اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/brigawi/79.htm?print_it=1

حلاوة وصعوبة الاختيار

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
حلم كل شاب فتاةٌ تملك عليه لبّه وتغذي له فضوله وتروي له ظمأه ويسكن إليها جسدُه ، تشاركه همومَه وغمومه وتسانده في ألامه وتحلق معه في أحلامه.
وحلم كل فتاة شابٌ يملأ عليها وجدانها وكيانها، تستند إليه إن جار الزمان وتتفاخر به إن جادت الأيام، و أن يكون منه الولد فيتم الله لها نعمة الأمومة.
ولقد عبر القرآن الكريم عن الحاجة الماسَّة لكلا الطرفين بأن وصف كل واحد منهما أنَّه غطاء ولباس للآخر:
{أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفثُ إِلَى نِسَآئِكُم هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُم وَأَنتُم لِبَاسٌ لَّهُنَّ..... } (البقرة187)
وهذا الاحتياج احتياج جميل يشعر به الطرفان , فيشعرون بحلاوته ويتعرضون له كثيراً و يتداولونه في سهراتهم ويتناولونه وكأنّه فاكهة من فواكه الحديث التي لا تملّ.
ومع هذه الحلاوة لقصة الزواج وهذا الجمال الذي يدثرها فإنَّ الإنسان ما إن يصل إلى اتخاذ القرار في اختيار شريكه فإنّه يجد في ذلك صعوبة كبيرة و مشقة بالغة وأسئلة كثير,.
فيسأل الشاب نفسه أسئلة كثيرة...
هل هذه هي الفتاة التي ستملأ بيتي سعادةً وهناء وحباً وصفاء ؟
أم هي كباقي النساء اللواتي لا يعرفن أصول الحياة الزوجية ودقائقها، وهل أحسنت الاختيار في اتخاذ القرار أم أنني جانبت الصواب ؟.
وتسأل الفتاة نفسها أسئلة كثيرة ...
هل هذا هو فارس الأحلام الذي أنتظر؟ وهل هو الركن الشديد الذي آوي إليه؟ وهل هو عماد البيت السعيد والعيش الرغيد؟
أم هو كباقي الرجال يريد زوجة فحسب ولا يلتفت إلى شعور زوجته ولا إلى اهتماماتها فهو لم يقرأ ولو مرة واحدة كيف تبنى الأسرة و كيف تشاد المودة بين الزوجين .
وتتوارد الأسئلة على الطرفين من أنفسهما تارة ومن الأطراف المحيطة تارة حتى إنَّ بعض النّاس يحبون أن ينهوا فترة الخطبة بالسرعة الكلية من كثرة التدخلات والاقتراحات والتعريضات.
والإسلام حدد الحد الأدنى من الصفات التي ينبغي أن يتصف بها كلا الزوجين من خلال كثير من الأحاديث والآيات.

1- الحد الأدنى من الصفات المقبولة في الزوج:

• الرجل الصالح:قال تعالى:
{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(النور32)
قال القرطبي الصلاح في هذه الآية هو الإيمان.
• الدين والخلق:
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِذَا خَطَبَ إِلَيكُم مَن تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ " (الترمذي)
ومعنى الدين في الحديث: ديانة الرجل أي تمسكه بأمور دينه.
وخلقه: أي معاشرته.
وفي هذا الحديث لطيفة مهمة وهي أنَّه صلى الله عليه وسلم قرن بين الدين والخلق لأنَّ بعض الناس من أولياء الفتاة ينظرون غالباً بعين واحدة هي عين الدين أو عين الخلق ولا بد من اجتماعهما حتى يحقق الرجل الحد الأدنى من الصفات المقبولة للزواج، لأنَّ الدين بلا خلق كالجسد العاري والخلق بلا دين كالجسد الأجوف.

النظرة العوراء:

إنَّ خطأ كثير من الآباء هو النظرة العوراء لمن أراد أن يخطب ابنتهم فينظرون إلى تمسكه بدينه دون النظر إلى معاملته وقد ينبهرون بدماثته ولسانه المعسول دون النظر إلى دينه فإذا به بعد ذلك يعضُّ أصابعه ندامة.
• الباءة:
فعَن عَبدِ اللَّهِ بن مسعود قالَ: قالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ مَن استَطَاعَ مِنكُم البَاءَةَ فَليَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلفَرْجِ وَمَن لَم يَستَطِعْ فعلَيهِ بِالصَّومِ فإِنَّهُ لهُ وِجَاءٌ " (متفق عليه)
ومعنى الباءة: القدرة على النكاح والقدرة على مؤنة النكاح ويدخل ضمن الباءة أن يكون له كسب أو أنّه قادر على الكسب فمن ليس قادراً على النكاح ولا على مؤنته وغير قادر على الكسب أو ليس له كسب أصلاً فإنّه لا يتحقق فيه الحد الأدنى من الصفات المقبولة التي حددها الإسلام للشاب القدم على الزواج.
• السلامة من العيوب المنفرة والأمراض المخيفة والمعدية:
يتكلم الفقهاء عادة عن حق الزوجين في أن يطلب الواحد منهما الطلاق إذا ثبت أنّ شريكه قد أصيب بمرض مزمن أو عيب منفر
" مذهب الجمهور على أنّه يحق لكل واحد من الزوجين طلب التفريق لعيب يجده في الآخر مع اختلاف فيما بينهما في تعداد العيوب " (الأحوال الشخصية عبد الرحمن الصابوني الطلاق ص69)
وعلى هذا فإنّ أحد الخاطِبَين إذا وجد أو اكتشف في الطرف الآخر شيئاً من العيوب المنفرة أو الأمراض المعدية فإنّ الإسلام يوجهه إلى عدم الإقدام على الزواج وإنّ إقدامه على الزواج هو دلالة على الرضا "إذا علمت الزوجة بِعلَّة زوجها قبل العقد أو رضيت بها بمجرد علمها بعد العقد فإنّ الرضا يعتبر إسقاطاً لحقها في طلب التفريق " (المرجع السابق )
ومن الملاحظ أنَّ الفقر وقلة ذات اليد لا تدخل في الحدود الدنيا لصفات المقدمين على الزواج باستثناء ما ذكر من الباءة وذلك للأسباب التالية:
• أنّ مسألة الرزق بيد الله سبحانه وتعالى.
• أنّ الزواج سبب للرزق والدليل قوله تعالى:
{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (النور32)
ولحديث الترمذي عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثَةٌ حقٌّ علَى اللَّهِ عَونهُمْ المُجَاهدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يرِيدُ الأَداءَ والنَّاكِحُ الذِي يُرِيدُ العَفَافَ " ( قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ )

2- الحد الأدنى من الصفات المقبولة في الزوجة:

• الصلاح: أي الإيمان.
• الدين: وهو مقدار تمسكها بدينها.
فعَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تُنكَحُ المَرْأَةُ لأَربَعٍ لِمالِهَا ولِحَسبِهَا وجَمالِهَا ولِدِينهَا فاظفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ترِبَتْ يَدَاكَ " (متفق عليه واللفظ للبخاري وفي رواية مسلم ولجمالها )
فهمٌ خاطئ:
يفهم بعض المسلمين من هذا الحديث أنَّ المسلم ما ينبغي له أن يبحث عن الجميلة أو ذات الحسب أو ذات المال وهذا فهم خاطئ تداركه ابن حجر رحمه الله تعالى بأنَّ المعنى أنَّه لو تعارضت الصفات مع بعضها فإنَّه ينبغي أن تُقدّم ذات الدين , وأمّا إذا لم تتعارض فيستحب الجمع بين هذه الصفات, قال في فتح الباري وهو يشرح هذا الحديث:
" ويؤخذ منه أنَّ الشريف النّسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلاَّ إن تعارض نسيبة غير ديِّنة وغير نسيبة ديِّنة فتقدَّم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات.......قوله: (وجمالها) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلاّ إن تعارض الجميلة الغير ديِّنة والغير جميلة الديِّنة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى "
• السلامة من العيوب المنفرة والأمراض المخيفة والمعدية: انظر (ص19)

إضاءة : إنّ إجراء الفحوص الطبية التي تُجرى قبل عقد الزواج ليست مسألة شكلية أو روتينية بل هي مسألة من صميم فقه الأسرة المسلمة التي تكشف أمام الزوجين المعالم الصحيحة لأسرة سعيدة .

إلقاء الحمل الثقيل:

ومع كل ذلك يبقى القرار صعباً وغالباً ما ترى المتزوجين وأهليهم يرغبون بمن يحمل عنهم قرار الإحجام أو الإقدام ونتيجة لذلك يقعون فريسة سهلة بأيدي الدجالين والمشعوذين وقارئي الأكف والأبراج وهذا مما لا يرضاه الشرع حتى إذا حدث خلل ما حملوا من صلى لهم صلاة الاستخارة أو من نصحهم بالزواج المسؤولية.
والحقيقة أنّ الطرفان يريدان من يرجح لهما قرارهما والدليل على ذلك لو أنّ الطرفان اقتنعا ببعضهما ثم جاء من يقول لهما إنَّ صلاة الاستخارة تمنعكما من الإقدام على الزواج لما رأيت أحداً يأبه لذلك بل إنِّه يقول إنَّ صلاة الاستخارة لم يتحقق مقصدها...
إنَّ صلاة الاستخارة هي المرحلة النهائية في قرار الاختيار والمرحلة الأولى في قرار الإقدام على الزواج وذلك بعد السؤال والتمحيص ومقارنة الايجابيات بالسلبيات، ومن الضروري أن نؤكد أنَّ صلاة الاستخارة عبادة شخصية وأنِّه لا علاقة لها بالرؤى (محاولات في الفهم للمؤلف الذي سيصدر قريبا إن شاء الله تعالى)

ارتقاء الصفات:
هذه هي الحدود الدنيا التي وضعها الإسلام للمقدمين على الزواج وهو بذلك عبَّد الأرضية ووضع لبنات الاتفاق الأولى التي يمكن لكلا الزوجين أن يسيرا عليها ويحققا انسجاماً فيما بينهما.
ولكن الإسلام ترك الباب مفتوحاً أمام الطرفين لاختيار ما يناسبهما ويحلو لهما من صفات راقية وميزات سامية في الشاب أو الفتاة وهذا من حرية الحركة التي تركها الإسلام في سلم تطور المجتمعات،كأن تحب الفتاة بأن يكون زوجها متعلماً أو تاجراً أو غير ذلك وهذا ليس عيباً " فلا بأس في أن تفضل الفتاة مهنة على أخرى ولكن بشرط ألاّ تعتقد أنّ مهنته ستكون سبب سعادتها أو رخاء عيشها, فالحياة حافلة بمئات الزيجات التي أخفقت بسبب مهنة الزوج رغم أنَّ المهنة كانت مما تتمناه الفتاة في زواجها " (همسة في أذن فتاة د. حسان شمسي باشا ص148)
وكأن يحب الشاب في الفتاة كونها متعلمة أو تملك حرفة شريفة
(كالخياطة مثلاً) , والإسلام فتح الباب لذلك شريطة أن لا يتعارض مع الصفات الأساسية قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق"

ومن هذه الصفات:

• أن تكون متعلمة .
• أن تكون صاحبة مهنة شريفة (كالخياطة مثلا ).
• أن تكون محبة للصمت أكثر من الكلام.
• أن تكون ذات قدرة عالية على إدارة شؤون البيت
• أن تكون ابنة رجل معروف في المجتمع ....

دنو الصفات:

وقد يُغرَّر بالفتاة كما قد يُغرَّر بالشاب في بعض الصفات التي تشكل الحد الأدنى من الصفات المقبولة، وليس هذا معناه هو عدم المضي قدما في إتمام الزواج ولكن دنو هذه الصفات قد يثمر مشاكلَ بدلا من السعادة وتعباً بدلاً من الراحة فلا بد من تلافي هذه الصفات شيئا فشيئا من قبل الزوجين .


إضاءة:
الفرق بيِّنٌ وشاسعٌ بين المتمسك بدينه وبين المتزمت.

 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية