صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







آثار السياسات العامة على الطلب

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي
ماجستير الإدارة والسياسات العامة – الجامعة الأمريكية بالقاهرة


من الناحية النظرية، تتحكم قوى العرض والطلب في الكميات المنتجة من أية سلعة، حتى تصل إلى النقطة التي تتوازن فيها الكميات المطلوبة مع الكميات المعروضة، فيتحقق الاستقرار في السوق. وبالطبع يكون "جهاز الثمن" هو الآلية الأساسية التي يتحقق ذلك من خلالها. ولكن هناك حالات أخرى يمكن أن تؤثر في السوق بخلاف جهاز الثمن، ويكون ذلك من خلال تدخل الحكومة بسياسة عامة للتأثير في السوق بطريقة معينة. فإذا ما رغب صانعو السياسة العامة في تقليل كمية السجائر التي يدخنها المواطنون على سبيل المثال، فإننا نجد أن هناك وسيلتين يمكن للسياسة العامة تحقيق هذا الهدف بهما:
أولى هاتين الوسيلتين لتقليل التدخين هي نقل منحنى الطلب على السجائر ومنتجات التبغ الأخرى. ولتحقيق هذا الهدف، فإن هناك عدة وسائل يمكن اللجوء إليها في هذا الشأن:
• وضع الصور المنفرة على علب السجائر: كأن تلزم وزارة الصحة الشركات المنتجة والمستوردة للتبغ بوضع صور منفرة للتدخين على الغلاف الخارجي لعلبة السجائر. وكانت وزارة الصحة المصرية قد وضعت صورة "حمدي بلالا" الذي يرقد على ظهره ويضع كمامة الأكسجين على فمه وأنفه وهو يتلقى العلاج من الأمراض التي أصابته بسبب التدخين. ثم قررت الوزارة تغيير هذه الصورة بأخرى تحمل إيحاءات جنسية مفادها أن التدخين يؤدي للإخلال بتلك الوظائف، تنفيرا للمدخنين من الاستمرار في التدخين.
• التحذيرات الطبية الإجبارية على علب السجائر: كأن تلزم وزارة الصحة أيضا الشركات المنتجة والمستوردة للتبغ بوضع عبارات تحذيرية على كل علبة سجائر، مثل: "التدخين ضار جدا بالصحة" أو "التدخين سبب رئيسي لسرطان وأمراض القلب والرئة والشرايين".
• حظر الإعلانات عن السجائر في التليفزيون أو غيره من وسائل الإعلام الأخرى مثل الصحف والمجلات.
• إصدار القوانين التي تحظر التدخين في الأماكن العامة أو المغلقة، لتقليل الفرص المتاحة أمام المدخنين للقيام بذلك.
ويعتبر كل ما سبق بمثابة سياسات عامة تهدف لتقليل كمية السجائر المطلوبة عند أي سعر معين. وإذا نجحت هذه السياسات في تحقيق أهدافها، فسوف تؤدي لنقل منحنى الطلب على السجائر إلى الشمال – كما في الشكل التالي:

شكل رقم (1): انتقال منحنى الطلب

وبطريقة مشابهة، يمكن لصانعي السياسات العامة محاولة رفع سعر السجائر. وعلى سبيل المثال، إذا قامت الحكومة بفرض ضرائب على تصنيع السجائر، فسوف تقوم شركات السجائر بتمرير معظم هذه الضريبة إلى المستهلكين في شكل أسعار أعلى. وسوف يشجع السعر الأعلى المدخنين على تقليل عدد السجائر التي يدخنونها. وفي هذه الحالة، لن يتم تمثيل كمية التدخين التي تم تقليلها بانتقال منحنى الطلب. بل سوف يتم تمثيل ذلك بالحركة على نفس منحنى الطلب إلى نقطة أخرى ذات سعر أعلى ومستوى أقل من الطلب، كما في الشكل التالي:

شكل رقم (2): التحرك على نفس منحنى الطلب

كم تستجيب كمية التدخين إلى التغيرات في سعر السجائر؟ حاول الاقتصاديون الإجابة على هذا السؤال بدراسة ما الذي يحدث حينما تتغير الضريبة على السجائر. وقد وجدوا أن زيادة السعر بمقدار 10% تؤدي إلى انخفاض الكمية المطلوبة بمقدار 4% فقط. كما وجد أن المراهقين أكثر حساسية بصورة خاصة لسعر السجائر: فزيادة السعر بمقدار 10% تؤدي إلى انخفاض تدخين المراهقين بمقدار 12%.
والدروس المستفادة مما سبق هي أن الاقتصاد علم سلوكي، بحيث يمكن التأثير في سلوك المستهلكين من خلال الدعاية والإعلان أو من خلال اتخاذ بعض السياسات العامة. على أن العيب الأساسي لتغيير السلوكيات هو أن تلك العملية تستغرق وقتا طويلا لكي تؤتي بالثمار المرجوة منها. أما إذا أردنا إحداث آثار أسرع، فيمكن أن يتم التدخل من خلال فرض الضرائب. ولكن هذه الضرائب من عيوبها أنها تؤدي لتشوه الأسواق وتعطيل آليات جهاز الثمن بها. فقد وجدنا أن الضريبة – بتمريرها إلى المستهلكين - سوف تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ومن ثم حدوث موجات تضخمية في الاقتصاد ككل. والسياسة الواعية هي التي تأخذ كل تلك الأمور في الاعتبار، فتأتي متوازنة، بحيث تعمل على تحقيق المصلحة العامة والرشادة الاقتصادية معا.


mohd_youssef@aucegypt.edu
10 من ربيع الأول عام 1431 من الهجرة ( الموافق 24 من فبراير عام 2010 ).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية