اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hasn/228.htm?print_it=1

منزلقات الديمقراطية

محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي


من أين تأتي منزلقات الديمقراطية؟ ونحن في بداية عهدنا بالديمقراطية، ونحاول أن ننجح في اختبارها، فلابد لنا من البحث عن العوامل التي تؤدي لتعثر تطبيق عملية الديمقراطية في بلد معين. وفي الواقع يمكن لنا الحديث عن عدة أسباب:

أولها:
ظهور شخصية ذات زعامة كاريزمية وصعودها، أي شخص يمتلك قلوب الناس وعواطفهم، ومن ثم فهم ينساقون ورائهم. وعلى سبيل المثال، كان الدستور المصري (دستور عام 1971) ينص على أن تكون فترة الرئاسة في مصر هي مدتين فقط. ولكن الانتصار الكبير الذي حققه السادات في حرب أكتوبر 1973، جعل منه زعيما تاريخيا، مما أدى للمطالبة بتغيير هذا النص الدستوري، وفتح مدد الرئاسة أمام السادات، فتم تغييره. على أنه من سخرية القدر، لم يستفد السادات بهذا التعديل، وإنما الذي استفاد منه هو خلفه الرئيس السابق حسني مبارك. تكرر هذا المشهد أيضا في فنزويلا، حيث يتمتع رئيسها هوجو شافيز بكاريزما مرتفعة بين مواطنيه، فدعا الشعب للاستفتاء على تغيير الدستور، ووافق الشعب لزيادة عدد مرات الرئاسة.

هذا الأمر يفسر لنا كذلك لماذا تمتع جمال عبد الناصر بحب الملايين في العالم العربي، على الرغم من السجل الاستبدادي الذي مارسه نظام حكمه. ذلك أن الكاريزما الكبيرة التي تمتع بها عبد الناصر غفرت له جميع مساوئه تجاه الديمقراطية. ويجرنا هذا للحديث عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف، وما قاما به من تمثيلية هزلية باسم إقامة الديمقراطية. حيث كان الأول يشغل منصب الرئيس لمدتين متتاليتين، وكان الثاني يشغل منصب رئيس الوزراء. ثم لكي يشعرا الشعب بترسيخ قواعد الديمقراطية في البلاد – وهي بالطبع ديمقراطية شكلية وهزلية – فقد قاما بتبادل مراكزهما. وبعد انتهاء فترة رئاسة ميدفيديف، أُجريت الانتخابات مجددا، ليفوز فيها بوتين بفترة رئاسة ثالثة!!

ثاني منزلقات الديمقراطية،
هي وجود المال السياسي. بمعنى توظيف المال في سبيل تحقيق أغراض سياسية معينة. يأتي تحت هذا البند كل ما يمكن أن تتخيله من ممارسات خاطئة، يقف المال ورائها، لتغيير نمط تفكير الناس إزاء أشياء معينة، أو لتغيير انطباع الناس عن أفراد بعينهم. ممكن هذه الأموال تأتي من كبار رجال الأعمال في البلد، وممكن أن تأتي من دول أخرى، كما يمكن أن يقف وراءها أجهزة مخابرات دول معينة تريد تطبيق أجندات لها في البلد التي تظهر فيه هذه الأموال. وتشمل هذه الصورة كذلك الإغداق بالأموال على ناس بعينها لإنشاء أحزاب سياسية أو جمعيات أهلية ومؤسسات مدنية تحت مسميات مختلفة. من هنا يمكن أن نرى الصوت الدوار، أو الرشاوى الانتخابية المتمثلة في شراء الأصوات مقابل توزيع المواد الغذائية، إلى غير ذلك من استغلال المال بشكل غير شريف لتوجيه المجتمع تجاه تيارات معينة أو أفكار محددة.

ويأتي الإعلام السياسي كثالث هذه المنزلقات. أي كيف "تغسل دماغ الناس؟". بمعنى السيطرة على عقول الناس، بالترويج لأفكار معينة عبر وسائل الإعلام سواء المقروءة أو المرئية. وتقوم هنا هذه الوسائل الإعلامية ببث الشائعات المتوالية، حتى لا تترك الفرد رهنا لأفكاره، أو لتدبر الأمور من حوله، بل لكي يظل أسيرا لها، دائرا في فلكها. ومن الطبيعي أن الدور الأساسي للإعلام هو أن يكون محايدا. ولكن في ظل الإعلام السياسي، يُضرب بقواعد المهنة عرض الحائط، ويكون التحيز سافرا والتوجه شديدا.

وآخر هذه المنزلقات، هي ضعف الثقافة السياسية بين أفراد الشعب. فكلما كانت الثقافة السياسية ضعيفة بين جموع المواطنين، كان من السهل للغاية خداعهم بجميع الوسائل السابقة. فكل الوسائل السابقة لا يمكن أن تُحدث أي تأثير إذا لم تجد البيئة المواتية لها. وليس أفضل من تفشي الأمية السياسية بين أفراد الشعب، لكي تؤتي جميع هذه الوسائل السابقة آثارها.

ولذلك فإن العلاج الأساسي أمام هذه الأمور، هو البدء بمحو الأمية التعليمية أولا، والعمل على تثقيف المجتمع ثانيا. ثم بناء نظام حزبي قوي وفعال، ينتظم جموع الشعب في كوادره، ويكون له مبادئ راسخة وقواعد ثابتة. وهكذا يصبح انضمام الناس في هذا النظام الحزبي من الأمور التي ترسخ الديمقراطية وتعمل على توطيد أركانها. وهو الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى أن يصبح تداول السلطة حلما قابلا للتحقيق!!

القاهرة في: 27 من يوليو 2012م (الموافق 7 من شعبان 1433هـ)

 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية