بسم الله الرحمن الرحيم

(36) طــراقـات .. !!


تك .. فتحت الباب ..
..
..
الليل يحتضر ..
يلفظ أنفاسه الأخيرة .. مودعاً هذا الكون
و يختلط سواده المهيب ببياض الفجر ..
فيتكون الغلس .. المرحلة الأولى من بداية اليوم الجديد ..
شعور عجيب يخالط قلبك و أنت تتوجه إلى بيت الله لإجابة نداءه
عندما تشعر بأن الكون كله نائم .. و تستشعر أن الله اختارك من بين ملايين البشر
لتقوم و تتوضأ و تجيب نداءه ..
الجو في تلك الساعة جميل .. محروم منه كثير من الناس ..
الهدوء و السكون يخيم على الكون ما عدا أصوات خفيفة تأتي من بعيد
تعرف منها قرع نعال الرجال المتوجهين لأداء الصلاة
كانت هذه هواجس خطرت في نفسي و أن أمشي إلى المسجد
فجأة قالت لي نفسي : .. لماذا كل هذا الفرح .. هل أنت معجب بعملك ..( طراق !!)..
قلت .. كيف لا أفرح و قد انتصرت على الشيطان و قمت إلى الصلاة
إني أفرح بما ينتظرني عند ربي من أجر على هذه الطاعة ..
سكتت نفسي على مضض .. و قد أعدّت لي درساً ..
دخلت المسجد .. صليت السنة و جلست ..
قالت لي نفسي : انظر يمينك ..
نظرت حيث أشارت .. فرأيت جارنا الرجل الطيب المحافظ على الصلاة
صحيح أنه غير ملتزم ببعض الواجبات الظاهرة و هو يدخن أيضاً ..
و لكنه يدخل المسجد قبل أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر .. يومياً ..
قالت نفسي :.. و أنت اللي شايف نفسك .. تصلي مع الجماعة صلاة الفجر يوم و تنام عنها يوم أو يومين
و ربما فاتتك تكبيرة الإحرام أو ركعة كاملة .. و لا تصلي السنة الراتبة .. (طراق ثاني ‍!!)
انظر شمالك .. نظرت فرأيت ولداً صغيراً لا يتجاوز المرحلة الابتدائية
تصاغرت نفسي ..
انظر إلى المصلين كلهم .. جال بصري في الموجودين .. يقرأون القرآن ينتظرون الإمام
كل هؤلاء يحضرون الصلاة يومياً منذ سنوات .. و أصبح القيام للصلاة عندهم طبيعي فهو شيء تعودوا عليه
و أنت إذا حضرت صلاة الفجر مع الجماعة .. تهت و خلت على نفسك ذلك اليوم
و كأنك الوحيد الذي قام و صلى مع الجماعة .. (طراق !!)
تعال إلى صلاة الفجر يومياً .. لتعرف من هو الملتزم ..
همّام .. اصح لنفسك .. لماذا تظن نفسك أفضل من الناس .. بماذا تظن أنك سبقتهم ....
( شالسالفة.. وش فيها نفسي اللوامة اليوم شابّة علي طراقات ..)
بحثت في نفسي لأجد جواباً لسؤالها .. و حاولت التماس الأعذار ..
قالت : لعلك غرك قولهم مطوّع .. ملتزم .. مستقيم ..
فماذا فعلت في كل تلك السنين و أنت محسوب من جملة المطاوعة ..
انظر إلى الذين التزموا في مثل وقتك .. كيف قضوا أيامهم
و كيف قضيت أيامك ..
منهم من حفظ القرآن .. تعلم القرآن و علمه
و منهم من حفظ مع ذلك الحديث و ترقى في طلب العلم حتى أصبح شيخاً فقيهاً يعلم الناس أمور دينهم
و منهم من أصبح واعظاً مرشداً أو خطيباً يعلم الناس الخير و يرشدهم إلى طريق الله ..
فما نصيبك أنت من كل هذا .. قلت : هاه !! ..
بل أين حقيقة هذا الالتزام .. أين التقرب إلى الله بالطاعات و النوافل من صلاة و صيام و صدقة و بر
و قراءة قرآن و صلة الأرحام .. فضلاً عن العلم و الدعوة و الجهاد ..
السالفة ما هي خذني جيتك .. سلعة الله غالية ..
قلت : كل ميسر لما خلق له .. ( اسمع الحجة ) ..
قالت : كأنك تعرّض بالجهاد .. لعلك غرك بضع سنوات يسر الله لك أن تقضيها مع المجاهدين ..
( نعم .. نعم .. تنفست شوي .. بعد فيه أفضل من الجهاد ؟؟ )
طيب .. قالت نفسي ..
و أين أنت الآن من الجهاد ؟؟ .. أين أصحابك الذين نفروا معك إلى الجهاد ؟؟ ..
منهم من أكرمه الله بالشهادة .. و منهم من لا يزال يركض خلفها .. يبتغي الموت مظانه ..
( فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر .. و ما بدلوا تبديلاً )
انظر إلى نفسك .. هل أنت من الذين لم يبدلوا تبديلاً ؟؟ ..
هاهم أصحابك المجاهدين الحقيقين .. يقودون الكتائب في الشيشان ..
و أنت تقود فريق كرة الطائرة آخر الأسبوع .. (طراق قوي !!)
اكتفيت ببضع سنوات في الجهاد لا تدري هل تقبلها الله أم لا
ثم جلست .. تحدث بها و كأنها قصص عنترة و أبو زيد ..
( هاه ؟؟ !!.. قلبي قام يعورني .. شوي شوي يا نفس )
.. تجتر تلك الذكريات ..و تعلكها حتى لا تنسى و لتبقى تعيش في جهاد وهمي ...
نعم .. توهم نفسك أنك ما زلت تحسب من المجاهدين
لم تزل تحدث بتلك الأعمال مذ رجعت ..
فما زدت على أن أخرجت أعمالك من ديوان السر إلى ديوان العلانية ..
فهل ترجوا بعد ذلك عليها أجراً ..
أدع الله أن ينجيك من عاقبتها و يخرجك منها كما دخلت بالكفاف لا أجر و لا وزر ..( طراق !!)
همّام .. وين رحت ؟؟ ..
(هاه ؟؟ ..موجود وين أولّي .. بس ما خليتي لي فرصة أقول شي .. ) ..
قالت : طبعاً .. وش تقول .. معجب بنفسك .. أنت معجب بنفسك .. على شنو ؟؟.. ما أدري
إصحَ يا هيه .. الله بالخير .. الله بالخير أقول .. إصحَ ..
إذا ذكر طلبة العلم .. فلست واحداً منهم بلا شك و لا ريب ..
و إذا ذكر المجاهدين .. فلست منهم .. مهما حاولت تتلزق بهم .. فهم هناك و أنت هنا ..
و إذا ذكر الدعاة المخلصون العاملون .. فأنت أبعد الناس عنهم ..
و إذا ذكر العباد الزهاد الذي استغلوا أيامهم بالاجتهاد في العبادة .. فلا تلحق بهم و لا تشوف غبارهم ..
فعلى ماذا ترفع خشمك و تنظر إلى الناس تلك النظرة ..
و تكلم الناس بلسان الناصح المشفق .. أشفق على نفسك .. (طراق !!)
همّام .. لا يغرّك مدح الناس . .. و ثنائهم .. ؟؟
ترى أنت أعلم الناس بنفسك .. استغفر من ذنوبك و ابك على خطيئتك
ترى أعمالك ما توصلك راس الشارع … و أنت تطمع بالجنة ..
ما أشد إعجابك بنفسك .. فقد فرحت بالإنترنت
لتبني لنفسك فيها مجداً جديداً .. بعد أن بدأ نجمك يأفل بطول سنين القعود ..
ها أنت كلما دخلت .. ركضت إلى مقالاتك .. تقرأها بنهم
تبحث عن كلمة مدح أو عبارة ثناء .. في ثنايا الردود
فإذا قرأتها انتفخت ..و فرحت بهذا الثناء و لعله يكون هو نصيبك الوحيد من أجر كتابتك ..
هذا إذا سلمت من وزر الرياء و السمعة و العجب ..
تتناسى أن الله يعلم منك ما لا يعلم هؤلاء المساكين .. فربما تنفعهم كتاباتك و تضرك أنت ..
فتكون كمن يداوي الناس و هو عليل ..
يا مسكين . انتبه لنفسك .. أفق من أحلام اليقظة و انظر حقيقة ماذا قدمت لغد ..
( ما حسيت و نفسي تكفخني بهالطراقات .. إلا و أنا عند باب البيت ..)
ما أقسى النفس اللوامة إذا عرّتك أمام نفسك ..
و نزعت عنك كل ثيابك التي تستتر بها من الناس ..
و ألقتك في عراء الحق المحض .... حقيقة مجردة ..
فتحت الباب ..و قد غرقت في ذكرياتي .. أبحث فيها عن أي عمل ..
أحاج به هذه النفس اللي فضحتني عند نفسي و خلتني بيزة ما أسوى .. فلم أجد ..
و في لحظة يأس .. اكتوي فيها القلب بنار الندم و الحسرة ..
تمر خاطرة كالبرق تضيء جوانب القلب المكلوم .. تخفف جراح الخطايا .. و تحيي الأمل بالله ..
انتبهت لأعظم الأعمال و أشرفها ... فسرّي عني بعض الشيء ....
لا إله إلا الله .. خرجت من لساني .. فنزلت على قلبي كما ينزل الماء البارد على الكبد الحرّى ..
اللهم لم أعمل لك عملاً في هذه الدنيا هو أرجى عندي من هذه الشهادة ..
شهادة التوحيد ..
اللهم ارحمني بالتوحيد .. و اغفر لي ما دون ذلك ..
..
..
تك .. سكّرت الباب

همام

الصفحة الرئيسة