اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hasn/193.htm?print_it=1

نحو إستراتيجية منهجية لتعلم اللغة الانجليزية (1)

محمد حسن يوسف
مدير عام - بنك الاستثمار القومي
ماجستير الإدارة والسياسات العامة – الجامعة الأمريكية بالقاهرة


يسألني كثيرون من الأفراد عن تعلم اللغة الانجليزية، وهل هناك أمل في تعلمهم للغة الانجليزية وقد تقدم بهم العمر، وعما إذا كان من الممكن تعلَم هذه اللغة بمفردهم أم يجب عليهم الالتحاق بمعاهد متخصصة لتلقي التعليم فيها.
وللإجابة على هذه التساؤلات المطروحة، ابدأ أولا بسرد عدة قصص تبين كيفية تحقق الآمال إزاء الإصرار والعمل الدءوب.
وبادئ ذي بدء، يقول الدكتور إبراهيم الفقي في كتابه الممتع " الطريق إلى النجاح "، نشر شركة النور للإنتاج الإعلامي والتوزيع، ص: 180: قابلت رجلا في بلد عربي، فقال لي: عندي حلم. قلت له: ما هو؟ قال: أريد أن أسجل دكتوراه، ولكن سني كبير. فقلت له: كم عمرك؟ قال: 64 سنة. فقلت له: وأين ستدرس؟ قال: في باريس. فقلت: وكم ستأخذ من الوقت؟ قال: 4 سنوات. فقلت له: إذا ذهبت ودرست الدكتوراه، كم سيكون عمرك بعدها؟ قال: 68 سنة. فقلت له: وإذا جلست في بيتك 4 سنوات، كم سيكون عمرك؟ قال: 68 سنة. فقلت له: سأكرر عليك سؤالي، كم سيكون عمرك بعد الدراسة؟ قال: 68 سنة. قلت: وكم سيكون عمرك إذا لم تفعل ذلك؟ قال: 68 سنة. فكررتها ثالثة، حتى قال: سأفعلها إن شاء الله. وبعد فترة زرت هذه البلد فوجدت الرجل قد أخذ الدكتوراه ويقول للناس إن السن ليس بعقبة.

ثم لنستمع إلى قصة الدكتور رفعت السعيد ( رغم اختلافنا الجذري فكريا معه، ولكننا ننشر قصته هنا للعبرة ) في تعلمه للغة الانجليزية وللترجمة أثناء فترة اعتقاله (القصة وردت في كتابه: مجرد ذكريات، نشر الهيئة العامة للكتاب، ضمن سلسلة مهرجان القراءة للجميع، عام 1999، ص ص: 269 – 270)، حيث يقول:
وقررت أن ابحث لنفسي عن مخرج، ونظمت لنفسي "ورشة" للقراءة، الكتب متراكمة، فهي لم تعد ممنوعة، وهي منوعة ومتنوعة. وانغمست لساعات طوال في قراءة منعزلة ومعتزلة. انسحب إلى أقصى نهاية المدى السجني حيث السور الحجري، وافترش بطانية قديمة، وتصطف الكتب أمامي. أيامها تعلقت بالتاريخ وقرأت في الأدب وحفظت أشعارا وعلمت نفسي الانجليزية.
وكان السؤال: كيف؟ كانت معي نسخة من الموسوعة الفلسفية بالعربية، وأرسلت إلى أسرتي طالبا النسخة الانجليزية. وأقرأ النص العربي مرات عدة، ثم الإنجليزي مرات، ثم أمسك بالإنجليزي لأترجمه للعربية وأراجعه، وأصححه على الأصل، وأعود لأفعل ذات الشيء لذات الفقرة مرات ومرات ... فالوقت هنا بلا نهاية، وكلما ضيّعته كان أفضل.
تقريبا طوال النهار كنت اقضيه هناك إلى جوار السور، انتقل فقط مع انتقال الظل. والغريب أن كثيرا من الرفاق ( زملاؤه من المسجونين ) كانوا يشفقون عليّ، ويتصورون في الأمر إعياء من استطالة السجن، لكنني كنت امتلك إحساسا غريبا بحاجتي أن اكسب شيئا من هذا السجن، وهذه فرصتي الوحيدة للكسب منه. ولعل اندفاع سنوات العمر ( كنت في هذه الأيام أتجاسر فأتجاوز الثلاثين ) وأنا لم أزل طالبا في الثالثة بكلية الحقوق كان يدفعني، كي اندفع أنا في تثقيف نفسي لعلي بهذا أسدد بعض الدين لنفسي.
وبعد معرفة لا بأس بها بالانجليزية أغرقت نفسي في ترجمة كتاب جميل عن النضال الفيتنامي المبهر اسمه "أضواء على الهند الصينية"، والترجمة هنا ليست كأية ترجمة، فأنت تترجم على ورق من أكياس كبيرة بنية اللون تماما كأكياس الاسمنت، كان يأتينا فيها لبن مجفف مقدم لمصر من المعونة الأمريكية فرأت الحكومة أن تبعثه إلينا، ربما إشفاقا، أو استكمالا لوجبات غذائية غير كافية ... وربما تشفيا ... ثم تنسخ ما ترجمت على ورق البافرة (ورق لف السجائر) كي يستطيع أن يتسلل ليقطع بحار الرمل ويقبع منتظرا عند ليلى (كانت قد أفرج عنها)، وعندما خرجت من السجن أعدت كتابته على ورق عادي، ليصدر في كتاب جميل، كان أول ما أصدرت من كتب.
واختم هذه القصص بقصة شاب كويتي نابه، حدثت معي أثناء تدريسي للترجمة في دولة الكويت. فقد التحق هذا الشاب في دورة لتعلم أساسيات الترجمة من اللغة الانجليزية إلى العربية. وفي الواقع لم يكن هذا الشاب يجيد اللغة الانجليزية على الإطلاق. وفي خضم التدريبات المتلاحقة التي كنت أعطيها للمتدربين في الدورة، لم يكن هذا الشاب بالطبع يستطيع مجاراة زملائه في الترجمة تماما. وفي احد الأيام، انتحيت به جانبا، وسألته عن مدى جدوى التحاقه بهذه الدورة إذا لم يكن يعرف أساسيات اللغة التي يترجم منها، ولا يعرف مكونات الجملة الانجليزية، التي تشكل وحدة الترجمة. ونصحته بأن يوفر أمواله فيما لا طائل من ورائه، وأن الأولى به أن يلتحق أولا بدورة للغة الانجليزية، ثم بعد ذلك يفكر في دراسة الترجمة.
ولم يقابل هذا الشاب تلك النصيحة بالانكماش، ولكنه واجهها بالتحدي والإصرار. فقد جاء في اليوم التالي ليسألني عما إذا كان من الممكن أن يدرس أساسيات اللغة الانجليزية بالتوازي مع أساسيات الترجمة، وأجبته بإمكانية عمل ذلك، ولكن الحمل التدريبي سيكون مضاعفا. ثم سألني بعد ذلك عن إمكانية دراسة اللغة الانجليزية بمفرده، وأن يكون ذلك داعما لدراسة الترجمة، وعن إمكانية مساعدتي إياه في ذلك.وكانت إجابتي بلا تردد أن نعم، أي يمكنه تحقيق ذلك، ولكن بشرط أن تتوافر لديه العزيمة القوية.
وبدأ هذا الشاب على الفور، فاشترى الكتب اللازمة لتعلم اللغة الانجليزية، وكان يستذكرها بمفرده، ويطلب مساعدتي في أشياء قليلة منها، ويحضر إلى دروس الترجمة بهمة عالية ونشاط كبير، فكان من أنشط الدارسين في هذه الدورة. بل لم يمر شهرين على انتهاء الدورة، حتى كان قد قام بترجمة أحد الكتب الهامة في مجال تخصصه من اللغة الانجليزية إلى العربية. ولدى مغادرتي دولة الكويت كان قد شرع في ترجمة ثاني كتبه الهامة.
نخلص من هذه القصص إلى أنه بإمكان أي شخص تعلم اللغة الانجليزية متى أراد ذلك، ومهما كان سنه، شريطة أن تتوافر لديه الدوافع القوية لتحقيق ذلك، وأن يسلك طريقا منهجيا يوفر عليه الجهد والوقت.
ونختم القول بالتذكير بضرورة استحضار نية طيبة لدى القيام بهذه الدراسة، ومن تلك النوايا: ضرورة تعلم اللغة الانجليزية لتلقي المعارف الحديثة التي لا تصدر الآن إلا باللغة الانجليزية، أو تعلم اللغة الانجليزية لاستخدامها في الدعوة إلى الله، أو أية نية طيبة أخرى.

mohd_youssef@aucegypt.edu
22 من ذي الحجة عام 1431 من الهجرة ( الموافق 28 من ديسمبر عام 2010 ).


 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية