بسم الله الرحمن الرحيم

(24) يوم في جاجي.....


حارس آخر نوبة يؤذن و يدخل الخندق ليوقظ النائمين لصلاة الفجر ..
تخرج من الشرنقة .. ( كيس النوم ) ..
تطلع إلى الخارج .. يصفقك الهواء البارد .. و تتلفت فلا ترى إلا بياض في بياض ..
أشجار صنوبر كأنها دمى من الثلج .. الأرض كأنها دكان نداف متروس قطن ..
و الأرض تحتك طين جامد .. و ماء يتكسر تحت أقدامك مثل الزجاج ..
وش ذا الحلم .. تتذكر الدفايات الزيتية سيمنس .. و البيلر
تجد صعوبة في لبس الحذاء المتجمد الشمالي .. تناقز على الطين .. اللي صاير مثل السكاكين ..
تدخل أطراف أصابعك في الحذاء و تمشي .. يدفى مع كثر الدوس ويلين شوي ..
تأخذ الماء من (البخاري) .. حار يغلي ..
تغسل يديك بالماء فإذا هو دافي .. تغسل وجهك فإذا هو فاتر ..
تغسل رجليك فإذا الماء بارد ..
تنتهي من الوضوء .. فإذا الماء المتبقي يجمد في قاع الإبريق ..
بعد الصلاة .. و الأذكار .. (الله يا طول الأذكار ذيك الساعة .. علشان ما تبي تروح للمطبخ ) ..
تذهب للمطبخ .. الدور عليك في الخدمة اليومية .. كل يوم الطبخ على اثنين من الشباب ..
تدور على كم قطعة حطب تحت الثلج ..
الحطب صاير قوالب ثلج .. تلقاه لازق في الأرض .. تشوت فيه بالبسطار أبو السفتي حتى يطلع ..
تصب عليه الديزل .. يحترق الديزل .. و يبقى الحطب .. كما هو ..
تصب ديزل مرة ثانية .. يحترق الديزل .. و يبقى الحطب .. كما هو ..
و الديزل يسوي روحه عسل .. يتمغط .. تشوفه ثقيل ما له خلق يشب ..
تصب ديزل .. و تصب .. و تصب .. حتى تذوب طبقات الجليد داخل الحطب ..
و يحن عليك الحطب و يشب .. و يطفى .. و يشب .. و يطفى .. و يشب ..
تتخيل الحطبة تلتفت عليك و تقول : عربي .. و الله كسرت خاطري .. علشانك و الله هالمرة ..
لكن مرة ثانية اجمعوا الحطب و حطوه في مكان مسقوف .. أحد يجمع الحطب بعد تساقط الثلج ؟؟ ..
البيض .. و ما أدراك ما البيض .. لو تفلق فيه كافر أسلم ..
صلابيخ .. ضد الكسر .. يتقشر تقشير ..
و ما تدري هو القشر اللي يطيح و إلا أظافرك ..
ما تعرف أصابعك من أصابع خويك .. ما عاد تحس فيها ..
تطلع البيضة بعد التقشير .. آيسكريم أصفر .. ترميها في القدر .. دردب .. صخرة ..
تقلب البيض بالقدر كأنك تطبخ حصى .. خرخشة .. و قرقعة ..
حتى يذوب البيض .. و يستوي .. و ما يمديه يوصل داخل الخندق إلا و هو صاك مرة ثانية ..
ثم تبدأ رحلة البحث عن المواعين تحت الثلج .. الثلج اللي نزل البارحة ..
الله يهدي الخدمة حقين أمس .. ما غسلوا المواعين ..
أما غسيل .. ما لك أمل ..
الماعون عقب بيض ؟؟ .. حط فوقه بيض ..
الماعون عقب مربى ؟؟ .. حط فوقه مربى .. و اخلطه شوي ..
و هكذا هلم جرا دواليك طوالي..
بعد الفطور الشباب يستغلون النار اللي توها تدفى و تتمغط .. و تاكل بعضها برفق و حنية ..
يجلسون عن النار .. قبل لا يتجهون للأعمال الشاقة حقت أبونوفل .. الله يسامحه ..
كل واحد قاعد يشوي حذاءه ..
صراحة .. معلق حذائه في حطبه طويلة .. و قاعد يحميه .. علشان يلين .. و يطاوع ..
علشان يقدر يدخل رجله فيه ..
و بعد عملية تطويع الأحذية ..
ينتشر الشباب إلى الأعمال الشاقة ..حفرخنادق .. و مد الأسلاك الشائكة ..
كريكات .. و فواريع .. و مرزبة .. و عتلة .. و شغل مساجين ..
و لا يرجعون للخندق إلا عند صلاة الظهر .. للصلاة و الغداء ..
ثم يعودون للعمل حتى المغرب حيث العشاء .. ثم صلاة العشاء .. ثم النوم ..
و هكذا جرا دواليك هلم على طول ..
ناهيك طبعاً .. (لاحظوا ناهيك ) ..
أقول ناهيك عن الإنزلاقات العفوية و التقلبات الجمبازية و الحركات البهلوانية ..
طبعاً الشباب ما تعودوا على المشي على الثلج ( اخوكم مقطوع سره في بيروت )
و طبعاً الحكم ضدنا و الأرض و الجمهور .. و لا ننسى الضغط النفسي للصحافة .. و المدرب الغشيم ..
المهم .. صار الواحد منا يمشي مثل رامبو .. .. وخر عنه ..
طلعت لنا عضلات في أنحاء متفرقة من الجسم مع احتمال تدني في الرؤية الأفقية جعلها الله عضلات خير و بركة ..
و صراحة .. حتى ما نظلم حبيبنا أبونوفل ..
كان هناك استراحة بين الشوطين .. شاي بالطين .. و حلاوة أفغانية .. إن وجدت ..
الساعة عشرة تقريباً .. بس هناك في أماكن العمل .. الشاي يدور عليهم .. و الحلاوة ..
أحلى أيام ..
أذكر مرة سويت لهم حلاوة ..
أنا أعرف المقادير .. لكن ما أعرف الطريقة .. سميد و مويه و سكر .. و زيت ..
حطيت المقادير كلها في القدر على النار .. و قعدت أقلب فيها ..
حتى استوت .. طلعتها من النار .. و أنا أحركها .. اشوف الخلطة تثقل .. تثقل .. تثقل ..
حتى صارت صبة .. الله وكيلك اسمنت .. حتى الملاس صكت عليه ..
طبعاً .. ما عجبت الشباب .. أصلاً ما قدروا يذوقونها .. قطعة بلوك مصبوبة في قدر ..
ما تصلح معها الملاعق .. هذي توكل بإزميل و مطرقة ..
ناس ما تقدر المواهب .. لا تشجيع و لا ترقيع .. شلون الواحد يتعلم ؟؟ ..
عاد أنا تحسفت أكب الخلطة .. لكن كيف أخلص القدر و الملاس .. المتفجرات يمكن تعور القدر ..
رحت و حطيت القدر لحمار المركز .. أعزكم الله .. يمكن يحل المسألة و يأكل شوي من الحلاوة ..
الحمار .. طالع في الصبة .. شمها .. طالع فيني ..
ثم قلب وجهه .. و راح ..
حتى أنت يا أبوصابر ..
لكن أنا من الناس اللي مجاديفهم تعصى على التكسير ..
يعني وجه عريض مغسول بمرق .. صرت طباخ غصب ..
و في المرة الثانية أعلمكم عن سالفة المطازيز اللي سويناها في كابل ..

همام

الصفحة الرئيسة