بسم الله الرحمن الرحيم

التزكيات عندما تستخدم شمَّاعات !!!


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
= " عبد الكريم بن أبي المخارق "
قال الذهبي :
وقد اعتذر – أي : الإمام مالك - لما تبين أمره ، وقال : غرَّني بكثرة بكائه في المسجد أو نحو هذا .
قال معمر : قال لي أيوب : لا تحمل عن عبد الكريم بن أبي أمية ؛ فإنه ليس بشيءٍ ، وقال الفلاس : كان يحيى وابن مهدي لا يحدثان عن عبد الكريم المعلّم ، وروى عثمان بن سعيد عن يحيى : ليس بشيءٍ ، وقال أحمد بن حنبل : قد ضربت على حديثه وهو شبه المتروك ، وقال النسائي والدارقطني : متروك .
" ميزان الاعتدال " ( 4 / 388 ) .
وقال ابن عبد البر :
وكان حسن السمت ، غرَّ مالكاً منه سمته ، ولم يكن من أهل بلده فيعرفه .
= قال المعلمي اليماني :
وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخاً فسمع منه مجلساً ، أو ورد بغدادَ شيخٌ فسمع منه مجلساً فرأى تلك الأحاديث مستقيمة ثم سئل عن الشيخ وثَّقه ‍! وقد يتفق أن يكون الشيخ دجَّالاً استقبل ابنَ معين بأحاديث صحيحة ، ويكون قد خلط قبل ذلك أو يخلط بعد ذلك ، ذكر ابن الجنيد أنه سأل ابنَ معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال : " ما كان به بأس " ، فحكى له أحاديث تُستنكر فقال ابن معين : " فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذَّاب ، وإلا فإني رأيتُ حديث الشيخ مستقيماً " .
" التنكيل " ( 1 / 67 ، 68 ) .

يفرَح كثير من الأتباع بتزكية شيخٍ إمام لواحدٍ من مشايخهم ، ويستخدم الواحد منهم هذه التزكية سلاحاً يواجه به أصحاب الحقائق من خصومه .
وينسى هؤلاء المساكين أن اليمين لا يقوى على مواجهة البينات ، فكيف تقوى تزكية عامة أو تزكية من جهل حقيقة المزكَّى أو من زكَّى من جهة واحدة ، كيف تقوى على مواجهة الحقائق والبينات ؟

والأعجب من هذا أن أصحاب الأهواء يذكرون ما لهم ولا يذكرون ما عليهم ، فالشيخ الذي يزكي شيخهم يطيرون به ويطيرون بكلامه في شيخهم ويصورون ( ورقة ) تلك التزكية أو يوزعون ( صوت ) ذلك المزكِّي في الآفاق !
ولا يحتاج لهذا إلا من هو ناقص يريد تكميل نقصه بهذه الكلمات أو يريد ستر سوء أفعاله أو أخلاقه بتلك الورقة أو ذلك المقطع الصوتي .

وما حاجة الإمام الشيخ العالم العامل المنصف المتقي لربه في ( الجرح والتعديل ) لكلمة أو تزكية من غيره ؟ فهو أشبه حالاً بذاك الذي أقام أحاديثه على الجادة ليزكيه ابن معين ، ويشبه المزكِّي ابنَ معين – رحمه الله – حيث خفي عليه أحوال ذلك المزكَّى والتي نجزم أنه لو وقف عليها لما خطَّ كلمة تزكية فيه .

وكيف يزكِّي الإمامُ الشيخ ذلك ( المتطاول ) ( الظالم ) لغيره فيتهم بعض العلماء بأنهم ( غير صاحيين ) أو يقول عن بعض الدعاة السلفيين أنه ( أعداء للسلفية ) أو يقول عن بعض العاملين للإسلام ( إنهم يريدون هدم السنَّة ) ! وغير ذلك من الكلمات التي تدل على ( خفة ) ، بل إن كلمات الجرح قد طالت ذلك الشيخ المزكِّي !!

ومهما قال الإمام الشيخ عن آخر إنه ( حامل لواء الجرح والتعديل ) أو غيرها من الكلمات والتزكيات فإنها غير مقبولة مع الحقائق الموجودة ، فهذا المزكَّى نجزم أنه لا يقف بنفسه على كلمات خصومه بل ( تجمَّع ) له من ( الصغار الأصاغر ) الذين حوله ، وهو لا يقرأ بنفسه كثير مما ينتقده وقد اعترف بذلك في بعض مجالسه !

ثم من أين لهذا ( الحامل ) أن يسبر كلمات ومواقف وكتب ومقالات الدعاة والعلماء والجمعيات والجماعات حتى يكون ( منصفاً ) ( عادلاً ) في حكمه ؟

ونحن نرى ( الظلم ) و ( الجور ) في معاملته لأهل البدع من غير المرجئة ، وسكوته عن المرجئة مع أن المسألة تتعلق باعتقاد لا بمنهج دعوي أو فهم لحديث يقيم الدنيا ولا يقعدها على من يخالفه في شيء منها .

ونرى أن حال تزكية مثل هذا الصنف هو مثل تزكية الإمام مالك لابن أبي المخارق الذي غرَّ مالكاً ( بكاؤه ) و ( سمته ) و ( مكثه في المسجد ) ! وهؤلاء يغتر المزكون بشريط لهم أو كتاب يُظهر حرقته على السنَّة أو تصلهم المعلومات ( المغلوطة ) ممن حولهم فيزكونهم بناءً على هذا ، وظننا بهؤلاء المزكين أنهم وقفوا على كلمات الظلم والتقول والافتراء والهوى في هذا المزكَّى ما خطوا حرفاً واحداً فيه .

ومثلهم من ( يسرق ) و ( يأكل أموال الناس ) و ( يطعن في أنساب الناس ) و ( يهذر بالجهل في محاضراته وفتاواه ) و ( يتشبع بما لم يُعطَ ) ما زكَّاه ولا خطَّ فيه حرفاً واحداً .

ومن الهوى المتبَّع في التزكيات : أنك ترى من يقدِّم ( التزكية ) العامة على الكلام المفسَّر ! فترى – مثلاً – من يقدِّم كلام إمامٍ في ( عدم معرفته ) خطأً في مسألة عند المزكَّى مع وجود ذلك عند غيره ممن عرف ذلك بالتتبع والاستقراء وخاصة إذا علمتَ أن هذا المزكِّي ليس ممن يستمع للأشرطة ويتتبعها ولا من يقرأ كل كتبه !

ومثله من يقدِّم تزكية عامة على ( فتوى ) مفصلة في اعتقاد أحد مقدَّميهم وشيوخهم .

وما هذا إلا من اتباع الهوى واستغلال التزكيات أبشع استغلال لمواراة خطأ أو ستر عيبٍ ظهر للناس وعُلم أمره .
وفي المقابل نرى من يقول عمن عرف ردُّه لأحاديث الآحاد في العقيدة ، وعمن عُرف عنه ألفاظ وكلمات سيئة التعبير في القرآن الكريم واستعانته بالموسيقيين والرسامين في بعض كتبه ! ومن عرف عنه وجود الضعيف والموضوع في كتبه ، ومن تأول آيات الصفات وغير ذلك من الأشياء ، ثم يأتي من يزكِّي هذا على الإطلاق بأنه ( إمام من أئمة الهدى والدِّين ) ! فهل تُقبل مثل هذه التزكية إلا كما تُقبل تزكية ابن معين في ذلك ( الراوي ) ؟ فهل نعمي أعيننا ونصم آذاننا عن الحقائق التي نسمعها ونقرؤها لأجل تزكية ؟ وهل يفعل هذا من فهم الدين وطلَّق التحزب والتعصب ؟

ومثله ما نراه ونسمعه من تزكية من يطعن في أئمة الهدى ويضللهم – بل وأجزم لنفسي أنه يكفرهم – ! ومن يرى مساجد المسلمين أنها مساجد ضرار ! ومن يكفر الموظفين ورجال الأمن – ولا أدري هل يدخل رجال المطافئ في ذلك أو لا !! – ومن يكفر النواب ومن ينتخبهم ، ثم يأتي هذا الإمام الشيخ ليزكي أمثال هؤلاء تزكية مطلقة ، ويريدوننا أن نَعمى أو نُصم عما نقرؤه ونسمعه من حقائق لأجل تزكية من يعلم حقيقة الحال ، والعجيب أن الذين ينشرون تزكية هؤلاء الأئمة والعلماء لا يقبلونها في غير شيوخهم ودعاتهم ، فلو تكلَّم أحدٌ من شيوخهم عن بعض أئمة الهدى والدين وجئنا بتزكية من زكَّى شيخهم ما قبلوا ذلك منَّا ، ثم يريدوننا أن نقبل تزكية الإمام الشيخ لمشايخهم ونسوِّقها لهم !

ومثله تزكية ( بعض المفتين ) الذين ملئوا الدنيا فتاوى تشمئز منها قلوب الموحدين وأحوال ترفضها أسماع أهل العفاف ، فنزكية ( المفتي ) يعني أن تؤخذ عنه الفتوى بلا حرج ، وتزكية العالِم أنه كذلك يعني أن يؤخذ عنه العلم ، فحذار أن تكون هذه فيمن لا يستحق – وقد كان وللأسف - .

إن أمر التزكيات الذي نراه هذه الأيام ينبغي أن يكون له ضوابط وقواعد ، فيمكنك أن تزكي إنساناً للزواج أو آخر للجيرة أو ثالث للتجارة معه ، لكن لا يمكنك أن تزكي اعتقاده المفصَّل لأنه يدافع عن السنَّة ، ولا يمكنك أن تزكي منهجه لأنه يحسن العامل مع أهله ، ولا يمكنك أن توصي بطلب العلم عنده لأنه أمين في تجارته .

ولا يجوز لأحدٍ أن يزكي آخر في أمانةٍ أو خلق أو دين أو علم أو حسن اعتقاد إلا بعد أن يقف بنفسه على ذلك أو يشهد عنده الثقات العدول به ، ولا يقاوم هذا بطبيعة الحال – لو حصل – ما قد يخالفه من الحقائق والبينات .

وعلى طالب التزكية أو الفرِح بها أن لا يكون سبباً في الطعن فيمن زكَّاه وعليه أن يكون عند حسن ظن من زكَّاه ، لا أن تكون التزكية طريقاً للتوصل لأكل أموال الناس واستغفالهم والتشبع بما لم يُعطَ .

وعلى الناظر في التزكية أن لا يغتر بها بعد أن عرف كيف زكَّى الإمام مالك ويحيى بن معين أولئك الرواة .
ولا بدَّ من التفرقة بين التزكية العامة التي يراد منها مقصودها وبين التزكية العامة المراد منها تفاصيلها ، فالأولى مقبولة والثانية مرفوضة إلا لمن اطَّلع حقيقة الاطلاع .

فهناك من يريد من التزكية الاطمئنان إلى إسلام صاحب التزكية ومنهم من يطلب أعلى من ذلك وهو كونه من أهل السنة ، ومنهم من يطلب أعلى وأعلى وهو كونه على عقيدة السلف الصالح وأخلاقهم ومنهجهم .

فلا بدَّ من التفرقة بين هذا وذاك ووضع كل كلام في مكانه .

ولا بدَّ من التنبيه على أنه قد يكون المزكَّى على الجادة لكنه ينحرف بعدها – والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن – فلا قيمة بعدها للتزكية وهي تسقط بما فيها بسقوطه ولا كرامة .

وأمر آخر :
أن المزكِّي قد لا يكون قصده بالتزكية وقائع أحوال المزكَّى بل يكون قصده دفع الظلم عنه من قبل ( الجراحين ) غير المؤهلين ! فلا ينبغي أن يتجاوز هذا الدفع إلى التزكية المطلقة ، فالظالم على ظلمه قد يكون أحسن أحوالا في أمور كثيرة من هذا المظلوم في جزئية أو أكثر

ويمكن تلخيص ما سبق بالتالي :
1. قد يخطئ المزكِّي فيزكي من لا يستحق .
2. قد يستغل هذه التزكية المريض وصاحب العيوب والضلالات .
3. لا يحتاج الواثق من نفسه العامل لربه تزكية أحدٍ ليُعرف صوابه ، ولا يضره جرح ظالم .
4. لا تقاوِم التزكيات الحقائق والبينات .
5. من قَبِل تزكية شيخ أو إمامٍ ولو خالف ذلك ما يعرفه غيره من البينات فلا ينبغي له رد تزكية ذلك المزكي لخصومه ، فإما أن يكون المرد الحقائق والبينات وإما أن تكون التزكيات .
6. لا يجوز لواحدٍ أن يزكي آخر تزكية مفصَّلة حتى يكون ذلك عن يقين فهي شهادة سيسأله الله تعالى عنها ، وقد يغتر بها كثيرون فيقعون فريسة لهذا المنحرف المزكَّى .
7. يجب على المزكِّي أن يتراجع عن تزكيته في حال تبين له أمر المزكِّي ، وهو واضح في فعل مالك وابن معين .
8. يطير أهل الأهواء بتزكية مشايخ وأئمة عامة مطلقة ويتغاضون عن تحذير غيرهم المقيد الخاص .
9. الأنسب أن تكون التزكية مقيَّدة بأمرٍ عام في الجمعيات والهيئات والمجلات ، وبأمرٍ خاصٍّ في الأشخاص كأن يعرف علمه فيزكيه أو تقواه وعباداته فيزكيه بهما ، أو دفاعه عن السنَّة فيزكيه بها ، وأما أن يعرف شيئا خاصا فيزكيه تزكية عامة ، أو يقف على جرح في واحد فيجعله حاملاً لراية الجرح : فظاهر الخطأ وهو غير مقبول بحالٍ ، وإن قُبل فجاء ما يدفعه فقدَّم أحد الناس التزكية على ما يدفع فهو ضال صاحب هوى.
10. قد يتواضع الشيخ فيقول إذا سئل عن واحد فقال : مثله من يُسئل عن مثلي ! : فهو مدح للأول أكثر منه للثاني ، وهو مقبول في حد علم الشيخ المزكِّي ، وهو مرفوض إذا كان ظالماً جاهلاً بحال من يتكلم عليهم ويجرحهم !
هذا ، والله أعلم

كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
أبو طارق