اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/brigawi/74.htm?print_it=1

إليك أخي

جواهرَ الهداية

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
الجوهرة الثانية والعشرون
لا للتقزُّم
 

ليس في الإسلام أقزام...
ومن يريد أن يكون قزماً فليتقزّم بعيداً عن الإسلام...
ما أنشأ الإسلامُ إلاّ عمالقةً وما ربَّى رسولُ الله إلا أفذاذاً...
فأبو بكر عملاقٌ في الحقّ..
وعمر عملاقٌ في العدل..
وعثمان عملاق في الحياء..
وعليٌّ عملاقٌ في القضاء..
وأُبيّ عملاقٌ في القرآن..
وزيدٌ عملاقٌ في الفرائض..
وأبو عبيدة عملاقٌ في الأمانة..
وابن عبّاس عملاقٌ في العلم..
وحذيفة عملاق في كتمان السرِّ..
وعبد الرحمن بن عوف عملاق في الإنفاق..
وحمزة أسد الله ...وخالد سيف الله... وثابت بن قيس خطيب رسول الله... وحسان شاعر رسول الله... ومصعب فاتح المدينة بالدعوة إلى الله... ومعاذ سفير رسول الله إلى اليمن... والحسن والحسين ريحانتا رسول الله... وسلمان منقذ المدينة بفكرة حفر الخندق....
وخديجة الحضن الدافئ لرسول الله... وأسماء ذات النطاقين... وفاطمة أمّ الحسنين...رضي الله عنهم جميعاً .... وهكذا.. فأنت ترى الصحابة كلّهم عمالقة.. لأنّ الإسلام لا يرضى من المسلم أن يكون قزماً..

إنّ الإنسان جاهل بِطاقَتِه.. جاهل بقدراته، فلو استعان بالله واستخدم جزءاً من هذه القدرات والطاقات لأحدث الله على يديه المعجزات ولكان عملاقاً من عمالقة الإسلام:
]إنَّا عرضْنا الأمانةَ على السَّمواتِ والأرِضِ والجبالِ فأبَيْنَ أنْ يحمِلْنَها وأشفقْنَ منها وحملها الإنسانُ إنَّه كانَ ظلوماً جَهولاً[ (الأحزاب72)
إنّه كان ظلوماً لأنه لم يعرف أن هذه التكاليف الشرعية التي هي أمانة في عنقه، لم يعرف أنَّ فيها حياة له ولذرّيّته ولأرضه :
]يا أيُّها الَّذينَ آمنوا اسْتجيبوا لله وللرّسولِ إذا دعاكُمْ لِما يُحييكُمْ[ ( الأنفال24)
أي: لما يصلحكم.

وإنّه كان جهولاً لأنه جهل نفسه وقدراته التي أعطاه الله تعالى إيّاها لكي يحمل هذه الأمانة بحقّها ويعمر الأرض بما يحقّق الفائدة لأمّته ولمجتمعه.
لقد شاعت بين المسلمين فكرة التقزّم.. فالمسلم لا يقدر على شيء فهو قزم من الأقزام وشارد مشرّد على هامش الوجود، إنْ تحرَّك لا يشعر به أحد، وإن زمجر ما أسمع إلاَّ نفسه... ليس بقادرٍ أن يصنع شيئاً أو يغيّر شيئاً.. فتقزّمت الرجال وترهّلت الأفكار وقُتلت الأزهار وصار الشباب شيوخاً قبل الأوان..
فهذا شابٌّ حائرٌ عائر لا يفجّر طاقته ولا يعرف هدفه فلا تراه إلاَّ شارداً ساهياً لاهياً عابثاً لاهثاً وراء الشهوات، مغترّاً ببريق وزيف الحياة، هدفه في الحياة حرق الحياة، وهدفه في الوقت إضاعة الوقت حتى أصبح العبث هو الهدف، واللهو هو المقصد.

وهذا شيخٌ يعدُّ أيّامه عدّاً، ويهدُّ ما بقي من عمره هدّاً ، ينتظر قطار الموت أمام باب بيته أو على مقاعد المقاهي أو أماكن اللهو أو على شاشات التلفاز، هدفه أن يقطع الوقت ليرحل واهتمامه كيف يستنفذ ما بقي من حياته في لهو أو تسلية حتى صارت هدفاً ورُفعت شعاراً. يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً إن طال الليل فبحديث لا ينفع وإن طال اليوم فبالنوم وهم في أطراف النهار على أطراف دجلة أو في الأسواق).
(لقد شاهدت خلقاً كثيراً لا يعرفون معنى الحياة؛ فمنهم من أغناه الله عن الكسب بكثرة ماله، فهو يقعد بالسوق أكثر النهار، ينظر على الناس، وكم تمرّ به من آفة ومنكر. ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج؛ ومنهم من يقطع الزمان بحكاية الحوادث عن السلاطين والغلاء والرخص إلى غير ذلك) (الفرصة الذهبية د عبد الكريم بكار ص 36)

لقد تقزَّمنا تقزُّماً شديداً..حتى خارت القوى وحتى دخلت فكرة التقزُّم إلى المورثات وأصبحنا نورثها لأولادنا حتى خرج أولادنا أقزاماً فنحن لا نربي أولادنا على أن يكونوا عمالقة في الإسلام وكما قال النبيّ عليه السلام عن الحسن رضي الله عنه " ابنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَن يُصلِحَ بِهِ بَينَ فِئَتَينِ مِن المُسْلِمِينَ "( البخاري)
إنّ ابني هذا سيّد... ربَّاه على أنّ له دوراً كبيراً قادماً في الإسلام وربّاه أن يكون عملاقاً وهو ما زال صغيرا.ً
لا بدّ من التميُّز في علمٍ من العلوم، أو صفة من الصفات.. فالباحث العلميُّ والطبيب الخبير والخطيب المصقع كلُّها حبالٌ ممدودة لتخرج الإنسان من تقزُّمه هذا..
فأنت كبيرٌ بالإسلام... وأنت قزم إذا ابتعدت عن الإسلام وخدمته..

إذا لم تزد على الدهر شيئاً فأنت زائدٌ عليه..
أين قدرتك وأين جهدك؟!..
حاول أن تكبر بالإسلام, فإن كنت تاجراً فكن عملاقاً في التجارة حتى يفخر الإسلام بك.
وإن كنت طبيباً فكن عملاقاً في الطبِّ حتى يفخر الإسلام بك.
وإن كنت عاملاً فكن عملاقاً في عملك حتى يفخر الإسلام بك.
بعض الشباب تراه شيخاً كبيراً هرماً قد هدَّه العجز والكسل وتسلَّطت عليه أمراضٌ لا تتسلَّط إلاَّ على الذين يئِسوا من الحياة فهو لا يفعل شيئاً ولا يحاول أن يفعل شيئاً فهو شابٌّ في نَفس عجوز هرم.

وبعض الشيوخ تراه ذا جسد هرم، لكن روحه روح الشباب، قد أفرغ على قلبه الأمل في أن يصنع شيئاً للإسلام؛ ولو كان ذلك الشيء يسيراً كأن ينظّف أمام بيته أو حتى أن يزرع شجرةً أمام دكانه فعن أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِن قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُم فَسِيلَةٌ فَإِن اسْتَطَاعَ أَن لا تقُومَ حَتَّى يَغرِسَهَا فَلْيَفعَلْ » (أحمد)
إنَّ الشباب هو طاقة حيويّة لا يشترط له سنّ ولا عمر ولكن يشترط له الهمّة العليّة والهدف السامي فمن تحقّقت فيه هاتان الخصلتان كان شابّاً في ريعان شبابه ولو تجاوز من العمر عتيّاً.
إنَّ التقزُّم مرض نفسيٌّ يتسرَّب إلى نفس الشابّ فيجعله شيخاً هرماً غير قادرٍ على فعل شيء وكم كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُرشد إلى عدم تسرُّب التقزُّم إلى نفس الإنسان...
فعن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ العَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالجُبْنِ وَالهَرَمِ وَالبُخْلِ وأَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ الْقَبرِ وَمِن فِتْنَةِ المَحيَا وَالمَمَاتِ » ( مسلم )

قال الإمام النوويّ رحمه الله تعالى في شرح الحديث:
" وأما ( العجز ):..قيل: هو ترك ما يجب فعله، والتسويف به، وكلاهما تستحبُّ الإعاذة منه..... وأمَّا استعاذته صلّى الله عليه وسلّم من الجبن والبخل، فلِمَا فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى، وإزالة المنكر، والإغلاظ على العصاة، ولأنّه بشجاعة النفس وقوّتها المعتدلة تتمًّ العبادات، ويقوم بنصر المظلوم والجهاد، وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال، وينبعث للإنفاق والجود ولمكارم الأخلاق، ويمتنع من الطمع فيما ليس له". فهذه كلّها أمراض تؤدِّي إلى أن يكون الإنسان قزماً.

ولذلك كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلم يتعوَّذ منها ويعلّمنا أن نتعوَّذ منها حتى لا نصبح أقزاماً وحتى لا تهرم هذه الأمة فتقعد عن استرداد حقوقها وأداء واجباتها.

 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية