صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







( التفريق بين القضاء العام والقضاء الإداري ..هل له أصْل في الإسلام ؟ )

سلطان بن عثمان البصيري


عنوان هذا المقال هو سؤال يطْرحه بعض من يُشار إليهم بالبنان من المثقّفين والأكاديميين وغيرهم بقصْد الإنكار على التفريق الحاصل في بلاد المسلمين بين القضاء العام والقضاء الإداري ، ويزعمون أن القضاء الإداري أمرٌ محدثٌ في دين الله ، وليس له أصل في الإسلام ، وأنه لا يتعلّق بالفقه الإسلامي ، وللجواب على هذا السؤال أقول : ممّا لا شكّ فيه أنّ الحقوق مكفولة في الإسلام لأصحابها ، وقد شرع الله الحكم بين الناس لذلك ، وقد رتّب حُكّام المسلمين منذ صدر الإسلام الولايات الشرعيّة ، ليكون ذلك أدعى لترتيب العمل في الحُكْم ، لاسيّما مع اتساع رقعة بلاد الإسلام ، ومن تلك الولايات ولاية القضاء وولاية المظالم أو قضاء المظالم ، فأما ولاية القضاء فكان منوطاً بها الفصْل في قضايا الناس التي تحدث بينهم ، وأما ولاية المظالم أو قضاء المظالم فكان منوطاً بها الفصْل في القضايا التي يرفعها الناس للحاكم متظلّمين فيها مما لحق بهم من ضرر من قبل عملٍ لعُمّاله ، كما يذكر المؤرخون والمعنيون بذلك ، وأول من نظر في المظالم هو علي رضي الله عنه لأن زمنه لم يكن الناس يردعهم وازعٌ من دين فحسْب ، كما هو الحال قبل عهده رضي الله عنه ، ثم اشتهرت المظالم فكان أول من أفرد لها يوماً للنظر عبد الملك بن مروان عبر قاضيه ، ثم ازداد جور الولاة وظلمهم ، فوقوفاً من عمر بن عبد العزيز على أهميّة اليد القويّة والأمر النافذ ندب نفسه للنظر ، فكان أول من فعل ذلك ، ثم تتابع حكّام المسلمين على العناية بهاتين الولايتين ؛ ولاية القضاء وولاية المظالم أو قضاء المظالم ، ولقد كان من خبر الملك عبد العزيز رحمه الله إشرافه على ولاية قضاء المظالم بنفسه ، فقد وضع صندوقاً للشكاوى أي المظالم على باب قصر الحكم وكُتب عليه : ( يفتحه جلالة الملك بنفسه ) ، ثمّ أُنشئ للمظالم شعبة في مجلس الوزراء إلى أن استقلّت بجهاز عن مجلس الوزراء ، ولعلّ من آثاره تعزيز مبدأ استقلال القضاء ، وهذا الجهاز عبارة عن هيئة قضائية ترتبط بالملك ، وسُمّي ديوان المظالم.

ونظراً لكون الفصْل في المظالم يُعنى بالفصْل في القضايا التي تكون الجهات الحكوميّة طرفاً فيها ، أي القضايا الإدارية أو التي تُرفع ضد إحدى الإدارات كان لزاماً على من يُولّى هذا النوع من القضاء أن يكون على دراية تامّة بالنظام الإداري بالإضافة إلى فقهه في دين الله لأنه في الحقيقة إنما هو يقضي في دعوى المدعي.
فتأسيساً على ما سبق يكون مدلول ولاية القضاء في السابق هو القضاء العام حالياً وهو الفصْل في قضايا الناس فيما بينهم ، سواءٌ كانت القضايا مدنيّة أو تجاريّة أو جزائيّة أو غيرذلك ، ماعدا القضايا الإدارية ، وهي القضايا التي تُرفع من الأفراد في مواجهة الجهات الحكوميّة ، فإن الذي يتولّى الفصْل فيها هو القضاء الإداري ، وهو ما يُسمّى في السابق بقضاء المظالم.

ولعلّه بهذا العرض اتضح الفرق بين القضاءين ، واستبان أنّ لكل منهما أصْلاً في الإسلام ، لا كما يزعمه البعض من أن القضاء الإداري أمرٌ مٌحدثٌ في دين الله.
ولا أنسى في الختام أن أُشير إلى أن بعض البلدان التي تحكم بالقانون الوضعي انتهجت فصْل القضاء العام عن القضاء الإداري لمّا رأو الاختلاف في كلّ ما يتعلّق بالقضاء العام عن القضاء الإداري من حيث الموضوع والمباديء وغير ذلك ، لكن المسلمين لهم أحكامهم التي تخصّم وتُراثهم الذي يُميّزهم ولو كان غيرهم قد انتهج نهجهم ؛ مثال ذلك مكارم الأخلاق من الصدق والأمانة وغيرها هي من آداب المسلمين وقد تكون عند غير المسلمين ، فكذلك ولاية المظالم أو القضاء الإداري هو من فعل المسلمين وقد يكون لدى غيرهم.
وبالله التوفيق.


سلطان بن عثمان البصيري
www.sbusairi.blogspot.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية