اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/busairi/18.htm?print_it=1

فتوى المآذن وصفّارات الإنذار

سلطان بن عثمان البصيري


كان المؤذن في السابق يصعد على مئذنة المسجد للأذان ، لأن ارتفاعه أدعى لانتشار صوته ، ولم يكن للمئذنة غرضٌ غير هذا ، وربّما كانت المآذنُ لكثيرين علامةً على المسجد ، ولكن لمّا كان فضلُ الله على عباده بمكبّرات الصوت أضحت المآذن علاماتٍ للمساجد فحسب ، فالمؤذن لا يصعدُ المئذنةَ للأذان اكتفاءً بمكبّرات الصوت.
واليوم ومع انتشار المساجد في الأحياء جاء الاقتراح من البعض بأن تُستخدم مكبّرات الصوت التي في المآذن كصفّارات للإنذار ، وهذا الأمر عند تأمّله نجد أنّه لم يرد في حكمه نصٌّ يَفصِلُ فيه ، بَيدَ أن الأمرَ يقتضي من إمام المسلمين النظرَ فيه بموجب القواعد المرعيّة في الشريعة ، لاسيّما في باب السياسة الشرعيّة ، مع استحضار الخصوصيّة التي تتميّز بها بيوت الله تعالى.
وقد أفتى من أفتى بجواز استخدام مكبّرات الصوت التي في المآذن لصفّارات الإنذار قياساً على فعل النبي صلى الله عليه وسلم بنداء الناس " الصلاة جامعة " إذا حزبه أمرٌ كما قال !!

ولي مع هذا الاستدلال وقفتان :

- الأولى : قوله : ( إذا حزبه أمرٌ ) لم تكن في شيء من كتب السُنّة ، وهذه الجملة التي جاء بها جملة شرطيّة تقتضي أنّ من السُنّة لإمام المسلمين كلّما حزبه أمرٌ أن يُنادي بالناس !! وهذا غير صحيح .
وأمّا نداء النّاس بلفظ " الصلاة جامعة " فغير أنّه ثبت في صلاة الكسوف كما هو معلومٌ فقد ثبت أيضاً في نداء الناس لإخبارهم بأمرٍ ما ، ومن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها المعروف بحديث الجسّاسة ، وفيه قولها : فلمّا انقضت عدّتي سمعتُ منادي رسول اله صلى الله عليه وسلم يُنادي الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد ، فصلّيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكنت في صفّ النساء التي تلي ظهور القوم ، فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك ، فقال : ( لِيَلزم كلُّ إنسانٍ مُصلّاه ) ، ثم قال : ( أَتدرون لِمَ جمعتكم ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم. فقال : ( إني والله ما جمعتكم لرغبةٍ ولا رهبةٍ ، ولكن جمعتُكم لأنّ تميماً الداريَّ كان رجلاً نصرانيّاً ، فجاء فبايع فأسلم ، وحدّثني حديثاً وافق الذي كنت أُحدّثكم عن المسيحِ الدجّال .. الخ الحديث ) ، وثبت في صحيح مسلم أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قوله : كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلاً ، فمنّا من يُصلح خباءه ، ومنّا من ينتضل ، ومنّا من في جشره ، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة ، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنّه لم يكن نبيٌّ قبل إلا كان حقاً عليه أن يدلّ أمّته على خيرِ ما يعلمه لهم ، وأن ينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم.
إلا أنّه ومما يُنبّه له ثبوت النقل عن أنّ النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ فَزِعَ إلى الصلاة ، وليس إلى النّداء.

- الثانية : القياس في هذه الفتوى هو قياس في معنى الأصل ، والمراد به كما نقل ابن القيّم عن ابن تيميّة رحمهما الله : ( القياس بإلغاء الفارق وهو ألا يكون فرقٌ بين الصورتين مؤثّر في الشرع ) والمقصود بالصورتين صورة الأصل وصورة الفرع.
وحيث وجد الفارق بين الصورتين – ففرقٌ في الصورة بين نداء الناس ودعوتهم لإخبارهم بشيء وبين بثّ صوت صفّارات الإنذار – فإن القياس لا يصحّ.
وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

سلطان بن عثمان البصيري
 

سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية