اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/hasn/45.htm?print_it=1

قرأت لك

كيف نغير ما بأنفسنا ؟
تأليف: د/ مجدي الهلالي
القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط:1، 1425هـ، 120 ص.

عرض وتحليل
محمد حسن يوسف

 
يناقش هذا الكتاب مفهوم إحدى سنن الله التي تحدث في القرآن، وهي ضرورة تغيير أي قوم لأنفسهم من الداخل، وذلك إذا ما أرادوا تغيير واقعهم من حولهم. وهي قضية هامة وحرجة بالنسبة للأمة الإسلامية في الوقت الراهن. فإذا كانت الأمة تعاني من التدهور الحاد في جميع مناحي الحياة من حولها، فلابد لها – إذا ما أرادت بصدق الخروج من ذلك – من التغيير الداخلي لنفس كل مواطن فيها حتى ينعم الله علينا بتغيير هذا الواقع الأليم. فكيف يحدث هذا التغيير الداخلي داخل نفوسنا؟ يحاول هذا الكتاب أن يضع المنهجية الخاصة بذلك على ما يلي:
يقول المؤلف: ما من عام يمر على أمتنا الإسلامية في وقتنا الحاضر إلا ويحمل معه جرحا جديدا في جسدها يضاف إلى جراحاتها السابقة ... فعام لأفغانستان، وعام للشيشان، وآخر للعراق، أما فلسطين فجرحها يتجدد باستمرار، ويزداد عمقا بمرور الأيام. ورغم الدعاء والتضرع والاستغاثة بالله عز وجل، فإن الوضع مستمر على ما هو عليه، بل ويزداد سوءا في بعض الأماكن. فلماذا إذن لا ينصرنا الله عز وجل وقد بُحت أصواتنا بدعائه؟ لماذا تأخر المدد الإلهي ونحن في مسيس الحاجة إليه اليوم قبل الغد؟ فإن قيل: إن هذا المدد لا يتنزل إلا على من يستحقه ... كان السؤال: فما المطلوب منا أن نفعله لنكون أهلا له؟ أين نضع نقطة البداية لطريق النصر والتغيير؟ وكيف نبدأ؟

القادر المقتدر
لا يستطيع أحد أن يقيم نفسه بنفسه، أو يتولى تصريف أموره ولو لطرفة عين. فالقلب مثلا يحتاج إلى إمداد منه سبحانه بالقدرة على ضخ الدم للجسم سبعين مرة في الدقيقة الواحدة، ولو توقف المدد لتوقف القلب وانتهت الحياة. وهكذا كل أجهزة الجسم، لا تستطيع أداء وظائفها إلا به سبحانه. ولو تخلى عن عباده طرفة عين لهلكوا جميعا، يستوي في ذلك المؤمن والكافر.
ومن البديهي أن قيوميته سبحانه على عباده تستدعي اقترانها بعلمه، وإحاطته التامة بهم. ومع علمه التام بعباده وإحاطته بهم جميعا، فهو سبحانه وتعالى رقيب عليهم. إذن فكل ما يحدث لنا من ذل وهوان وهزائم ونكسات فبعلم الله وإذنه: { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } [ الأنعام: 112 ] .
ومع قيومية الله وإحاطته بجميع خلقه، فهو سبحانه مقتدر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ... يفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره. وهو سبحانه لا يخاف من شيء – حاشاه – ولا يخشى عقبى شيء من أمره، كيف وهو صاحب هذا الكون والقائم عليه.
ومع هذه القدرة المطلقة والمشيئة النافذة التي لا تستطيع أي قوة في الأرض مهما كان حجمها أن تقف أمامها، فإنها لا تتنزل إلا على من يستحقها: لا تتنزل على الكافرين بالهلاك إلا بعد أن يستنفذوا فترة إمهال الله لهم، ويستقبلوا النعمة بالكفر، ويظلموا الناس، ويستدعوا بأفعالهم غضب الله عليهم. كما لا تتنزل بالمدد والنصر على الفئة المؤمنة إلا إذا استوفت الشروط المؤهلة لذلك، بأن يتغير حالها إلى الحال الذي يُرضي الله عز وجل، وتترك ما يبغضه.

الأمل في الله وحده
من ينظر ويتفحص ما عند أعدائنا من إمكانات مادية، وتكنولوجيا متطورة، وأسلحة دمار شامل، ثم يقارن ذلك كله بما نملكه، فقد يصيبه الإحباط، أو يتسرب إلى نفسه اليأس، فلا وجه للمقارنة بيننا وبينهم. ومن ناحية أخرى، فواقع الأمر يخبرنا بأنه لا أمل حقيقيا لدينا للحاق بهم لأنهم لن يسمحوا لنا بامتلاك سباب القوة. فالمساحة التي أتاحوا لنا التحرك فيها محدودة، ومهما اجتهدنا فيها فسنكون دوما في ركب التخلف وأذيال الأمم. إذن فلا أمل حقيقيا لنا إلا باستدعاء القوة الإلهية التي لا تقهر، والتي لا تقف أمامها أي أسباب مهما عظمت.
وليس معنى القول بأن أملنا في الله وحده أن نترك الأسباب المادية بدعوى عدم جدواها، بل المطلوب هو العكس. علينا أن نملأ كل فراغ يتاح أمامنا، ونتغلغل في كل القطاعات، ونجتهد غاية الاجتهاد في امتلاك أسباب القوة. على أن نأخذ في الاعتبار دائما أن الأسباب بعينها لن تحقق لنا النصر. واجتهادنا في تحصيلها يأتي امتثالا لأمر الله، وتنفيذا لمقتضى سننه التي ربطت الأسباب بمسبباتها.

ما المقصود بالتغيير؟
إن الوظيفة الأساسية لكل فرد يخرج إلى الأرض هي ممارسة العبودية لله عز وجل في فترة وجوده في الدنيا، بداية من بلوغه الحلم وحتى موته. على أن وجودنا على الأرض بما تحتويه من زينة يتطلب منا جهادا لأنفسنا ونصرة لله عليها، إن أردنا أن نرتدي رداء العبودية وننجح في الامتحان. إن كرامة العبد عند الله مرتبطة بمدى عبوديته له، ولا علاقة لذلك بالنسب أو الماضي ... الخ. فالولاية والكرامة على قدر الاستقامة، واستمرارها مرتبط ببقاء حالة تلك الاستقامة.
فإذا ما أسقطنا هذه القاعدة على الواقع الذي تحياه أمتنا الآن، نجد أن ما يحدث لنا من ذل وهوان وبؤس وعذاب لم يأتِ من فراغ، بل بسبب ما اقترفته أيدينا. فبأفعالنا استدعينا غضب الله علينا. لقد ملأ حب الدنيا قلوبنا، فأصبحت تصوراتنا وأحلامنا منبثقة منها ... اتجهت أعيننا إلى الأرض، وتصارعنا على ما فيها. ودخلنا بذلك كأمة إسلامية في دائرة الغضب والعقوبة الإلهية، وإن اختلف شكلها من مكان لآخر.
فإن قلت: ولكن أنا لا أفعل هذه الموبقات، وأعمل جاهدا على إصلاح نفسي، والاستقامة على أمر الله. فلماذا أُعاقب بما يُعاقب به العاصون؟ والجواب هو أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، يشكل مجموع المسلمين جسدها. فإذا حدث لعضو في هذا الجسد مكروه، فعلى الجميع أن يعملوا على عودته لصحته مرة أخرى. إذن فكون البعض منا صالحا في نفسه، مبتعدا عما يغضب ربه، فهذا لا يعفيه من مسئوليته عن الأمة وما يحدث لها.
إن الغمة لن تنكشف عنا بالدعاء فقط، بل لابد أن يسبق هذا الدعاء ويصاحبه تحول حقيقي عن كل ما يغضب الله، وانتقال إلى ما يرضيه. لابد من روح جديدة تسري في كيان الأمة، فتوقظها من سباتها، وتعمل على تغييرها تغييرا جذريا يشمل المفاهيم والتصورات، والسر والعلانية، والأقوال والأفعال.

عوائق التغيير
وهو من أهم فصول هذا الكتاب. وفيه يبدأ المؤلف: قد يقول قائل: إن كل ما قيل قد سمعناه مرات ومرات، ولا يوجد من يختلف حوله، ولكن النقطة التي نقف عندها ولا نستطيع تجاوزها هي كيفية التغيير. كيف نحوّل الكلام النظري إلى واقع عملي؟ كيف يصبح الله عز وجل أحب إلينا وأعز علينا من كل شيء؟ إن هناك انفصال بين القول والفعل ... بين الواجب والواقع ... فما السبب في ذلك؟ الإجابة عن هذا السؤال تستلزم معرفة الدوافع التي تدفع الإنسان للسلوك بصفة عامة، والمراحل التي يمر بها، قبل أن يظهر للواقع.

لكي يظهر سلوك اختياري ما إلى الوجود، فإن هناك ثلاث مراحل لابد أن تتم داخل الإنسان:
أولا: القناعة العقلية بالفعل المراد القيام به.
ثانيا: إصغاء قلبي لصوت العقل ورضاه بما يشير إليه.
ثالثا: صدور أمر من القلب إلى الجوارح بالتنفيذ.

فإذا أردنا أن نُشخّص أسباب السلوك غير السوي، والذي نشكو من وجوده ونريد تغييره إلى ما يحبه الله ويرضاه، فلابد أن يتناول البحث محاور ثلاثة:
المحور الأول: يتعلق بعقل الإنسان وفكره وقناعاته التي تشكل المنطلق الأول للسلوك.
المحور الثاني: يتعلق بقلب الإنسان وما يحول بينه وبين تنفيذ ما يمليه عليه العقل.
المحور الثالث: يتعلق بالنفس التي تشكل العائق الأساسي الذي يقف أمام إخلاص هذا الفعل لله عز وجل.

فإذا كان المطلوب أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله عز وجل ما بنا، فإن هذا التغيير لابد أن يشمل:
1- الاهتمامات والتصورات والأفكار، وهذا يستدعي تغيير اليقين الخاطئ في العقل الباطن.
2- زيادة الإيمان وتمكنه التام من القلب وطرد الهوى منه.
3- جهاد النفس وترويضها وإلزامها الصدق والإخلاص لله عز وجل.

من أين نبدأ؟
مما لا شك فيه أن هناك دواءً أنزله الله عز وجل نداوي به ما نعاني منه، وأن رحمته التي يغمرنا بها تستلزم وجود هذا الدواء الذي يعيدنا إلى حظيرة العبودية له ... فما هو يا تُرى هذا الدواء؟ باستقراء تاريخ الأمة الإسلامية نجد فيها صفحات مشرقة لجيل من الأجيال كانوا قبل إسلامهم غاية في الغرابة والجاهلية، ثم تبدل حالهم وتغير تغييرا جذريا، ليصبحوا عبيدا لله عز وجل، ويعملون من أجله ويضحون في سبيل مرضاته بالغالي والنفيس ... ذلكم جيل الصحابة رضوان الله عليهم.
لقد حدثت معجزة عظيمة لهؤلاء نقلتهم هذه النقلة البعيدة، وأعادت صياغتهم وتشكيلهم من جديد. فما هو سر هذه المعجزة؟ كان القرآن هو الدواء الذي تناوله هؤلاء فتغيروا هذا التغيير. إنه السر الأعظم والمعجزة الكبرى التي اختص الله بها هذه الأمة. ومع القرآن وقدرته الفذة والعجيبة في التأثير والتغيير، كان المربي العظيم صلى الله عليه وسلم هو الذي يشرف بنفسه على عملية التغيير ويتابعها ويوجهها.
إذن فالحل الذي نريده ينطلق من محورين: المنهج وهو القرآن، والمربي وهو الذي يتعهد عملية التغيير.

هذا القرآن
إن القرآن هو القادر - بإذن الله – على تغييرنا وإعادة صياغتنا من جديد، ولِمَ لا وهو يمكنه تغيير طبيعة الجبال الصلبة القاسية: { لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ الحشر: 21 ] . والقرآن كذلك هو الطريق للاستقامة الدائمة على أمر الله، كما قال تعالى: { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [ الإسراء: 9 ] . فبالقرآن توحد المسلمون الأوائل على هدف واحد، وبه ارتفعوا إلى السماء وتخلصوا من جواذب الأرض. ولقد أكد على هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " أبشروا، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تُهلكوا ولن تضلوا بعده أبدا ". [ صحيح / رواه الطبراني في الكبير عن جبير، وأورده الألباني في صحيح الجامع، ح: (34) ].
من هنا يتضح لنا أن نقطة البداية التي ينبغي أن نبدأ بها ليتم التغيير الداخلي المنشود هي العودة إلى القرآن. ونعني بالعودة: الدخول إلى دائرة تأثيره، والتعرض الحقيقي لمعجزاته، وتشغيل مصنعه وماكيناته، ليتم من خلاله التغيير المنشود، فنكون من بعده عبيدا لله عز وجل.

كيفية التغيير القرآني
استعرضنا فيما سبق الأسباب التي تحول بيننا وبين أن نكون عبيدا مخلصين لله عز وجل، والتي تنطلق من محاور ثلاثة: العقل والقلب والنفس. ومن ثم فإن التغيير الحقيقي في ذات الإنسان ينبغي أن يشمل هذه المحاور الثلاث:
o فبالنسبة للعقل: يقوم القرآن بإعادة تشكيل العقل وبناء اليقين الصحيح فيه، فتتغير تبعا لذلك تصورات صاحبه واهتماماته، ومن ثم تلقائية أفعاله.
o وبالنسبة للقلب: تعني لحظات الانفعال والتجاوب القلبي مع قراءة القرآن، تعني دخول نور هذه الآيات إلى القلب وتأثيره على المشاعر، مما يؤدي إلى زيادة الإيمان. وكلما ازداد الإيمان في القلب، انعكس ذلك على الجوارح بأعمال صالحة لم يكن من السهل قبل ذلك القيام بها.
o وبالنسبة للنفس: تكمن طريقة القرآن الفريدة في التعامل مع النفس من خلال محورين رئيسيين، هما: معرفة الله، ومعرفة النفس، مع ممارسة مقتضى تلك المعارف. فمعرفة الله لها دور كبير في إخلاص العمل لله عز وجل، وعلى قدر تمكنها من القلب وتعمقها فيه يكون صدق معاملة العبد لربه. أما تعريف القرآن للمرء بحقيقة نفسه وطبيعتها، وحبها للشهوات، وميلها للفجور، وأنها لو تُركت لما أمرت بخير ... كل ذلك ليشتد حذر الإنسان منها، فلا يركن إليها ولا يرضى أو يفرح بها.

كيف ننتفع بالقرآن؟
إذا كان القرآن هو المخرج من الفتن التي تعصف بنا، فلابد – إذن – أن نعود جميعا إلى القرآن. فالعودة إليه تمثل طوق النجاة ومشروع النهضة للأمة جمعاء. إن الدخول إلى عالم القرآن ودائرة تأثيره يحتاج منا إلى جهد ومثابرة، وبخاصة في البداية، حتى نستطيع تجاوز الطريقة التي اعتدنا عليها في تعاملنا مع هذا الكتاب، والتي تهتم باللفظ أكثر من المعنى.
وأكبر عامل يساعدنا على تجاوز طريقتنا الشكلية مع القرآن، ويُدخلنا إلى دائرة تأثيره، ويُذيقنا حلاوة الإيمان الناتج عنه: الاستعانة الصادقة بالله عز وجل، والإلحاح عليه بالدعاء ... أن ينفعنا بمعجزة القرآن، وينور قلوبنا بنور آياته، ويحييها بمعرفته. ومع الاستمرار في الدعاء والإلحاح على الله عز وجل، فإن هناك بعض الوسائل المعينة على العودة الهادئة والمتدرجة إلى القرآن، علينا أن نجتهد في الأخذ بها جميعا. وهي:
1- الانشغال بالقرآن والتجرد له
2- التهيئة الذهنية والقلبية
3- سلامة النطق والقراءة الهادفة
4- التركيز في القراءة وعدم السرحان
5- التجاوب مع القراءة
6- أن نجعل المعنى الإجمالي هو المقصود
7- ترديد الآية التي تؤثر في القلب
8- دراسة الآيات والعمل بمقتضاها

المربي
أهم دور يضطلع به المربي هو الإشراف على عملية التغيير ومتابعته، ليكون النتاج صالحا، فلا يحدث تضخم في جانب وضمور في جانب آخر. لذلك فمن طبيعة وظيفته:
أولا: تربية من معه على التوازن والاعتدال
ثانيا: ضبط الفهم الصحيح عند الأفراد لمراتب الأحكام وفقه الأولويات مع النظرة الشاملة للإسلام
ثالثا: حسن توجيه الطاقات المتولدة لدى الأفراد نتيجة تعاملهم مع القرآن ومنابع الإيمان، وذلك بفتح مجالات العمل أمامهم، وتنظيم حركتهم بين الناس
رابعا: شحذ همم الأفراد
خامسا: المحافظة على الأفراد
سادسا: التذكير الدائم بحقيقة الدنيا
ومما لا شك فيه أن طبيعة دور المربي تستدعي منه تواجدا مستمرا مع الأفراد ليتسنى له متابعتهم وحسن توجيههم. ولكن ذلك لا يعني المتابعة الدقيقة واللصيقة لكل منهم، والتأكد من تنفيذ توجيهاته بدقة. ولكن يترك المربي الإيمان في قلوب الأفراد يحركهم، فالإيمان هو أكبر ضامن يضمن تنفيذ الخطط والتوجيهات، مع عدم إغفال دور المتابعة العامة التي تتعرف على الواقع فتبني عليه توجيهات المستقبل.

المحاضن التربوية
قد لا نجد مثل هؤلاء المربين الدالّين على الله وعلى كتابه، ولكن مع وجود المنهج – ألا وهو القرآن – ومع فهم طبيعة دور المربي، يمكننا أن نستعيض عن دوره – ولو بصفة مؤقتة – من خلال تعاهد بعضنا البعض بالنصح والإرشاد، وتبادل الخبرات، وتبني الأدوار التي يقوم بها المربي. وحبذا لو كان بيننا من سبقنا إلى الدخول لمأدبة القرآن ليوفر علينا الوقت والجهد. وهذا ما يمكن أن نطلق عليه " المحاضن التربوية ".
والمقصد من ذلك هو إرشاد الأفراد إلى كيفية الانتفاع بالقرآن وتذوق حلاوته. مع العلم أنه بالمداومة على استخدام وسائل العودة إلى القرآن سيبدأ الأفراد في تذوق حلاوة الإيمان، لتكون هذه المحاضن وسيلة لتبادل هذه الأذواق وشحذ الهمم وفتح آفاق أوسع للتعامل مع الآيات. وفي المحاضن التربوية يتم تدارس بعض كتب العلم النافع التي تعين الفرد على تعميق فهمه للقرآن، وتضبط له عملية التغيير. على أن يتم ربط هذه الكتب بالقرآن قدر المستطاع، وألا تطغى عليه.
هذا الشكل المقترح للمحاضن التربوية، والتي يمكن أن تتم في البيت بين الأب وأبنائه، أو بين الأصدقاء بعضهم مع بعض، لها امتداد عبر تاريخ الأمة، فقد بدأها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان القرآن هو المنهج الذي يتدارسونه ويعيشون معه. أما توجيهاته صلى الله عليه وسلم فكانت بمثابة الشرح والبيان لآيات القرآن، مع ضبط الفهم، وتنظيم حركة الأفراد، وشرح كيفية التعامل مع مستجدات الحياة.
ومع أهمية وجود المحاضن التربوية للإشراف على عملية التغيير القرآني للأفراد، إلا أنه ينبغي أن يكون لها دور آخر في توجيههم لدعوة الناس. فمن الضروري تبليغ الناس بذلك، والأخذ بأيديهم إلى مأدبته، فينصلح حالهم، ويعودون إلى ربهم، ويمارسون الوظيفة التي خلقوا من أجلها، فيتحقق بذلك الوعد الذي وعدنا الله به بالاستخلاف والتمكين.

هيا إلى العمل
إذا كان القرآن هو مشروع الأمة الإسلامية القومي للنهضة، وهو السبيل لعودة مجدها وعزها، فلابد أن ينتفض كل غيور ويبدأ بنفسه ويعود إلى القرآن، ويقبل عليه بكيانه كله.
لابد أن نعمل على تبليغ هذه الدعوة في كل مكان، وأن نرشد الناس إلى كيفية العودة إلى القرآن، والانتفاع الحقيقي به، وأن نلح عليهم بذلك. وشيئا فشيئا ستسري هذه الدعوة في أعماق الأمة، وستجد لها – بمشيئة الله – آذانا صاغية.
فلنبدأ من الآن، ولنعد إلى القرآن، فكفى ما مضى من أعمارنا ونحن بعيدون عن هذا الكنز العظيم. ولنسبتشر جميعا، فما هي إلا سنوات قليلة حتى نجد نور القرآن يسري في النفوس، ليبدأ التغيير في جنبات الأمة، ويصطلح الناس مع ربهم، ويعودوا إليه.

1 من صفر عام 1427 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 1 من مارس عام 2006 ).
 

محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية