اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hamza/283.htm?print_it=1

دُرَر سُننِ النّسائي وصفاته..!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


تأخر عمريا وتأليفياً، ولكنه نُعت بالصحة والجودة والإتقان من مشاهير المحدثين، حيث قالوا في سننه الصغرى ( المُجتبَى ) إنه صحيح، مما يدل على عبقرية الاجتباء والعطاء الحديثي، إنه الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمه الله (٣٠٣)هـ . صاحب الدرر الفاخرة، والسنن المجتباة الباهرة،

قالوا تأخر مِفضالٌ فعوّضه... بسِفرِه الفذ في حذقٍ وإجلالِ
يهابُه الناسُ مثل البحر ملتطمٌ...وفِي ثناياه درُّ الباحثِ السالي


وهنا بيانٌ لها وتنبيهات :

١/ مميز معلّل:
قال العلامة ابن مندَه رحمه الله : ( الذين خرّجوا الصحيح، وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة : البخاري، ومسلم وبعدهما أبو داود، والنسائي ). رحمهم الله.
وقال أبو الحسن الدارقطني رحمه الله: ( أبو عبد الرحمن مقدّم على كل من يُذكر بهذا العلم، من أهل عصره ).

٢/ أحذق الستة بعد البخاري:

قال الذهبي رحمه الله في السير: ( وكان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف، جالَ في طلب العلم في خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن.. وقال أيضاً: ولم يكن أحد في رأس الثلاث مئة أحفظ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم، ومن أبي داود، ومن أبي عيسى، وهو جار في مضمار البخاري، وأبي زرعة ).

٣/ كتاب علل:
قال الحافظ ابن رُشيد: ( كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفاً ، وأحسنها ترصيفاً، وهو جامع بين طريقي البخاري ومسلم مع حظٍ كبير من بيان العلل التي كأنها كِهانة من المتكلم ).

٤/ المجتبى الصحيح :
أطلق عليه اسم "الصحيح " أئمة أجلة، منهم ابن مندَه وابن السكَن وأبو علي النَيسابوري والدارقطني وابن عدي والخطيب البغدادي....
ويسمى " السنن الصغرى" تمييزاً له عن الكبرى، وتنطق ( المجتنى ) بالنون عند بعضهم . ولعل تسميته بالصحيح من باب الغالب وشدة تحريه، وإلا ففيه أشياء مضعفة، وقد علل الشيخ الألباني رحمه الله نحو(٥٠٠ ) حديثا في السنن، مما يدل أن كلام السابقين فيه تسامح .
وهل هي من وضعه؟
قال ابن الأثير : وسأله بعض الأمراء عَن كِتَابه السّنَن الْكُبْرَى أكله صَحِيح ؟! فَقَالَ: لَا قَالَ : فاكتب لنا الصحيح مِنْهُ مُجَردا . فَصنعَ المجتبى من السّنَن ولخص مِنْهَا الصغيرة، وَترك كل حَدِيث أوردهُ فِي الْكَبِيرَة مِمَّا تكلم فِي إِسْنَاده بِالتَّعْلِيلِ...!
وقيل: من وضع تلميذه النجيب ابن السني رحمه الله(٣٦٤)، والقصة مشكوك في ثبوتها، وبهذا جزم الذهبي رحمه الله .
في حين ذهب بعض المعاصرين وهو دكتور فاروق حمادة إلى أنه من وضع النسائي نفسه، وقدم حججاً على ذلك لا يمكن للمنصف ردُها..!

٥/ الشرط الشديد :
قال الحافظ ابن طاهر رحمه الله : ( سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه، فقلت: قد ضعّفه النسائي، فقال: يا بني ! إن لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم ).
قلت- أي الذهبي -: صدق، فإنه ليّنَ جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم...! نحو إسماعيل بن أبي أويس....

٦/ طريقته الحديثية:
أحيانا يسوق الحديث الصحيح ثم يتبعه الحديث المعتل مبينا علته، وأحيانا يصنع عكس ذلك فيبدأ بالمعتل ثم يتبعه الصحيح ، وقد يكتفي بذكر حديث واحد في الباب إذا كان يحقق الغرض بمفرده. وتأثر بالبخاري ومسلم والترمذي في تصانيفهم وترتيباتهم...!

٧/ تعداده:
الكبرى أوسع من الصغرى، عدد أحاديث الكبرى (١١٧٧٠) بينما أحاديث الصغرى تبلغ (٥٧٦١) .
وأحاديث الصغرى قد رواها عن شيوخه بطريق السماع ، وفي الكبرى أحيانا يقول :( بلغني عن فلان -و يكثر في الكبرى من تعليل الأحاديث ويقل من ذلك في الصغرى .
وقد افتتح كتابه( بكتاب الطهارة ) باب تأويل قَوْلِهِ عز وجب : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ }.
وساق بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا استيقظ أحدكم مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يده فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يغسلها ثلاثا، فَإِنَّ أحدكم لَا يَدْرِي أين باتت يَدُهُ ).
واختتمه بكتاب الْأَشْرِبَةِ  (باب ذكر الأشربة المباحة ) عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : كَانَ لأم سُلَيْمٍ قدح مِنْ عَيْدَانٍ،-بفتح العين وكسرها- فَقَالَتْ : ( سَقَيْتُ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلم كُلَّ الشراب ؛ الماء، والعسل، واللبن، والنبيذ ).

٨/ لا يخرّج لمتروك مُجمع عليه:
قال النسائي رحمه الله : ( لم أُخرج في كتابي هذا ( السنن ) لرجل أجمع الحفاظ على تركه ). قال العراقي في الألفية :
والنسائي يُخرجُ ما لم يُجمعوا/ عليه تركاً مذهبٌ متسعُ..! كذا انتقدوه ولكن الحافظ ابن حجر قال لعله يقصد إجماعاً مخصوصاً، لأنه ينافي تشدده في الرجال .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( وفي الجملة : فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفا ، ورجلاً مجروحاً ) ( النكت على كتاب ابن الصلاح ( ١ / ٤)

9/ محدّث قاضٍَ :
لم تمنعه حلقاته الحديثية وجهده التعليلي من ولاية القضاء ونفع الناس، فقد تولى القضاء في مصر وفي حمص، وأدرج في السنن ( كتاب آداب القضاة ) وبوّب فيه بتراجم لطيفة منها: (باب السَّعَةُ لِلْحَاكِمِ فِي أَنْ يَقُولَ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ : أَفْعَلُ لِيَسْتَبِينَ الْحَقُّ ) . وأسند حديث المرأتين مع داود وسليمان عليهما السلام ( ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا..) . وقال:( باب النهي عن استعمال النساء في الحكم ) وساق حديث أبي بكرة رضي الله عنه : عَصَمَنِي اللَّهُ بشيء سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى، قَالَ : ( مَنِ استخلفوا ؟ ). قَالُوا : بِنْتَهُ . قَالَ : ( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً ).

10/ شروحه :
توجد...
• حاشيتان مختصرتان للعلامة السيوطي والسندي رحمهما الله. وهو الوحيد الذي لم يخدم مع سنن ابن ماجة، وقد قيل إن السبب كونه كتاب علل واختلاف، ولا يمهرها إلا حذاق المحدثين ...!
• إلى أن اشتعلت همة الشيخ المحدث- وهو معاصر- محمد بن علي بن آدم الأثيوبي المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة، فشرحه وبسطه، محررا ومدققا مسائله ورجاله، بكتاب سماه( ذخيرة العقبى في شرح المجتبى ) وهو جهد مشكور، وعمل مذخور، في اثنين وأربعين جزءا، فجزاه الله خيرا وبارك فيه.
والله الموفق.....
 


 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية