صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وصية الأسبوع
الوصية الخامسة :
وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ

د. بدر عبد الحميد هميسه

 
عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.
أخرجه أحمد (2/310 ، رقم 8081) ، والترمذي (4/551 ، رقم 2305) ، وقال : غريب ، والبيهقى في شعب الإيمان (7/78 ، رقم 9543) .قال الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 637 :أخرجه الترمذي ( 2 / 50 ) و أحمد ( 2 / 310 ) و الخرائطي في \" مكارم الأخلاق \" قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 100 في صحيح الجامع.
الضحك من خصائص الإنسان فالحيوانات لا تضحك؛ لأن الضحك يأتي بعد نوع من الفهم والمعرفة لقول يسمعه، أو موقف يراه، فيضحك منه.
والإسلام -بوصفه دين الفطرة- لا يتصور منه أن يصادر نزوع الإنسان الفطري إلي الضحك والانبساط بل هو علي العكس يرحب بكل ما يجعل الحياة باسمة طيبة، ويحب للمسلم أن تكون شخصيته متفائلة باشة، ويكره الشخصية المكتئبة المتطيرة، التي لا تنظر إلي الحياة والناس إلا من خلال منظار قاتم أسود.
وأسوة المسلمين في ذلك هو: رسول الله -صلي الله عليه وسلم- فقد كان -برغم همومه الكثيرة والمتنوعة- يمزح ولا يقول إلا حقًا، ويحيا مع أصحابه حياة فطرية عادية، يشاركهم في ضحكهم ولعبهم ومزاحهم، كما يشاركهم آلامهم وأحزانهم ومصائبهم.
يقول زيد بن ثابت، وقد طلب إليه أن يحدثهم عن حال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- فقال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إلي فكتبته له، فكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، وقال: فكل هذا أحدثكم عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- ؟ (رواه الطبراني بإسناد حسن كما في مجمع الزوائد \"9/17\").
وقد وصفه أصحابه بأنه كان من أفكه الناس في. (كنز العمال برقم 18400) .
وقد رأيناه في بيته -صلي الله عليه وسلم- يمازح زوجاته ويداعبهن، ويستمع إلي أقاصيصهن، كما في حديث أم زرع الشهير في صحيح البخاري.
ورأيناه يمزح مع تلك المرأة العجوز التي جاءت تقول له: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها: \"يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز\" ! فبكت المرأة حيث أخذت الكلام علي ظاهره، فأفهمها: أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزًا، بل شابة حسناء وتلا عليها قول الله تعالي في نساء الجنة: (إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارًا. عربًا أترابًا).(الواقعة: 35-37) والحديث أخرجه الترمذي في \"الشمائل\"، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي،وغيرهم، وحسنه الألباني في \"غاية المرام\").
وجاء رجل يسأله أن يحمله علي بعير، فقال له عليه الصلاة والسلام: \"لا أحملك إلا علي ولد الناقة\" ! فقال: يا رسول الله، وماذا أصنع بولد الناقة ؟ ! -انصرف ذهنه إلي الحوار الصغير- فقال: \"وهل تلد إلا النوق\" ؟ (رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح وأخرجه أبو داود أيضًا).
وقال زيد بن أسلم: إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلي النبي -صلي الله عليه وسلم- فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: \"ومن هو ؟ أهو الذي بعينه بياض\" ؟ قالت: والله ما بعينه بياض فقال: \"بلي إن بعينه بياضا\" فقالت: لا والله، فقال -صلي الله عليه وسلم-: \"ما من أحد إلا بعينه بياض\" (أخرجه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عبيدة بن سهم الفهري مع اختلاف، كما ذكر العراقي في تخريج الإحياء). وأراد به البياض المحيط بالحدقة.
وقال أنس: كان لأبي طلحة ابن يقال له أبو عمير، وكان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يأتيهم ويقول: \"يا أبا عمير ما فعل النغير\" ؟ (متفق عليه). لنغير كان يلعب به وهو فرخ العصفور.
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان عندي رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وسودة بنت زمعة فصنعت حريرة -دقيق يطبخ بلبن أو دسم- وجئت به، فقلت لسودة: كلي، فقالت: لا أحبه، فقلت: والله لتأكلن أو لألطخن به وجهك، فقالت، ما أنا بذائقته، فأخذت بيدي من الصحفة شيئًا منه فلطخت به وجهها، ورسول الله -صلي الله عليه وسلم- جالس بيني وبينها، فخفض لها رسول الله ركبتيه لتستقيد مني فتناولت من الصحفة شيئًا فمسحت به وجهي ! وجعل رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يضحك. (أخرجه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة وأبو يعلي بإسناد جيد كما في تخريج الإحياء).
وكان -صلي الله عليه وسلم- يحب إشاعة السرور والبهجة في حياة الناس، وخصوصًا في المناسبات مثل الأعياد والأعراس.
ولما أنكر الصديق أبو بكر -رضي الله عنه- غناء الجاريتين يوم العيد في بيته وانتهرهما، قال له \"دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد\" ! وفي بعض الروايات: \"حتى يعلم يهود أن في ديننا فسحة\".
وقد أذن للحبشة أن يلعبوا بحرابهم في مسجده عليه الصلاة والسلام في أحد أيام الأعياد، وكان يحرضهم ويقول: \"دونكم يا بني أرفدة\" !.
وكان أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان في خير قرون الأمة يضحكون ويمزحون، اقتداءً بنبيهم -صلي الله عليه وسلم- واهتداء بهديه. حتى إن رجلاً مثل عمر بن الخطاب -علي ما عرف عنه من الصرامة والشدة- يروي عنه أنه مازح جارية له، فقال لها: خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام ! فلما رآها ابتأست من هذا القول، قال لها مبينًا: وهل خالق الكرام واللئام إلا الله عز وجل ؟؟
وقد ذكروا أنه كان ممن شهد العقبة الأخيرة، وشهد بدرًا وأُحدًا، والخندق، والمشاهد كلها.
روي عنه الزبير بن بكار عددًا من النوادر الطريفة في كتاب \"الفكاهة والمرح\" نذكر بعضًا منها:
قال: وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشتري منها، ثم جاء بها إلي النبي -صلي الله عليه وسلم-، فيقول: ها أهديته لك، فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها، أحضره إلي النبي -صلي الله عليه وسلم-، قائلا: أعط هذا ثمن متاعه، فيقول: \"أو لم تهده لي\" ؟ فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله، فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه.
وأخرج الزبير قصة أخري من طريق ربيعة بن عثمان قال: دخل أعرابي علي النبي -صلي الله عليه وسلم-، وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض الصحابة للنعيمان الأنصاري: لو عقرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا إلي اللحم ؟ ففعل، فخرج الأعرابي وصاح: واعقراه يا محمد ! فخرج النبي -صلي الله عليه وسلم- فقال: \"من فعل هذا\" ؟ فقالوا: النعيمان، فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، واستخفي تحت سرب لها فوقه جريد، فأشار رجل إلي النبي -صلي الله عليه وسلم- حيث هو فأخرجه فقال له: \"ما حملك علي ما صنعت\" ؟ قال: الذين دلوك علي يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك قال: فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك، ثم غرمها للأعرابي.
قال الزبير أيضا: حدثني عمي عن جدي قال: كان مخرمة بن نوفل قد بلغ مائة وخمس عشرة سنة، فقام في المسجد يريد أن يبول، فصاح به، الناس، المسجد المسجد، فأخذه نعيمان بن عمرو بيده، وتنحي به، ثم أجلسه في ناحية أخري من المسجد فقال له: بل هنا قال: فصاح به الناس فقال: ويحكم، فمن أتي بي إلي هذا الموضع ؟! قالوا نعيمان، قال: أما إن لله علي إن ظفرت به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت ! فبلغ ذلك نعيمان، فمكث ما شاء الله، ثم أتاه يومًا، وعثمان قائم يصلي في ناحية المسجد، فقال لمخرمة: هل لك في نعيمان قال: نعم قال: فأخذه بيده حتى أوقفه علي عثمان، وكان إذا صلي لا يلتفت فقال: دونك هذا نعيمان، فجمع يده بعصاه، فضرب عثمان فشجه، فصاحوا به: ضربت أمير المؤمنين، فذكر بقية القصة. (ذكر هذه القصص الحافظ ابن حجر في ترجمة نعيمان من كتابه: \"الإصابة\" نقلاً عن كتاب الزبير بن بكار في كتابه: \"الفكاهة والمرح\").
ولا ريب أن هناك من الحكماء والأدباء والشعراء من ذم المزاح، وحذر من سوء عاقبته، ونظر إلي جانب الخطر والضرر فيه، وأغفل الجوانب الأخرى.
قال بعضهم: المزاح مجلبة للبغضاء، مثلبة للبهاء، مقطعة للإخاء، وقيل: إذا كان المزاح أول الكلام كان آخره الشتم واللكام، وسئل الحجاج بن الفرية عن المزاح فقال: أوله فرح، وآخره ترح، وهو نقائص السفهاء مثل نقائص الشعراء، والمزاح فحل لا ينتج إلا الشر.
وقال مسعر بن كدام:

أما المزاحة والمراء فدعهما * * * خلقان لا أرضاهما لصديق

ونحوه قول الشاعر:

فإياك إياك المزاح فإنه يجرئ* * * عليك الطفل والدنس النذلا

وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لا يكون المزاح إلا من سخف أو بطر، وقيل: المزاح يبدي المهانة ويذهب المهابة، والغالب فيه واتر، والمغلوب ثائر.
ولكن ما جاء عن الرسول -صلي الله عليه وسلم- وأصحابه أحق أن يتبع، وهو يمثل التوازن والاعتدال.
وقد قال لحنظلة حين فزع من تغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، واتهم نفسه بالنفاق: \"يا حنظلة لو دمتم علي الحال التي تكونون عليها عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن يًا حنظلة ساعة وساعة\"، وهذه هي الفطرة، وهذا هو العدل.
روي ابن أبي شيبة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله -صلي الله عليه وسلم- متحزقين ولا متماوتين. كانوا يتناشدون الأشعار، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم علي شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون. (المصنف لابن أبي شيبة 8/711 بلفظ \"منحرفين\" بدل \"متحزقين\" والتصويب من غريب الحديث للخطابي 3/49).
وسئل ابن سيرين عن الصحابة: هل كانوا يتمازحون ؟ فقال: ما كانوا إلا كالناس. كان ابن عمر يمزح وينشد الشعر. (رواه أبو نعيم في: الحلية 2/275).
وأما النصوص الدينية التي ذكرها السائل، والتي فهم منها من فهم أن الإسلام يدعو إلي الحزن والاكتئاب والتجهم، فأود أن ألقي بعض الضوء عليها حتى لا نسيء فهمها، ونخرجها عن الإطار الذي أريد بها.
فقوله تعالي علي لسان قوم قارون له ناصحين: (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) لا يفهم منه ذم الفرح بإطلاق، بل الفرح المراد هنا -كما يدل عليه السياق- هو فرح الأشر والبطر والغرور والانتفاخ الذي ينسي صاحبه فضل الله عليه، وينسب كل فضل إلي نفسه، فهو فرح بغير الحق، كذلك الذي ذم به القرآن المشركين حين قال لهم بعد دخولهم النار: (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون). (غافر: 75).
وهو أشبه بفرح الذين سألهم النبي -صلي الله عليه وسلم- من اليهود عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وخرجوا من عنده فرحين بما صنعوا من الكتمان والكذب ولم يكتفوا بذلك، بل طلبوا الحمد علي أنهم سئلوا فأجابوا بالحقيقة وفيهم نزل قوله تعالي: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم). (آل عمران: 188).
فقوله -صلي الله عليه وسلم-: \"لا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب\" فالحديث واضح الدلالة علي أن المنهي عنه ليس مجرد الضحك، بل كثرته، وكل شيء خرج عن حده انقلب إلي ضده.
وأما وصفه -صلي الله عليه وسلم- \"بأنه متواصل الأحزان\" فالحديث ضعيف، والضعيف لا تقوم به حجة.
ويعارضه الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، أنه كان -صلي الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من الهم والحزن.
وفي هذا قال الإمام علي رضي الله عنه: \"إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة\".
وقال: \"روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلب إذا أكره عمي\" !
وفي هذا يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: \"إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوي لها علي الحق\".
ولهذا قال -صلي الله عليه وسلم-: \"ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك القوم، ويل له، ويل له، ويل له\".
وقد كان -صلي الله عليه وسلم- يمزح ولا يقول إلا حقًا.
وأن لا يشتمل علي تحقير لإنسان آخر، أو استهزاء به وسخرية منه، إلا إذا أذن بذلك ورضي.
قال تعالي: (يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان). (الحجرات: 11).
وجاء في الحديث الصحيح: \"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم\" رواه مسلم.
وذكرت عائشة أمام النبي -صلي الله عليه وسلم- إحدي ضرائرها، فوصفتها بالقصر تعيبها به، فقال: \"يا عائشة، لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته\" قالت: وحكيت له إنسانًا -أي قلدته في حركته أو صوته أو نحو ذلك- فقال: \"ما أحب أني حكيت إنسانًا وأن لي كذا وكذا\". (رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح).
ولا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم.
فقد روي أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: حدثنا أصحاب محمد -صلي الله عليه وسلم-، أنهم كانوا يسيرون مع النبي -صلي الله عليه وسلم- فقام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلي حبل معه فأخذه، ففزع فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: \"لا يحل لرجل أن يروع مسلمًا\".
وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في مسير، فخفق رجل علي راحلته -أي نعس- فأخذ رجل سهمًا من كنانته فانتبه الرجل، ففزع، فقال رسول الله: \"لا يحل لرجل أن يروع مسلمًا\" رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات. والسياق يدل علي أن الذي فعل ذلك كان يمازحه.
وقد جاء في الحديث الآخر: \"لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادا\" رواه الترمذي وحسنه.
ولا يهزل في موضع الجد، ولا يضحك في مجال يستوجب البكاء، فلكل شيء أوانه، ولكل أمر مكانه، ولكل مقام مقال. والحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب.
ومن ممادح الشعراء:

إذا جد عند الجد أرضاك جده * * * وذو باطل إن شئت ألهاك باطله !

وقال آخر:

أهازل حيث الهزل يحسن بالفتي* * * وإني إذا جد الرجال لذو جد !

وقد قال أبو الطيب:
ووضع الندي في موضع السيف بالعلا * *مضر كوضع السيف في موضع الندي
وقد عاب الله تعالي علي المشركين أنهم كانوا يضحكون عند سماع القرآن وكان أولي بهم أن يبكوا، فقال تعالي: (أفمن هذا الحديث تعجبون. وتضحكون ولا تبكون. وأنتم سامدون). (النجم: 59-61).
وعاب علي المنافقين فرحهم وضحكهم لتخلفهم عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وافتعالهم الأعذار الكاذبة للقعود مع الخوالف، فقال تعالي: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرًا لو كانوا يفقهون. فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا جزاء بما كانوا يكسبون). (التوبة: 81، 82).
وأن يكون ذلك بقدر معقول، وفي حدود الاعتدال والتوازن، الذي تقبله الفطرة السليمة، ويرضاه العقل الرشيد، ويلائم المجتمع الإيجابي العامل.
والإسلام يكره الغلو والإسراف في كل شيء، ولو في العبادة، فكيف باللهو والمرح ؟!
ولهذا كان التوجيه النبوي: \"ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب\" فالمنهي عنه هو الإكثار والمبالغة.
وقد ورد عن علي رضي عنه قوله: \"أعط الكلام من المزح، بمقدار ما تعطي الطعام من الملح\".
فالمبالغة في المزاح كالمماراة، كلتاهما تؤدي إلي إيغار الصدور.

إن المزاح ينبت الضغينة ... وحمل ضغن في الحشا مؤونه
وكثرة الضحك من الرعونه ... والصمت عن فضل الكلام زينه

وقال سعيد بن العاص لابنه: \"اقتصد في مزاحك، فالإفراط فيه يذهب البهاء، ويجريء عليك السفهاء، وتركه يقبض المؤانسين، ويوحش المخالطين.
عن الفضيل بن مرزوق عن رجل عن أبي جعفر قال إياكم والضحك أو قال وكثرة الضحك فإنه يمج العلم مجا . / الطبقات الكبرى 5/323.
فليس الضحك منهي عنه لذاته ولكن لما يمكن أن يؤدي إلى نتائج وأخلاق لا يرضاها الإسلام .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية