صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خوارم المروءة

م. عبد اللطيف البريجاوي


المروءة صفة مهمّة من الصفات المكمّلة لشخصيّة المسلم الحقّ, وهي وإن اختلفت من زمن إلى آخر ومن مكان إلى آخر إلاّ أن لها سمة عامّة وهي المحافظة على رجوليّة المسلم ودينه وهيبته.
قال في لسان العرب:\" المُرُوءَة كَمالُ الرُّجُوليَّة, والمُرُوءَة: الإِنسانية، وقيل للأَحْنَفِ: ما المُرُوءَةُ؟ فقال: العِفَّةُ والحِرْفةُ. وسئل آخَرُ عن المُروءَة، فقال: المُرُوءَة أَن لا تفعل في السِّرِّ أَمراً وأَنت تَسْتَحْيِي أَن تَفْعَلَهُ جَهْراً.\".(لسان العرب باب الميم).
قال القرطبي:\" وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك، والعادة متباينة فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو غير مذهب الحضر، خصوصاً إذا كانت الحالة حالة ضرورة.\".(القرطبي القصص23).
واختلف العلماء في تعريف المروءة تبعاًَ للأزمنة والأمكنة والأشخاص, وأحسن ما قيل في تفسير المروءة أنها:\"تَخَلُّق المرء بخلق أمثاله من أبناء عصره ممّن يراعي مناهج الشرع وآدابه في زمانه ومكانه؛ لأنّ الأمور العرفيّة قلّما تنضبط، بل تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والبلدان، وهذا بخلاف العدالة، فإنّها لا تختلف باختلاف الأشخاص، فإنّ الفسق يستوي فيه الشريف والوضيع بخلاف المروءة فإنّها تختلف. وقيل: المروءة التحرّز عمّا يسخر منه ويضحك به، وقيل: هي أن يصون نفسه عن الأدناس، ولا يشينها عند الناس، وقيل: المروءة إنصاف مَنْ دونك، والسموّ إلـى مَنْ فوقك، والجزاء عمّا أوتي إليك من خير أو شرّ وقيل غير ذلك.

خوارم المروءة:

ونذكر هنا بعض خوارم المروءة (العيب) منقولاً عن علماء الأمة:

- من خوارم المروءة أن يباعد الإنسان بين فترات الاستحمام حتى يتدرّن ثوبه وتفوح الرائحة الكريهة منه, ويتجنّب الناس مجالسته لهذا السبب قال القرطبيّ:\" النظافة وهي مُروءة آدمية ووظيفة شرعية \".(القرطبي سورة براءة 106).

- من خوارم المروءة أن يأكل الإنسان السحت (المال الحرام) قال القرطبيّ: \"سُمي الحرام سُحْتاً لأنّه يَسحَت مروءة الإنسان.\".(القرطبي المائدة 42).

- من خوارم المروءة الوقوع في الشبهات كالجلوس مع النساء الأجنبيّات في الأماكن العامة ودخول الأماكن التي فيها انتهاك حرمات الله ولو لم يكن هو كذلك قال ابن حجر في الفتح: (فمن اتّقى المشبهات)؛ أي: حذر منها، قوله: (استبرأ) بالهمز بوزن استفعل من البراءة، أي: برأ دينه من النقص وعرضه من الطعن فيه، لأنّ من لم يُعرف باجتناب الشبهات لم يسلم لقول من يطعن فيه، وفيه دليل على أنّ من لم يتوقّ الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه، وفي هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة\". (فتح الباري كتاب الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه).

- من خوارم المروءة أن ينتف المرء شعر إبطه أمام الناس قال النوويّ:\" يتخير بين أن يقصّ شاربه بنفسه أو يولي ذلك غيره لحصول المقصود من غير هتك مروءة بخلاف الإبط، ولا ارتكاب حرمة بخلاف العانة، قلت: محلّ ذلك حيث لا ضرورة \".(فتح الباري كتاب اللباس باب قص الشارب).

- من خوارم المروءة كثرة المزاح والجلوس في الطرقات لرؤية النساء قال ابن حجر في الفتح::\" كثرة المزاح واللهو وفحش القول، والجلوس في الأسواق لرؤية من يمرّ من النساء من خوارم المروءة \".(فتح الباري كتاب الاستئذان باب من لم يسلم على من اقترف ذنباً).

- من خوارم المروءة مخالفة لباس أهل بلدته والتفنّن في الغرابة في اللباس قال في الفتح وهو يتكلم عن لبس الثوب الأحمر: \" وقال الطبريّ: الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعاً بالحمرة, ولا لبس الأحمر مطلقاً ظاهراً فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا فإنّ مراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثماً، وفي مخالفة الزيّ ضرب من الشهرة، والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه زيّ النساء فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء, فيكون النّهي عنه لا لذاته، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمنع حيث يقع ذلك. (فتح الباري كتاب اللباس باب الثوب الأحمر).

- من خوارم المروءة أن لا يأكل مما يليه و يأكل من جوانب القصعة أو وسطها, قال النوويّ رحمه الله تعالى:\"من السنّة الأكل مما يليه لأنّ أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة فقد يتقذّره صاحبه لا سيما في الأمراق وشبهها \".(النووي كتاب الأشربة باب آداب الطعام).

- من خوارم المروءة منع إعارة الماعون وشبهها إن لم يكن في المنع ضرورة \" إنما يكون المنع قبيحاً في المروءة في غير حال الضرورة. والله أعلم.(القرطبي الماعون 1).

- من خوارم المروءة أن يتحدّث الرجل عن علاقته الجنسية بينه وبين زوجته بلا ضرورة. قال النووي:\" تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمر الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك, وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه. فأمّا مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنّه خلاف المروءة، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: \"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت\". (النووي كتاب النكاح باب تحريم إفشاء المرأة).

- من خوارم المروءة أن يأكل الرجل وحده في البيت من أطايب الطعام ويترك ما بقي لزوجته وأولاده\" إنّ من كمال المروءة أن يطعهم زوجته كلّما أكل ويكسوها إذا اكتسى\". (عون المعبود كتاب النكاح باب في حق المراة على زوجها).

- من خوارم المروءة أن يجعل الرجل نفسه تيساً مستعاراً \"وإنما لعنهما (أي المحلّل والمحلّل له) لما في ذلك من هتك المروءة وقلّة الحميّة والدلالة على خسّة النفس وسقوطها. أمّا النسبة إلى المحلّل له فظاهر، وأمّا بالنسبة إلى المحلل فلأنّه يعير نفسه بالوطء لغرض الغير فإنّه إنّما يطؤها ليعرضها لوطء المحلّل له، ولذلك مثلّه صلّى الله عليه وسلّم بالتيس المستعار\". (عون المعبود كتاب النكاح باب في التحليل).

- من خوارم المروءة أن يلهو الرجل كبير السن الساعات الطوال على شاشات التلفاز يتابع الأفلام والمسلسلات ولا يأبه لتقدّمه في السن وقربه من لقاء الله سبحانه وتعالى فعن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: \"أعذرَ اللّهُ إلى امرئ أخَّرَ أجَله حتى بَلَّغَهُ ستين سنة\".( البخاري كتاب الرقائق باب من بلغ الستين).
قال ابن حجر في الفتح:\" الإعذار: إزالة العذر، والمعنى أنّه لم يبق له اعتذار, كأن يقول: لو مدّ لي في الأجل لفعلت ما أمرت به\".(فتح الباري كتاب الرقائق باب من بلغ الستين).

- من خوارم المروءة أن ينام الرجل بحضرة أناس مستيقظين إلاّ للضرورة لما يصدر عن النائم من أمور مكروهة لا يدري بها \"ويكره نومه بين قوم مستيقظين لأنّه خلاف المروءة\". (كشف القناع كتاب الطهارة).

- من خوارم المروءة الجدل مع الأصحاب لمجرد الجدلّ لأنّ:\" الموافقة من المروءة والمنافقة من الزندقة\". (الإصابة في تمييز الصحابة).

- من خوارم المروءة إخفاء الزاد عن الأصحاب في السفر وكثرة الخلاف معهم, \" قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: للسَّفر مُرُوءةٌ وللحضَر مُروءةٌ؛ فأمّا المروءة في السّفر فبذل الزاد، وقلّة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المِزاح في غير مَساخط الله. وأما المروءة في الحضَر فالإدمان إلى المساجد، وتلاوة القرآن وكثرة الإخوان في الله عزّ وجلّ\".(القرطبي سورة النساء 36).

- من خوارم المروءة أن يقبِّل الرجل زوجته أمام الناس. \" من خوارم المروءة (قبلة زوجةٍ أو أَمَة) له (بحضرة الناس) أو وضْع يده على موضع الاستمتاع منها من صدر ونحوه\". (مغني المحتاج كتاب الشهادات)

- من خوارم المروءة أن تأكل المرأة في الشارع وكذا الرجل ما لم يكن جائعاً أو صاحب عمل في السوق. \"من خوارم المروءة (الأكل) والشرب (في سوق) لغير سوقيّ كما في الروضة, ولغير من لم يغلبه جوع أو عطش. واستثنى البلقيني من الأكل في السوق من أكل داخل حانوت مستتراً \". (مغني المحتاج كتاب الشهادات).

- من خوارم المروءة أن يستأثر الرجل بالطعام, ويأكل أكثر من إخوانه إذا كان الطعام مشتركاً وكانوا يدفعون ثمنه تشاركاً بينهم قال النووي:\" يستحبّ اشتراك المسافرين في الأكل واستعمالهم مكارم الأخلاق، وليس هذا من باب المعارضة حتى يشترط فيه المساواة في الطعام وأن لا يأكل بعضهم أكثر من بعض، بل هو من باب المروءات ومكارم الأخلاق وهو بمعنى الإباحة فيجوز وإن تفاضل الطعام واختلفت أنواعه، ويجوز وإن أكل بعضهم أكثر من بعض، لكن يستحب أن يكون شأنهم إيثار بعضهم بعضاً \". (شرح مسلم للنووي كتاب الجهاد والسير باب فتح مكة).

- من خوارم المروءة أن يتحدث الإنسان عن أهل الفضل والعلم والمشهود لهم بالخير لمجرد أنّهم ارتكبوا صغيرة من الصغائر, فعن عَائِشَةَ قالَت: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : \"أقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلاَّ الحُدُودَ.\". (أبو داو كتاب الحدود باب في الحد يشفع فيه). وذوي الهيآت: وهم الذين لا يعرفون بـالشرّ فيزلّ أحدهم الزلة, لذلك نُدب واستُحب التجافي عن زلاتهم\". (عون المعبود شرح سنن أبي داود كتاب الحدود باب الحد شفع فيه).

- من خوارم المروءة أن يفتخر الرجل بماله ورصيده منه.\" لأنّ المال ظلّ زائل وحال حائل ومال مائل, ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر\". (مغني المحتاج كتاب النكاح).

- من خوارم المروءة أن يزاحم الرجلُ الناسَ والأطفال على الحلويات التي توزع في الطرقات في المناسبات الدينية أو الموائد التي تنصب لإطعام العامة؛\"فإنّ أهل المروءات يصونون أنفسهم عن مزاحمة الناس على شيء من الطعام أو غيره، ولأنّ في هذا دناءة والله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها. (المعني كتاب الوليمة).

- من مروءة الرجل أن يخدم الأكبر منه سنّاً والأكثر علماً ولا يعدّ هذا إنقاصاً من قدره, قال النوويّ رحمه الله تعالى:\" ويجوز للفاضل أن يخدمه المفضول ويقضي له حاجة، ولا يكون هذا من أخذ العوض على تعليم العلم والآداب بل من مروءات الأصحاب وحسن العشرة، ودليله من قصّة موسى حمل فتاه غداءهما, وحمل أصحاب السفينة موسى والخضر بغير أجرة لمعرفتهم الخضر بالصلاح والله أعلم\".(النووي كتاب الفضائل باب فضائل الخضر)

- من كمال المروءة أن يمنح من اكتسب مالاً جزءاً من ماله لإخوانه الذين كانوا معه عند قبضه لهذا المال, قال النوويّ رحمه الله تعالى:\" وفي حديث أبي سعيد الخدري الذي أخذ عدداً من الشياه كأجرة له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:\" اقسموا واضربوا لي بسهم معكم\" فهذه القسمة من باب المروءات والتبرّعات ومواساة الأصحاب والرفاق، وإلاّ فجميع الشياه ملك للراقي مختصّة به لا حق للباقين فيها عند التنازع فقاسمهم تبرّعاً وجوداً ومروءة\".( شرح مسلم للنووي كتاب السلام باب جواز أخذ الأجرة على الرقية).

- \" من مروءة الرجل ألاَّ يُخْبِر بسنّه؛ لأنّه إن كان صغيراً استحقروه وإن كان كبيراً استهرموه \" (القرطبي الفيل 1)

المرجع كتاب ذوقيات إسلامية للمؤلف عبد اللطيف محمد سعد الله البريجاوي

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية