صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عمل المرأة خارج بيتها
16/3/1427هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :

عباد الله : لم تعرف البشرية ديناً ولا حضارة عنيت بالمرأة أجمل عناية وأتم رعاية كالإسلام، تحدث عن المرأة ، وأكد على مكانتها ، وعظم منزلتها ، جعلها مرفوعة الرأس، مرموقة القدر، وعالية المكانة ، جعلها الإسلام تتمتع بشخصية محترمة ، وحقوق مقررة ، وواجبات معتبرة ، لعل من أدناها أن عد خلقها نعمة عظيمة ، وهبة كريمة قال سبحانه ( ولله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ، ويهب لمن يشاء الذكور ) الآية ..
عباد الله : وفي هذه الأيام نسمع كثيراً ما يسمى بحقوق المرأة ، تلك الجملة التي كثيراً ما تحدث عنها المتحدثون والمتحدثات ، وتزينت بها المقالات والصفحات ، وما أكثر ما أقيمت لأجلها المحاضرات والندوات ، مصطلحات ظاهرها الرحمة والخير وقد تحمل في طياتها السم الزعاف ، هذه الحقوق تتمثل حيناً عند البعض في قيادة المرأة السيارة ، وحيناً آخر في تخفيف وزنها والمحافظة على صحتها بممارسة الرياضة ، وأخيرا حقوقها في إيجاد عمل لها وتقليل بطالتها .
وفي هذا المقام عباد الله نعرج سوياً لقضية عمل المرأة وما يراد لها من خلاله فيقال:
ليس هناك أحفظ لحقوق المرأة ، وأرعى لمكانتها ممن امتن بخلقها ، ومع ذلك قال سبحانه مخاطباً نساء النبي صلى الله عليه وسلم وسائر المؤمنات بالتبع: ( وقرن في بيوتكن ) ، قال الشيخ عبد الله آل محمود رحمه الله " ... فهذا والله الخطاب اللطيف ، والتهذيب الظريف ، حيث يأمر سبحانه نساء نبيه ، ونساء المؤمنين بالتبع بأن يقرن في بيوتهن ، لأن أشرف حالة المرأة أن تكون قاعدة في عقر بيتها ، ملازمة لمهنتها من خياطتها أو كتابتها وقراءتها ، أو خدمة بيتها وعيالها ، لا يكثر خروجها واطلاعها ، لأن ثقل القدم من المرأة في بيتها فضيلة ، وكثرة الدخول والخروج رذيلة " .
عباد الله : إن قرار المرأة وبقاءها في بيتها لم يكن في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فحسب بل حتى الشرائع السابقة تأمر المرأة بالبقاء في بيتها قال تعالى " ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ، ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير " الآية، فموسى عليه السلام استنكر وجودهما فسألهما : ما خطبكما ؟ ما الذي أخرجكما واتى بكما إلى هنا ؟ فبينا السبب من خروجهما وهي الحاجة في قوله تعالى : " وأبونا شيخ كبير "، فلم تخرج المرأتان من بيتهما إلا من حاجة ، ولما خرجتا لزمتا الأدب والخلق فلم تختلطا بالرجال .
عباد الله : لقد أكرم الله تعالى المرأة حين أمرها بالقرار في بيتها ، فأوجب لها النفقة على الزوج والولي ، نفقة تليق بمثلها من بنات جنسها ، ونفقة تكفل لها الحياة الهانئة والسعيدة، ولم يوجب الشارع النفقة فقط حين أمر المرأة بالقرار في بيتها، بل أباح لها حين عدم نفقة زوجها عليها أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف " خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك" ، هذه إجابة المصطفى صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان حين اشتكت من عدم نفقته عليها ، فانظروا عباد الله إلى تكريم الإسلام للمرأة ، وإعزازه لمكانتها ، وحفظه لحقوقها، يأتيها رزقها ، ونفقتها وهي في بيتها داخل مملكتها آمنة مطمئنة .
عباد الله : حين أمر الشارع سبحانه المرأة بالقرار في بيتها فهو يأمرها بما فيه مصلحتها ، ومصلحة المجتمع بأسره ، فالمرأة في بيتها ليست كما يصورها فساد التصور ، بأنها قعيدة لا عمل لها ، أو أنها عالة على أهلها ، كلا بل قرارها في بيتها وإنفاق الزوج والولي عليها إنما هو مقابل تلك الأعمال التي تقوم بها المرأة ، ويعجز عن حملها الأكفاء من الرجال .
إن المرأة تقوم بأعمال جليلة ومهام كبيرة في منزلها وبيتها فهي تعتني بأولادها، وتستعد لراحة بعلها ، تعد الطعام والشراب لأهل دارها ، تحفظ البيت في غيبة وليه ، وترعى حرمته في حالة وجوده ، إضافة إلى قيامها بمهمتها الأساس ألا وهي تربية الأجيال ، حتى تنبت نباتاً حسناً من الإناث والرجال وهذه المهمة عباد الله : تعدل في الإسلام شهود الجمع والجماعات ، وتعدل حج التطوع والجهاد : جاءت أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها فقالت : يا رسول الله : إن الله بعثك للرجال والنساء كافة ، فأمنا بك وبأهلك ، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات ، قواعد بيوتكم ، وحاملات أولادكم ، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات ، وفضلتم بشهود الجنائز ، وفضلتم علينا بالحج بعد الحج ، وأعظم من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وان الرجل منكم إذا خرج للحج أو العمرة أو الجهاد ،جلسنا في بيوتكم ، نحفظ أموالكم ، ونربي أولادكم ، ونغزل ثيابكم فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والأجر ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم وقال : هل تعلمون امرأة أحسن سؤالاً عن أمور دينها من هذه المرأة ؟ قالوا يا رسول الله ما ظننا امرأة تسأل سؤالها ، فقال عليه الصلاة والسلام : يا أسماء أفهمي عني أخبري من ورائك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها لمرضاته ، وإتباعها لرغباته يعدل ذلك كله ، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر" أخرجه البيهقي .
عباد الله : إن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وأتباعهم من العرب لما علموا أنهم لن يستطيعوا ضرب الإسلام وتقويض حصونه إلا من الداخل ، لجئوا إلى المرأة ليخرجوها من بيتها فتزاحم الرجال في ميادين الحياة ، حيث نظروا إلى واقع المجتمع من منظار اقتصادي بحت ، ثم قالوا إن عمل المرأة في بيتها عمل ليس له مردود ولا أجر، وهي خدمة مجانية وعمل غير منتج ، وبالتالي زادت نسبة البطالة بين النساء نظير مكثهن في بيوتهن ، ويقال لهؤلاء المتباكون المتطفلون على حقوق المرأة ، المدافعون عن شؤونها ، الباحثون لها عن سبل العمل المختلفة ، أين أنتم عن آلاف الشباب العاطلين في المجتمع ؟ ألم يعلموا أن إشغال المرأة بأعمال الرجال سبب لانتشار البطالة ، وازديادها في صفوف الشباب ، والشباب أولى بالأعمال العامة والوظائف من النساء ، لما يجب عليهم من واجبات وما يتحملونه من تكاليف الحياة الاجتماعية المختلفة ، والسعيد منهم من يعمل بأجرة لا تفي بنفقة طعامه وشرابه ولباسه، ثم يقال لهم كذلك لنسلم لكم بان هناك حاجة لعمل المرأة ، فأين الفرص المهيأة لعمل المرأة ، أين هم عن تغريب المرأة وبعدها عن بيتها وأهلها لأجل الوظيفة والعمل؟ أين هم عن صيانة المرأة والمحافظة عليها في بيئة عملها من الاعتداء على عرضها والتعرض لها بالمعاكسات والمضايقات ؟ أين سبل ووسائل الأمن التي تحفظ لها طريق ذهابها وعودتها ؟.
ثم أين تقييم التجارب السابقة لعمل المرأة في المستشفيات والبنوك ونحوها ؟ هل حققت للمرأة مطالبها ؟ وحفظت لها كرامتها ؟، أما أنها قتلت وقتها وألهتها عن أبنائها ، ولم تقدم لها إلا اليسير من حقوقها ؟
أيها المسلمون : إن مما يردده دعاة خروج المرأة للعمل أن في خروجها وسدها تلك المجالات تقليل لنسبة العمالة الوافدة ، وكأنهم تناسوا أن المرأة حين تترك بيتها وأبنائها ستخلف ورائها من يقوم بشؤونهم، ألا وهم الخادمات والمربيات ، وفي ذهابها وإيابها ربما تضطر إلى السائق لإيصالها إلى مكان عملها ، فأين هم عن هذه العمالة التي ستحل بدلاً من تلك التي سترحل ؟ ، ولماذا الصمت عن الملايين التي تنفق في أجور الخادمات في البيوت من جراء خروج الموظفات والعاملات ؟.
عباد الله : إن عمل المرأة بالصورة التي يريدها الأعداء فيها من المفاسد الشيء الكثير ففيها إهمال الأسرة وتمزيق لأركانها ، وفيها تضييع للنشء وإفساد للأولاد وكثرة للطلاق ، وزيادة لنسبة العنوسة في المجتمع ، وتحديد لنسل لأن المرأة العاملة تضطر لإيقاف الإنجاب مراعاة للوظيفة ، وفي ذلك أيضاً كثرة السائقين والخادمات والمربيات وأثر ذلك على الأطفال لا يخفى ، نتيجة تنشئتهم بعيداً عن والديهم أو في دور الحضانة ، و من المفاسد كذلك قلة العائد المادي من عمل المرأة إذ سيصرف أكثره في تبعات الخروج للعمل ، من خادمة أو مربية أو سائق وسيارة ونحوها من المصروفات .
أيها المسلمون: لقد نادى العقلاء في الغرب إلى عدم إخراج المرأة من بيتها ، فها هو أحد الكتاب من الغرب يقول : إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية ، لأنه هاجم هيكل المنزل ، وقوض أركان الأسرة ، ومزق الروابط الاجتماعية ، وهذه امرأة من الغرب تحذر بنات جنسها فتقول : إن سبب الأزمات العائلية وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن المرأة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة ، فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق، والتجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى المنزل هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي هو فيه .
عباد الله : في عام 1980م أصدرت هيئة الأمم المتحدة تقريرا عن جدوى عمل المرأة جاء فيه : لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية ، لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد ، ولو قامت النساء بالإضراب عن القيام بأعمال المنزل لعمت الفوضى العالم: سيسير الأطفال في الشوارع ، ويرقد الرضع في أسرتهم جياعا تحت وطأة البرد القارس ، وستتراكم جبالا من الملابس القذرة ، ولن يكون هناك طعام للأكل ، ولا ماء للشرب ، ولو حدث هذا الإضراب ، فسيقدر العالم اجمع القيمة الهائلة لعمل المرأة في بيتها .
عباد الله : إنما سيقت هذه التقارير ليعرف أولئك أن المختصين في الاقتصاد العالمي وأمور المعيشة هم أولى بالتحدث بدلاً من الظنون والتحرصات التي يتحدث بها دعاة التحرر ، حيث نصبوا أنفسهم خبراء في الاقتصاد وخبراء في علم الاجتماع ، بل تجرؤا على النصوص الشرعية فقالوا فيها بآرائهم وهذوا بما ليس لهم به علم .
أيها المسلمون: إن بعض المتباكين على حقوق المرأة هم أعداء المرأة حقاً ، لكنهم لا يجهرون بنواياهم الفاسدة ، بل يتسللون بها من خلال متطلبات وطنية ، وشبهات شرعية ، يلبسون باطلهم بالحق وإتباع ما تشابه منه ، وهذا شأن أهل الزيغ كما وصفهم الله سبحانه في قوله : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه به منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ...
زعم السفور والاختلاط وسيلة للمجد قوم في المجانة اغرقوا
كذبوا متى كان التعرض للخنا شيئا تعز به الشعوب وتسبق
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ...........

الخطبة الثانية :
فيا عباد الله : المرأة في الإسلام من أهم عناصر المجتمع ، والأصل أن تكون المرأة مربية للأجيال ، مصنعة للأبطال ، ومع هذا فالإسلام الذي جعل للعمل الخير منزلة عظمى ومكانة كبرى ، لا تأبى تعاليمه عمل المرأة عند الحاجة لذلك ، وأباح للمسلمة التعلم وحضها عليه ودعا إليه ، هذه عائشة رضي الله عنها تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : إن الله قد أذن لكن أن تخرجن لحوائجكن أخرجه البخاري.
عباد الله : لقد أوجدت الحياة المدنية المعاصرة مجالات لا محيص للمرأة من سلوكها للحاجة حيناً ، وللضرورة حيناً آخر ، فهناك المدارس والمستشفيات ، وهناك الأسواق النسائية والجامعات ، وهناك غيرها من المجالات التي لا مخالفة للشرع في عمل المرأة بها ، متى ما كان ذلك العمل في محيط تحفظ به المرأة كرامتها وحيائها وعفتها ، وتصون به دينها وعرضها ، محتشمة وقورة ، بعيدة عن مواطن الفتن ، وغير مختلطة بالرجال ، ولا متعرضة للسفور والفجور ، بما يناسب فطرتها وطبيعتها.
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى : إن عمل المرأة بعيداً عن الرجال إن كان فيه مضيعة للأولاد ، وتقصير بحق الزوج ، من غير اضطرار شرعي لذلك ، يكون محرماً ، لأنه ذلك خروج عن الوظيفة الطبيعية للمرأة ، وتعطيل للمهمة الخطيرة التي عليها القيام بها ، مما ينتج عنه سوء بناء للأجيال ، وتفكك عرى الأسرة التي تقوم على التعاون والتكامل والتضامن ، ومساهمة كل من الزوجين بما هيأ الله له من الأسباب ، التي تساعد على قيام حياة مستقرة آمنة مطمئنة ، يعرف فيها كل فرد واجبه أولا ، وحقه ثانياً أ . هـ كلامه رحمه الله وجمعنا به في جنات النعيم .
اللهم أحفظ نسائنا من شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم حبب إليهن الإيمان وزينه في قلوبهن وكره إليهن الكفر والفسوق والعصيان واجعلهن من الراشدات .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية