بسم الله الرحمن الرحيم

(14) لحظات وداع الجبهة .....


ان من اصعب الذكريات على المرء اللذي اكرمه الله بالجهاد هي لحظة انتهاء الجهاد.....والاستعداد للرحيل عن ارض شارك بها اخوانه المسلمين احزانه وافراحه ... واتراحه....يقلب المرء ناظريه يمنة ويسره .... ويتأمل كل شي حوله وكأنه ينظر الى منطقته اول مرة ...لتعلق مناظرها في ذاكرته على مدى العصور .... حينما اعلن اميرنا ان البوسنويين والصرب والكروات قد اتفقوا في قاعدة دايتون على اتفاق سلام البوسنه ..... وان القتال قد انتهى وتوقف .... وان علينا نحن المجاهدين الرحيل الرحيل...كادت قلوبنا ان تنفجر كمدا.... وفاضت اعيننا غزيرة بلا شعور ... وانقلبت افراحنا احزانا ... وآمالنا اشتاتا....حرجت بكل حزن والم ارقب المستقبل ماذا يخبئ لنا بقدر الله من امور...الله المستعان انتهى الرباط....والجهاد....والراحة النفسيه.....بدأنا نصبر بعضنا بعضا .... وان هناك ارضا جديده اسمها الشيشان قد فتح الله بها سوق الجهاد(الحرب الاولى) .... فكان هذا هو عزاؤنا الوحيد..... يقول عمرو بن الجموح رضي الله عنه وارضاه...وهومن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان خرج مع النبي عليه السلام الى احد الغزوات وهو يدعو الله ويقول.....اللهم لاترجعني الى المدينة مخزيا......... اللهم لاترجعني الى المدينة مخزيا...يقصد بذلك ان يتقبله الله شهيدا في سبيله ..... يقول هذا الكلام في حالة رجوعه من ذروة سنام الاسلام ...الله اكبر مع ان النبي عليه السلام اخبرنا ان قفلة من جهاد كغزوه ....ولكنها والله مرارة ترك الجبهة والقتال لأن الجهاد له حلاوه في القلب وهو كالرضعة المخدره ...كل من ذاقها ادمن عليها والله....كيف لا والنبي عليه السلام يقول (عليكم بالجهاد فانه باب من ابواب الجنه يذهب الله به الهم والغم) ..... نرجع الى قريتنا ..... تلك القرية التي قدمت ابوعبدالله الشرقي ....وابوالحسن المدني....وابودجانة العبيدي.....وابومحمد الكويتي...وخطاف البحريني....وذي النورين الجزائري...وابوسعيد الجزائري ... وابوعلي الفرنسي.....نسأل الله ان يتقبلهم ويعلي درجتهم في جناته وان يلحقنا بهم في شهادة يسبق امنها فزعها....استأذنا من صاحب المنزل بالرحيل ...وهو رجل كبير في السن ...قد بلغ السبعين من عمره ......فما ان اخبرناه بخبر رحيلنا حتى انفجر باكيا...كالطفل الرضيع ..... واذ بزوجته العجوز( المايكه) معناها ام ونحن ندعوها بأمنا ...فكم من يوم قدمت لنا الحليب من بقراتها... وكم من مرة قد غسلت لنا ثيابنا ...وكم من مرة مسحت لنا جزمنا العسكريه من الطين حتى اذا خرجنا من المنزل نبحث عن جزمنا(اعزكم الله ) نضن انها سرقت او بدلت ...وهي تبلغ من العمر الستين عاما .... ولكنها اصرت على خدمة ابنائها المجاهدين ....انتشر الخبر في القريه والقرى التي حولنا ...فاذا بالبوسنويين يأتون من كل مكان في منظر مهيب وكأنه موكب للعزاء ...متشحين بالبكاء وبالحزن والنحيب....وهم يحاولون ان يثنوننا عن قرار الرحيل ... وعرضوا علينا ان نتزوج منهم ويعطوننا منازلهم لنسكن بها ...ولكن ...انها مشيئة الله .... واذ بالأطفال الصغار ...اللذين تربو على الشهداء اللذين كانوا يدرسونهم ويعلمونهم ويشتروا لهم الحلويات والهدايا ....ابوعبدالله...وابومحمد ...واذ بهم يخروا والله من البكاء كأنهم فقدوا احد والديهم ..... ونحن ماضون في عمل حزين ...نقوم بانزال العفش والأحمال والشنط والأغراض من البيت (الخط الخلفي) ......خلا البيت من الناس ..... اين اصحاب قيام الليل ...اين المجاهدين اللذين كانوا يحيون المنزل بالذكر والعباده ..... وكنت انا آخر من خرج من البيت ارمقه بنظرات الوداع...... وانا اتمتم في نفسي اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها...... اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها...... خرجت من المنزل ولم استطع ان اطيل النظر بالناس اللذين التفوا حولنا .... وهم يرددون الى من تتركوننا ...فليبق منكم انا س ليجبروا بخواطرنا ........سلمت عليهم وودعتهم .....وانا اكتم عبرتي بل انفجر الدمع على الخدود جاريا من هول المصيبه...فقد اصبحوا لنا كالأهل ... والجهاد كالوطن.....ولكنها مشيئة الله سبحانه وتعالى....تحركت السيارات في موكب حزين ...تشق صفوف البوسنويين المساكين ...وكأننا نحمل جنازة معنا ...فوداعا يا بوسنه.....ولنا لقاء على ارضك ان شاء الله اذا عاد الجهاد....

م.حمد القطري

الصفحة الرئيسة