صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التخلف العلمي في بلاد المسلمين

د. بدر عبد الحميد هميسه


بسم الله الرحمن الرحيم


لقد استطاع الإسلام أن يقيم من أعظم الحضارات التي عرفها التاريخ ؛ حضارة تقوم على العلم والمعرفة والتجربة والبحث , والتفكير العلمي السليم , وكل ذلك قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وجعلهما مصدراً أساسياً للانطلاق والبحث , حيث جعل الإسلام أول شعار له في هذا الكون هو شعار : \" : \"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ\". سورة العلق: 1-5.
واشتمال القرآن الكريم على ما يقارب (750) سبعمائة وخمسين آية تحث وتدعو إلى إعمال الفكر في هذا الكون وما فيه من مخلوقات مسخرة للإنسان . هذا الكون الذي هو ميدان العلوم الطبيعية .
ولقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب العلم سبيلاً إلى دخول الجنة فقال : \" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.أخرجه أحمد 5/196(22059) و\"الدرامي\" 342 و\"ابن ماجة\"223 .
من هنا فقد انطلق المسلمون الأوائل نحو الأخذ بكل أسباب العلم وبكل سبله المتاحة ، فكانت حضارة الإسلام وعلوم الإسلام بمثابة القبلة التي يتجه إليها الجميع لكي ينهلوا من معينها ويرتووا من فيضها .
لكن حينما بدأ المسلمون في التخلي عن منهجهم في طلب العلوم وبدأوا يتفرغون للصراعات السياسية والجدل الفلسفي العقيم بدأ الغرب ينهض من كبوته ويدخل في عصر الحداثة والثورة الصناعية ، في الوقت الذي توقف المسلمون عن الأخذ بأسباب العلم والتقدم الذي تدعوه إليه شريعتهم ،فاختل ميزان القوى لصالح الغرب الذي بدأ في التآمر على دولة الخلافة وأضعف شوكتها ،وأفاق المسلمون في نهاية القرن الثامن عشر لكي يجدوا أنفسهم في حالة من التخلف العلمي والحضاري .
وتبين لهم أن معظم الاكتشافات والاختراعات العلمية يقوم بها غير المسلمين ؛ والسبب في بذلك أن هؤلاء أخذوا بالأسلوب الصحيح في البحث والاستقراء والتمسك بقواعد وأصول البحوث العلمية الجادة، ووفرت لهم حكوماتهم بيئات علمية مناسبة، وسخرت لهم كل الإمكانيات المادية والوسائل المعينة، فانتقلت إليهم الريادة العلمية في شتى الميادين والمجالات العلمية، في حين أن المسلمين تخلفوا في هذا المضمار، فكانت النتيجة الطبيعية طبقاً لسنة الله في الكون، وتمشياً مع قاعدة \"ولكل مجتهد نصيب\" - وتلك عدالة الله بين خلقه - أن ووهب لهؤلاء ثمرة جهدهم وإخلاصهم لتلك العلوم التجريبية، وأعطاهم ما يستحقونه من سبق كشف وتقدم ونبوغ في الحياة الدنيا.

وهناك أسباب كثيرة للتخلف العلمي في بلاد المسلمين منها :

أسباب مادية : ترجع على سيطرة الدول الكبرى على ثروات دول العالم الإسلامي إما بشكل مباشر عن طريق احتلال دوله وتفتيتها إلى دويلات متناحرة والسيطرة عليها عسكريا , أو بشكل غير مباشر كالتحكم في ثرواته وربط مصالحه باستغلالها .
كذا تفشي الأمية بين المسلمين البالغين حيث تتراوح نسبتها بين 50% و80% (بمتوسط حوالي 58%) بينما تقل نسبة الأمية عن 2% في دول الشمال، ولا تتعدى هذه النسبة 45% في المتوسط في دول العالم الثالث بصفة عامة، وهذا يعني بوضوح أن أعلى نسبة للأمية بين البالغين في العالم هي في الدول الإسلامية المعاصرة.
وكذا إهمال دراسات العلوم والتقنية في العالم الإسلامي المعاصر وقيام مختلف المؤسسات العلمية والتقنية الحديثة في دول العالم الإسلامي كافة على أنماط مستوردة لا تنبع من عقيدتها وتراثها، ولا من حاجات أفرادها ومجتمعاتها، مما أدى إلى غرابة هذه المؤسسات في بيئاتها، وغرابة خرّيجيها، وإلى العديد من الحواجز الاجتماعية التي حالت بين هذه المؤسسات وبين تحديد أهداف واضحة لها، وخطط محددة لعملها، كما حالت دون قيام خريجيها بواجباتهم كاملة في مجتمعاتهم.
واستمرار اعتماد المسلمين على جامعات الغرب أو الشرق في تكوين طاقاتهم العلمية المتخصصة، دون محاولات جادة لتأسيس قواعد ذاتية راسخة للبحث العلمي وتطبيقاته في العالم الإسلامي.
وانعدام التخطيط والتنسيق والتعاون بين مختلف المؤسسات العلمية والتقنية وعدم وجود الحوافز المادية والمعنوية الكافية للمشتغلين بالبحث العلمي والتقني وكذا عدم توفر وسائل البحث العلمي والتقني من الأجهزة والمواد والمعدات والقوى الفنية المساندة، والخدمات المكتبية والتوثيقية المتطورة في كثير من دول العالم الإسلامي المعاصر مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من العلماء والفنيين إلى خارج حدود العالم الإسلامي، وهذا في حد ذاته يمثل استنزافاً لأهم طاقات المسلمين ولأعظم إمكاناتهم.

وهناك الأسباب المعنوية :
والتي منها : غياب التطبيق الصحيح للإسلام نظاماً شاملاً للحياة في أغلب الدول الإسلامية وغياب الفهم الصحيح لرسالة الإنسان, والشعور الداخلي عند كثير من المسلمين المعاصرين (قيادة وأفراد) بالانهزام والتخلّف والضعف أمام التكتلات العالمية الكبرى ,وغياب البيئة الصالحة للتقدم العلمي والتقني في ظل الاستبداد السياسي الذي يسود معظم دول العالم الإسلامي اليوم.
انظر : زغلول النجار :قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي , ص 13 وما بعدها ( بتصرف ) الناشر مكتبة وهبة .
فإذا أراد المسلمون اليوم أن يعودوا إلى الصدارة في العلوم، ويحتلوا مكانتهم الريادية التي كانت في أسلافهم، فعليهم أن يعودوا إلى الإصلاح ومنهجه القويم، ويبحثوا عن أسباب التخلف العلمي ومواضيع النقص والخلل، لأن تشخيص الداء هو أول خطوة لمعالجة المرض. ولن يكون الدواء نافعاً إلا بعد معرفة الطبيب لنوع المرض وأسبابه.

ولقد عرفنا أن هناك أسباباً مادية ومعنوية لهذا التخلف العلمي علينا إزالة هذه الأسباب بمحاربة الأمية, وإعادة بناء الهيكل والنظام التعليمي على أسس صحيحة بعيدة عن التلقين والاستظهار فقط دون فهم ووعي , ومراجعة خطط البحوث العلمية والتقنية في العالم الإسلامي ووضع الأولويات لها بما يتفق واحتياجات المجتمعات المسلمة وروح رسالتها الإنسانية العالمية، والتخطيط لبرامج بحوث مشتركة بين الهيئات العلمية الإسلامية,وتشجيع البحث العلمي والتقني بين المسلمين ,والعمل على إحياء المفهوم الصحيح للبحث العلمي والتقني في الإسلام , ونشر الوعي الثقافي وتبصير الشباب بضرورة البحث والتجربة وإزالة العراقيل التي تكون حجر عثرة في سبيل التقدم العلمي والحضاري .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية