صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







إليك أخي

جواهرَ الهداية

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
الجوهرة السادسة عشرة
فرائض مهملة ...


القرآن يتكلَّم عن الفرائض والواجبات بنفس القوَّة لأنّه كلام الله..
فقوَّة {أقيمو الصلاة} كقوَّة {وآتو الزكاة} وكقوَّة {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}...
لكن هناك فرائض وواجبات قد تفتَّحت عيون المسلمين عليها ووعتها قلوبها وخضعت لها أجسامهم كالصلاة والزكاة والحج والصيام...
لكن هناك كثير من الأوامر الربانيَّة التي تحمل معنى الفرض في القرآن الكريم قد أهملها المسلمون ولم تتفتَّح أعينهم ولا ضمائرهم عليها فرموها وراء ظهورهم وأبعدوها عن ساحة تفكيرهم فإذا بهم قد ابتعدوا عن الكثير الكثير من الأوامر الربانيَّة والتوجيهات النبويَّة.
وحتى يهتمَّ المسلمون بهذه الفرائض المهملة وحتى تستيقظ في نفوسهم وضمائرهم لا بد أن يعي المسلمون أنَّ الفرائض كلّها بنفس القوّة لأن مصدرها واحد وهو كتاب الله سبحانه وتعالى.

ومن هذه الفرائض المهملة في أعين المسلمين وضمائرهم:

1- تدبّر القرآن الكريم:
عبادة عظيمة، وفريضة تكاد تكون مهملة عند الأعم الأغلب من المسلمين والله سبحانه يقول:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } (النساء82) {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (محمد24) {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } (ص/29) فهذه العبادة العظيمة والفريضة القديمة.. نكاد لا تراها إلا عند النَّزر اليسير من المسلمين..
إن تدبُّر القرآن العظيم يعطيك فهماً عميقاً وفكراً واسعاً ورويَّة وصبراً والتزاماً، وينشر في قلبك نور الحقِّ المبين، كما أنه يعطيك حلولاً لكثير من المشكلات الموجودة في حياتك

فحاول كلَّما قرأت صفحة من كتاب الله أن تعيد النظر فيها مرَّة ثانية وثالثة...
"إدامة التأمُّل والتدبُّر هما من أهمِّ ما يفتح على الإنسان من أسرار ويهديه إلى معان جديدة " (د. فاضل السامرائي على طريق التفسير البياني ص13 ) "فأدم التدبُّر والتفكُّر ولا تملَّ من ذلك وافعل ذلك مرّة أو مرتين وثلاثاً وأربعاً وعشراً وعاود فإنه سيفتح الله عليك ويبصرك ما لم تكن تبصره " ( المرجع السابق) قف عند بعض الفقرات فيها، وانظر ماذا يطلب الله منك، ماذا يريد منك, كيف يرسم الله لك المستقبل الأفضل، كيف يحلّ لك المشاكلات المتنوِّعة، كيف يعطيك التجارب التاريخية المتنوِّعة الناجحة منها والفاشلة.
إنك إن فعلت ذلك شعرت بقربٍ من الله وأنسٍ به ووجدت شريدك في تدبّر هذا الكتاب العظيم وشعرت بشوق دائم لهذا الكتاب العظيم....
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } (الأنعام38)

2- غضُّ البصر :
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} النور30 غضُّ البصر.. فريضة... وقد تكون هذه الفريضة مهملة وبعيدة عن دائرة الفرائض التي افترضها الإسلام عند بعض المسلمين... هي فريضة ككلّ الفرائض الأخرى.. لأنها ببساطة كلام الله..
وكلام الله له نفس القوّة.. لأن مصدره هو الخالق سبحانه وتعالى..
القلب.. هو محطُّ نظر الخالق سبحانه وتعالى...
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" (مسلم/ 4651/)... والنظر والسمع مدخلان من مداخل القلب...
لكن الله طلب من المسلمين في السماع أن يستمعوا لكلّ القول ثم يختاروا الأفضل...
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (الزمر18) فالله سبحانه أمَرَ المسلم أن يستمع ويستمع لكلّ قول ثم بعد ذلك يختار الأفضل..
أمّا في البصر فإن الله أمر المؤمنين والمؤمنات بغضِّ البصر وعدم تقليبه فيما حرَّم الله...
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.. } (النور) والسبب في ذلك أن الصورة لها انطباع كبير في النفس والقلب تدفعه إلى تكرار النظر وتؤثِّر في صاحبها بغير إرادة إذا انطبعت في ذهنه. فإذا أغمض عينيه عادت هذه الصورة إلى مخيّلته يحاول دفعها ولا يستطيع ويحاول أن يزيلها من مخيلته فلا يستطيع فتؤثِّر في حياته فتراه شارداً يتذكّرها في لحظات ضعفه وقوّته..
حتى إنّ الله جلَّ وعلا أشار إلى موضوع البصر وخطورته حتى في القليل منه عندما قال {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } (غافر19) وهذا الانطباع لا يمحوه إلاَّ الاستغفار والتوبة والتبتُّل والإنابة..
فحتى لا يقع المسلم تحت تأثير هذا الانطباع الذهنيّ، وحتى لا يكون له الأثر السلبيّ في حياته فإن الله سبحانه وتعالى جعل للمسلمين علاجاً وقائيّاً وكما يقال في المثل " درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج" وهذا العلاج الوقائيّ هو غضُّ البصر.
لقد قَلَبَتْ نظرةٌ واحدة حياةَ كثيرٍ من الناس فتسرَّبت إلى قلبه رياح الشهوة ونفذت إليه السهام المسمومة فاقتلعته مما كان فيه من سعادة وأمانة وطمأنينة لمَّا فتح لها باب البصر وأصابته السهام فأدمت قلبه وأفقدته تركيزه وأزالت رزانته فهو شارد وإن جلس وحيداً يستحضر نظراته السابقات ويتلذَّذ باستذكارهنّ.
إن الذين يغضُّون أبصارهم يعيشون لذّة في قلوبهم ما بعدها لذّة لأن الله سبحانه قد وعد من ترك شيئاً له سبحانه بأن يعوَّضُ بأحسن منه.

3- كونوا مع الصادقين:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة119) فُرِض على كلّ مسلم أن يكون مع الصادقين فهذا أمر من الله سبحانه وتعالى.. ولكنْ هل كلّ المسلمين يعيشون حياتهم ويكونون فيها مع الصادقين إننا لا بدّ لنا أن نحيي في نفوسنا هذه الفريضة المهمّة في حياتنا...
إن الكلام عن الأخوّة الصادقة وعن التزام المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين في هذه الحياة ليس ترفاً إيمانياً بل إنّه ضرورة حتميَّة لحياة ملؤها الصدق والمحبة والإيمان والعمل والبناء. والأحاديث والآيات كثيرة في هذا المجال.. فمن الآيات قوله تعالى {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً } (الفرقان28) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» (الترمذي) وعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» (الترمذي وقال حديث حسن) إنّ أمر الله سبحانه وتعالى وتوجيه النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نكون من الصادقين فرض من الفرائض النائمة ولو أحياها المسلمون لنبذوا في حياتهم كلّ مخادع وكلّ كاذب فهي وسيلة من وسائل حفظ إيمان الفرد وحفظ إيمان المجتمع وهو من حرص الإسلام حتى يميّز المؤمن من المنافق.
فكم نحن بحاجة إلى إحياء هذه الفريضة في أنفسنا في مجتمعنا.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية