اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hasn/21.htm?print_it=1

ويمكرون ويمكر الله

محمد حسن يوسف

 
تدأب الدول الاستعمارية أبدا على الكيد للدول الضعيفة، وتحاول دائما أن تجعلها في دائرة التبعية لها، حتى لا تستطيع الفكاك من أسرها أو التخلي عن الحاجة لها. والدول الاستعمارية وهي ترسم سياساتها تجاه تلك الدول الضعيفة لا تضع في حسبانها أي رد فعل لتلك الدول الضعيفة، فهي بحسبانها دولا ميتة مسلوبة الإرادة لا تستطيع الحركة أو القدرة على رد الفعل.

ولكن الأمر العجيب أن تفشل الدول الاستعمارية في تحقيق أطماعها، رغم عدم قدرة الدول الضعيفة فعلا على اتخاذ أي رد فعل حيال مكائد الدول الاستعمارية. فما هو السبب في ذلك؟
إن هذه الدول الاستعمارية لا تحسب أبدا حساب قدرة الله!! ولا تدري أنها في تجبرها وعنادها فإن الله يقف لها بالمرصاد. وهكذا هو حال قوى الطغيان والظلم على مر التاريخ، كما يخبرنا القرآن الكريم بذلك. { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } [ الأنفال: 36 ] .

والقصة التي بين أيدينا الآن، والتي ما زالت تحدث فصولها ولم تنته بعد: غزو الولايات المتحدة للعراق. لقد كان من ضمن الأسباب المحددة للغزو، ضمان سيطرة الولايات المتحدة على منابع البترول، والتحكم في أسعاره بخفضها لأدنى حد ممكن، وضمان تدفق إمداداته إلى أراضيها ليغذي شركاتها ومصانعها ويشعل الحركة في اقتصادها لينتعش على حساب دماء الآخرين.

وكانت الدول المصدرة للبترول قد عملت على خفض أسعار البترول إرضاء لرغبات الولايات المتحدة. ولكن الولايات المتحدة بجبروتها وعنادها، وحيث كانت أسعار البترول الخام قد وصلت لحدود 40 - 50 دولارا للبرميل، لم يكن جشعها ليرضى بذلك، بل كانت تريد استنزاف الدول المصدرة لأقصى درجة. فكان الغزو للعراق لضمان أسعار البترول عند المستوى 25-30 دولارا للبرميل. فما الذي حدث؟

أرسل الله إعصار كاترينا ليضرب منصات البترول في منطقة خليج المكسيك، وأُجبرت المصافي في المنطقة على الإغلاق. وأدى بذلك إعصار كاترينا إلى ارتفاع سعر خام البترول إلى مستوى غير مسبوق بلغ 70.85 دولارا للبرميل.
ويُرجع خبراء اقتصاديون أسباب ارتفاع أسعار البترول في الفترة الأخيرة إلى هذا المستوى غير المسبوق إلى عدة عوامل، لعل من أبرزها: تردي الأوضاع الأمنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط التي تسيطر على مخزون عالمي ضخم من البترول. ويظل من المؤكد أن الاضطرابات التي تحدث في العراق لها تأثير كبير في التقلبات الحالية في أسعار البترول على المستوى العالمي، فعدم انتظام تدفق البترول العراقي بكمياته الكبيرة بشكل منتظم أدى ولا شك إلى تأثر الاقتصاد العالمي سلبا بذلك.

ويعود جزء من ارتفاع أسعار البترول إلى أسباب مناخية حيث تعرضت الولايات المتحدة المستهلك الأول للبترول لعواصف بحرية أوقفت إنتاجها لكميات لا بأس بها من البترول وشلت قدرة بعض مصافيها البترولية في خليج المكسيك على إنتاج مشتقاته.

كما يذكر أن السبب في زيادة الطلب على البترول في السنوات الأخيرة يعود إلى زيادة طلبه من كل من الصين والهند، فبكين أصبحت ثاني مستهلك للبترول بعد الولايات المتحدة، وكذلك الهند زاد طلبها بشكل ملفت في ظل نمو اقتصادي مطرد.
وهكذا يلقى الارتفاع الحاد الذي شهدته نهاية هذا العام في أسعار البترول بظلاله على الجميع، سواء الدول المنتجة أو الدول المستهلكة. كما سيحد من نمو الاقتصاد العالمي الذي شهدته بداية هذا العام. ومن المؤكد ألا تنخفض الأسعار خلال الفترة القليلة القادمة، مما سينعكس بالسلب على الأداء الاقتصادي لمعظم دول العالم، وسيسمح لمعدلات التضخم بالارتفاع بدرجة كبيرة.

فإذا كانت الولايات المتحدة بغزوها للعراق أرادت أن تهبط بأسعار البترول إلى مستويات متدنية تخدم اقتصادها وتضمن الحصول على تدفق منتظم لإمدادات البترول، فإن الله سبحانه وتعالى أراد أن يرد عليها كيدها، ويجعله في نحرها. وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [ الأنفال: 30 ] .


15 من شوال عام 1426 ( الموافق في تقويم النصارى 17 من نوفمبر عام 2005 ).
 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية