صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مظاهر للجهل والتلبيس عند أحمد بن قاسم الغامدي

سلطان بن عثمان البصيري


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :

فقد ظهرت في هذه الأيام فتويان لأحدِ المُتعالمِين ، وهو : أحمدُ بنُ قاسمٍ الغامديّ المكلّفُ بإدارة فرع الرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة ؛ الأولى في إباحةِ اختلاط الرجالِ بالنّساء ، وإردافِ الرجلِ للمرأةِ الأجنبيّةِ عنه ، وجوازِ فَلْيِها لشعرِه وحَلْقِه وقصِّه ! ، والثانية في نفيِ وجوبِ صلاة الجماعة ، وقد رأى كثيرٌ من عامّة الناس أنّ ما جاء فيها إنّما هو من محضِ اجتهادٍ علميٍ له ، كما رأوا أنّ ذلك يُعدُّ من قبيلِ الخلاف الفقهي ! ، وهذا شأنُ العامةِ في إعجابِهم بالدخيْلِ على العِلْم ، وحول إعجابِ العامّة بالمتعالم يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه " التعالم " ( ص 13 ) : ( ومن مواقع الأسى مع ذلك أنْ يمضي وقتٌ – وللقادمِ دهشةٌ وبُرقةٌ – والمتعالمُ محلّ إعجابٍ من العامّة ، فترى العامّيَّ إذا سمع المتعالمَ يجيش بتعالمه الكذّاب المحروم من الصدق ، وقوفاً عند حدود الشرع يضرب يمينه على شماله تعجّباً من علمه وطَرَباً ، بينما العالمون يَضرِبونَ بأيمانهم على شمائلهم حَزَناً وأَسَفاً ، لانفتاح قُفل الفتنة ، والتغرير بعُدّة المستقبل ، بَلهَ العوام ).

وفي الحقيقةِ وعند تأملِ كلامِ المتعالمِ أحمدِ بنِ قاسمٍ الغامديّ يجدُ الناظر فيها كثيراً من مظاهر الجهل ، بل والتلبيس على الناس أيضاً ، وقد تتابعت الردودُ عليه من أهلِ العلم ؛ مكتوبةً ومرئيةً ومسموعةً ، وكان حريّاً به لو كان يقصدُ الحقَّ أن يمتثل لأصواتِ الحقّ التي شَنأت فعلَه ورأيه وما خطّه ، لكنه آثرَ هواه واتبعَ غيَّه.

وإنني في هذه العُجالة مبينٌ إن شاء اللهُ بعضاً من مظاهر الجهل عنده ، وسأبيّن أيضاً إن شاء الله شيئاً من التلبيس في كلامه الذي تعمّد فيه التوقيعَ فيه عن ربِّ العالمين عن جهل ، نُصحاً لمن اغترّ به ، ولعلّه أن يَعْرِفَ حقيقتَه أكثر ، وحول هذا المعنى جاء في خبر لعبد الله بن الإمام أحمد أن أبا تُراب النخشبيَّ دخل على والدِه وهو يُحدّث ويقول : فلانٌ ثِقةٌ فلانٌ ضَعيفٌ. فقال أبو تُراب : لا تغتب العلماء !. فقال الإمام أحمد : ويحك هذا نصيحةٌ ليس هذا غيبة. رحمهم الله.

وبعدُ : فمن مظاهر جهلِ المُتعالم ابن قاسمٍ جهلُه بأصول العلم الشرعي عموماً في أصول التفسير وغيره ، مثل اطّراحه للاحتكام إلى اللغة العربية في مناظرةِ أفاضلَ له من أهلِ العلم بدعوى أن الأحكامَ الشرعيّة تؤخذُ من القرآن والسنّة مباشرةً فقط ، ولم يعلم المتعالم أن اللغة العربية عِلمٌ من العلوم التي تُعرف بها الأحكام الشرعية عموماً ، فإن القرآن الكريم نزل بلسان عربيٍّ مبينٍ ، وقد عقَدَ الإمامُ الشاطبيُّ رحمه الله فصلاً في ذلك في كتابه " الموافقات " ووسمه بقوله : ( بيان قصد الشارع من وضع الشريعة للإفهام ). فمثلاً في التفسير ومَن كانت له عنايةٌ بتفسير كلام الله أدرك أنه أي التفسير على أنحاءَ متعددةٍ ؛ منها وأعلاها تفسيرُ القرآنِ بالقرآن ، ثم تفسير القرآن بالسُنّة ، ثم تفسير القرآن بقول الصّحابيّ الذي شهد نزولَ القرآن ، ثم تفسيره بقول التابعيّ ، ثم باللغة العربيّة ، وبالقواعد المرعيّة ، وحول التفسير باللغة قال الإمام الطَّبَري رحمه الله في تفسيره لمعنى الخلَاق في قول الله تعالى في سورة البقرة 102: ( وَلقد عَلموا لَمن اشتراه ما له في الآخرةِ مِنْ خَلَاقٍ .. الآية ) بعد ذكر أقوال أهل العلم في ذات المعنى : ( وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال معنى الخلَاق في هذا الموضع النَّصِيْب ، وذلك أنّ ذلك معناه في لغة العرب ) انتهى من تفسير الطَّبَري ( ج8 / 578 ).

ومن مظاهر جهلِه جهلُه بعلم أصول الحديث النبوي ، ففي فتوييه عَمَدَ إلى تضعيفِ أحاديثَ في صحيحي البخاري ومسلم الذين تلقّتهما الأمة بالقبول ، وعُدّا أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى ، وكذلك عَمَدَ إلى تضعيف الحديث الغريب مطلقاً ، والمراد بالحديث الغريب الذي في طبقةٍ من إسناده راوٍ واحدٍ فقط ، فهذا المتعالم يَعْمَدُ إلى سندِ الحديث وبمجرّد أن يجد راوياً انفرد بروايته يُضعّف الحديثَ ، مع أنه قد تقرّر في علم أصول الحديث أن انفراد الثقة بالرواية لا يُضعّف الحديثَ ، ومن المثال عليه الحديث الأول في صحيح البخاري ، وهو حديث : ( إنّما الأعمالُ بالنياتِ .. الحديث ) ، فهذا الحديث انفرد بروايته عَلْقمة بن وقّاص الليثي ، ثم انفرد به عنه محمد بن إبراهيم التَّيْمي ، ثم انفرد به عنه يحيى بن سعيد الأنصاري.

ومن مظاهر جهلِه في أصول الحديث ما خطّه في فتوى نفيه لوجوب صلاة الجماعة من اعتباره لقول الصحابي بأنه موقوف عليه مطلقاً ، وأن لا حجةَ فيه !. ولعمري إنه لعجبٌ ، فوقفُ الحديث على الصحابيّ لا يطعنُ في الاحتجاج به ، وعلاوةً على ذلك فإنّ من المتقرّر في علم أصول الحديثِ أن الحديثَ الذي يرويه الصحابي مبيّناً سنّةَ النبي – صلى الله عليه وسلم – أي طريقتَه له حكمُ الرفْعِ ، أي هو حديث مرفوعٌ حكماً.

ومن مظاهر جهلِه جهلُه بعلم أصول الفقه ، ففي فتوييه استدلّ لنفي محظورية الاختلاط وعدم وجوب صلاة الجماعة بمطلق الوقائع التاريخية والأحداث بدون اعتبار لأسبابها وما يُلائمها من الظروف والأحوال ، وهذا غير مقبول في علم أصول الفقه من جهتين : الأولى : أن النافي في استدلاله عليه ردّ أدلة المُثبت أولاً ، لأنه – أي النافي – لا يُطالب بالدليل ابتداءً ، الثانية : أن مطلق الوقائع التاريخية والأحداث لابدّ من اعتبار أسبابها وما يُلائمها عند بناء حكم شرعي عليها أو الاستئناس بها.

ومن مظاهر جهلِه بعلم أصول الفقه في فتواه بجواز الاختلاط طعنُه في إجماع العلماء على تحريم الاختلاط بأن الإجماع أقوال الرجال ! ، ومن المتقرر في علم أصول الفقه أن الإجماع حجة ، بل إنه عند جماهير العلماء لابدّ أن يكون له مُسْتَنَدٌ من الكتاب والسنّة ، فلو كان عالماً بحقيقة الإجماع لم يقل ما قال ، بل على أقلّ الأحوال ليسأل عن مُسْتَنَدِ الإجماع كاعتراض على الإجماع.

ومن مظاهر جهلِه جهلُه باللغة العربية ، ومن المثال عليه في فتواه بنفي وجوب صلاة الجماعة ردّه على حديثٍ مخرّجٍ في صحيحي البخاري ومسلم ، ونصّه : ( إذا حَضَرَت الصلاةُ فأذّنا وأقيما ثمّ ليؤمّكما أكبرُكما ) ، بأنّ الحديثَ لا يُفهمُ منه وجوبَ صلاة الجماعة ! ، ولو كان يعرفُ دلالاتِ الألفاظ لَعَرَفَ أن قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( ليؤمّكما ) للأمر ، لأن اللام فيه تُسمى لام الأمر ، وهذه الصيغة من صيغ الأمر ، والقاعدة في اللغة وأصول الفقه أن الأصل في الأمر الوجوب.

هذا ومن كان يتذوّقُ الكلامَ الفصيحَ عندما يتأمل حديثَه أثناء مناظراتِه ومداخلاتِه في وسائلِ الإعلام يُفسد ذوقَه عدمُ فصاحةِ الحديث من نصْبِ ما حقُّه الرفْع أو إثباتِ ما حقُّه الحذْف ، كقوله عند تصنيفه لمعارضيه : منهم أشخاص متشددين ! والصوابُ متشددون ، وقولِه : يريدون أن ينفذونها ! والصواب ينفذوها. وغيرِ ذلك.

ولا أدري كيف يجرؤ على الفتوى من لا يعرفُ اللغةَ العربيةَ وتعلّمُها من شروط التصدّرِ للفتوى.

ومن مظاهرِ جهلِه الفادحِ جهلُه بعقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ ! ، إذ جعلَ من مُنطلقِه في فتوييه السعيَ وراءَ ما يراهُ مصلحةً ، ولا أرى سبباً لذلك إلا أنه أصابته اللوثةُ التي أصابت عقولَ كثيرٍ من عامّة الناس ! فرُغم كونِهم من أهلِ السنّةِ إلا أنهم اعتقدوا أن مما يجب عند إصدارِ الأحكام الشرعيّة النظرَ في مصالحِ الناس حسب ما يرونه مصلحةً ليُطبّق الحكم عليها ! ، أي يلوون النصوصَ لتوافقَ أهواءَهم ! ، وليُّ النصوصِ الشرعيّةِ لموافقةِ ما يُرى أنه مصلحةٌ طريقةٌ للمعتزلةِ في معرفةِ الأحكامِ الشرعيةِ ، أما أهل السنة والجماعة فيعتقدون بأن المصلحةَ ملازمةٌ للحكم الشرعي. ويتضّح الفرقُ للمجتهدِ ، إذ يلزمه على مذهبِ المعتزلةِ البحثُ عن المصلحةِ لمعرفةِ الحكمِ ، أما على مذهبِ أهلِ السنةِ والجماعةِ فتتضحُ مباشرةً مع الحكمِ لتلازمهما ، فالشريعةُ جاءت بجلبِ المصالحِ ، ولا تَعارضَ في أحكامِها مع المصالحِ.

وأما التلبيسُ لديه فكثيرٌ ، ففي فتواه بجواز الاختلاط ، منه مثلاً : بترُ النصوص وتبديلُ الأسانيد ، وقد وضَّحَ هذا بعضُ الفضلاءِ في ردودهم عليه.

وأما في فتواه بنفي وجوب صلاة الجماعة ، فمنه مثلاً : نقلُ الكلام إلى مسألةٍ لا علاقةَ لها بحكمِ صلاة الجماعة ، وهي نسخُ عقوبة تارك صلاة الجماعة ، فقد أطال فيها تلبيساً منه ، وذلك عند كلامه عن الحديث المرفوع والمخرّج في الصحيحين ونصّه : ( والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمرَ بحطبٍ فيُحطب ، ثم آمُرَ بالصلاة فيُؤذّن لها ، ثم آمرَ رجلاً يؤمُّ الناس ، ثم أُخَالِفَ إلى رجالٍ لا يشهدون الصلاةَ فأُحَرِّقَ عليهم بُيوتَهم .. الحديثَ ) ، والذي يعقلُ الكلامَ العربيَّ فضلاً عن طالبِ العلمِ ، يُدرك أن السيّدَ إذا أَمَرَ عبدَه بفعلٍ وتوَعّدَه على تركه بعقوبةٍ معيّنةٍ ، ثم بدا للسيّد تغييرُ العقوبةِ ، فإن تغييرَه للعقوبةِ لا علاقةَ له بالأمر ، أي لا يعود عليه بأثرٍ.

وأما التناقضُ لديه والذي يُبيّن تخبّطَه وأن ليس لديه قواعد في العلم ومبادئ ينطلق منها فمنه في فتواه بجواز الاختلاط ردُّه الإجماع بحجة أنه أقوالُ الرجال ، ثم هو في فتواه بنفي وجوب صلاة الجماعة يتتبع أقوالَ من وافقَه !

وبعدُ : فما لدى هذا المُتعالم من مظاهر الجهل والتلبيس كثيرٌ ، وحسبي كشفُ شيءٍ منها ، دفاعاً عن العلم الشرعيّ من الدُّخلاء فيه ، فهو وأضْرابُه وكلُّ ذنَبٍ للباطل آفةٌ على الناسِ ، بل وعلى العلمِ أيضاً ، وقد نُقِلَ عن ابن حزمٍ رحمه الله قوله : ( لا آفةَ على العلوم وأهلها أضرَّ من الدُّخلاء فيه ، وهم من غير أهلها ، فإنهم يجهلون ، ويظنّون أنهم يعلمون ، ويُفسدون ويُقدّرون أنّهم يُصلحون ).انتهى.

ثم ليُعلم أنّ من فضلِ اللهِ تعالى افتضاحُ من هذه حالُه مُبِكِّراً ، فهذه سُنّةٌ كونيّةٌ ، كما قال قتادةُ رحمه اللهُ : ( من حدَّث قَبلَ حِينه ، افْتَضَح في حِينه ).

كُلُّ مَن يَدّعِي بما ليسَ فيهِ --- فَضَحْته شوَاهدُ الامْتحانِ

والحمد لله أولاً وآخراً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

سلطان بن عثمان البصيري
www.sbusairi.blogspot.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية