صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من أساليب العلماء في الشرح والمنهج المرضي فيه

السعيد صبحي العيسوي
@esawi_said

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد؛
لشروحِ العلماءِ طرقٌ مُتنوِّعةٌ, فعلى المعلم وطالب العلم الإفادة منها, فإن فيها خيراً كبيراً.
وفيما يلي أساليبُ الشَّرحِ، كما عدَّها الحاجُّ خليفةُ لشُرَّاحِ الكتبِ, ويُستفادُ منها أيضاً في تقريرِ الدَّرسِ.

الأولُ: الشَّرحُ بـ (قال، أقولُ):

وأمَّا المتنُ؛ فقد يُكتَبُ في بعضِ النُّسَخِ بتمامِه, وقد لا يُكتَبُ؛ لكونِه مُندرِجًا في الشَّرحِ بلا امتيازٍ.

والثَّاني: الشَّرحُ بـ (قولُه):

كشرحِ «صحيحِ البخاريِّ» لابنِ حجرٍ، والكِرْمانيِّ، وغيرِهما.
وفي أمثالِه لا يُلتزَمُ المتنُ, وإنَّما المقصودُ ذكرُ المواضعِ المشروحةِ, ومعَ ذلك قد يكتبُ بعضُ النُّسَّاخِ متنَه تمامًا, إمَّا في الهامشِ, أو في المُسطَّرِ فلا يُنكَرُ نفعُه.
والثالثُ: الشَّرحُ مزجًا: ويُقالُ له: شرحٌ ممزوجٌ. تُمزَجُ فيه عبارةُ المتنِ بالشَّرحِ, وهي طريقةُ أكثرِ الشُّرَّاحِ المتأخِّرين من المُحقِّقين وغيرِهم, لكنَّه ليس بمأمونٍ عن الخلطِ والغلَطِ([1]).

المنهجُ المَرْضِيُّ في الشُّروحِ

للعلماءِ مَنْهجيَّاتٌ كثيرةٌ في الشُّروحِ والتعليمِ, وهنا ننتقي أُنْموذجًا يخدمُ هذه الفكرةَ التي ندورُ حولَها, وهي منهجيةُ الإمامِ النَّوويِّ -رحمه اللهُ- في شرحِه على «صحيحِ الإمامِ مسلمٍ».

وهو وإنْ تحدَّث عن منهجِه في الكتابِ, إلَّا أنَّ هذا المنهجَ يصلحُ استصحابُه هنا؛ إذْ فيه فوائدُ وتنبيهاتٌ ومُهِمَّاتٌ, ينبغي للمعلِّمِ مُراعاتُها في التعليمِ.

يقولُ رحمه اللهُ: (وأمَّا «صحيحُ مسلمٍ رحمه اللهُ»؛ فقد استَخَرتُ اللهَ تعالى الكريمَ الرؤوفَ الرحيمَ في جمعِ كتابٍ [في] شرحِه مُتوسِّطٍ بينَ المُختصَراتِ والمبسوطاتِ, لا مِن المختصراتِ المُخِلَّاتِ, ولا من المُطوَّلاتِ المُمِلَّاتِ.

ولولا ضعفُ الهِمَمِ، وقِلَّةُ الراغبين, وخوفُ عدمِ انتشارِ الكتابِ لقلَّةِ الطَّالبين للمُطوَّلاتِ = لَبَسَطتُه فبلغتُ به ما يزيدُ على مئةٍ من المُجلَّداتِ, من غيرِ تَكرارٍ ولا زياداتٍ عاطلاتٍ, بل ذلك لكثرةِ فوائدِه وعِظَمِ عوائدِه الخفيَّاتِ والبارزاتِ. وهو جديرٌ بذلك؛ فإنَّه كلامُ أفصحِ المخلوقاتِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلواتٍ دائماتٍ.

لكنِّي أقتصرُ على التَّوسُّطِ, وأحرصُ على تركِ الإطالاتِ, وأُوثِرُ الاختصارَ في كثيرٍ من الحالاتِ؛ فأذكرُ فيه -إن شاء اللهُ- جُمَلًا من علومِه الزَّاهراتِ من أحكامِ الأصولِ والفروعِ والآدابِ والإشاراتِ الزُّهديَّاتِ، وبيانِ نفائسَ من أصولِ القواعدِ الشَّرعيَّاتِ، وإيضاحِ معانى الألفاظِ اللُّغويَّةِ وأسماءِ الرِّجالِ وضبطِ المُشكِلاتِ، وبيانِ أسماءِ ذوي الكُنَى وأسماءِ آباءِ الأبناءِ والمُبهَماتِ, والتَّنبيهِ على لطيفةٍ من حالِ بعضِ الرُّواةِ وغيرِهم من المذكورين في بعضِ الأوقاتِ، واستخراجِ لطائفَ من خفيَّاتِ علمِ الحديثِ من المتونِ والأسانيدِ المُستفاداتِ, وضبطِ جُمَلٍ من الأسماءِ المُؤتلِفاتِ والمُختلِفاتِ, والجمعِ بينَ الأحاديثِ التي تختلفُ ظاهرًا ويظنُّ بعضُ مَن لا يُحقِّقُ صناعتَيِ الحديثِ والفقهِ وأصولِه كونَها مُتعارِضاتٍ.

وأُنبِّهُ على ما يحضرُني في الحالِ في الحديثِ من المسائلِ العمليَّاتِ, وأشيرُ إلى الأدلَّةِ في كلِّ ذلك إشاراتٍ إلَّا في مواطنِ الحاجةِ إلى البسطِ للضَّروراتِ، وأحرصُ في جميعِ ذلك على الإيجازِ وإيضاحِ العباراتِ.

وحيثُ أنقلُ شيئًا من أسماءِ الرِّجالِ، واللُّغةِ، وضبطِ المُشكِلِ، والأحكامِ والمعاني، وغيرِها من المنقولاتِ = فإن كان مشهورًا؛ لا أُضِيفُه إلى قائلِيه لكثرتِهم، إلا نادرًا لبعضِ المقاصدِ الصالحاتِ, وإن كان غريبًا؛ أضفتُه إلى قائليه، إلَّا أن أُذهَلَ عنه في بعضِ المواطنِ؛ لطولِ الكلامِ، أو كونِه ممَّا تقدَّم بيانُه من الأبوابِ الماضياتِ.

وإذا تكرَّر الحديثُ أو الاسمُ أو اللَّفظةُ من اللُّغةِ ونحوِها؛ بسطتُ المقصودَ منه في أوَّلِ مواضعِه, وإذا مررتُ على الموضعِ الآخَرِ؛ ذكرتُ أنَّه تقدَّم شرحُه وبيانُه في البابِ الفلانيِّ من الأبوابِ السَّابقاتِ, وقد أقتصرُ على بيانِ تقدُّمِه من غيرِ إضافةٍ, أو أُعِيدُ الكلامَ فيه لبعدِ الموضعِ الأولِ، أو ارتباطِ كلامٍ أو نحوِه أو غيرِ ذلك من المصالحِ المطلوباتِ([2]).
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه.


-----------------------------------------
([1]) «كشف الظُّنون» 1/37-38 بتصرُّفٍ.
([2]) «شرح صحيح مسلم» 1/21-22.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
السعيد العيسوي
  • قولٌ في العلم وطلابه
  • الأبحاث العلمية
  • التعريف بالكتب المطبوعة
  • منتقى التغريدات
  • الصفحة الرئيسية