اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hamza/107.htm?print_it=1

قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...!
الصحوة ظرف ثقافي (١٣)

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! وقفات أولية ....[١]
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! أفكار الصحوة...! [2]
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! التدين وصحوة التدين...! [3]
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! أثر الصحوة الاسلامية.. [4]
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! الرموز شكلا ومضمونا...! [5]
القراءة النقدية لكتاب الاستاذ الغذامي (٦) فضاء تويتر أم النت،،،؟!
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! الموقف من الحداثة..!(٧)
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! الصحوة الفكرية...!(٨)
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! مزايا الصحوة المحلية (٩)
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! اللحية التجديدية أو الثقافية (١٠)
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! حلم الناصرية العروبية..(١١)
قراءة نقدية لكتاب (ما بعد الصحوة ) للأستاذ الغذامي...! المفتاح المنهجي النقدي.(١٢)


وهو يقصد بالثقافي التاريخي المحدد بزمن، وقد لا يئوب مرة أخرى لارتباطه التاريخي، بظروف المنطقة العربية، لا أن فيها المقومات الذاتية للتجدد والنهضة،،،! وقد حدد ذلك وشبهها بالتيار القومي،،،! لكن بحسب التعاهد والتغذية المفعمة، والإذكاء المتجدد، قد يبرز أهل التدين...!
وإذا استحضرنا ربطه ظهورها بسقوط الجيوش العربية في (٦٧) م،، كما يقول،،،!

وهذا من عجائب الكتاب وطرائفه في نفس الوقت، أنه سمى الصحوة بالظرف الثقافي، ليجسد كلامه بأنها ظاهرة منفصلة عن الدين، خاوية الأفكار، حشدية متوجسة، يقول ص (١)
(...يسود ويسيطر... ثم يتراجع وينحسر...!)
(..وينحسر حين يتشبع ويتوقف عن التغذية الحافزة والمحفزة )
وتغافل أنها ظرف تاريخي متجدد، وقدر رباني واقع، وهي سنة كونية في تجديد الإسلام، واستعادة مجده وسلطانه....!
وأنها نابضة ومتجددة، بتجدد الإسلام، وبقائه على وجه البسيطة ،،،! وإلى هذه الظرفية المتجددة، لا المنقطعة، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم (( بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء )). ونقل النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض رحمه الله، أنه قال في معنى الحديث :
(أَنَّ الإِسْلام بَدَأَ فِي آحَاد مِنْ النَّاس وَقِلة ، ثُم انْتَشَر وَظهَر ، ثُمَّ سَيَلْحَقُه النقْص وَالإِخلال ، حَتى لا يَبْقى إِلا فِي آحَاد وَقِلَّة أَيْضًا كَمَا بَدَأَ ) اهـ .
إذن العملية عملية تجددية تفاعلية، حسب الظروف والمعطيات التاريخية والثقافية، ما بين قوة وضعف، وسعة وضيق، وكثرة وقلة ، لا أنها حركة جامدة، ولدت مرة بلا قصد، ولا تكاد تعود، كما يفهم من كلامه ....!

ولربما قراءات المؤلف في الأنساق الثقافية، وفلسفته اللغوية والاجتماعية ، وإعلانه موت النقد الأدبي، كان له تأثيره الثقافي والمنهجي عليه، بحيث حاكم الصحوة بنظرية النسق الثقافي، والتي صنف فيها كتابا ذائعا، لم يوافقه عليه زملاء المهنة النقدية والفلسفية...!
فجرى في نقد الصحوة ملاحظا ظرفها الثقافي الشكلي، وسماتها،واختزلها في موات النسق العروبي القومي،،.!
وليته نقدها النقد الشرعي العلمي الموضوعي ومن خلال خطابها وأدواتها، لكنا قبلنا ذلك،!
ولكن هل يملك هو ذلك،..؟! ربما لو استعان بكتب نقاد الصحوة، لوجد شيئا سمينا بزعمهم هنا، وحميات لاذعة لا تنتهي..!
ولكنه أجرى الصحوة مجرى القضايا والظواهر الثقافية المنتفخة والمتلاشية، فطبق عليها نظرية النسق الثقافي، والتي لامه الكثير عليها، من كونه لم يحدد التعريف المنهجي للنقد الثقافي، أو يبين أدواته...!
وكلامه يوحي بعدم استرداد هذا الظرف لدوره وتاريخه وحيويته،،،،! ونسي أن عملية تجديد الإسلام تجري على هذا الشكل، ولا تزال الحركات التجديدية تنهض من حين لآخر، ويشتد ظهورها عند انطماس المعالم، والشعور بالغربة الدينية، فيورث الله تعالى أقواما يقومون به، ويعملون على إبرازه وتجديده،،،،،!
ولهذا كان ينبغي له أن ينطلق في النقد الصحوي من نواح شرعية، وأدوات علمية محفوظة، وليس من خلال ملاحظة سيمياء ثقافية واجتماعية، لا تعطي الانطباع الدقيق والكامل جهة الصحوة الميمونة ...!
وأغفل خطابها، أدواتها، فلسفتها،،مقاصدها، براهينها، معالم جاذبيتها...!
ولو تأمل التاريخ الإسلامي لوجد أن هذه الصحوة والرجعة المصدرية، تحيا من وقت لآخر، عبر انتشار العلم، والرد على المبتدعة، أو سيادة العدل، وسلطان عادل، أو بروز عامل الجهاد النهضوي، أو لهج صادق... وقد مرت الأمة من بعد الخلافة الراشدة بمنعطفات وإخفاقات، كانت تئوب فيها إلى دينها، وتستيقظ دينيا وعلميا وجهاديا وسلوكيا...!

من نحو:
- العصر الذهبي للخليفة عمر بن عبد العزيز، وانتشار العدل والبركة في زمانه.
- وقفة الإمام أحمد التاريخية ضد المعتزلة، وتجديده العقدي.
- جهاد آل زنكي في استرداد القدس .
- انتصار المسلمين في عين جالوت بقيادة قطز وبيبرس.
- هزيمة الصليبيين في حطين على يد صلاح الدين وإعادة الأزهر للسنة .
- تجديد الإمام ابن تيمية لمعالم الدين وقيامه بالدين خير قيام.
- جهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية في نجد.
- ابن باديس والإبراهيمي في الجزائر .
- أثر الشيخ رشيد رضا والإصلاحيين عموما في مصر، والتجذير للاتجاه السلفي، والذي تنامى بعد ذاك .
- أثر ثلاثي اليمن الإصلاحي الحفاظ الشوكاني والصنعاني وابن الوزير ، وصحوة العلم والفكر والنص .
- جهد الجماعة السلفية وأهل الحديث في الهند والنهضة الحديثية .
ولو تأمل المؤلف ملامح التاريخ الدعوي الإسلامي وحركات الصحو والضعف والنهوض، لبدا له أن الصحوة الإسلامية
قد وجد نظيرها في التاريخ الإسلامي، وأن تقلباتها طبيعة تاريخية ، تتجدد حسب الظروف والمعطيات ،،! فالواجب قراءتها من الداخل ، والغوص في الأسرار ، وكما قال الإمام ابن خلدون رحمه الله ( إن التاريخ لا يزيد في ظاهره عن الإخبار، ولكنه في باطنه نظر وتحقيق ).
فالمراجعة التحقيقية والاعتبارية للتاريخ الإسلامي وتتبع حركات الإصلاح الديني، كان سيساعد في فهم ظاهرة الصحوة، ولكن المؤلف قرأها مجردة من ظروفها الموضوعية والثقافية المتكاملة، ولذا جاءت القراءة خداجا مبتسرة ، ومشوّهة في بعض المواضع ، وقد قال بيرل باك ( لو أردت فهم الحاضر فادرس الماضي ).،،،!

فالصحوة ظاهرة تاريخية اجتماعية إصلاحية تجديدية ، متصلة بماضينا وواقعنا ، تنشط من حين لآخر، ولم تنته، أو يفرغ صداها، لارتباطها بحركة الدين ووقودها وانطلاقاته... وكلما توفرت التربية الجادة، والحشد العلمي الإصلاحي، وقام المخلصون بدورهم، أثمرت وأينعت، وأحدثت مثل تلك الحشود المرعبة، والتدين المجتمعي الشامل والضاغط..!
ويشهد بذلك حديث التجديد السابق :(( من يجدد لها دينها )) وقد تقدم ذكره .
ففي حركة التدين الاجتماعي، غفوة وصحوة، واندراس وتجديد، وتماوت ويقظة، وجد وهزال، وطلائع الطائفة الناجية المنصورة، تضطلع بدور كبير هنا(( لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله )) كما في الصحيحين..!
ومراحل البلاء الشديد التي تلاحق المتدينين عبر التاريخ ، دليل عملي على انحسار التدين وتدفقه من وقت لآخر، وليس أن الصحوة الحديثة تختلف عن الصحوات السابقة، أو كانت فارقة أو متميزة بالنسبة لها...!
بل من المؤكد قد مرت على الأمة حركات صحوية ذهبية، عادت فيها إلى دينها، ولم تخل من إنجازات وإخفاقات، باعتبار كونها جهودا بشرية، وديناميكية التدين يحفها الاجتهاد كثيرا..! ولكننا لم نسبر التاريخ جيدا، وأرخنا لما عايشنا وعاينا،،،! وإلا فالأمر أشد من ذلك وأبلغ....!
ففلسفة قوة هذا الدين، أنه كلما قام به أهله، أثمر واتسع وانتقل إلى التدفق الحشدي المرعب، وإذا قصر فيه أهله، ضعف وانحسر، واتسعت المخالفات، واحتاج إلى المجددين التاريخيين، وبروز دور المسجد والمؤسسات الدعوية والخيرية الأخرى ، حتى يعيدوا الحق إلى نصابه، ويحدثوا صحوة تصبح حكاوي ومجالس للمثقفين، وتُرقم فيها مقالات نقدية....!
وكما قال المولى تعالى: (( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )) سورة محمد .
ولذلك زعمه هنا أنها ظرف تاريخي مؤقت، ليست من فراغ ، بل نتيجة تبسيطه لحشدها وضخامتها الشكلية، ومحاولة تجريدها من الأفكار الدافعة والضمنية المحركة لها،،،! وأنه لولا انطفاء الشعلة القومية ما تسنى لها البروز والنضوج...!
وهي دعوى غير واعية بالوضع الصحوي، لا أصولا ولا أدبيات، وكما قررنا سابقا، بأنه لم يرجع إلى شيء من آثارها ولا مراجع أصحابها، والشرائط الألفية، والتي أبانت نهجها ورؤيتها وأصولها وأهدافها، وما الذي ترمي إليه....!
ولكنه لم يقف على شيء من ذلك قط....!!
واكتفى بالرصد الشكلي السيميائي، وبعض النظرات الشخصية الهزيلة، ولا زلنا نؤكد أن الصحوة الإسلامية بحمد الله تعالى هي ظرف تاريخي متجدد ومتفاعل، يطول ويقصر بحسب قيام أهله به، وتظافر جهودهم، وحرصهم في عرض القضية الدعوية، (( قال من أنصاري إلى الله )) سورة آل عمران . وإذا توفر الأنصار، واشتدت السواعد، وعظم العطاء، سنحت الفرصة التاريخية النهضوية، وتولدت صحوات وصحوات، كان لها الأثر المحلي المنتج، والامتداد الخارجي العجيب .
ولا زلنا نستحضر عبر التاريخ العلمي الاسلامي حفاوة الناس بالعلماء، وتزاحمهم على حلقهم، كما كان يحصل لكبار المحدثين والأئمة الأربعة، وازدحام الناس على مواعظ ابن الجوزي، ودروس الامام أحمد، والبخاري، واستقبال أهل الرقة لابن المبارك، وهلم جرا،،،،
ومثل هذا النماذج تعطيك انطباعات صحوية قديمة، ارتبطت بالعلم ازدهرت حينا، وتراجعت حينا آخر، وأكدت عظمة هذا الدين، وأنه متى ما تيسرت السبل النهضوية والصحوية الجادة، أنتج مثل ذلك البروز والهيجان، المرعب للخصوم،،،،!
ولكنهم يضجّون من ذلك، وادعوا وجود التدين من قبل، وتجاهلوا تجديد الصحوة الاسلامية وإفرازاتها الإيمانية والأخلاقية والحضارية ،،،!
ولم يقل أحد بانعدام الدين، وإنما أكدنا على تجديدية العمل التديني السلوكي، وما احتف به من صور علمية وتهذيبية وعقائدية واجتماعية راقية، وهنا جوهو التدين والانطلاقة الصحوية، وهي باقية بقاء الإسلام، ولا تزال تتحرك وتتفاعل من حين لآخر ،،،،!

ومضة / التاريخ يعلّم كل شيء، بما فيه المستقبل..!
والله الموفق......

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية