اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/faisal/34.htm?print_it=1

يا شبابنا..كفاكم سرعة

د.فيصل بن سعود الحليبي
@Dr_fisal_holibi


بسم الله الرحمن الرحيم


الحفاظ على النفس ضرورة من الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع كلها على رعايتها، فالنفس ليست ملكًا لصاحبها ولا غيره من البشر، بل هي ملك لله وحده، خلقها، وقد وضع لها منهجًا كريمًا تسير عليه لتُحفظ وتصان، وتستعمل في الخير وإلى الخير، وبالمقابل جعل لها في الأرض طرقًا تقضي حوائجها من خلالها، وذلل لها سبلاً تنطلق في فجاجها إلى أرزاقها، ولتحقق هذه الأنفس غرضها منها، لابد أن تكون هذه الشوارع آمنة مطمئنة، لا عبث فيها ولا استهتار لا خوف، ولهذا جعل الشارع الكريم لها آدابًا وأحكامًا، يجب مراعاتها والتأدب بها.

فهذا قبس من مشكاة النبوة، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: ( الإيمانُ بضع وسبعون شعبة، فأفضلُها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان) متفق عليه.

وفي خبرٍ عند مسلم ـ رحمه الله ـ من قوله عليه الصلاة والسلام: (لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين).

وأيُّ أذى أشد من أذى السرعة الجنونية التي يتباها بها الشباب فيما بينهم، فيُودون بأرواحهم، وأرواح الأبرياء، في غفلة لقلوبهم عن تعظيم الله، وغفلة لأهليهم عنهم، وغفلة عن التناصح فيما بينهم، فالسرعة لا تحتاج إلى جهد؛ فالأمر لا يعدو أن تضغط بكل قوتك على دوَّاسة المحرّك، فتقفز السيارة وتقفز معها الأرواح والممتلكات، فأين مخافة الله جل جلاله؟ وأين الضمير الحي؟ وأين القلب الواعي؟ وأين العقل الرشيد؟ أما زار هؤلاء المقابر؟ أما ترددت أقدامهم على المستشفيات؟ ليَروا كم ألقت عنجهية بعض الشباب من ضحايا، وكم تركت من آلام ودموع وحسرات في البيوت ما سمعوا أنينَها، وما سهروا على آلامها..!! فيا أسفًا على القلوب الغلف التي لا تعي الموعظة، ولا تهتم بالكلمة المؤثرة، فكم نصح الأبُ الشفوق، وكم ذكَّرت الأمُّ الرؤوم، وكم خطب الخطيب المصقع، ولكنَّ نزوة الفتوة والصحبة الفاسدة المغرضة تحيل تلك النصائح إلى ضعف وخور وسخرية، والنتيجة تعثرٌ في طريق الحياة، وحزن لا يبرح، وحزن لا يعقبه فرح، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لقد أحزنني خبر تسنّم بلادنا الدرجة الثانية في العالم في كثرة الحوادث، فمن يصدق أن معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية سبعة عشر شخصًا يوميا، أي وفاة شخص كل 40 دقيقة، كما بلغ عدد المصابين أكثر من ثمانية وستين ألفا سنويًّا، وزادت الخسائر المادية على ثلاثة عشر مليار ريال في السنة!! وهذا إرهاب شوارع، لا تقل خطورته عن الإرهاب الإجراميّ المُنظَّم، فإن هذا العدد تجاوز عدد ضحايا: حروب الأرجنتين، وحرب الصحراء الغربية، وحرب الهند وباكستان، وحرب الخليج، وحرب نيبال الأهلية، وحرب استقلال كرواتيا التي بلغ مجموع ضحاياها 82 ألف شخص!!
ماذا يريد شبابنا ـ هدانا الله وإياهم ـ أن نصنع لهم حتى يتركوا هذا الفعل المشين، ألم يعلموا أن من صفات عباد الرحمن أنهم يمشون على الأرض هونا!
وماذا تريد أيها الشاب العاقل بسرعتك؟ هل تريد أن تصل بسرعة..أما تخشى ألا تصل ـ سلمك الله ـ أم تريد أن تباريَ غيرَك وتنافسَه في السرعة!! لقد أخطأت الميدان يا بني؛ فميدان المنافسة ليس في دهس الناس وترويعهم ولا في فجيعتهم بأهليهم وذويهم، وأنت والله ـ كذلك ـ لست برخيص على أبويك ولا علينا ولا على دينك ولا وطنك، فقد بذل هؤلاء جميعًا الغالي والنفيس من أجل أن يروك شابًا فتيًا، وأملوا فيك الآمال العريضة، فلا تفجعهم فيك ولا في أصحابك، اتق الله يا صحاب السرعة الجنونية، واستغفر ربك، وتذكر أن اللهَ سيسألك عن نفسك وأنفاس الآخرين الذين سيقفون أمامك خصومًا يوم القيامة لماذا أزهقت أرواحهم، أو أتلفت مركباتهم أو عطلت جوارحهم !! فأعد للسؤال جوابًا، وتذكر قول ربك حيث قال : {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}.

ولتعلم أيخ الشاب الكريم أن قضية الحوادث هي قضية خُلُق ومبدأ وقرار، وهذه لا يملكها إلا صاحب العقل الوافر، والقلب البصير، فما أروع أن نأخذ على أنفسنا العهد مع الله أن نعطي الطريق حقه، فلا نستعمله إلا في خير، وفي خدمة أنفسنا والآخرين، فنحافظ على الأرواح والممتلكات، ونحوّل قيادة السيارة إلى ذوق رفيع، وخلق طيب، وسمت حسن، وسكينة ووقار، وألا نصحب من يؤجج فينا النعرات أو يهيجُ فينا الفُتُوَّات، ونراقب الله في مقودنا، ونتذكر نعمة الله علينا بهذه النعمة التي أعطانا إياها ولم يعط من قبلنا، فلا نحولها إلى نقمة، استعينوا بالله في ذهابكم وإيابكم، واستمعوا إلى صوت رجل المرور النصوح، ذلكم الرجل الذي نمر عليه ونحن في زمهرير البرد يشير إلينا بإشارات السلامة، ونمر عليه في شدة الحر، وهو يرقب طريقنا لنسلم من مفاجآت الطريق، والله ما وقف عبثًا، بل حبًا وصدقًا ونصحا.

فاللهم اهد شباب المسلمين، وأرشدهم إلى هديك، واحفظهم من مضلات الفتن، فإنك سميع مجيب.


 

د.فيصل الحليبي

  • مقالات
  • حوار مع القلوب
  • استشارات أسرية
  • كتب دعوية
  • الخطب المنبرية
  • مختارات صوتية
  • الصفحة الرئيسية