صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وتذكرت أبي

د. بدر عبد الحميد هميسه


أبي ... تلك الكلمة التي كلما تذكرتها تذكرت معاني الحب والإخلاص والصدق .. تذكرت معاني التربية والرعاية والحنو .. تذكرت سعادته حينما كان يحملني على كتفه وأنا أشير له على ما أريده من فاكهة وحلوي فيحضرها لي وهو في غاية السعادة .. تذكرته وهو يأخذني إلى الكُتَاب ويوصي الشيخ بي خيراً ويقول له : لا أتمنى من الحياة إلا أن أره حافظاً لكتاب الله تعالى .. تذكرته وهو يصطحبني إلى المسجد ليعودني على الصلاة .. وذات يوم انشغلت باللعب فأخرت الصلاة عن وقتها ولما أتيت لأجلس معه على مائدة الطعام قال لي : قم وكُل وحدك فإن من ينشغل باللعب عن الصلاة لا يأكل معنا .. وكان درساً لن أنساه .. تذكرته وهو يصحو كل ليلة قبل الفجر يتهجد لربه ويدعو لنا قي صلاته فنأنس بدعائه ونرى فيه الخير والبركة .. تذكرت حرصه الشديد بل وصرامته على أن تظل ألسنتنا نظيفة خالية من أية كلمة نابية أو خارجة عن حدود الأدب ..وكذا حرصه على أن يعلمنا أن لا نتدخل فيما لا يعنينا وأن لا نغتاب الناس ولا نكذب ولا نرائي .. وأن نكون صادقين أمناء صرحاء ..تذكرت أبي وحرصه الشديد على أن لا يطعمنا إلا الحلال وعلى أن يتقن عمله ويخلص فيه حتى لا يصبح في ماله شبهة من حرام .. ويوم أن بلغ رحمه الله سن المعاش خفنا عليه لعلمنا أنه يعشق العمل ولكن الله تعالى هيأ له مشروعاً من مشروعات الخير والبر وهو بناء معهد ديني يحفظ فيه الأطفال كتاب الله تعالى ويتعلمون فيه آداب الإسلام فسخر له كل وقته وجهده .. حتى قرت عينه وطابت نفسه وتمنى أن يطيل الله في عمره حتى يسمع الأطفال وأصواتهم تهز الأرجاء بتلاوة كتاب الله تعالى .. فنال ما تمنى .. فكم تعلمنا منك الكثير والكثير يا أبي ..فجزاك الله عنا خير الجزاء .. وأجزل لك المثوبة والعطاء.
فالدعاء للوالدين والإحسان إليهما قد أتي بعد الأمر بعبادة الله تعالى فهما سبب وجودنا بعد الله سبحانه ,
قال : \" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)سورة النساء
وقال:\" وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) سورة الإسراء .
ولذا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم برهما من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى , فعَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُ لَزَادَنِي. أخرجه أحمد 1/418(3973).
كما جعل صلى الله عليه وسلم رضا الله في رضا الوالدين وغضب الله في غضب الوالدين , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , قَالَ:رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ. أخرجه التِّرمِذي (1899) و\"ابن حِبان\" 429 وقال الألباني رحمه الله تعالى ، حسن موقوفاً ، وصحيح مرفوعاً .
ففي رضاهما سبيل إلى الجنة ,عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ». قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ». صحيح مسلم (6675 ).
كما أن الوالد أوسط أبواب الجنة ,عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ،قَالَ:قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ،فَاحْفَظْ ذَلِكَ الْبَابَ،أَوْ دَعْهُ..مسند أحمد (8 / 899)(27552) 28103- صحيح.
والجهاد في الإحسان إليهما وطلب رضاهما من أفضل أنواع الجهاد , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،فقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ أُجَاهِدُ ؟ فقَالَ:لَكَ أَبَوَانِ ؟ قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. صحيح ابن حبان (2 / 164) (420) صحيح.
قال الإمام الشافعي :

طع الإله كما أمر * * * و أملأ فؤادك بالحذر
وأطع أباك فإنه * * * رباك في عهد الصغر
واخضع لامك وأرضها* * * فعقوقها إحدى الكبر

وحب الوالدين لأولادهم من أفضل مراتب الحب وأنقاها وأصفاها ,روى أنه لما وجه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الجيش إلى اليرموك قام إليه أمية بن الأسكر الكناني فقال: يا أمير المؤمنين هذا اليوم من أيامي لولا كبر سني. فقام إليه ابنه كلاب، وكان عابداً زاهداً، فقال: لكني يا أمير المؤمنين أبيع الله نفسي وأبيع دنياي بآخرتي. فتعلق به أبوه وكان في ظل نخل له وقال: لا تدع أباك وأمك شيخين ضعيفين ربياك صغيراً حتى إذا احتاجا إليك تركتهما! فقال: نعم أتركهما لما هو خير لي. فخرج غازياً بعد أن أرضى أباه، فأبطأ وكان أبوه في ظل نخل له، وإذا حمامة تدعو فرخها، فرآها الشيخ فبكى، فرأته العجوز فبكت، وأنشأ يقول:

لمن شيخان قد نشدا كلاباً * * * كتاب الله إن ذكر الكتابا
أناديه ويعرض لي حنينٌ * * * فلا وأبي كلابٌ ما أصابا
تركت أباك مرعشةً يداه * * * وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإن أباك حين تركت شيخٌ * * * يطارد أينقاً شزباً جذابا
إذا رُتّعن إرقالاً سراعاً * * * أثرن بكل رابيةٍ ترابا
طويلاً شوقه يبكيك فرداً * * * على حزنٍ ولا يرجو الإيابا
إذا غنت حمامة بطن وجٍّ * * * على بيضاتها ذكرا كلابا

فبلغت هذه الأبيات عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأرسل إلى كلاب فوافاه فقال: إنه بلغني أن أباك وجد لفراقك وجداً شديداً فبماذا كنت تبره؟ قال: كنت أبره بكل شيء حتى أني كنت أحلب له ناقة فإذا حلبتها عرف حلبي. فأرسل عمر، رحمه الله، إلى الناقة فجيء بها من حيث لا يعلم الشيخ فقال له: احلبها. فقام إليها وغسل ضرعها ثم حلبها في إناء. فأرسل عمر، رحمه الله، بالإناء إلى أبيه فلما أُتي به بكى ثم قال: إني أجد في هذا اللبن ريح كلاب. فقال له نسوة كن عنده: قد كبرت وخرفت وذهب عقلك، كلاب بظهر الكوفة وأنت تزعم أنك تجد ريحه! فأنشأ يقول:

أعاذل قد عذلت بغير علمٍ * * * وهل تدري العواذل ما ألاقي
سأستعدي على الفاروق رباً * * * له حجُّ الحجيج على اتساق
إن الفاروق لم يردد كلاباً * * * إلى شيخين ما لهما تواقي

فقال له عمر: اذهب إلى أبيك فقد وضعنا عنك الغزو وأجرينا ك العطاء. قال: وتغنت الركبان بشعر أبيه. فبلغه فأنشأ يقول:

لعمرك ما تركت أبا كلابٍ * * * كبير السن مكتئباً مصابا
وأماً لا يزال لها حنينٌ * * * تنادي بعد رقدتها كلابا
لكسب المال أو طلب المعالي * * * ولكني رجوت به الثوابا

وكان كلاب من خيار المسلمين، وقُتل مع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بصفين وعاش أبوه أمية دهراً طويلاً حتى خرف، فمرّ به غلام له كان يرعى غنمه وأمية جالس يحثو على رأسه التراب فوقف ينظر إليه، فلما أفاق بصر بالغلام فقال:

أصبحت لهواً لراعي الضأن أعجبه * * * ماذا يريبك مني راعي الضان
انعق بضأنك في أرض بمخضرةٍ * * * من الأباطح واحسبها بجلدان
انعق بضأنك إني قد فقدتهم * * * بيض الوجوه بني عمي وإخواني

ابن حجر : الإصابة في معرفة الصحابة 1/38 , البيهقي : المحاسن والمساوئ 234 .
والوالدين إذا ما أحسنا البذر طاب لهما الحصاد عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: \" إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ , وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ , وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ \"شرح مشكل الآثار (1 / 228) (246 ) صحيح.
قال الطحاوي:\" فَالْمُسْتَثْنَى فِيهِ وَهُوَ أَعْمَالٌ تَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنْ صَدَقَةٍ بِهَا عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهَا فِي حَيَاتِهِ , وَعِلْمٍ يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهُ فِي حَيَاتِهِ , وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهُ فِي حَيَاتِهِ , وَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَلْحَقُهُ بِهَا ثَوَابٌ طَارِئٌ خِلَافَ أَعْمَالِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا.شرح مشكل الآثار (6 / 89) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ،فَيَقُولُ:يَا رَبِّ،أَنَّى لِي هَذِهِ ؟ فَيَقُولُ:بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ. مسند أحمد ( (3 / 738)(10610)
وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: \" مات أبي فما سألت الله حولا كاملا إلا العفو عنه \" بر الوالدين للحافظ 10618- حسن.الطرطوشي ، 78.
يروى أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما كان قد تزوج عاتكة بنت عمرو بن نفيل وكانت من أجمل نساء قريش , وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرهم بوالديه فلما دخل بها غلبت على عقله ، وأحبها حبا شديدا فثقل ذلك على أبيه فمر به أبو بكر يوما وهو في غرفة له فقال: يا بني إني أرى هذه قد أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها قال لست أقدر على ذلك فقال أقسمت عليك إلا طلقتها فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها فجزع عليها جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب فقيل لأبي بكر أهلكت عبد الرحمن فمر به يوما وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات :

فوالله لا أنساك ما ذر شارق * * * وما ناح قمري الحمام المطوق
فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها * * * ولا مثلها في غير شيء يطلق
لها خلق عف ودين ومحتد * * * وخلق سوي في الحياء ومنطق

فسمعه أبوه فرق له وقال له راجعها يا بني فراجعها وأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف مع رسول الله أصابه سهم فقتله فجزعت عليه جزعا شديدا وقالت ترثيه:

فآليت لا تنفك نفسي حزينة * * * عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فتى طول عمري ما أرى مثله فتى * * * أكر وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنة خاضها * * * إلى القرن حتى يترك الرمح أحمرا

أبو الفتح الأبشيهي: المستطرف في كل فن مستظرف ص 483 .
وصور البر كثيرة منها في حياة الوالدين من الإحسان والطاعة والبر وحسن الصلة , ومنها بعد وفاتهما من الدعاء والاستغفار لهما وصلة أرحامهما وبر صديقهما ,يروى أن ابن عمر رضي الله عنه كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ،كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ،إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ،فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ،إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ،فَقَالَ:أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ،قَالَ:بَلَى،فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ،وَقَالَ:ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ،قَالَ:اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ،فَقَالَ لَهُ:بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ،وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ،فَقَالَ:إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:\" إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ \".صحيح مسلم (6677-6679 ) .
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ،قَالَ:قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ،فَأَتَانِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ،فقَالَ:أَتَدْرِي لِمَ أَتَيْتُكَ ؟ قَالَ:قُلْتُ:لاَ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ،فَلْيَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ بَعْدَهُ وَإِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَبِي عُمَرَ وَبَيْنَ أَبِيكَ إِخَاءٌ وَوُدٌّ،فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَصِلَ ذَاكَ . صحيح ابن حبان (2 / 175) (432) صحيح.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ مَرَّ بِأَعْرَابِيٍّ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ أَبُو الْأَعْرَابِيِّ صَدِيقًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: أَلَسْتَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ بِحِمَارٍ لَهُ كَانَ يَعْتَقِبُ، وَنَزَعَ عِمَامَةً كَانَتْ لَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: شُدَّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِي هَذَا دِرْهَمًا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،قَالَ: \" احْفَظْ وُدَّ أَبِيكَ، وَلَا تَقْطَعْهُ، فَيُطْفِئُ اللهُ نُورَكَ \" .شعب الإيمان (10 / 296) (7518 ) حسن
ويحكي أنه كان رجل له أربعة بنين فمرض فقال أحدهم: إما أن تمرضوه، وليس لكم من ميراثه شيء، وأما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء قالوا : بل تمرضه، وليس لك من ميراثه شيء، فمرضه حتى مات ، ولم يأخذ من ميراثه شيئا. قال: فأتي في النوم فقيل له: ائت مكان كذا وكذا، فخذ منه مائة دينار. فقال: أفيها بركة ؟ قالوا: لا فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته: فقالت: خذها، فان من بركتها إن نكتسي منها ، ونعيش بها. فلما أمسي أتي في النوم فقيل له: ائت مكان كذا وكذا فخذ منه عشرة دنانير فقال: أفيها بركة؟ قالوا: لا فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته، فقالت له مثل قولها السابق، فأبي أن يأخذها. فلما أمسي أتي في النوم فقيل له: ائت مكان كذا وكذا، فخذ منه دينار. فقال : أفيه بركة ؟ قالوا: نعم قال: فذهب فأخذ الدينار، ثم خرج به إلى السوق، فإذ هو برجل يحمل حوتين فقال: بكم هما ؟ قال : دينار فأخذهما منه ، وانطلق بهما إلى بيته، فلما شقهما وجد في بطن كل منهما درة لم ير الناس مثلها، فبعث الملك يطلب درة يشتريها لم توجد إلا عنده فباعها بثلاثين وقرا ذهبا. فلما رآها الملك قال: ما تصلح هذه إلا بأخت فاطلبوا أختها ولو ضعفتم الثمن فجاءوا فقالوا: أعندك أختها ونعطيك ضعف ما أعطيناك؟ قالوا: نعم فأعطاهم الثانية بضعف ما باع به الأولي، وهذا جزاء ما أحسن إلي أبيه.
قال الشاعر :

عليك ببر الوالدين كليهما * * * وبر ذوي القربى وبر الأباعد
ولا تصبحن إلا تقياً مهذباً * * * عفيفاً ذكياً منجزاً للمواعد

فاللهم اجعلنا من البارين بآبائهم , الواصلين لأرحامهم , المحسنين لخلق الله , اللهم ارحم آبائنا وأمهاتنا ومشايخنا وكل من له حق علينا , اللهم وتولى أمرنا وأحسن خلاصنا ,وارحم ضعفنا واجبر كسرنا , وتوفنا على الإسلام , وجملنا بالستر والإحسان .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية