صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لا للرسائل السلبية في حياتنا

د. بدر عبد الحميد هميسه

 
بسم الله الرحمن الرحيم


في حياة كل منا رسائل سلبية كثيرة كفيلة بأن تقضي على آمال الإنسان وعلى طموحاته في هذه الحياة ؛ بل كفيلة بالقضاء على حياته كلها , وهذه الرسائل السلبية التي نصدرها من غير ما نشعر قد تفسد بمن حولنا , وهذه الرسائل السلبية أحيانا لا تكون موجهه للآخرين ولكنها أيضا قد تكون موجه للذات أي لأنفسنا حينما نقول لأنفسنا بأننا غير فاعلين أو غير قادرين..الخ وهذه من شأنها أن تزرع لدينا أشجارا خبيثة من أفكار غير عقلانية قد تحد من قدراتنا الفعلية فلا نعمل وفق قدراتنا الحقيقية ذلك أن قدراتنا الحقيقية أصبحت مغمورة في وحل تلك الأفكار غير العقلانية التي أصبحت معتقدات راسخة بالنسبة لنا .

و لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن للرسائل السلبية الموجهة إلى العقل الباطن للإنسان تأثيراً فعالاً وخطيراً على أفكار الفرد ومعتقداته وبالتالي سلوكه وتصرفاته، فعندما يستقبل احدنا رسائل سلبية تقلل من قدره ومكانته أو من مواهبه وأفكاره مثل: أنت لست أفضل من غيرك - لا يمكن أن تنجح - فكرتك غبية - هل تعتقد انك أذكى من الآخرين - إن أحلامك مستحيلة التحقيق - ونحو ذلك كثير، فقد يستسلم الفرد لهذه الرسائل ويصدقها فتدخل إلى العقل الباطن وترسخ فيه، ثم عند أي محاولة - بعد ذلك - للعمل والجد والانجاز والتميز ستظهر هذه الرسائل بشكل.
والعقل الباطن في الإنسان يعد الموجه الأول له لفعل الأشياء أو تركها , ولذا \" يجب عليك أن تتخيل دماغك على أنه مجموعة من الأجهزة الهندسية الدقيقة والتي تعمل وفق برنامج محدد، أنت من سيدير هذا البرنامج وهذا هو مفتاح النجاح! أما إذا لم تدرك هذه الحقيقة فسوف يُدار دماغك من قبل الأصدقاء والأهل والمجتمع المحيط والمؤثرات المحيطة بك، وستصبح إنسانا انفعالياً وغير قادر على التحكم بذاته أو عواطفه\" . ( انظر : روائع الإعجاز النفسي في القرآن الكريم , لبد الدائم الكحيل4 ).
ولقد جاء الإسلام ليعلي من قدر الإنسان على جميع المخلوقات , قال تعالى : \" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) سورة الإسراء .
فرفض الإسلام الخرافة والجهل وأعلى من شأن العلم والعقل , وعلم الإنسان أن لا يقلد غيره تقليدا أعمى , قال تعالى : \" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) سورة المائدة .
عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكْمْ ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاؤُوا فَلاَ تَظْلِمُوا. أخرجه التِّرْمِذِي (2007).

ومن هنا فقد رفض الإسلام الرسائل السلبية التي قد تأتي للإنسان من داخل ذاته أو من خارجها , وتكون سببا في تثبيط همته , وتقويض عزيمته .
قال الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : \" وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) سورة آل عمران .
وقال : \" وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) سورة يونس .
وحينما استكثر المسلمون ما أصابهم من البلاء يوم أحد وقد كانوا أصابوا يوم بدر من المشركين ضعف ذلك فأنزل الله عز وجل في ذلك { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[آل عمران : 165].
ومن ألطاف الباري: أن الله يذكر عباده أثناء المصائب ما يقابلها من النعم، لئلا تسترسل النفوس في الجزع، فإنها إذا قابلت بين المصائب والنعم خفت عليها المصائب، وهان عليها حملها، كما ذكّر الله المؤمنين حين أصيبوا بأحد ما أصابوا من المشركين ببدر، فقال:{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ }[ آل عمران: 165]، وأدخل هذه الآية في أثناء قصة أحد { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }، [ آل عمران: 123 ].
وكذلك يبشر الله عبده بالمخرج منها حين تباشره المصائب، ليكون هذا الرجاء مخففاً لما نزل به من البلاء، قال تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ }، [ يوسف: 15 ]، وكذلك رؤيا يوسف كان يعقوب إذا ذكرها رجاء الفرج وهب على قلبه نسيم الرجاء، ولهذا قال: { يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ }، [ يوسف: 87 ]،.
وكذلك قوله لأم موسى في سورة القصص:{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }، [ القصص:7 ]،.

لذا حينما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على جبل أحد ذات يوم وتذكر الصحابة رضوان الله عليهم ما وقع لهم من هزيمة على هذا الجبل , أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تصل هذه الرسالة السلبية عن جبل أحد في نفوسهم , فقال لهم محولا تلك الرسالة السلبية إلى رسالة ايجابية : \" أحد جبل يحبنا و نحبه\" ( صحيح ) انظر حديث رقم : 191 في صحيح الجامع .
وحينما مر بجبل يسمى جمدان ,ولم يتفاءل بعضهم بالاسم قال : \"سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ، قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ. أخرجه أحمد 2/411(9321) و\"مسلم\" 6905 و\"ابن حِبَّان\" 858 .

بله أنه صلى الله عليه وسلم كان يغير الأسماء التي من الممكن أن توصل إلى أصحابها رسائل سلبية , عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ : حَزْنٌ ، قَالَ : أَنْتَ سَهْلٌ ، قَالَ : لاَ أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ : فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ.أخرجه البُخَارِي 8/53(6190).
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ. وَقَالَ : أَنْتِ جَمِيلَةُ. أَخْرَجَهُ أحمد 2/18(4682) و\"الدارِمِي\" 2697 و\"البُخَاريّ\" في (الأدب المفرد) .
عَنْ بَشِيرِ بْنِ مَيْمُونٍَ ، عَنْ عَمِّهِ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِيٍّ ؛أَنَّ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ : أَصْرَمُ ، كَانَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ : أَنَا أَصْرَمُ ، قَالَ : بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ. أخرجه أبو داود (4954) صحيح الكلم الطيب ( 218 ) ، المشكاة ( 4775 ).
وفي الهجرة المباركة لما خاف الصديق على رسول الله من أذي قريش , وقال لرسول الله : \" لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ \" رفض الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الرسالة السلبية وقال له في ثبات المؤمن ويقينه بربه : \" يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا.
فأنزل الله تعالى : \" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة .

وحينما جاءه خباب بن الأرت يشكو ظلم قريش , عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ، قَالَ:شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلاَ تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه أحمد\" 5/109(21371) و\"البُخَارِي\" 4/244(3612) و\"أبو داود\" 2649 و\"النَّسائي\" 8/204 .

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ:دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ « يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِى وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ : أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ « قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّى وَقَضَى عَنِّى دَيْنِى.أخرجه أبو داود (1555).
عَنْ أَنَسٍ ؛أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ.
- وفي رواية :سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَعَنِ الدَّجَّالِ ؟ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ ، وَالْبُخْلِ ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ. أخرجه أحمد 3/179(12864) والتِّرْمِذِيّ\" 3485 و\"النَّسائي\" 8/257 .

وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه استبدال الرسائل السلبية المحبطة برسائل إيجابية دافعة .
ولقد سار أصحابه الكريم على هذا النهج القويم , ويروي أن أحد اللصوص سرق في عهد عمر رضي الله عنه فأحضر بين يديه فسأله عمر قائلاً (( لم سرقت ؟ فقال : قدر الله ذلك فقال عمر رضي الله عنه : اضربوه ثلاثين سوطاً ثم اقطعوا يده فقيل له ولم ؟ فقال : يقطع لسرقته ويضرب لكذبه على الله.
وتعلم التابعون من بعدهم معاني العزة والايجابية وعدم الاستسلام ,
فهذا «عطاء بن أبي رباح»، سيد التابعين كان أسود، أعور، أفطس، أشل، أعرج، ثم عمي بعد ذلك. وقال عنه إبراهيم الحربي، كان عطاء عبدًا أسود لامرأة من أهل مكة، وكان أنفه كأنه باقلاء. ستة عيوب كانت في عطاء ماذا تظنه قد فعل بها؟ هل تكسرت عزائمه؟ هل بكى على قدره يائسًا ومنتظرًا يوم موته للخلاص من الدنيا والخلاص من تهكمات الناس وسخريتهم؟ هل قال عطاء لنفسه: أنا عبد مملوك سأظل هكذا إلى الأبد، أنا أسود وأعور وأشل و... لن يقبلني أحد؟.
لقد كان لعطاء أذنان تسمعان، ورجلان تمشيان، كان لعطاء لسان يتكلم، ويد تكتب، وعقل يفكر ويحفظ.. هذا ما وجده عطاء في نفسه، كان ينظر بعين المتفائل الراضي الذي يمتلك الكثير من النعم.
لقد كان يعلم أن التغيير يبدأ من الداخل. المهم كيف أرى نفسي لا كيف يراني الناس، إذا كنت ترى نفسك قويًا ذكيًا فهكذا ستبدو وبهذا سيعاملك الناس. إن السعيد هو من يرى الوجود سعيدًا، سأطلب العلم عند كل عالم.. سأجتهد وأتعلم وأثبت لنفسي أني قادر على تغيير حياتي إلى الأفضل. بهذه العبارات المتفائلة خاطب عطاء نفسه، فماذا حدث؟
لقد صاح المنادي في زمن بني أمية في مكة أيام الحج، لا يفتي الناس إلا عطاء. وقال عنه الإمام أبو حنيفة: ما رأيت أفضل من عطاء. وقال الإمام إبراهيم الحربي: جاء سليمان بن عبدالملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه، فجلسوا إليه وهو يصلي، فلما صلى التفت إليهم، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج، وقد حول قفاه إليهم، ثم قال سليمان لابنيه: قوما، فقاما. فقال: يا بني لا تنيا في طلب العلم، فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود.
لقد أصبح «عطاء بن أبي رباح» عالم الدنيا في زمنه.. رسم صورة ذهنية متفائلة مشرقة عن نفسه وواقعه، فكان له ما رأى وتوقع.
هذه كانت قصة عطاء الذي مكث في الحرم 30 سنة يطلب العلم.
وهذا \" ابن سيده\" يؤلف كتابه «المخصص» وهو أعمى. كتابه الذي يقع في 17 مجلدًا، في كل جزء قرابة 300 صفحة، بها من أصول اللغة وخصائصها ونواحي اتصالها بالحياة ما جعله قبلة اللغويين في العصور المختلفة.
وسُجن «السرخسي» فألف المبسوط في 30 مجلدًا، وأصاب الشلل ابن الأثير فصنف جامع الأصول والنهاية في 30 مجلدًا، وسجن ابن تيمية فأخرج الفتاوى 30 مجلدًا.. أرأيتم، حتى عندما تفقد إحدى كبريات النعم مثل نعمة الحرية قد يكون لك فيها منحة من الله!.
قال الشاعر:

يا صاحبي ما لي أراك مقطباً مهموما * * * وعلى ملامحك البكاء مصوراً مرسوما
اصبر على سحب الحياة إذا تجمع غيمها * * * فالشمس لن تبق على وجه السماء غيوما

يحكى أن مجموعة من الضفادع كانت تقفز مسافرةً بين الغابات, وفجأة وقعت ضفدعتان في بئر عميق. تجمع جمهور الضفادع حول البئر, ولما شاهدا مدى عمقه صاح الجمهور بالضفدعتين اللتين في الأسفل أن حالتهما محزنة كالأموات
تجاهلت الضفدعتان تلك التعليقات, وحاولتا الخروج من ذلك البئر بكل ما أوتيتا من قوة وطاقة؛ واستمر جمهور الضفادع بالصياح بهما أن تتوقفا عن المحاولة لأنهما ميتتان لا محالة أخيرا انصاعت إحدى الضفدعتين لما كان يقوله الجمهور, واعتراها اليأس؛ فسقطت إلى أسفل البئر ميتة . أما الضفدعة الأخرى فقد دأبت على القفز بكل قوتها.
ومرة أخرى صاح جمهور الضفادع بها طالبين منها أن تضع حدا للألم وتستسلم للموت؛ ولكنها أخذت تقفز بشكل أسرع حتى وصلت إلى الحافة ومنها إلى الخارج
عند ذلك سألها جمهور الضفادع: أتراك لم تكوني تسمعين صياحنا؟! شرحت لهم الضفدعة أنها مصابة بصمم جزئي , لذلك كانت تظن وهي في الأعماق أن قومها يشجعونها على إنجاز المهمة.

قال السماء كئيبة ! وتجهما * * * قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما !
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتــسم* * * لن يرجع الأسف الصبا المتصرما !!
قال: العدى حولي علت صيحاتهم * * * أَأُسر و الأعداء حولي في الحمى ؟
قلت: ابتسم, لم يطلبوك بذمهم* * * لو لم تكن منهم أجل و أعظما !
قال: المواسم قد بدت أعلامها * * * و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و علي للأحباب فرض لازم* * * لكن كفي ليس تملك درهما
قلت: ابتسم, يكفيك أنك لم تزل * * * حيا, و لست من الأحبة معدما!
قال: الليالي جرعتني علقما * * * قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما* * * طرح الكآبة جانبا و ترنما
أتُراك تغنم بالتبرم درهما * * * أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح, لا خطر على شفتيك أن * * * تتثلما, و الوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى* * * متلاطم, و لذا نحب الأنجما !
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا * * * يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت ابتسم مادام بينك و الردى * * * شبر, فإنك بعد لن تتبسما

فكن متفائلاً بقوة بأنك ستحقق النجاح والتوفيق .. واحذر بشدة لرسائل السلبية التي يتلقاها عقلك الباطل من أصدقائك وأفراد عائلتك والمحيطين بك ، ولا تسمح لأي شخص أن يبرمج لك عقلك بتوقعات سلبية , وطور من رسائلك الايجابية وتفاءل بالخير تجده .
يحكى أن رجلا أعمى جلس على إحدى عتبات عمارة ووضع قبعته بين قدميه وبجانبه لوحة مكتوب عليها:(أنا أعمى أرجوكم ساعدوني).
فمر رجل إعلانات بالأعمى ووقف ليرى أن قبعته لا تحوي سوى قروش قليلة فوضع المزيد فيها ومن دون أن يستأذن الأعمى أخذ لوحته وكتب إعلانا آخر.
عندما انتهى أعاد وضع اللوحة عند قدم الأعمى وذهب بطريقه وفي نفس ذلك اليوم مر رجل الإعلانات بالأعمى ولاحظ أن قبعته قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية فعرف الأعمى الرجل من وقع خطواته فسأله إن كان هو من أعاد كتابة اللوحة وماذا كتب عليها؟ فأجاب الرجل: (لا شيء غير الصدق فقط أعدت صياغتها) وابتسم وذهب.
لم يعرف الأعمى ماذا كتب عليها لكن اللوحة الجديدة كتب عليها:
( نحن في فصل الربيع لكنني لا أستطيع رؤية جماله).

أما من تسيطر عليه تلك الرسائل السلبية فإنها تهوي به إلى مكان سحيق , ويضل حياته أسيراً لهذه الرسائل .
يحكى انه كان هناك نسر يعيش على احد الجبال ويضع عشه على قمة احد الأشجار وكان عش النسر يحوي 4بيضات ثم حدث إن هز زلزال عنيف الأرض فسقطت بيضة من عش النسر إلى أن استقرت في قن الدجاج فظنت الدجاجات أن عليها أن تعتني بالبيضة وتطوعت دجاجة كبيرة في السن للعناية بالبيضة إلى أن تفقس وفي إحدى الأيام فقست البيضة وخرج منها نسر صغير جميل و لكن هذا النسر بدأ يتربى على انه دجاجة وأصبح يعرف انه ليس إلا دجاجة وفي احد الأيام بينما كان يلعب في قن الدجاج شاهد مجموعة من النسور تحلق عاليا في السماء تمنى هذا النسر لو يستطيع التحليق عاليا مثل هؤلاء النسور لكنه قوبل بالضحك و الاستهزاء من الدجاج قائلين له ما أنت إلا دجاجة ولن تستطيع التحليق عاليا مثل هؤلاء النسور و بعدها توقف النسر عن حلم التحقيق في الأعالي و ألمه اليأس ولم يلبث أن مات بعد أن عاش حياة طويلة مثل الدجاج.
فلا تجعل في قاموس حياتك ( أنا فاشل – قدري هكذا – لا يمكن – مستحيل – الناس يكرهونني – صعب علىّ – أنا مضطهد ).
وتذكر قول الله تعالى : \" وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) سورة هود .
وقوله تعالى : \" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) سورة الإسراء .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : عَنْ عَبْدِ الرحمن بْنِ أَبِى لَيْلَى ، عَنْ صُهَيْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. أخرجه أحمد 4/332(19142) و\"الدرامي\" 2777 و\"مسلم\" 8/227 (7610).
وقوله صلى الله عليه وسلم , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ، صلى الله عليه وسلم:يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ . وَاحْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، وَتَعَرَّفْ إلى الله فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ أَنَ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَأَنَّ الْخَلأَئِقَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيكَهُ ، لَمْ يَقْدِرُرا عَلَى ذَلِكَ ، أَوْ أَنْ يَصْرِفُوا عَنْكَ شَيْئًا ، أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيكَهُ ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَأَنْ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِما هُوَكَائِنٌ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فإذا سَأَلْتَ ، فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وإذا اسْتَعَنْتَ ، فَاسْتَعِنْ بِالله ، فَاِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَالْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وِانَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. أخرجه أحمد في المسند 1/307 , تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح , والألباني في \" السلسلة الصحيحة \" 5 / 496.
يقول الشاعر:

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى * * * فما انقادت الآمال إلا لصابر

وقال الشابي :

أبارك في الناس أهل الطموح* * * ومن يستلذ ركوب الخطر
ومن لا يحب صعود الجبال* * * يعش أبد الدهر بين الحفر
ومن لم يعانقه شوك الحياة* * * تبخر في جوها واندثر

فاعلم أن الله خلقك وكرمك وجعل لك إرادة تختار بها ما بين الخير والشر , والحق والباطل , والإيمان والكفر , فلا تسلم نفسك للمساويء , ولا تختر ما يودي بك إلى المهالك , بل سر على منهج الحق ولا تغتر بكثرة السالكين من الهالكين , واتبع سبيل المؤمنين الصادقين.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية