اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hasn/177.htm?print_it=1

حرية التقلبات في أسعار الصرف

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي
ماجستير الإدارة والسياسات العامة – الجامعة الأمريكية بالقاهرة


عبارة عن نظام أسعار الصرف الذي تتقلب من خلاله قيمة عملة معينة بحرية، وذلك من منظور بقية العملات الأخرى. وفي هذه الحالة، يتحدد سعر الصرف في سوق العملات الأجنبية من خلال الطلب على إحدى هذه العملات بالنظر إلى كميات العرض المتاحة منها في السوق. وحيث إنه يوجد بكل دولة من الدول الرئيسية سوقا منفصلة للعملات الأجنبية، فمن الممكن أن تختلف أسعار الصرف فيما بين نفس العملات في كل سوق. وذلك على الرغم من الحقيقة التي مؤداها ارتباط كل من هذه الأسواق ببعضها البعض في هذه الأيام عن طريق التليفونات الدولية وشبكات الإنترنت، وكذلك إمكانية انتقال هذه النقود من أحد المراكز المالية إلى بقية المراكز الأخرى بسهولة.

وهكذا فعند ظهور اختلاف ما فيما بين عملتين، فسوف يبدأ المضاربون في القيام بعمليات الشراء من أحد الأسواق والبيع في أسواق أخرى، وذلك للاستفادة من فروق الأسعار. ويعني هذا القيام بشراء العملة من المركز المالي الذي انخفضت فيه أسعار إحدى هاتين العملتين، ثم بيع هذه العملة في المركز المالي الذي ارتفعت فيه أسعار العملة الأخرى. ويكون هذا العمل مربحا لحد ما، ومن ثم فإنه يستمر حتى تتساوى قيمة العملة في جميع الأسواق المالية. وعلى ذلك فإن التغير في قيمة إحدى العملات في سوق معينة سوف يؤدي لحدوث تغيرات مماثلة وبصورة فورية في كافة الأسواق. وهذا ما يعني وجود سوق عالمية تسودها المنافسة الكاملة لحد ما بالنسبة للعملات الأجنبية.

وعندما تعمل إحدى الدول على زيادة وارداتها، فسوف يصاحب ذلك تزايد في طلبها على العملات الأجنبية. أما عندما تقوم بزيادة صادراتها، فسوف يصاحب ذلك تزايد عرضها من العملة الأجنبية. وعلى ذلك، ففي نهاية الأمر سوف يعتمد سعر الصرف في ظل هذا النظام للعملات الأجنبية على العلاقة فيما بين واردات دولة معينة وصادراتها. وسوف يتسبب قيام هذه الدولة بزيادة وارداتها في تخفيض قيمة عملتها في مواجهة بقية العملات الأخرى. أما عندما تقوم تلك الدولة بزيادة صادراتها، فسوف يؤدي ذلك لزيادة قيمة عملتها في مواجهة العملات الأخرى.

وعندما تنخفض قيمة عملة إحدى الدول، فإن كل الواردات الأجنبية تصبح أغلى في الوقت الذي تصبح فيه صادراتها ارخص بالنسبة للمشترين الأجانب. أما عندما تزداد قيمة عملة هذه الدولة، فإن كل الواردات الأجنبية تصبح ارخص في الوقت الذي تصبح فيه صادراتها أغلى بالنسبة للتجار الأجانب. ويتمثل أثر ذلك في دفع ميزان مدفوعات تلك الدولة نحو التوازن. وعلى ذلك تتمثل أهم مزايا نظام حرية تقلب أسعار الصرف في عدم اهتمام الدولة بشأن خروج الذهب منها أو موازنة مدفوعاتها، حيث ستعمل زيادة قيمة العملة ( في حالة وفرة الصادرات ) أو انخفاضها ( في حالة زيادة الواردات ) على الاحتفاظ بالتوازن دائما. وسيكون مصدر قلق الدولة في هذه الحالة بالطبع عندما تنخفض قيمة عملتها بدرجة خطيرة من منظور بقية العملات الأخرى.

وتتمثل أهم المزايا التي تُنسب لنظام حرية تقلبات أسعار الصرف في أنه يُمكّن الدول من إتباع سياسة نقدية مستقلة تتلاءم مع الحالة الاقتصادية السائدة في ذلك الوقت. بينما تجبر قاعدة الذهب الدول على إتباع سياسة انكماشية متى كانت هذه الدولة تشهد حالة خروج الذهب منها. وذلك على الرغم من أن إتباع سياسة تضخمية في ذلك الوقت لحث النشاط الاقتصادي قد تكون أكثر ملاءمة في هذه الحالة.

ويعد الانكماش من السياسات غير المرغوبة نظرا لما ينتج عنه من زيادة مستويات البطالة وتعريض النشاط الاقتصادي للتوقف. ولا تحتاج الدول التي تطبق نظام حرية تقلبات أسعار الصرف لإتباع سياسات انكماشية على الإطلاق. ولكن من ناحية أخرى، فإن استمرار هذه الدول في القيام بتخفيض قيم عملاتها قد يؤدي بسهولة إلى ظهور حالة حادة من التضخم أو ربما لحدوث التضخم الجامح، وهذا ما يمثل أكبر المخاطر التي ينطوي عليها تطبيق هذا النظام.

وعلى سبيل المثال، فقد تخشى الحكومات الضعيفة أن تُعرّض شعبيتها للخطر من خلال تطبيق الإجراءات الصارمة المطلوبة لتوازن ميزانيتها. وتكون نتيجة ذلك هي انخفاض قيمة عملة هذه الدولة بدرجة أكبر، طالما أن سعر الصرف السائد في السوق يخضع للعديد من التأثيرات الخارجية ذات الطبيعة الاقتصادية أو السياسية. ويتمثل جُل هدف نظم الرقابة على الصرف في توفير الاستقرار لأسعار الصرف مع تفادي عيوب نظام قاعدة الذهب. ولكن تنطوي هذه النظم أيضا على عيوب خاصة بها.

ويتمثل أحد أهم عيوب نظم الصرف الحرة في أن سهولة تقلبات أسعار الصرف يكون لها تأثيرا سلبيا على استقرار التجارة الدولية. وفي الوقت الذي توفر فيه قاعدة الذهب الاستقرار لأسعار الصرف، فإنها تمنع الدولة من إتباع سياسة نقدية مستقلة. وبينما تمتاز أسعار الصرف الحرة بالسماح للدولة بالعمل بسياسة نقدية مستقلة، فإن من عيوبها أنها تؤثر على انسياب حركة التجارة الدولية، ومن ثم فإنها تعمل على تقليلها.

وكان من أهداف صندوق النقد الدولي – الذي أنشئ بمقتضى اتفاقية بريتون وودز – تجميع مزايا كلا النظامين مع العمل على تجنب عيوبهما. وعلى ذلك، ففي ظل القواعد التي فرضها صندوق النقد الدولي، أصبحت قيمة أسعار الصرف ثابتة على الأقل في الفترة القصيرة، وذلك على الرغم من وجود الشروط التي تسمح بالتعديل إذا ما تطلبت الأحوال ذلك.

وبالرغم من تزايد المحاولات الرامية لعدم التدخل في تحديد أسعار العملات وتركها حرة، مع السماح لقيمتها بالتقلب إزاء العملات الأخرى ( وهو ما اُصطلح عليه بعد ذلك باسم تعويم أسعار الصرف )، فقد وقف صندوق النقد الدولي بحزم في وجه هذه المحاولات، حيث دعا للعمل بسياسات أسعار الصرف الثابتة، مع السماح للدول بتعويم أسعار صرفها في حالة مواجهتها لظروف غير مواتية ذات طبيعة مؤقتة. وهذا هو ما حدث على سبيل المثال في كل من ألمانيا وهولندا في عام 1971، وكذلك في المملكة المتحدة في عام 1972. وقد اعتبر صندوق النقد الدولي أن تقلبات أسعار الصرف تتسبب في حدوث آثار سيئة على التجارة الدولية.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح نظام أسعار الصرف المرنة مفضلا مرة أخرى على غيره من النظم. ويرجع السبب في ذلك إلى الصعوبات التي عانت منها بعض الدول في محاولتها للحفاظ على التوازن في موازين مدفوعاتها، الأمر الذي استتبع معه ضرورة إتباع سياسات انكماشية، وهو ما ترك آثارا واضحة على النمو الاقتصادي.

mohd_youssef@aucegypt.edu
4 من ربيع الأول عام 1431 من الهجرة ( الموافق 18 من فبراير عام 2010 ).

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية