صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فَجْريات رمَضان ...!
(قصة وعبرة)

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فجرت العادة رمضانياً أن تكثر الكلمات والمواعظ، ويستثمر الدعاة عودة الناس إلى المساجد وازدحامهم ، ومن ذلك (درس الفجر) والوجيز، وكنا في السابق نقرأ من السيرة النبوية، ثم رأينا التعليق على آيات الإمام، وهذه السنة قررنا أن نجول في( قصص الأنبياء ) ونستلهم دروسهم تحت عنوان ( قصة وعبرة )

وباختصار شديد مبين، وفِي وجازة خاطفة تقدر بخمس دقائق ، تشير إشارة عامة إلى القصة ثم عبرة واحدة من عبر مختلفة، وإلا فهي كنوز من العبر، وجواهر من الفرائد والدروس، يسر الله تقييدها ليتم الانتفاع، ويحفظ العلم، نسأل الله تعالى البركة والتوفيق، وحسن العمل والقبول، إنه جواد كريم .

١٤٤٠/٩/٥هـ
 



١/ آدم عليه السلام ‏وعداوة الشيطان:


قصة آدم عليه السلام من محاسن القصص وهي من قصص الأنبياء الشهيرة التي حكاها الله عزوجل في القرآن وأشار إليها في بعض المواضيع.
آدم عليه السلام هو أبو أبو البشر ، خلقه الله، وأكرمه، وشرفه بأن خلقه بيده، فهو أول المخلوقات. والله عزوجل أدخله الجنة جنات عدن أو جنة كالآخرة، فيها من الصفات التي تحملها جنة الآخرة، ومتّعة وأكرم وحذره أن لا يقرب إحدى الشجر هنالك،....
لكنه أخطأ بعد ما زين لهما الشيطان .
‏فقال لهم الشيطان ( هل أدلك على شجرة الخلد، وملك لا يبلي) فأغراه بها فاكلا منها، فبدت لهما سوأتهما، أي انكشف سترهما الذي سترهما الله به سواء كان من نور أو غيره، وقيل: خرج منهما الفضلات...!
وعمدا إلى ورق الشجر يف يغطيان سوءاتهما .
قال العلماء المحققون : كانا في ستر من الله يستر به سوءاتهما ، وأنهما لما أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عنهما، انكشف ذلك الستر بسبب تلك الزلة والخطيئة .
ثم قال تعالى :
(فازلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض العدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين )
فكانت سبب خروجهم من الجنة الشيطان فهذه القصة..! والعبرة الحذر من الشيطان وتزييناته، وعدم الخضوع له، وأن كل واحد منا معه شيطان يزين له الشرور، ويدعوه إلى الرذائل، ويحرمه الفضائل ‏.
وهكذا دوره الحياتي ، يمنّي ويعد كما قال عزوجل ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا إلا غرورا). سورة النساء .
فهذه القصة ومدارها حول ابتلاء آدم وخروجه من الجنة بسبب تسويل الشيطان ، والعبرة منها الحذر من الشيطان وعدم طاعته، وأنه سبب لإيقاع العبد في شر أعماله، ويوم القيامة يتبرأ من الملايين التي خدعها فلا تلوموني ولوموا أنفسكم... والله تعالى أعلم.

٢/ موسى واليقين:

هو كليم الله، وأحد أولي العزم من الرسل .
لما أرسله الله لاستنقاذ بني إسرائيل، فخرجوا في عدد صخم ليلا، وتبعهم فرعون ، حتى قاربوا البحر ، قال تعالى ( فلما ترآى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا إن معيَ ربي سيهدين ) سورة الشعراء .
فتأمل عظم يقينه، وحسن توكله على ربه، واطمئنان قلبه بالنصر والظهور( إن معي ربي سيهدين ) أي سيهديني الطريق، وسيفتح لي باب النجاة ، ويرد كيد المجرم في نحره...! وتصور أن هذا اليقين نبت في ظرف عصيب، وملاحقة مميتة، وبحر ضخم مريج.... ! ومع ذلك أمره الله أن يضرب بعصاه البحر، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، أي كالجبل العظيم، وتتخللها الطرق والمسالك للعبور والنجاة، فنجا القوم وهلك القوم المجرمون .
فتذكر واستفد أن الله ناصر عباده، وأن العاقبة للمتقين، مهما كانت الأحداث والظروف، والمهم أن يستقر في القلوب يقيننا بوعد الله ونصره( وليُنصرن الله من ينصره ) واذا استقر ذلك في قلب القائد انتقل المعنى وسرى في أفئدة الاتباع، فحصل الإيمان والقوة .

٣/ يوسف والصفح :

من أروع القصص القراني ، ومكر به إخوته لما رأوا حب أبيه له، فطلبوا أن يخرج معهم للعب واللهو، وأخذوه وألقوه في غيابه الجب اي البئر، حتى اوشك على الهلاك حتى مرت قافلة مسافرون، سيارة قافلة أدلوا الدلو، فبرز لهم غلام جميل حسن الصورة والطلعة( قال يا بشرى هذا غلام) فعاد إخوته وزعموا أنه لهم وهرب...، وأشاروا عليهم بشرائه، وباعوه بثمن بخس كما قال عزوجل ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) ... حتى اشتراه عزيز مصر ومكن الله له وعاش سعيدا مكرما، وهنالك حصلت له مشكلة مع النساء مع امرأة العزيز وقد راودته عن نفسه، وخيرته... فاختار السجن قال رب السجن أحب إلي مما يدعون إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين...
‏وهكذا من طور إلى طور، ومن محنة إلى محنة، إلى أن مكنه الله عزوجل وأصبح عزيز مصر ، واستخلصه الملك لنفسه، وقال ( إنك اليوم لدينا مكين أمين ) وولاه الخزائن والاقتصاد لما رأى من ذكائه وصدقه وخبرته بظروف الحياة وظروف الرزق...!
ثم في سني القحط لجأ إخوته إليه، فأكرمهم، ثم لما ظفر بهم بعد مدة، وتحققت الرؤيا التي رآها في الصبا عفا عنهم وصفح، ولَم يذكرهم بماضيهم التعيس معه، والله عزوجل يقول :( والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ). وقال عزوجل :( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي..) تأمل قال نزغ الشيطان... لم يقل مكروا بي.. اعتدوا علي.. أنتم فعلتم كذا وكذا.... ‏ونسب الفعل كله للشيطان وتسويله...!
وهذا درس في الصفح وفي العفو وفِي الحديث الصحيح : ( وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ) ونحن في شهر رمضان شهر العفو والتسامح ، فتسامح مع أقاربك، واتصل بأرحامك، وسلم على جيرانك وبارك الجميع برمضان...! تقبل الله من الجميع وصلي الله وسلم على نبينا محمد .

٤/ إبراهيم والمحرقة العظيمة:

ابتلاه الله بقومه عبدة الأصنام، وكان والده( آزر ) يصنع هذه البضاعة التي يتخذونها آلهة من دون الله، وفِي يوم دعوه إلى أعيادهم، ليحتفل معم فاعتذر، وقال إني سقيم، وتظاهر بالمرض، وكان بيت النية على تكسيرها وتخليص الإنسان والعقل من هذه الأصنام والتماثيل المزيفة، وبالفعل كسرها ولما واجهوه بذلك وقرروا جمع نار ضخمة له، ما خاف ولا تردد، وقال فيها: ( حسبي الله ونعم الوكيل ) أي كافيني الله من كل خطر وبلاء، فعطل الله تعالى مادة النار ( وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ) والآية الأخرى ( الأسفلين ) فهم في خسار وفِي سفال، وكل محارب للدعوات هذا مصيره ومنتهاه، فنتعلم هنا عبرة الدعاء العظيم وقت الملمات والشدائد .

٥/ نوح والمدة الطويلة :

أطول مدة دعوية محكية في القرآن، ومع ذلك قال الله فيها ( وما آمن معه إلا قليل )
وفِي هذا دروس :
أن الهداية بيد الله، لا يملكها بشر مهما كانت مكانته وجاهه .
وضرورة الصبر والانتظار
وأن الهداية بيد الله ( إن عليك إلا البلاغ ).
وأن الأنبياء والدعاة ليس عليهم حصد الثمرات، إنما البلاغ المبين والنصح السليم، وبعض الناس يقول مكثنا مدة طويلة، وعاش فلان وأسس ، ولكن نتائجه قليلة أو شبه معدومة...! وهذا تصور خاطئ ،،،! والواجب استمرار الدعوة بلا تخيل مثالي للنتائج والايغال في تطلبها، فيأتي النبي يوم القيامة ومعه الرهيط، والنبي وليس معه أحد...
وهنا نوح وما آمن معه إلا القلائل ...!

٦/ يونس والظلمات :
أرسله الله إلى بلدة (نينوى من العراق)، فذكرهم بالله، وحضهم على التوحيد فأبوا، فخرج منهم مغاضباً ولَم يستأذن الله فعتب الله عليه فركب البحر فابتلاه الله بأن ألقوه في البحر، فالتقمه الحوت وهو مليم، وقال فيه الدعاء المشهور دعوة المكروب ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) وصح في الحديث ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ - إِذْ دَعَا، وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ - : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ).
فلما قالها فرج الله عنه، وأمر الحوت أن يلقيه بالعراء وأنبت له شجرة (اليقطين) وهي الدباء فعاش عليها واستقامت صحته، ثم عاد إلى قومه وآمنوا وسامحهم الله وعفا عنهم .
وهنا نتعلم: فضل دعاء الكرب، وأن الله هو القدير العليم، بيده مقاليد العباد ونواصيهم ، وضرورة الصبر وعدم الاستعجال في الدعوة.

٧/ صالح والثلاثة الأيام :

صاحب آية الناقة، والنبي المكرم، وقد حذر قومه وأنذرهم نزول العذاب بعد ثلاثة ايّام ( فقال تمتعوا في داركم ثلاثة ايّام ذلك وعد غير مكذوب )
وكان صالح عليه السلام قد أنكر عليهم وثنيتهم، ودعاهم إلى التوحيد، ولما ألح عليهم وقد كان الأنبياء أرباب معجزات، قالوا: تلك الصخرة الصماء ادع ربك أن يخرج لنا منها ناقة عُشَراء، فقال: وتؤمنون...! قالوا : نعم، فصلى ودعا ربه بذلك فخرجت ناقة.... ثم خرج فصيلها، فآمن بعضهم، واندهش الآخرون ، وكان من أمر الناقة أنها ضخمة لها شرب يوم، ولهم شرب يوم معلوم، وفِي اليوم الذي لا يشربون الماء، ينتفعون بلبنها، فوافقوا مدة.... ثم إنهم ضاقوا منها، فتآمروا عليها وعزموا قتلها( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا تقاسموا بالله لنُبيتنه وأهله....)
فقتلوها ثم فتكوا بولدها، وعمدوا بعد ذلك إلى صالح لقتله، فقال تمتعوا في داركم ثلاثة ايّام.... أي عيشوا واستمتعوا... فنهايتكم دانية، وهلاككم وشيك،،،، فانتظروا حتى تغيرت وجوههم من صفرة إلى حمرة فسوداء مظلمة، ثم أخذتهم الرجفة والصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، أي صرعى ساقطين، والله المستعان .

٨/ إدريس والمكان العلي :
من أنبياء الله المشاهير، وأشار الله إلى فضله بقوله( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا، ورفعناه مكانا عليا)
وهذا المكان العلي، قيل معناه أنه في رفع في السماء الرابعة، حيث رآه رسول الله ليلك الإسراء والمعراج .
وسبب تلكم الرفعة، أنه كان خياطا يخيط ملابس الناس، - وفِي هذا دليل على مهنية الأنبياء،- وأنهم لا يتكففون الناس، بل يعفون أنفسهم. وكان كلما غرز الإبرة سبح الله تعالى، فاحصت الملائكة عمل بني آدم، وجد إدريس عليه السلام أكثرهم عملا، وأعظمهم طاعة، وتصور لو أنك تذكر الله على كل الأحيان والأوقات ، وتستثمر لحظاتك( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ).
وفِي هذا دليل على تعظيم الوقت ، واستثماره في طاعة الله ذكرا وتلاوة، وجدا وصدقة .

٩/ هود والنخيل المنقعر:

صورة شديدة من العذاب، وكان الله قد أرسله إلى قوم عاد بمنطقة في اليمن تسمى ( الأحقاف ) قيل واد وقيل جبل، فدعاهم إلى التوحيد، ونبذ الشركيات ، فأبوا وعاندوا، ولَم يمل ثبت داعيا ومذكرا، إلى أن بالغوا واستطالوا وقالوا ( من أشد منا قوة )
وقد كانوا ضخام الجسوم، عظيمي الخلقة، لديهم قدرة على العمل والبأس والبناء، حتى قال بعض المعاصرين المصريين: ان الأهرام الحالية بناها قوم عاد، وجاء لعدة أدلة منها أنه لم يوصف قوم في القرآن بالقوة والصلابة كما وصفوا هم..!
وكان من ختام أمرهم أن الله عذبهم بالهواء والريح وهي من أضعف الأشياء قال تعالى ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية- اي شديدة وباردة- سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما- اي حاسمات- فترعى القوم فيها صرعى كانهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية ).
وكانت الريح باردة شديدة، ترفع الواحد منهم وهو صاحب القوة والتحدي، فتضربه على أم رأسه ، حتى ينفصل رأسه عن جسده كالنخل المنقعر المنكوس، والله المستعان .
وفِي ذلك درس لكل معاند مستكبر، اتق الله، ولا تطغ في الأرض، واعتبر بمصير الهالكين .

١٠/ اسماعيل والامتثال العجيب :

وهو ممن أثنى الله عليه، وجمع له بين النبوة والرسالة ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الرعد وكان رسولا نبيا )
قيل صادق الوعد في مواعيده مع الناس، وقيل لأنه امتثل أمر الله في البلاء ( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى...
فرد الغلام بالاستجابة والطاعة لله( فلما هيأه للذبح جاء الفرج من الله، وصدق الله ايمانهما وصبرهما، وفداه بذبح عظيم ، ولو فعلها ابراهيم لكان سنة في البشرية، يذبح الناس فلذات أكبادهم ، ولكن الله رحم ولطف .

١١/ أيوب والصبر الطويل :

ارتبطت قصة أيوب عليه السلام وتجربته الدعوية بالصبر، وهذه عبرة جليلة، ومن منا لا يبتلى، أو ينفك من الصبر في الدنيا، ولو شيئا يسيرا... ؟!لأنها حياة الكدر والمتاعب..
وقد ابتُلي هو بمرض في جسده، ومات أولاده، وهلك ماله، ولكنه صبر، مدة ثماني عشرة سنة، واحتسب ، حتى قالوا في الأمثال : اصبر صبر أيوب ..،
ومدحه الله وأثنى عليه( إنا وجدناه صابرا، نعم العبد إنه أواب ) سورة ص .
فلما وصل البلاء إلى فمه قال رب إني مسني الضر،،،! وقيل لما باعت زوجته ظفائرها، حتى تطعمه، لأن القرية كلها تخلت عنه إلا قلائل منهم زوجته الصالحة، فأقسم يضربها مائة جلدة ، فعافاه الله ودفع بلاءه، وتحرر من السقم المستديم ، فأفتاه الله - عز وجل - أن يأخذ ضغثا - وهو : الشمراخ - فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة، وقد برت يمينه وخرج من حنثه، ووفى بنذره وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه ولهذا قال تعالى : ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) أثنى الله تعالى عليه
وعلى صبره وحسن عبادته.
ونتعلم هنا: ابتلاء الأنبياء والصالحين، وفضل أيوب صبرا وعبادة ورجوعاً، وان اشتداد الكرب مؤذن بالفرج والتيسير ، وأن خصلة الصبر من معالي الأمور المحتاج إليها دينا ودنيا، وعلى المؤمن تعلمها واكتسابها وفِي الحديث: ( ومن يتصبر يصبره الله ).

١٢/ سليمان والنملة :

موقف عجيب وقصة رائعة، نتعلم منها : إيجابية النملة، وحرصها على قومها وتواضع الأكابر، وشكران نعم الله تعالى.
قال عز وجل :( حتى اذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أبها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) خرج عليه السلام بجيشه واستعرضهم وقد أعطاه الله الملك والنبوة وعلمه منطق الكائنات.. حتى اجتازوا على مكان يقال هو وادي النمل، فيه ديارهم وجيوشهم الوسيعة، فجرى الحوار المنقول بين النملة وهي تحذر قومها ، فتبسم وفرح بنعمة الله عليه
وهنا فوائد :
• حرصها على قومها
• مسارعتها في تقديم النصيحة والإنذار ،
• تحملها لمسئولية الخطر .
• تلطفها في الانتقاد ( وهم لا يشعرون ). وكأنها تقول: إن الصلحاء لا يتعمدون أذية الآخرين ، وجاء في الصحيحين، أن نبيا لدغته نملة، فأحرق قرى النمل، فعاتبه الله( هلا نملةً واحدة )؟!
فتعجب سليمان من كلامها وتبسم حامداً ربه وشاكرا له هذه النعمة الجليلة ( فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) سورة النمل .

١٣/ سليمان والهدهد ؛

موقف آخر يتفاخر، فيه الهدهد على سليمان عليه السلام بفضل العلم والاطلاع على شيء لم يبلغه
فيقول القرآن في الآيات عن سليمان ورقابته لرعيته: ( وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذبنه عذاباً شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين )
وهنا تلحظ قوة سليمان عليه السلام وحسن ضبطه لرعيته، وحرصه على الانضباط .
فجاء وردد : ( فقال أحطتُ بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين )
أي لدي معلومات خافية عليك، وعندي ما يبهج الخاطر، وهي حقائق ثابته .
فقد وصلت بلاد اليمن، ووجدت الشرك والضلالة...( إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وهم لا يهتدون.... )
فانظر إلى غيرته وإيجابياته ونصحه لسيده .
واستنكر عليهم سجودهم للشمس، والله الذي أنعم عليه وأخرج لهم الخبء في السموات والأرض ..
أي الرزق ، وقد كان الهدهد بمثابة المهندس الذي يدل القوم على مواضع الماء من تخوم الأرض.
وقيل ذلك من كلام الحق تعالى.
ثم إن سليمان عليه السلام لم يطمئن وكلفه بحمل الرسالة إلى ملكتهم ليتثبت الأمر إلى آخر القصة المشهورة .
والخلاصة نتعلم:
فضل العمل الإيجابي، وتوحيد الهدهد ونبذه للشرك، وحزم القائد وضبطه لرعيته، ونشر الدعوة والخير، وأن الكون لا يصلح إلا بالإيمان وهو بلسم الحياة .

١٤/ عيسى عليه السلام وبركة المؤمن :

وفِي سيرته عبر وعطات، من أهمها ولادته بلا أب، وهذا شيء عجيب ، ولكنه تم بأمر الله وحكمته
وكان أول كلماته ( قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ...
وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا )
والبركة قيل: هي إنه نفاع للناس، وصانع المعروف، وقاض للحوائج، وقيل هو أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر .
وهذه البركة نحتاجها في أيامنا، ونحن في زمان البركة الرمضاني، وقد نُدبنا لاستثمار ما فيه من بركات وهبات...!
وخدمة الناس والإحسان إليهم من أبواب الجنة، وقد صح الحديث( والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه ).
فلا تحرم نفسك فضل قضاء حاجة، أو فك كربة، أو ازاحة غم، أو مسح دمعة...!
وكن من المباركين أقوالا وأعمالا ..

١٥/ زكريا والبشارة بالولد:

رجل كبير، شاخ وتعب، وبلغ من الكبر عتيا...
ورغب في الولد، ولكنه بالمقاييس المادية متعذر، فالزوج طاعن في السن، نحيل العظام، والزوجة عجوز عقيم ، قال تعالى :( ذكر رحمة ربك عبده زكريا، إذ نادى ربه نداء خفيا- أي دعاءً- قال رب إني وهَن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولَم اكن بدعائك ربي شقيا...)
واني خفت الموالي من ورأيي وكانت امرأتي عاقرا...
فتمنى الولد، واجتهد في الدعاء، وقيل انه لما رأى ، أن الله تعالى يرزق مريم ، عليها السلام ، فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، طمع حينئذ في الولد
فأكرمه الله بيحي عليه السلام، سيدا وحصورا ونبياً من الصالحين ...
ونستفيد هنا: أن الله على كل شيء قدير، وأنه إذا استعسر عليك أمر فافزع إلى الله تعالى، فهو مفتاح الكروب، وموئل الأرزاق .
وفِي زماننا تيسرت أسباب الإنجاب وفتح الله على عباده من أبواب شتى، فلا ييأس المرء، وليعلق قلبه بالله تعالى .

والله الموفق ....
١٤٤٠/٩/٢٥هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية