صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أمة تعبت ... وأمة لعبت

محمد حسن يوسف

 
(1)


كان القائد يضع خطة المعركة. وجاءه الوزير ليشاوره في إمكانيات الجيش وكيفية تنفيذ الخطة، خاصة في ظل التفوق العددي البالغ للعدو. هدّأ القائد من روع الوزير، وقال له: " لم نكن لننتصر في معاركنا بعددنا أو بعتادنا، وإنما بقوة إيماننا بالله عز وجل "!! اتفقا على تقسيم الجيش إلى أربع كتائب: ميمنة وميسرة وقلب ومؤخرة.
وكانت الخطة أن يُترك الأمر للقلب للقيام بهجوم كاسح، والضغط على قلب العدو طوال النهار لإنهاكه والنيل منه. ومع حلول الليل، يتم تبديل الميمنة مكان الميسرة والميسرة مكان الميمنة، مع مجيء أعداد كبيرة من المؤخرة مكبّرين، ليوهموا العدو بوصول مدد للمسلمين، فتنخفض معنوياتهم، ويُسقط في أيديهم.
واتفقوا على أن يسير معهم الوعاظ حتى يواصلوا تذكير الجنود بالله عز وجلوا. وسارت الخطة بإحكام وفق ما سبق ترتيبه. وتحقق النصر بإذن الله، والذي كان فاتحة لمزيد من الانتصارات والفتوح الإسلامية التي تلته. وما زالت خطة القائد تتم دراستها للآن في أكبر جامعات العالم العسكرية.


*****
(2)


اتفق المدير الفني مع المدرب العام على تفاصيل الخطة التي سيتم لعب المباراة بها. اتفقوا على أن يلتزموا جانب الهجوم الكاسح مع توخي الحذر في الدفاع من الهجمات المرتدة. كانت النية لعب المباراة بطريقة دفاعية، لكن اتفقت الآراء على أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع!!
واتفقوا على أن يحضر المغنين هذا اللقاء الهام، حتى يواصلوا تحفيز الجماهير الغفيرة بالمدرجات على التشجيع طوال فترة المباراة. وانطلقت الهتافات من المدرجات مصحوبة بغناء المطربين في تلاحم قوي بين كل جموع الشعب بكل فئاته.
وبدأت المباراة، وبدأ الفريق بالسيطرة على مجريات الأمور. كان الجميع يدعو الله مخلصا من أعماقه أن يوهبنا النصر، لأننا الأفضل والأنشط!! الحمد لله!! فاز الفريق، وأعلن عن وجوده كقوة إقليمية عظمى في مجال كرة القدم!! وأصبح الجميع – أخيرا، وبفضل الله – يحترمنا ويهابنا ويعيد حساباته ألف مرة قبل لقائنا!!! إنجاز تاريخي غير مسبوق حققناه بتضحيات جسيمة وبالصبر والكفاح والدم!!!
سيظل يوم النصر يوما محفورا في وجدان كل الوطنيين الغيورين!! وسيبقى يوما خالدا في تاريخ الوطن. ليس لمجرد أن المنتخب الوطني فاز بالبطولة، وإنما لأن هذا اليوم شهد ثمار أعظم ملحمة وطنية سطرها أبناء هذا الوطن الغيورين على رفع اسم البلد عاليا خفاقا في سماء الكرة العالمية!!


*****
(3)


كانت الشمس تقترب من المغيب، موعد الدرس الأسبوعي للعلامة الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي، أشهر الوعاظ في زمانه، صاحب التصانيف المشهورة في أنواع العلوم من التفسير، والحديث، والفقه، والوعظ، الزهد، والتاريخ، والطب، وغير ذلك.
وقد رزق الله ابن الجوزي القبول في الوعظ، وكان يحضر مجلسه الخلفاء، والوزراء والكبار، وأقل ما كان يحضر مجلسه ألوف من المستمعين. بل قيل إنه حضر مجلسه في بعض الأوقات مائة ألف.
قال سبطه شمس الدين أبو المظفر: سمعته يقول على المنبر في آخر عمره: كتبت بإصبعي، هاتين ألفي مجلدة، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرة آلاف يهودي ونصراني.
وكان حاضر الذهن سريع البديهة متقد الذكاء. قال له قائل: ما نمت البارحة من شوقي إلى المجلس. فرد عليه بالقول: لأنك تريد أن تتفرج، وإنما ينبغي أن لا تنام الليلة لأجل ما سمعت.
وسأله آخر، وكان التشيّع تلك المدة ظاهراً: أيّما أفضل، أبو بكر أو عليّ؟ فقال: أفضلهما من كانت ابنته تحته. ورمى بالكلمة في أودية الاحتمال، ورضي كلٌ من الشيعة والسنة بهذا الجواب المدهش. هكذا كانت اجتماعات الأمة ومجالسها!!


*****
(4)


امتلأ الاستاد عن بكرة أبيه منذ الصباح الباكر، رغم أن المباراة ستبدأ في الثامنة مساء. ليس مهما صلاة الجمعة، أو الصلوات الأخرى!! إننا اليوم في مهمة قومية. نسأل الله أن يرزقنا نصرا مؤزرا يقر به أعين هذه الجموع الغفيرة، حتى لا يناموا والدموع ملء جفونهم!!!
جمهور متحمس ظل يشجع الفريق لمدة لا تقل عن سبع ساعات متواصلة!! لم يهدأ خلالها ... لم ييأس ... لم يستسلم ... حتى ولو تقدم الخصم على منتخب بلاده!!! يا له من جمهور!!!


*****
(5)


الخاتمة
قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِاْلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [ الكهف: 103-104 ] .

13 من المحرم عام 1427 ( الموافق في تقويم النصارى 12 من فبراير عام 2006 ).
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية