صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لماذا لا يشعر المصريون بآثار النمو الحادث في اقتصادهم؟!!

محمد حسن يوسف

 
بداية لابد من أن نقر بأن العولمة أدت إلى زيادة حدة عدم العدالة فيما بين الدول وبعضها البعض، بل وداخل كل دولة على حدة أيضا، وذلك إلى حد بعيد – وذلك على حد قول جاي مازور.[1] فلقد أفرزت العولمة آليات أصبح من المستحيل على أية دولة الإفلات من قبضتها، أو التخلص من وطأة آثارها عليها.

ومن المعلوم أن الاقتصاد المصري نجح في الفترة الأخيرة في تسجيل معدل مرتفع للنمو الاقتصادي، بلغ 7.1% خلال العام المالي 2006/2007، ومن المتوقع أن يستقر هذا المعدل حول 7% تقريبا في العام المالي 2007/2008 وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي. ووفقا للمؤسسات الدولية، فإن هذا النمو الذي حققه الاقتصاد المصري يزيد بنحو 2% عن معدل النمو العالمي، كما يعتبر أفضل معدل نمو يتحقق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبذلك فنحن إمام إنجاز كبير بالفعل يحققه الاقتصاد المصري، بل وتشهد له المؤسسات العالمية بذلك. على أن المثير للدهشة هو عدم شعور المصريين – وخاصة البسطاء منهم – بمردود هذا النمو على معيشتهم أو حياتهم اليومية.

فلقد زادت مشاكل المصريين في الآونة الأخيرة ... من ارتفاعات متتالية طالت أسعار جميع السلع الأساسية، ومرورا بأزمة رغيف الخبز، حيث أصبح على المرء الوقوف في طوابير طويلة للحصول على نصيبه ... إن استطاع ذلك على الإطلاق، والزيادة الهائلة في أعداد المتبطلين والباحثين عن أعمال، ولو هامشية، بلا جدوى - فكيف نفسر هذا التناقض؟!

إن المتأمل في المشاكل الاقتصادية التي أصبحت تواجه المصريين حاليا يجد أن لها علاقة وطيدة بالفقر ... وعلى سبيل المثال، نجد أن الارتفاعات المتتالية لأسعار السلع الأساسية، أو ما نسميه بالتضخم، تؤدي إلى تدهور مركز أصحاب الدخول الثابتة لصالح طبقة التجار ورجال الأعمال. كما أن ظهور الطوابير الطويلة للحصول على الخبز المدعم ما هي إلا نتيجة لانتشار الفقر بين جموع الجماهير، الذين لم يعد بمقدورهم شراء الخبز " الحر " – أي غير المدعم. ومن الجلي أن انتشار البطالة هو الوقت ذاته انتشار لدائرة الفقراء لعدم حصول المتبطلين على موارد تكفيهم للإنفاق منها![2]

ينقلنا هذا التحليل لمرحلة أخرى، هي محاولة كشف العلاقة فيما بين النمو الاقتصادي والفقر!! بمعنى أنه إذا كانت الدولة قد نجحت في تحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي في الفترة الأخيرة، فلماذا انتشر الفقر جنبا إلى جنب مع هذا المعدل المرتفع للنمو؟! وهل كان على النمو الاقتصادي أن يؤدي إلى تقليل الفقر؟ أم أن الأمرين لا علاقة بينهما؟!!

تدلنا الدراسات الاقتصادية على أن النمو الاقتصادي يعد ضروريا للتقليل من حدة الفقر، كما أن تأثيره يكون ايجابيا على الفقراء، ولكن ذلك بشرط أن يكون توزيع الدخل عادلا. فعادة ما يكون النمو جيدا للفقراء، لأن النمو يؤدي لزيادة الطلب على ما يقوم الفقراء بإنتاجه، كما يؤدي لزيادة الطلب على عمالتهم.[3] أما إذا حدثت زيادة معينة في معدلات النمو، ولم يصحب ذلك تخفيف حدة الفقر، فإن ذلك يعني حتما أن توزيع الدخل أصبح غير عادل!![4]

كما تؤدي مجموعة من السياسات الاقتصادية الكلية الداعمة للنمو – مثل العمل على تخفيض معدلات التضخم، وتقليص أعداد موظفي الحكومة، وإتباع السياسات المالية السليمة، واحترام القانون، والانفتاح على التجارة الدولية – إلى زيادة متوسط الدخول مع تأثير منخفض على توزيع الدخل.[5]

ولكن النتائج لا تشير إلى أن النمو هو كل ما يراد لتحسين حياة الفقراء. وبدلا من ذلك، يتم التشديد على أن النمو في المتوسط يفيد الفقراء بنفس القدر الذي يفيد به كل فرد في المجتمع، ولذلك يجب أن تكون السياسات المعتادة التي تؤدي لتعزيز النمو في قلب أية إستراتيجية فعالة لتخفيض الفقر.[6]

ويتطلب التقليل من الفقر في مصر – أو أية دولة أخرى - نموا اقتصاديا مرتفعا، حيث يزيد النمو الاقتصادي من فرص الفقراء في المشاركة في ثمار الزيادة التي تحدث في الناتج. ومع ذلك فإن إمكانية التقليل من الفقر تعتمد على استجابته للتغيرات في متوسط الدخول. ومن الواضح هنا أن تغيرات أحوال الفقر في مصر شديدة الحساسية للنمو الاقتصادي، وذلك مما يعني أن المعدلات المرتفعة للنمو الاقتصادي في مصر تسهم في التقليل من الفقر، طالما أن عملية النمو لا تؤدي إلى زيادة عدم العدالة في توزيع الدخل.[7] أما إذا صاحب النمو الاقتصادي عدم عدالة في توزيع الدخل، فلن يؤدي ذلك النمو لتحسين وضع الفقراء، وهو الأمر الحادث الآن، ويشعر به المواطنون!!

هذا فضلا عن أن تدخل السياسات الحكومية ممكن أن يؤدي إلى زيادة مرونات انخفاض الفقر بالنسبة للنمو، إذا ما نجح هذا التدخل في أن يجعل المصدر الرئيسي لهذا النمو هو مجالات النشاط الرئيسية للفقراء، مثل الزراعة ومشروعات الأعمال الصغيرة. بل وتشير نتائج بعض الدراسات إلى أن الفقر يمكن أن يتراجع بمعدلات أعلى من معدلات النمو الاقتصادي، طالما أن هذا الأخير لا يؤدي إلى زيادة التفاوت في توزيع الدخل.

فالمطلوب الآن هو إتباع بعض السياسات التوزيعية التي تمكّن الفقراء من الاستفادة من النمو الحادث في الاقتصاد المصري الآن، بحيث ينعكس هذا على مستوى معيشتهم وتحسين أحوالهم!!
 
16 من ربيع الأول عام 1429 من الهجرة ( الموافق 24 من مارس عام 2008 ).
 


---------------------------------------------
[1] Jay Mazur, Labor's New Internationalism. Foreign Affairs, Jan-Feb 2000.
[2]  في الدول المتقدمة، يحصل العاطلين على إعانة بطالة من الدولة تكفي لحصولهم على المتطلبات الأساسية لحياتهم اليومية.
[3] Danielson, A, When do the Poor Benefit from Growth, and Why? Sweden: Lund University. P: 17.
[4]  د. هدى صبحي، ود. نيفين كمال، دور الموازنة العامة للدولة في دعم الفقراء. منشور في: الموازنة العامة: اتجاهات ورؤى جديدة، تحرير: د. سلوى شعراوي جمعة. القاهرة: مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة، 2004. ص: 281.
[5] Dollar, D. and Kraay, A., Growth is Good for the Poor. The World Bank. March 2002. P: 27.
[6]  المرجع السابق.
[7]  تقرير التنمية البشرية 1996. القاهرة: معهد التخطيط القومي، 1996. ص: 7 و67.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية