اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/fakihi/78.htm?print_it=1

إلا تنصروه فقد نصره الله
22/2/1429هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
عباد الله : روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تلا قوله تعالى عن إبراهيم : [رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {إبراهيم:36} ، وقوله تعالى عن عيسى عليه السلام :[إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {المائدة:118} ، رفع يديه ، وقال : اللهم أمتي أمتي ، وبكى ، فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد ــ وربك أعلم ــ فسله ما يبكيك ، فاتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال ــ وهو أعلم ــ فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك .
أيها المسلمون : إن نبياً بلغ حرصه علينا ، ورحمته بنا هذا المبلغ لحري بنا أن نؤمن به ونصدقه، وأن نعزره ونوقره ، وأن نتبعه ونطيعه ، وأن نحبه أشد من محبتنا لأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا ، وأزواجنا وأولادنا ، وأموالنا لأنه صلى الله عليه وسلم بفضل الله تعالى سبب هدايتنا ونجاتنا ،وهو سر حياتنا وسعادتنا ، فما بعث به صلى الله عليه وسلم كان غيث قلوبنا وحياتها ، وزكاة نفوسنا وصفائها ، من مات من على الإيمان ، ونال الجنة والرضوان ، فما نال ذلك إلا بسبب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل ترون عباد الله لأحد حقاً عليكم ــ بعد حق الله عز وجل ــ أعظم من حق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
أيها المسلمون : مهما أطال منا متكلم أو فصل خطيب ، أو مدح شاعر ، أو وصف أديب ، فلن يوفي نبي الله حقه ، ولن يبلغ برسول الله قدره .
فالحسن يشهــــد انه * فاق الورى خلقاً وحلما
عين إلى العليا سمت * أذن عن الفحشاء صمـا
إن رحت تكتم حبـــه * لم تستطع للمسك كتمـــا
فهو الذي لـــــــــولاه * ما ملئت بيوت الله علما
شهد الأنام بأنــــــــــه * ما مثله عربا وعجمــــا
عباد الله : إنه ما بعث نبي ولا أرسل رسول من لدن نوح إلى محمد عليهما الصلاة والسلام إلا فأن له نصيب من إيذاء الجاهلين ، وعتاد المتكبرين ، واستهزاء المستهزئين ، وصدق الله حين قال : [يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ] {يس:30} ، [وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ] {الأنعام:10} ، [كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ] {الذاريات:52} .
أيها المسلمون : لا يزال مسلسل الفرى والأكاذيب والاستهزاء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم مستمراً ، منذ بدأه الكفار والمشركون إبان البعثة ، وإلى هذه الأيام ، حيث وصفوه بالجنون والسحر والكهانة ، ولمزوه في عرضه ، وغمزوه في أهله ونفسه ، ولم يكتفوا بذلك بل وضعوا سلا الجزور على ظهره وهو ساجد يصلي ، وأدموا عقبه الشريف ، وشجوا وجهه، وكسروا رباعيته ، وأغروا به السفهاء كي يسبونه ويؤذونه ، وينالون من عرضه صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك الاستهزاء وتنوع البلاء الذي لحق برسولنا صلى الله عليه وسلم ومهما استهزأ المستهزئون وسخر الساخرون ، فإن الله تعالى تعهد بالدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وحمايته ونصرته ، في آيات كثيرة تتلى إلى يوم الدين والله [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ] {المائدة:67} ، [إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ] {الحجر:95} ، [إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ] {الكوثر:3} .
فيا مسلمون : هذه وعود صادقة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أصدق من الله قيلا ، ومن أصدق من الله حديثا ، وهذا هو التاريخ بعبره وأحداثه ، وهو شاهد لا يكذب ، فإنه ما تظاهر أحد بمعاداة رسول الله والاستهزاء به إلا أهلكه الله وأذله وخذله ، وسألوا التاريخ : أين أبو لهب ، وأين أبو جهل ، وأين الوليد بن المغيرة ، بل أين صناديد الكفر والشرك الذين استهزئوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وناصبوه العداء ؟ أين اليهود وأين النصارى وأين المنافقون الذين حاربوه صلى الله عليه وسلم وكذبوه ، وطعنوا في عرضه وأهله ، واستهزؤوا به وبأصحابه ودينه ؟ بل أين الأكاسرة وأين القياصرة وأين أعداؤه صلى الله عليه وسلم على مر العصور ؟ هل بقي لهم نسل وذكر وعقب ؟ كلا والله ، لقد هلكوا جميعاً ، وماتوا شر قتلة ، وقطع الله نسلهم ولحقتهم اللعنة ، وباءوا بغضب الله في الدنيا والآخرة .
عباد الله : لقد مزق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسخر منه ، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزق الله ملكه ، فكان كذلك ، وفي المقابل علم بعض ملوك النصارى أن إكرام كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبقي فيهم الملك ما شاء الله فأكرموه ووقروه ، يروى عن سيف الدين المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مصفح بذهب ، فأخرج منه مقلمة ذهب ، ثم أخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه ، وقد التصقت عليه خرقة حرير ، فقال : هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ، مازلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه مادام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا ، فنحن نحفظه غاية الحفظ ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا ..
أيها المسلمون : إننا في زمن يشهد عداءً سافراً وهجوماً شرساً حاقداً على الإسلام وأهله ، اجتمع علينا فيه الشرق والغرب ، لم يجمعهم إلا الكراهية لهذا الدين وأهله ، والغرب الحاقد يتزعم هذه الحرب ويتولى كبرها ، وصدق الله [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] {البقرة:120} ، [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ] {المائدة:82} ، [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً] {النساء:89} .
عباد الله : إن هذه المحاولات المتتابعة من قبل الشرق والغرب للطعن في الإسلام ورسول الإسلام ودين الإسلام تظهر شدة حقدهم وغيظهم من هذا الذي وانتشاره ، وإن هذا الهجوم على النبي صلى الله عليه وسلم والسخرية منه يهدف إلى محاولة إسقاط الرمز الأول لدين الإسلام ، ذلكم الدين الذي أقلقهم وأقض مضاجعهم ، يقول بابا النصارى : يتعين على أوربا ألا تتجاهل جهود إدخال القيم الإسلامية في الغرب ، وهو ما يمكن أن يهدد هوية القارة ، وتقول ملكة الدانمارك : إنه من الضروري أخذ التحدي الذي يشكله الإسلام على محمل الجد ، وهذا وزير الداخلية الألماني يعلن مؤخراً انه على دول الاتحاد الأوربي التكاتف ضد ردة فعل المسلمين تجاه الاستهزاء بنبيهم ، فتأملوا عباد الله إنهم يستكثرون علينا الغضب لديننا والاستهزاء برسولنا صلى الله عليه وسلم ، فماذا يقول الغارقون في الوهم من بني جلدتنا ممن ينكرون اجتماع قوي البغي والكفر على حرب ديننا ومعاداته ؟.
عباد الله: لقد أصبحت الجالية الإسلامية في أوربا والغرب عموماً تعاني من التضييق وما عادت تتمتع بالحرية والتسامح الذي اشتهر به الغرب فيما مضى ، فالحجاب مثلاً أصبح محظوراً في العديد من المدارس وساحات العمل في أكثر من ولاية ومدينة أوربية ، وبناء المساجد وتشييد المآذن من الأمور الساخنة التي تقلق الغرب وتثير غيظه تجاه الإسلام وأهله لأنهم يرون أنه لم يبق ما يهدد الغرب بعد ذوبان العسكر الشيوعي إلا الإسلام ، وكل حضارة وديانة تقف أمام القيم الغربية يجب أن تنتهي .
أيها المسلمون : إن التيارات والقوى المتطرفة في الغرب التي ترى الإسلام عدوها الأول بدأت في الصعود في العديد من الدول الأوربية ومنها الدانمارك ، وتتبنى هذه القوى مواقف صارمة تجاه المهاجرين الأجانب والجاليات غير الأوربية ، وتخيرهم بين الاندماج الكامل في المجتمعات الأوربية ، قيمياً وثقافياً وحضارياً ، أو العودة إلى بلدانهم الأصلية ، ولذا لم يكن مصادفة أن معظم الدول التي أعادت صحفها نشر الرسوم هي ذاتها التي تشهد صعودا قويا للقوى اليمينية المتطرفة كما يسمونها .
عباد الله : إن تكرار الإساءة لدين الإسلام ولرسول الإسلام وأهل الإسلام لا يأتي خبط عشواء ، أو بصورة عفوية ، ولكنه يأتي بصورة منهجية له دوافعها وغايتها ، مما يحتم علينا مواجهة هذه الإساءات بخطط منهجية واضحة مستمرة لا تقتصر على ردود الأفعال ولا تقف عند زمن معين .
أيها المسلمون: إنه والله من المؤسف وغير المبرر تلكؤ وتردد أكثر من خمس وأربعين دولة تسكنها غالبية مسلمة ، في التحرك تجاه العداوة الظاهرة التي قد تكون أشد خطراً من العدوان المسلح ، وإن الأولى بحكومات الدول الإسلامية أن تستثمر هذه الفرصة للمطالبة بحقوقها المسلوبة غبر جميع الأصعدة القانونية والسياسية والاقتصادية والدينية ، وإن أبسط إجراء تقوم به الحكومات لتعبر عن استيائها البالغ تجاه من أخطأ في حق نبيها أن تقوم باستدعاء سفرائها من البلاد التي قامت بنشر تلك الصور ومن البلدان التي تعين على مثل ذلك من باب الضغط السياسي المطلوب ، وربما كان من المطلوب من الدول الإسلامية مجرد التهديد فقط بطرد سفراء الدول التي تعين على مثل تلك الدعايات المغرضة ضد الإسلام ونبي الإسلام .
أيها المسلمون : إن العاطفة ضرورية لتحريك الشعوب الإسلامية ولإشعال الغيرة على مقدسات المسلمين في قلوب الأمة ، ولكن يجب أن تكون تلك العاطفة باعثة على همة مستمرة ومنهجية منضبطة تكافح وتقاوم ذلك العداء المتواصل ، وإن من أولى سبل النصرة على مستوى الأمم والجماعات توحد المسلمين واتفاقهم ، والتنسيق بين منظمات نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في الخطوات الواجب اتخاذها تجاه العداء المباشر من الغرب ، على أن يتم ذلك من قبل مراكز دراسات مستقبلية وإستراتيجية تحلل المواقف والقضايا ، وتضع الخطط البعيدة المدى للتعريف بالإسلام والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
عباد الله: هنالك العديد من المشروعات الدعوية ، والعشرات من المفكرين والإعلاميين والدعاة المتطوعين لنصرة النبي صلى الله لعيه وسلم ، وأمثال هذه المشروعات وأولئك المتطوعين بحاجة ماسة للدعم من الدول والمؤسسات والأفراد حتى تؤتي مشاريعهم أكلها ، وحتى نساهم في نشر الصورة الصحيحة للإسلام .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ..

الخطبة الثانية
أما بعد فيا عباد الله : لكم أن تغضبوا لنبيكم وتغاروا عليه ، ولكن لا تخافوا فلن ينزل الأعداء من مقامه شيئاً .
لا تخافوا أيها المسلمون على رسولكم ، ولكن خافوا على أنفسكم ، وانظروا في أعمالكم : ما الذي أديناه تجاه هذا الدين ؟، وما الذي فعلناه تجاه نصرة هذا النبي الكريم ؟
عباد الله: إن من أهم الأمور في نصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو معنى شهادة أن محمد رسول الله ، أن نطيعه صلى الله عليه وسلم فيما أمر ، وأن نجتنب ما نهى عنه وزجر ، وإلا نعبد الله إلا بما شرع .
أيها المسلمون : أي نصرة ترجى فيمن يتهاون بالصلوات ويهجر المساجد ؟ وأي نصرة تؤمل ممن يأكل الربا ولا يسأل عن حل المساهمات والمعاملات من حرمتها ؟ أي نصرة ترجى ممن أهمل بيته وتركه يعج بالمنكرات والشهوات ؟. [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {آل عمران:31} .
أيها المسلمون : حري بنا أن نسهم في تحريك هذه القضية واستنكارها بكل وسيلة بالكتابة في صحيفة أو في موقع أو نشر رسالة جوال أو إلقاء كلمة في مجلس أو مسجد أو على الأقل التحدث عند الأولاد والأهل بما فعله أولئك المجرمون ، واغتنام هذه الفرصة لتربية أولادنا في المدارس وغيرها على حب الحبيب صلى الله عليه وسلم ومعرفة خصائله وشمائله وسيرته.
عباد الله : إن العامل الاقتصادي عند الدول الغربية له تأثير مهم ومباشر إذ هو لغة القوم التي يتعاملون بها ، ومن خلاله يمكن تحقيق ما صعب تحقيقه بالطرق الأخرى ، فاترك عبد الله كل شيء يسعك تركه مما أنتج في تلك البلاد حتى تعتذر ، واحتسب وسعك والله يأجرك، ولنتذكر جميعاً أن ديننا وعقيدتنا أهم عندنا من شأن بطوننا ، وهذا والله أضعف الإيمان مما يملكه كل واحد منا تجاه نصرة حبيبه ونبيه صلى الله عليه وسلم .
اللهم يا ذا الأسماء الحسنى والصفات العلى اجعلنا من أنصار نبيك صلى الله عليه وسلم ، اللهم احشرنا في زمرته ، واجعلنا من ورثته، واسقنا منه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا .


 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية