صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أحاديث وفوائد (10)
فوائد من حديث : الدين النصيحة

د. بدر عبد الحميد هميسه


عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِنَبِيِّهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ.- وفي رواية : إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
أخرجه \"أحمد\" 4/102(17064) و\"مسلم\" 1/53(107) و\"أبو داود\" 4944 و\"النَّسائي\" \"الكبرى\" 7773 .
اهتم الإسلام اهتماما كبيرا بالنصيحة , ووضع لها آداباً وأخلاقاً حتى تؤتي ثمارها و تبلغ مراميها و تحقق أهدافها , فالنصيحة لها هدفها و دورها في حماية المجتمع المسلم , قال تعالى في محكم كتابه الكريم: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } (آل عمران:104).
وفي هذا الحديث الشريف جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله في النصيحة , قال ابن حجر في الفتح :\" هذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا أَحَد أَرْبَاع الدِّين ، وَمِمَّنْ عَدَّهُ فِيهَا الْإِمَام مُحَمَّد بْن أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ ابن حجر : الفتح 1/89. وَقَالَ النَّوَوِيّ : بَلْ هُوَ وَحْده مُحَصِّل لِغَرَضِ الدِّين كُلّه ؛ لِأَنَّهُ مُنْحَصِر فِي الْأُمُور الَّتِي ذَكَرَهَا ,وقال \" هَذَا حَدِيث عَظِيم الشَّأْن وَعَلَيْهِ مَدَار الْإِسْلَام \" النووي : شرح صحيح مسلم 1/144.
قال ابن حجر :\" فَالنَّصِيحَة لِلَّهِ وَصْفهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل ، وَالْخُضُوع لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَالرَّغْبَة فِي مَحَابِّهِ بِفِعْلِ طَاعَته وَالرَّهْبَة مِنْ مَسَاخِطِهِ بِتَرْكِ مَعْصِيَته ، وَالْجِهَاد فِي رَدّ الْعَاصِينَ إِلَيْهِ . وَرَوَى الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رُفَيْع عَنْ أَبِي ثُمَامَة صَاحِب عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : يَا رُوح اللَّه مَنْ النَّاصِح لِلَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِي يُقَدِّم حَقّ اللَّه عَلَى حَقّ النَّاس . وَالنَّصِيحَة لِكِتَابِ اللَّه تَعَلُّمه ، وَتَعْلِيمه ، وَإِقَامَة حُرُوفه فِي التِّلَاوَة ، وَتَحْرِيرهَا فِي الْكِتَابَة ، وَتَفَهُّم مَعَانِيه ، وَحِفْظ حُدُوده ، وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ ، وَذَبّ تَحْرِيف الْمُبْطِلِينَ عَنْهُ . وَالنَّصِيحَة لِرَسُولِهِ تَعْظِيمه ، وَنَصْره حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَإِحْيَاء سُنَّته بِتَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمهَا ، وَالِاقْتِدَاء بِهِ فِي أَقْوَاله وَأَفْعَاله ، وَمَحَبَّته وَمَحَبَّة أَتْبَاعه . وَالنَّصِيحَة لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَتهمْ عَلَى م َا حَمَلُوا الْقِيَام بِهِ ، وَتَنْبِيههمْ عِنْد الْغَفْلَة ، وَسَدّ خُلَّتهمْ عِنْد الْهَفْوَة ، وَجَمْع الْكَلِمَة عَلَيْهِمْ ، وَرَدّ الْقُلُوب النَّافِرَة إِلَيْهِمْ ، وَمِنْ أَعْظَم نَصِيحَتهمْ دَفْعهمْ عَنْ الظُّلْم بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن . وَمِنْ جُمْلَة أَئِمَّة الْمُسْلِمِينَ أَئِمَّة الِاجْتِهَاد ، وَتَقَع النَّصِيحَة لَهُمْ بِبَثِّ عُلُومهمْ ، وَنَشْر مَنَاقِبهمْ ، وَتَحْسِين الظَّنّ بِهِمْ . وَالنَّصِيحَة لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ الشَّفَقَة عَلَيْهِمْ ، وَالسَّعْي فِيمَا يَعُود نَفْعه عَلَيْهِمْ ، وَتَعْلِيمهمْ مَا يَنْفَعهُمْ ، وَكَفّ وُجُوه الْأَذَى عَنْهُمْ ، وَأَنْ يُحِبّ لَهُمْ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ ، وَيَكْرَه لَهُمْ مَا يَكْرَه لِنَفْسِهِ . ابن حجر : الفتح 1/89.
لذا لقد ضرب أنبياء الله ورسله الكرام النموذج الأعلى والأسمى في نصيحة قومهم ودعوتهم بالحسنى إلى منهج الله , قال نوح لقومه: \" أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ \" الأعراف:62، وكذلك قال هود لعاد: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ\" الأعراف:68، وكذلك قال صالح لثمود: \" أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ\" الأعراف79..
وترك التناصح بين الناسب سبب لنزل العذاب عليهم , قال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم ) رواه أحمد .
روى الترمذي في \"جامعه\" عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية، وتتأولونها على غير تأويلها: { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
فالنصيحة دعامة من دعامات الإسلام. قال تعالى: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} سورة العصر.
وهي من أوليات حق المسلم على أخيه المسلم, قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست).قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته) مسلم.

وللنصيحة آداب وشروط منها :

1- أن تكون خالصة لوجه الله وهدفها إرضاء الله و حده .

الناصح لا بد أن يكون مخلصا لله تعالى في النصح بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي ولا لإظهار تميز الناصح.
فالنصيحة ثقيلة على القلوب ولن تتقبلها إلا إذا خرجت من قلب طاهر نقي , لأن ما خرج من القلب يدخل مباشرة إلى القلب , والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وحده .
قال حماد بن سلمة إن صلة بن أشيم مر عليه رجل قد أسبل إزاره فهم أصحابه أن يأخذوه بشدة فقال دعوني أنا أكفيكم فقال يا ابن أخي إن لي إليك حاجة قال وما حاجتك يا عم قال أحب أن ترفع من إزارك فقال نعم وكرامة فرفع إزاره فقال لأصحابه لو أخذتموه بشدة لقال لا ولا كرامة وشتمكم . الأحياء 2/335 .
مر أبو الدرداء رضي الله عنه يوما على رجل قد أصاب ذنبا ، والناس يسبونه ،فنهاهم وقال : ( أرأيتم لو وجدتموه في حفرة ألم تكونوا مخرجيه منها..؟ قالوا : بلى قال رضي الله عنه : فلا تسبوه إذا ، وحمدوا الله الذي عافاكم قالوا : أنبغضه..؟قال رضي الله عنه : إنما أبغضوا عمله ، فإذا تركه فهو أخي\" مصنف عبد الرزاق 11/180 والزهد لأبي داود 1/248 وشعب الإيمان للبيهقي 5/290.

2- لا تنصح بناء على شبهة أو ظن لم يتثبت منه .

السلم يحسن الظن بإخوانه, ولا يأخذهم بالشبهة , قال تعالى : \"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ\" الحجرات6 , ولا يشتعل بعيوبهم عن عيبه قال تعالى : \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ \" الحجرات : 12 .
يقول ابن كثير : \" يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة وال تخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا \" تفسير ابن كثير 7/377 , رواه أحمد في الزهد كما في الدر المنثور (7/565).
قالت بنت عبد الله بن مطيع لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وكان طلحة أجود قريش في زمانه قالت: \" ما رأيت قوما ألأم من إخوانك، قال لها: مه مه! ولم ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال لها: هذا والله من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بحقهم، فانظر كيف تأول طلحة صنيع إخوانه معه، وهو ظاهر القبح والغدر بأن اعتبره وفاء وكرما\" . الماوردي : أدب الدنيا والدين 222.

3- البعد عن الجريح أو التأنيب أو إيذاء المشاعر.

النصيحة ليس معناها التجريح أو الفضيحة، ولقد كان الرسول – صلي الله عليه و سلم- يفضل الأسلوب غير المباشر في النصح فيقول : \" ما بال أقوام يفعلون كذا و كذا \" فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\' مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ\' رواه البخاري والنسائي وأبوداود وابن ماجه والدارمي وأحمد .
وعن عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ:\'مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَن الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً\' رواه البخاري ومسلم وأحمد .
فالنصح أن تدلَّ الشخص على الخير ... وأن ترشده إلى الحق، كما كان عمر بن الخطاب يطلب إلى الناس أن ينصحوه ويقول: مرحبًا بالناصح أبد الدهر، مرحبًا بالناصح غدوًا وعشيًا . رواه الطبري في التاريخ (2/579). .
فالأولى الإسرار بالنصيحة وعدم التشهير والحرص على الستر، فالنصيحة أمام الناس توبيخ وتقريع لا يقبله الناس، قال مسعر بن كدام رحمه الله: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع , وكان عمر رضي الله عنه يقول على المنبر \" رحم الله مَن أهدى إليَّ عيوبي\"انظر: سنن الدارمي (1/166) .
وكان يقول لحذيفة بن اليمان الخبير بالمنافقين، والذي اختص بسرِّ المنافقين، وعرفه الرسول صلى الله عليه وسلم بهم، كان عمر يقول له: يا حذيفة! بالله عليك, أتجدني منهم؟ فيقول له حذيفة: لا يا عمر، ولا أُزكي أحدًا بعدك\" رواه ابن أبي شيبة في المصنف كتاب الفتن (7/481).. أي لا يريد أن يفتح هذا الباب حتى لا يكشف الأسرار.
يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء. فاتفقا على أن ينصحا الرجل ويعلماه كيف يتوضأ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا. ثم توضأ كل منهما فإذا بالرجل يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح دون تجريح.
قال الشافعي: مَن وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه. رواه أبو نعيم في الحلية (9/140). .
وأنشد الشافعي رحمه الله:

تعمدني بنصحكَ في انفرادي* * *وجنبني النصيحةَ في الجماعه
فإنَّ النصحَ بينَ الناسِ نوعٌ * * * منَ التوبيخِ لا أرضى استماعه
وإنْ خالفتني وعصيتَ قولي * * * فلا تجزعُ إذا لمْ تعطَ طاعه

قال أحد الدعاة : \" لتكن نصيحتك لأخيك تلميحاً لا تصريحاً وتصحيحاً لا تجريحاً \" .
ويذكر أنه في زمن أبي جعفر المنصور ، دخل عليه رجل مجوسي يدعي الإيمان . فقال : إن رائحة الطائفيين حول الكعبة تزعج البعض فلو وضعت على ظهر الكعبة بخوراً وناراً لان هبت الريح شم الناس ريحاً طيباً . فأمر الخليفة بفعل ذلك . وهذه قضية المجوس: الطواف وعبادة النار . فبلغ ذلك العالم يزيد بن النقاش ، فقال : انشروا بين الناس أني ذاهب للحج.
فقال أبو جعفر : نذهب معه لنتعلم منه، فتواعد كلاهما أن يلتقيا في التنعيم ليلقي أبو اليزيد درساً في مناسك الحج. فاجتمع الناس وفيهم أبو جعفر. فقال أبو اليزيد : \"إذا قلت أما بعد ، استوقفني. وأحمد الخليفة ، أنه فعل كذا وكذا، حتى إنه وضع البخور على ظهر الكعبة. فبدأ أبو اليزيد حديثه ، فحمد الله ثم قال : أما بعد. فاستوقفه المريد وقال ما أمره به أبو اليزيد .
فقال أبو اليزيد : اخسأ يا هذا أأنت أفقه من أمير المؤمنين ؟ أمير المؤمنين أفقه مني ومنك وأعلم بكتاب الله مني ومنك. كيف تتدعي على أمير المؤمنين كذباً أنه يفعل كما تفعل المجوس نطوف حول النار. وانفعل أبو اليزيد حتى قال أمير المؤمنين لأحدهم : اذهب بسرعة وانزل البخور وأطفئوا النيران. فانتهى الأمر بأدب، دون تجريح لأحد .

4- اختيار الوقت والمكان المناسب .

على من ينصح أن يختار الوقت المناسب لإسداء النصيحة , فليس مقبولا أن ننصح إنسانا و هو في شدة غضبه , أو في ظروف لا تسمح له بالاستجابة , و تجعله يرفض النصيحة و يفعل عكسها .
وكذا اختيار المكان المناسب لأن \" النصيحة علي الملا فضيحة \" كما يقال .
عن أَبُي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قال:كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي:\' اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ\' فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ:\' اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ \' فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي- وفي رواية: فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ- فَقَالَ:\' اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلامِ\' فَقُلْتُ لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا- وفي رواية:فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ:\' أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ \' رواه مسلم والترمذي وأبوداود وأحمد .
فقد كان الظرف مناسباً ومرتبطا بالحدث فكان النصح أوقع وأنفع.
وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ:\'مَا لَكَ\' قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\'هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا\'قَالَ لا قَالَ:\'فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ\' قَالَ لَا فَقَالَ:\' فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا\'قَالَ لا ، فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ:\' أَيْنَ السَّائِلُ\' فَقَالَ أَنَا قَالَ:\'خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ\' فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أ َنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ:\' أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ\' رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والترمذي ومالك والدارمي وأحمد .

5- الحكمة والموعظة الحسنة واللين.

أمرنا الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة والنصح فقال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} النحل: 125. وقال : {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]، وقال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.[فصلت: 34].
روى البخاري في صحيحه، قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (أي للنبي): السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال: يا عائشة: \"إن الله يحب الرفق في الأمر كله. قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: قلت: وعليكم\" فهؤلاء اليهود من سوء أدبهم وسوء طويتهم لووا ألسنتهم، وحرفوا الكلم، فبدل أن يقولوا: السلام عليك، قالوا: السام ـ أي الموت والهلاك ـ ولكن الرسول الكريم من حسن أدبه، وعظمة خلقه، لم يرد أن يجعل من ذلك معركة، بل رد بهذه الكلمة النبيلة قائلاً: \"وعليكم\". أي أن الموت مكتوب على كل البشر، علينا وعليكم. ثم علم عائشة هذا الأدب الرفيع أدب الرفق في التعامل، حين قال لها: \"يا عائشة! إن الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله\" .
وعن عائشة: \"إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه\". رواه مسلم عن عائشة برقم 2593 .
وعنها أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم: \"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه\" رواه مسلم برقم 2594 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: \"دعوه، وأريقوا على بوله سجلاً من ماء ـ أو ذنوباً من ماء ـ فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين\" رواه البخاري برقم 220.
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا\" متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان برقم 1131 .
روي معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال : « صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله . فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ، ما شأنكم تنظرون ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فعرفت أنهم يصمتونني فلما رأيتهم يسكتونني لكني سكت . قال : فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا سبني » .
وفي رواية : « فما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : \" إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن » رواه مسلم .
وقال محمد بن زكريا الغلابي شهدت عبد الله بن محمد بن عائشة ليلة وقد خرج من المسجد بعد المغرب يريد منزله وإذا في طريقه غلام من قريش سكران وقد قبض على امرأة فجذبها فاستغاثت فاجتمع الناس عليه يضربونه فنظر إليه ابن عائشة فعرفه فقال للناس تنحوا عن ابن أخي ثم قال إلي يا ابن أخي فاستحى الغلام فجاء إليه فضمه إلى نفسه ثم قال له امض معي فمضى معه حتى صار إلى منزله فأدخله الدار وقال لبعض غلمانه بيته عندك فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما كان منه ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني به فلما أفاق ذكر له ما جرى فاستحيا منه وبكى وهم بالانصراف فقال الغلام قد أمر أن تأتيه فأدخله عليه فقال له أما استحييت لنفسك أما استحييت لشرفك أما ترى من ولدك فاتق الله وانزع عما أنت فيه فبكى الغلام منكسا رأسه ثم رفع رأسه وقال عاهدت الله تعالى عهدا يسألني عنه يوم القيامة أني لا أعود لشرب النبيذ ولا لشيء مما كنت فيه وأنا تائب فقال ادن مني فقبل رأسه وقال أحسنت يا بني فكان الغلام بعد ذلك يلزمه ويكتب عنه الحديث وكان ذلك ببركة رفقه ثم قال إن الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويكون معروفهم منكرا فعليكم بالرفق في جميع أموركم تنال ون به ما تطلبون . الأحياء 2/335 .
وعن الفتح بن شخرف قال تعلق رجل بامرأة وتعرض لها وبيده سكين لا يدنو منه أحد إلا عقره وكان الرجل شديد البدن فبينا الناس كذلك والمرأة تصيح في يده إذ مر بشر بن الحارث فدنا منه وحك كتفه بكتف الرجل فوقع الرجل على الأرض ومشى بشر فدنوا من الرجل وهو يترشح عرقا كثيرا ومضت المرأة لحالها فسألوه ما حالك فقال ما أدري ولكن حاكني شيخ وقال لي إن الله عز و جل ناظر إليك وإلى ما تعمل فضعفت لقوله قدماي وهبته هيبة شديدة ولا أدري من ذلك الرجل فقالوا له هو بشر بن الحارث فقال واسوأتاه كيف ينظر إلى بعد اليوم وحم الرجل من يومه ومات يوم السابع فكذا كانت عادة أهل الدين في الحسبة \" . الأحياء 2/335 .
وبَيْنَمَا الرَّشِيدُ هَارُونُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ؛ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ ؛ فَاحْتَمِلْهُ لِي . فَقَالَ : لَا ، وَلَا نِعْمَةُ عَيْنٍ وَلَا كَرَامَةٌ ، قَدْ بَعَثَ اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولُ لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا .المجالسة وجواهر العلم لابن عبد البر 3/364.
ودعي الحسن البصري - رحمه الله - إلى عرس فجيء بجام من فضة ( أي قدح أو إناء ) عليه خبيص أو طعام ( والخبيص طعام من التمر والسمن ) فتناوله فقلبه على رغيف فأصاب منه فقال رجل : هذا نهي في سكون .
ويروى أن الخليفة المأمون وعظه واعظ فأغلظ له في القول فقال : يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق . فقال تعالى : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى }{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } . صالح بن عبد الله بن حميد: مفهوم الحكمة في الدعوة : 35 .
خفف أعرابي صلاته فقام إليه علي رضي الله عنه بالدرة وقال أعدها، فلما فرغ قال: أهذه خير أم الأولى؟ قال: بل الأولى، قال: لم؟ قال: لأن الأولى صليتها لله عز وجل، وهذه فرقاً من الدرة نضحك علي.التذكرة الحمدونية لابن حمدون 3/209.

وإذا كانت هذه آداب وضعها الإسلام للناصح آي لمن يقوم بالنصيحة و فإن هنالك آداباً خاصة بالمنصوح منها:


1- عدم التكبر في قبول النصيحة.

قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه. قال له رجل مرة: اتق الله يا ابن الخطاب. فضاق بعض الحاضرين بهذا، فقال عمر: دعوه، والله لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها.
فعلى المنصوح أن يتقبل النصح بنفس راضية، وقد صدق القائل «من اصفر وجهه عند النصيحة اسود لونه من الفضيحة.
روي أن معاوية - رضي الله عنه – حبس العطاء يوماً ، فقام إليه أبو مسلم الخولاني –رضي الله عنه- فقال له : \"يا معاوية إنه ليس من كدك ، ولا من كد أبيك ، ولا من كد أمك\" ، فغضب معاوية غضباً شديداً ، ونزل عن المنبر، وقال للناس :\" مكانكم \" ، وغاب عن أعينهم ساعة ثم خرج إليهم وقد اغتسل فقال : \" إن أبا مسلم كلَّمني بكلام أغضبني ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: \" الغضب من الشيطان ، والشيطان خلق من نار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليغتسل ، وإني دخلت فاغتسلت ، وصدق أبو مسلم ، إنه ليس من كدِّي، ولا من كد أبي فهلموا إلى عطائكم\". الأحياء 2/344 .

2- عدم الإصرار على الباطل.

فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} البقرة: 206.والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
ولقد وصف الله عباده المؤمنين حينما يقعون في الخطأ أنهم يستغفرون الله، فأثابهم الله جزاء ذلك جنات تجري تحتها الأنهار؛ فقال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ \" آل عمران 135 - 136 .
عن أبي سلمة بن عمرو بن الأكوع رضي الله عنه : \" أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه \" رواه مسلم.

3- أخذ النصح من المسلم العاقل.

إن من شيم العاقل عند النائبة تَنُوبه: أن يشاور عاقلاً ناصحاً ذا رأي ثم يطيعه، وليعترف للحق عند المشورة، ولا يتمادى في الباطل بل يقبل الحق ممن جاء به، ولا يحقر الرأي الجليل إذا أتاه به الرجل الحقير، لأن اللؤلؤة الخطيرة لا يشينها قلة خطر غائصها الذي استخرجها، ثم ليستخر الله، وليمض فيما أشار عليه.
ومشاورة العاقل وأخذ النصح منه من شيم العقلاء لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب.
قال الشاعر :

وإن باب أمر عليك التوى * * * فشاور لبيبا ولا تعصه !

وقال آخر :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن * * * برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة * * * مكان الخوافي قوة للقوادم
وأدن إلى الشورى المسدد رأيه * * * ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم

وكان لسليمان بن عبد الملك ابنٌ يقال له أيوب بن سليمان، عُقدت له خلافة ولاية العهد من بعده، وتُوفي أيوبُ قبل سليمان، ولم يبقَ لسليمان إلا ولدٌ صغير، فلما حضرته الوفاة أراد أن يستخلفَ، فحضره عمر بنُ عبد العزيز ورجاء بنُ حَيَوة، فقال لرجاء: اعرضْ عليَّ ولدي في القُمص والأردية، فعرضهم عليه، فإذا هم صغارٌ لا يحتملون ما لبسوا من القُمص والأردية يسحبونها سحبا، ثم قال: يا رجاء، اعرض عليَّ بنيَّ في السيوف، فقلَّدوهم السيوف، ثم عرضهم عليه فإذا هم صغار لا يحملونها يجرُّونها جرا. فلما لم يرَ في ولده ما يُريد حدَّث نفسه بولاية عمر بن عبد العزيز لما كان يعرف من حاله، فشاورَ رجاءً فيمن يَعْقِدُ فأشار إليه رجاءٌ بعمرَ، وسدَّد له رأيَه. فوافق ذلك سليمان وقال: لأعقدن عقداً لا يكون للشيطان فيه نصيب\".ابن عبد الحكم : سيرة عمر بن عبد العزيز 34.

4- التطبيق العملي للنصيحة .

لا بد للمنصوح أن يأخذ بالنصيحة ويحولها إلى واقع عملي , وسلوك تطبيقي , ينعكس أثره في حياته وعلى تصرفاته .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ؛أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ في يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم 6/149(5523).
وحينما نزل تحريم الخمر كان أنس بن مالك- رضي الله عنه-يسقى القوم خمرًا في منزل أبى طلحة - رضى الله عنه-، فقال أبو طلحة لأنس: اخرج فانظر ما هذا الصوت؟فخرج أنس فوجد المنادى يقول: ألا إن الخمر حُرِّمَت.فدخل أنس وأخبر القوم، فترك أبو طلحة ما بيده، وأمر أنسًا أن يسكب ما عنده من الخمر، فسكبها أنس، وكذلك فعل كل من كان عنده خمر، فملأت الخمر طرق المدينة.
عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ ، قَالَ : \" الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ \" الخطيب : اقتضاء العلم العمل 36.

5- شكر الناصح.

حثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقدم كلمة الشكر لمن صنع إلينا معروفًا؛ فنقول له: جزاك الله خيرًا. قال الله صلى الله عليه وسلم: (من صُنِع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أَبْلَغَ في الثناء) [الترمذي والنسائي].
فيجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناس. [أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد صحيح.
قيل في معناه: إن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبدُ لا يشكر إحسانَ الناس ويكفر أمرَهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر.
وقيل: إن مَن كانت عادته وطبعه كفرانَ نعمةِ الناسِ وترك شكره لهم كان من عادته كفرُ نعمة الله -عز وجل- وترك الشكر له.
وقيل: إن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر الله -عز وجل- وإنَّ شُكرَه كما تقول: لا يحبني من لا يحبك، أي: إن محبتك مقرونة بمحبتي، فمن أحبني يحبك، ومن لا يحبك فكأنه لا يحبني.
قال الشاعر :

لو كنت أعرف فوق الشكر منزلة * * * أعلى من الشكر عند الله في الثمنِ
إذن منحتُكَهـا منـي مهـذبـة * * * حذوا على حذو ما أوليت مِن مِنَنِ

فما عليك – أيها الحبيب – إلا أن تجاهد في تطبيق أدب النصيحة , حتى نكون خير أمة أخرجت للناس , فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر , على هدي من الله وإحسان .
اللهم اجعلنا من اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه , واجعلنا هداة مهدين , وجنبنا الزلل في القول والعمل.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية