اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hasn/225.htm?print_it=1

تداعيات المشهد الراهن

محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي


ما زال الاقتصاد المصري يعاني كثيرا من جراء نتائج ما تعرض له في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك. فالسياحة تضررت كثيرا، وزاد معدل البطالة بدرجة كبيرة، كما تفاقمت حدة الفقر. وتأتي تلك النتائج في مفارقة كبيرة لما كان الشعب ينتظر جنيه من ثمار ثورته المباركة، التي قام بها لتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر المتفشي بين جموع الشعب بدرجة غير مسبوقة. ولعل مرور ستة أشهر على اندلاع الثورة لا تكفي للحكم بصورة دقيقة على نتائجها، ولكنها في نفس الوقت تعطي انطباعا عاما لما آلت إليه الأمور في مصر، الأمر الذي دفع جماهير الشعب للخروج مرة ثانية يوم 8 يوليو لتصحيح مسار الثورة، ولوضعها على الطريق الصحيح.

ما الخطأ إذن في الأمر؟ إن المدقق في الأمر يجد أمرا هاما لابد أن يلفت الانتباه، ذلك أن القائمين بالثورة ليسوا هم من يديرون دفتها، وهذا هو لب الخلاف الدائر الآن. فأهداف القائمين بالثورة تختلف بالطبع عن أهداف من يديرون مشهد الحكم في البلاد، وهذا هو ما أدى لاحتدام المشهد السياسي في الوقت الراهن بهذه الدرجة من الحدة. ولفهم الأمر بصورة أكبر، دعنا نتذكر أنه حينما قامت ثورة 23 يوليو 1952، كان القائمين بالثورة هم أنفسهم الذين يديرون دفة الأمور في مصر، ولذلك فقد جاءت قراراتهم مطابقة لتحقيق نفس الأهداف التي قامت من أجلها الثورة. وفي 15 مايو 1971، حين أعلن السادات عن قيام ثورة التصحيح، كان السادات نفسه هو الذي يحكم مصر، ولذلك جاءت النتائج متطابقة مع الأهداف التي قامت من أجلها الثورة. أما الآن، فنحن نجد طائفتين متمايزتين: طائفة قامت بالثورة في سبيل تحقيق أهداف معينة، وطائفة تمسك بدفة الحكم ولها أهداف مختلفة عن ( أو غير متطابقة مع ) أهداف الطائفة الأخرى، ومن هنا ثار الخلاف الذي نشهده الآن.

من تشوهات الموقف الراهن، ما نشهده من صراعات قوية من جانب بعض الطبقات والفئات من أجل اكتساب حقوق لم تكن لتنالها من قبل. فبفضل الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات، استطاعت بعض الجماعات تحقيق زيادات في رواتبها لم تكن تستطيع تحقيقها قبل الثورة. ولكن في مقابل ذلك، وبسبب انعدام الأمن أساسا، عانت فئات أخرى كثيرة من انخفاض أو فقدان دخولها الضئيلة التي كانت تحصل عليها قبل الثورة. يأتي على رأس القائمة، العمال الذين يعملون باليومية، أو العمال الذين يعملون في قطاعات معينة، مثل قطاع السياحة على وجه الخصوص. وفي ظل انعدام الأمن كذلك، لم يعد من المتوقع أن تأتي رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في مصر، ولذلك فيتوقع بعض القادة العسكريين اقتراب الاستثمار الأجنبي في مصر من الصفر. كما يتوقع – إذا ظلت الأحوال على ما هي عليه – دخول أعداد أخرى كبيرة في دائرة الفقر في مصر في الأجلين القصير والمتوسط، الأمر الذي يبشر بثورة جياع حقيقية.

ولعل من أخطر ما تواجهه الثورة، ومن ثم مصر، في الفترة الراهنة، هو عدم وجود رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه الأمور خلال الفترة القليلة القادمة. ولعل ذلك الأمر هو خطأ وقع فيه المجلس العسكري الذي يمسك بمقاليد الحكم الآن، وشاركته فيه حكومة الدكتور عصام شرف. فقد كان من الواجب وضع جدول زمني يُعلن على الناس بوضوح ويتحدد فيه كل الأمور التي يريدها الشعب خلال الفترة القليلة القادمة وفق توقيتات زمنية محددة. ولكن أن تظل الأمور تدار تلك العشوائية المفرطة، وأن تظل التوجهات المستقبلية رهنا للنوايا الحسنة فهذا ما لم يعد من الممكن السكوت عليه أكثر من ذلك.

mohd_youssef@aucegypt.edu
mohd.youssef@nib.gov.eg
11 من شعبان عام 1432 من الهجرة ( الموافق 12 من يوليو عام 2011 )


 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية