طبّب المريض أو داوى السقيم، وهو في جقيقته قد زاد المشكلة وعقّد المعضلة.

وقديماً قالوا في المثل العربي: " أراد أن يطب زكاماً فيحدث به جذاماً" لا يعرف الفرق من الزكام والجذام..

ولا يعرف أن ينزل الدواء مكان الدواء
فإذا به قد ضخم المشكلة وهي بسيطة وعقد القضية وهي سهلة ولربما أضاف إليها أو حذف منها أو ابتعد عنها كليا .

" لكل أمر حقيقة ولكل حقيقة حدود ومقادير وكل إدراك أو تعبير عنه يهدف إلى إصابة الحقيقة ولو ادعاءً له أحد الوجوه التالية :
1- أن يطابقها مطابقة كاملة وذلك تمام الحق
2- أن يزيد عليها من غيرها وذلك تجاوز وغلو
3- أن ينقص منها وذلك تقصير وقصور
4- أن ينحرف عن مطابقتها وذلك تجاوز وغلو
5- أن يخرج عن حدود الحقيقة كليا وهو إدراك باطل "
بصائر للمسلم المعاصر د. عبد الرحمن حبنكة ص33

من الناس من يرى عيباً في إنسان فيحمل عليه حملة لا هوادة فيها حتى ينعتق ذلك الإنسان من كل الأخلاق ويجاهر بعيبه بعد أن كان متستراً به..
ومن الناس من يرى فتاة قد ابتعدت قليلاً عن الالتزام، فينهال عليها بأوصاف الفسق والضلال، فينعكس ذلك سلباً عليها.
ومن أشدّ وأخطر الأمور إطلاق لفظ التكفير على مسلم من المسلمين ولو كان عاصياً، فإنّا نرضى منه أن يكون عاصياً على أن يكون كافراً.

 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية