اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hasn/210.htm?print_it=1

اقتصاديات ما بعد الثورة

محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي


ليس من شك في صعوبة الوضع الاقتصادي لمصر بعد اندلاع ثورة يناير 2011، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يمكن توجيه الاقتصاد في مرحلة ما بعد أحداث تلك الثورة الشعبية؟! وتظل الإجابة على هذا التساؤل عسيرة، تجعلك تفكر في استبعاد الإجابات السيئة دون أن تجد إجابة مرضية!!
وبقدر ما كانت الأسباب الرئيسية التي فجّرت تلك الثورة سياسية، تتمثل في توفير حياة كريمة للمواطن المصري لا تُنتهك فيها كرامته على يد الأجهزة الأمنية، وتطبيق إصلاحات سياسية تسمح بتداول سلس للسلطة، وتحديد الفترة الزمنية التي يمسك فيها رئيس البلاد بمقاليد الحكم، وتقليص الصلاحيات الممنوحة له. إلا أن ضغط العوامل الاقتصادية هو الذي ضمن لتلك الثورة زخمها، وأدى لخروج تلك الملايين الكبيرة في الثورة لتحقيق أهدافها وضمان نجاحها.
وعلى سبيل المثال، وفقا لتقديرات الفاينانشيال تايمز في 21 فبراير 2011، يعاني 40% من الشباب من عدم وجود وظائف يلتحقون بها، وهو ما يعتبر من أعلى المعدلات في العالم. كما يقدّر صندوق النقد الدولي أنه يجب أن ينمو الناتج بنسبة 6.5% سنويا لمدة عقد كامل – أي أسرع من السجل المصري المتحقق حاليا – لتخفيض معدلات البطالة إلى مستويات مقبولة.
وغالبا ما تلجأ الحكومات التي "تعوم" على بحر من السكان الغاضبة لرشوتهم بتوفير نظم لدعم الأسعار والتوظيف من خلال القوى العاملة. وللأسف فإن ذلك يعتبر إبحارا في الاتجاه الخاطئ. فقد يكون دعم السلع الغذائية، الذي يكلف الحكومة المصرية نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ضروريا ولكنه يمثل إهدارا لتخصيص الموارد. أما بالنسبة للوظائف، فتوفر الحكومة المصرية 70% من العمالة غير الزراعية. وفي هذا السياق، فهي بحاجة إلى الانسحاب، وليس لمزيد من التقدم. ولذا فإن الحل الناجع إزاء تلك المشكلات يتمثل في إعادة هيكلة الأجور على مستوى جميع القطاعات، بما يضمن تحقيق المساواة وتقليل التفاوت الحادث الآن إلى أقل مستوى ممكن، بالإضافة إلى تشجيع القطاع الخاص ودعم مفهوم المشروعات الصغيرة لتوفير فرص عمالة جديدة.
ولعل الطريق الصحيح أمام الاقتصادات المتأخرة يتمثل في وجود المؤسسات القوية. ولكن ذلك يتطلب وجود سياسات فعالة لمحاربة الفساد والمحسوبية ولدعم المؤسسات المدنية غير الحكومية. ولكن النظام السابق في مصر عمل على خنق كلا الأمرين. ووفقا لما يقوله داني رودريك، الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل والمتخصص في اقتصاديات التنمية، فهذا البرنامج لا يتطلب هدم جميع الهياكل القائمة، بل التدخل بصورة معتدلة في الهياكل الجديدة وحسب. وقد أوضحت التجربة نجاح ذلك الأمر في كل من الصين وغيرها من نمور شرق آسيا. وهو الأمر الذي يجب على النظام الجديد في مصر أن تتوافر له الفرصة لكي يتعلمه منهم.

mohd_youssef@aucegypt.edu
19 من ربيع الأول عام 1432 من الهجرة ( الموافق 22 من فبراير عام 2011 ).


 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية