صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ترجمة إمام (المسجد النبوي ) ( نيابة) فضيلة الشيخ حسن بن إبراهيم الشاعر رحمه الله

د.عبد الله بن أحمد آل علاف الغامدي
@DrAllaf


بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ حسن بن إبراهيم الشاعر
(1291- 1400) هـ
 

اسمه:
هو الشيخ الإمام العلامة المقرئ الناصح المصلح: حسن بن إبراهيم الشاعر.

ولادته:

ولد الشيخ حسن في مصر عام 1291 هـ وسط أسرة طيبة الأصل، في بيت علم وصلاح و فضل، تلقى علم القرآن والتجويد على أشهر القراء ولما قارب الأربعين من عمره قدم المدينة مع أولاده وتقصد الهجرة وتصدر الحرم النبوي لتعليم التجويد والقراءات السبع على كل من يقصده من طلبة العلم المجاورين بالمدينة ومن الزوار والحجاج.
وقد سافر لبخارى بطلب من أميرها لصلاة التراويح في جامعها الكبير وصلى التراويح في شهر رمضان من تلك السنة ورجع مجبور الخاطر مما نفحه به الأمير وأفاض عليه من أعيان المصلين، وبعد رجوعه اشترى قطعة أرض بنى عليها داراً لسكناه وتعين كأحد المدرسين بالحرم الشريف لتعليم التجويد والقراءات السبع وعلومها، كما توظف من لدن إدارة المعارف لتعليم طلبة المدارس الابتدائية علم التجويد .

وصفه:

كان رحمه الله طويل القامة، أبيض اللون، عريض الجبهة، واسع العينين، أقنى الأنف، خفيف الشارب، كث اللحية، يرتدي العمة، ويضع عليها الشال، ويلبس العباءة العربية.

صفاته:

كان رحمه الله متواضع الشخصية، لين الجانب أنيس العشرة، دمث الأخلاق ذا سمت ووقار، وأدب وحياء وجلال، رقيق الفؤاد محبا، معلقا قلبه بالمساجد، ومصاحبا أنفاسه علائق الخاشع الساجد، حياته مع ربه، وشغله تلاوة كتابه، والإكثار من ذكره.
اشتهر بالتقوى والورع والزهد في الدنيا، وذكر الموت والبلى ولقاء المولى، وعرف عنه التزام الإتباع سنة، وحنين الأنين والشوق محبة، وذاك تعلقا برسول الله h.
تربى على فهم ودين، ومنهاج سلوك رزين، مجتهداً في طلب العلم وتحصيل الفهم، تبصرا في كنه حقائق معارفه، وتفكرا في دقائق عوارفه، رحب الصدر، يجيب السائل برفق وبشاشة، لبقاً في حديثه معبرا، سديد الرأي فيه معتبرا، ثاقب الفكر، طلق اللسان، اضف الى كل ذاك طيب خاطره مع سلامة فؤاده، كارها للتملق والتكبرو الكذب والنفاق .
وبهذه الخلال العطرة والشمائل النيرة نكون قد رسمنا صورة صافية الشكل والملامح، صادقة العبر واللواقح، عن شخصية حامل القرءان، والتي من خلالها نشتم عبقا زكيا من نفحات أهل الولاية والاختصاص، الذين أكرمهم المولى بأهليته، وخصهم بسر معرفته وعبوديته، وأنى لنا بهم اليوم -لا أقول بانعدامهم إنما بندرة وجودهم، فهم كاللؤلؤ والمرجان لا يعلم حالهم ولايدرك حقيقتهم إلا من فتح الله مقافل قلبه، ومغالق بصيرته، وقيد نفسه، فهذبها من عوالق أهوائه ثم زكاها لتشهد نوره المتجلي على محياهم، عليهم رحمة الله – وما أحوجنا لهم فهم بحق وعلى قدم صدق سرج الإرشاد في ظلمة الجهل والمحن الفتن.

نشأته ودراسته:

تربى الشيخ رحمه الله تعالى مترعرعا كالزهر الطيب الفائح، بعبقه الزكي اللافح، وسط جو محب للقرءان وأهله، مما أهله لحفظ كتاب الله غيباً عن ظهر قلب، وهو فتى لازال بعمر التاسعة، فأصبح بارزاً بين أقرانه في هذا الجانب ولم تكن نفسه لتقف عن حد الاكتفاء والركود كسلا ومللا، بل كانت تواقة للنهل من أنوار القرآن والتماس علومه وفنونه، فعكف على البحث والمطالعة في شتى مناحيها، مما مكنه من ولوج الجامع الأزهر فتلقى ثقافته، عبر الأخذ عن مشائخه الأجلاء وأساتذته الأدباء، ولم يكفكه ذلك فشمر على ساعد الجد في تعلم التجويد والقراءة، رغبة منه في الأدب مع كتاب الله نطقا، وصلته بأهله شرفا وفضلا، فجد واجتهد، وعمل وأصر على مكاره نفسه مثابرا في صبر واصطبار.
تلقى علوم القراءات السبع، ثم العشر، ثم الأربعة عشر، على أيدي كبار علماء الفن من مشاهير الأئمة الأعلام، ومن أشهرهم وعلى رأسهم شيخ قراء زمانه: الإمام حسن بن محمد البيومي والشهير بالكراك ، إلى أن تحصلت معارفه وكملت مداركه وثبتت أهليته حتى أصبح بارزاً، فإذا ما وجد في نفسه القدرة على الاستيعاب حتى صار حافظا، ثم تعمق في ذلك حتى كمل إماما، علم به شيوخه وقربوه إليهم لما لمسوا فيه من الفطنة والذكاء، وتفرسوا فيه الخير والنماء، وكذا كان، فكان قدوة في العطاء والبناء. ولما أنسوا منه الضبط والإتقان، والدراية والإلمام، أجازوه بالقراءة وبالإقراء، فقام هو بنشر دعوة القرآن علما وعملا، وبرع في ذلك حتى أصبح أحد قرّاء العالم الإسلامي البارزين، الذين لا يتنازع فيه اثنان، وكيف ذاك وهو بحجة الإسناد القراءة مع الاتصال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مستحق واصل ، وبدقائق الفهوم متجذر مؤصل.

رحلاته ودعوته:

ومن هنا كانت الشيخ الأجل، الواعية الأكمل، والتحفة الأجمل، جولة عبر الأقطار الاسلامية والعربية سافر خلالها إلى بلدان شتى مدرسا ومرشدا، فطاف البقاع والأصقاع، داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، إلى أن استقربه المقام بالمدينة المنورة، فتصدر للإقراء بها فكانت له حلقة لتحفيظ القرءان وقراءاته بالمسجد النبوي، وكذا مجلس علمي بمنزله العامر لأجل المذاكرة والمناصحة، وتبادل الأفكار والمفاكهة، فأقبلت إليه أفواج تترا من أهل العلم والمعرفة، وفدوا إليه من كل حدب وصوب، قصد الإفادة والاستفادة، والبناء للدعوة، فأخذ عنه الجم الغفير تلقيا بالعرض والسماع، وهكذا تخرجت على يديه أجيال من أمة إقرأ باسم ربك، ليكونوا رسل علم وتربية ودعوة على منهاج بصيرة ورحمة.

مؤلفات الشيخ الشاعر:

أما عن نشاطه رحمه الله في تأليف الكتب فقد قام الشيخ الجليل بتأليف كتاب واحد أسماه "تحفة الإخون في بيان أحكام تجويد القرآن" قام فيه بشرح وافٍ مفصل كاف لأحكام التجويد وشرح القراءات وتراجم بعض القرّاء المختصرة، وهو كتاب نافع وهام جداً في القراءة والتجويد وعلومهما.

الشاعر شيخ القرّاء بطيبة الطيبة:

كان الشيخ حسن الشاعر مشهوراً بعلمه القرآني وعمله الأخلاقي متمثلا حديث أمنا عائشة رضي الله عنها الواصفة بأكمل وصف وأرقاه، رسولَ الله صلى اللله عليه وسلم قائلة: «كان خلقه القران».
فكان من أشهر قرّاء المسجد النبوي وأبرعهم، وعندما توفي الشيخ محمد خليل نُصِّب الشيخ حسن الشاعر مكانه شيخاً للقرّاء في المدينة المنورة.

دروسه في المسجد النبوي:

لقد عُرف الشيخ الشاعر بعلمه فكان بارزاً عند مشايخه يسألهم حتى يصل إلى مراده، فما لبث أن نال من العلم ما نال حتى اختار مكانه للجلوس والتدريس في المسجد النبوي الشريف، وأضيف اسمه إلى قائمة قرّاء وعلماء الحرم النبوي الشريف ثم أصبح عضواً في رابطة علماء المدينة المنورة، فعقد للعلم وأهله سوقاً فريداً وجعل بضاعته التدريسية رابحة، فكان من أشرف هذه الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم : «خيركم من تعلم القرءان وعلمه».
وكان له رحمه الله عدة حلقات، فحلقته الأولى لشرح علم التجويد، وحلقته الثانية بأصول الجزرية، وحلقته الثالثة لشرح الشاطبية، واعتاد أن يقرأ العشر في القرآن الكريم قبل مغرب كل يوم.
لقد كان الشيخ الشاعر رحمه الله من قرّاء القرآن البارزين في المدينة المنورة إذ أنه كان يملك ثروة كبيرة وهي قراءة القرآن الكريم بجميع طرقه كما أنه كان حسن الصوت حليلا، جميل النغمة حنينا.

جهوده مع قرّاء المدينة:

وقبل قيام الحرب العالمية الأولى وخروج أهل المدينة منها، كان قرّاء المدينة يجتمعون في دكة الأغوات من كل يوم يقرؤون القرآن ويفسرونه ويتدارسونه فيما بينهم فكان الشيخ الشاعر أحد أعضاء هذه الحلقة ومن الذين معه الشيخ ياسين الخياري ، والشيخ أحمد التيجي، والشيخ عبد الرحيم الخوقندي، والشيخ محمد خليل.
وبعد ذلك قامت الحرب وهاجر أهل المدينة منها، وعندما استقرت الأوضاع عاد بعض أهلها إليها فكان الشيخ الشاعر من ضمن الذين عادوا إليها، والشيخ ياسين الخياري انتقل إلى الرفيق الأعلى، والشيخ أحمد التيجي رحل إلى مكة المكرمة وأقام فيها، والشيخ عبد الرحيم الخوقندي بقي في بلاد ما وراء النهر، وعاد الشيخ محمد خليل ونصب شيخاً للقرّاء وعين الشيخ الشاعر أحد أعضاء مجلس رئاسة طائفة القرّاء والحفّاظ بالمدينة المنورة.
يقول الشيخ أمين مرشد رحمه الله : "تكونت نخبة من العلماء بما فيهم الشيخ حسن كدورية يومية يجتمعون كل يوم عند واحد منهم يتباحثون في علوم القرآن والحديث وعلوم الدين، وهذه المجموعة بالإضافة إلى الشيخ حسن هم:
1 - الشيخ صالح مرشد
2 - الشيخ عبد الإله مرشد
3 - الشيخ أحمد مرشد
4 - الشيخ أحمد عطا الله
5 - الشيخ أحمد رضوان
6 - الشيخ محمد بن سالم
7 - الشيخ حامد بافقيه
8 - الشيخ عبد الله جعفر
9 - الشيخ محمد سعيد
وتاريخ تكوين هذه المجموعة عام 1350 هـ.

قصص للشيخ الشاعر:

حدث عنه أحد محبيه ومصاحبيه: أنه كان يرى الشيخ حسن الشاعر يجمع أمامه "أربعة" أو "خمسة" طلاب ويجعلهم يقرؤون في سور مختلفة من القرآن الكريم، ويرد على كل واحد منهم على حدة في قراءته، وهذه ميزة خاصة ونادرة ما تميز بها إلا كبار القراء من الحفاظ والمحققين الحذاق.
وهناك قصة ذكرها آخرعنه: أن الشيخ حسن رحمه الله من نوادر علماء المدينة، متواضع، ذو حلم، مرح النفس، طيب القلب، ترى في وجهه رحمه الله الصلاح والتقوى، وبعد أن قام برحلته إلى سمرقند حكى هذه القصة. قال: "كنت أقرأ القرآن في أحد مساجد سمرقند، وإذا بشخص يقول: أين الشيخ حسن، وحيث أني لا أعرف أحداً هناك فوجئت بذلك فعرّفته بنفسي فطلب مني الذهاب معه إلى منزل سيده، غادرت المسجد وقبل الوصول إلى المنزل رأيت الأرض قد فرشت بفرش جميل، وأُناساً يستقبلونني، وبعد أن أخذت مكاني في المجلس سألت أحد المُكرِمين لي عن الأمر. فقال: "صاحب هذه الدار رجل مسلم وتاجر لبيع الخيول، توفي قبل قدومك بستة أشهر وقبل يومين رأت زوجته رؤيا لزوجها يوصيها برجل قادم من المدينة المنورة واسمه الشيخ حسن ليقرأ القرآن في منزله، وسيدتي " أينكة " - وهذا اسمها - أوصت بالبحث عنك حتى وجدناك". فحمدت الله بأن سخّر لي أناساً دعوني طوال إقامتي في سمرقند، وخلال إقامتي درَّست القرآن وعلمته لكثير من المسلمين هناك..انتهى!!!.

إمامته في المسجد النبوي :

أخبرني شيخنا عبدالعزيز بن عبد الفتاح القاري حفظه الله تعالى أن الشيخ حسن الشاعر صلى إماماً نيابة عن بعض الأئمة، وذلك في عدة فروض في صلوات جهرية وسرية كما ذكر ذلك الأخ المحامي سلطان بن محمد بن أحمد بن فائز الغامدي، وقد توارد بذلك الخبر من بعض كبار السن.

وفاته:

وبعد حياة مليئة بتلاوة القرآن الكريم ومدارسته انتقل الشيخ حسن الشاعر إلى جوار ربه ليلقاه بخير الأعمال وأجلها، وكانت وفاته في العشرين من شهر ذي القعدة لعام 1400 هـ وقد عُمّر فوق المائة بتسع سنوات، وقيل أكثر. وصلي عليه في المسجد النبوي الشريف ودفن في بقيع الغرقد. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. آمين

المراجع

أئمة المسجد النبوي - عبدالله بن أحمد آل علاف.
موسوعة الأدباء والكتاب السعوديون ج2/ 94.
طيبة وذكريات الأحبة ج1/ 57.
مركز بحوث و دراسات المدينة المنورة.
شبكة قراء طيبة.
شخصيات متميزة في مجتمع المدينة المنورة. محمد صالح عسيلان
إفادة شفهية من الشيخ الدكتور عبدالعزيزبن عبد الفتاح القاريء حفظه الله.
كتاب الإثنينية الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عبد الحق بن عبد السلام النقشبندي - تراجم الشخصيات.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبد الله آل علاف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • اللوحات الحائطية
  • الصفحة الرئيسية