صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عن التوريث ... وشجونه

محمد حسن يوسف

 
يكثر الحديث الآن في جميع أنحاء مصر عن التوريث، سواء في المقاهي أو المنتديات العامة أو المحادثات الهاتفية أو ... الخ. وبالطبع فأنا أعني توريث كرسي الحكم. وبتلقائية عجيبة، يتفق جميع المتحاورين – الذين من الصعب اتفاقهم على شيء أبدا – على رفض مبدأ التوريث. ولكن يغيب عن هؤلاء المتحدثين عدة حقائق، يجب أن تُتضمن في حواراتهم، حتى لا تبعد هذه الحوارات عن المنطقية.

أولى هذه الحقائق، أن جميع ذوي المناصب في مصر المحروسة يسعون لتوريث أبنائهم هذه المناصب. انظر مثلا إلى القضاة والمستشارين على سبيل المثال. هل يوجد من لم يسع لدخول ابنه هذا المجال؟ أليس جميع العاملين في هذا المجال يعملون بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة على ضمان التحاق أبنائهم بوظائف هذا السلك القضائي؟!!

انظر إلى كليات الطب – باعتبارها أكبر الأمثلة وضوحا - وما يحدث من تكليف فيها! إن الأساتذة الآباء يفعلون الممكن وغير الممكن في سبيل تعيين أبنائهم لكي يصبحوا أساتذة بالكلية. وانظر إلى السلك الدبلوماسي، وما يحدث فيه من تجاوزات لضمان التحاق أبناء العاملين بهذا الحقل فيه!! وانظر إلى ما يحدث عند التقدم للالتحاق بكليات الشرطة والجيش، هل يكون الطريق معبّدا أمام من ليس له أقارب في هذه الكليات؟! ولصالح من تتم هذه التعقيدات؟ أليس لصالح أبناء وأقارب العاملين بهذه الكليات؟!!

اذكر أنني وأنا طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وعلى صغر أعداد الدارسين بهذه الكلية، فوجئت في إحدى السنوات بالكلية تقبل تعيين عددا يجاوز العشر معيدين بها. وكان هذا الرقم مبالغا فيه للغاية. فالكلية لا يزيد عدد الدارسين فيها عن مائة وأربعين أو مائة وخمسين طالبا. فما الذي حدا بالكلية القيام بهذا الأمر؟

وبعد البحث والتحقيق، عرفنا أن ابن أحد كبار المسئولين بالدولة جاء ترتيبه متأخرا. وحدثت مداولات ومحاورات مع أساتذة الكلية الذين قاموا بالتدريس لهذا الابن من أجل زيادة درجاته لتعديل ترتيبه، باءت جميعها بالفشل. فما كان من الكلية إلا القيام بتعيين هذا العدد الكبير من المعيدين، لكي يصبح من بينهم هذا الابن!!

إذا كنا يا سادة نسعى سعيا حثيثا لكي نأتي بأبنائنا لتقلد المناصب التي نتولاها، فلماذا نستكثر على رئيس الجمهورية سعيه لتقليد ابنه مقاليد السلطة من بعده؟

ثاني هذه الحقائق: أن الرئيس القادم لن يأتي إلا من داخل النخبة الحاكمة. هذا أمر حتمي. فلا يتصور أن يخترق أحد هذه النخبة لكي يتولى مقاليد الرئاسة في مصر! وما دمنا في ظل هذه الفرضية، فلا يمكن توقع من يأتي خلاف الابن. أما إذا كان هناك اختراق لهذه النخبة، فلا يمكن تصور ذلك إلا من خلال ثورة أو انقلاب، لكي نأتي بالرئيس القادم بالبراشوت لنجلسه على عرش مصر!! وهذا أمر مستبعد الحدوث في ظل المعطيات الحالية. كما أن تكاليفه باهظة، وسوف تتحمل أعبائه جميع قطاعات الشعب!!

إن أمر تداول السلطة في البلاد الديمقراطية يتم من خلال الأحزاب القائمة. وما دمنا نعترف بعدم وجود أحزاب حقيقية فاعلة ومؤثرة في الشارع المصري، فلا يمكن توقع حدوث تغيير حقيقي! إننا إذا أردنا حدوث تغيير حقيقي، فلابد من تقوية النظام الحزبي القائم. وهذا أمر لن يحدث بين يوم وليلة. فإلى حدوث هذا الأمر، يصبح الاحتمال الأقرب للتصور هو توريث الحكم في مصر!

ثالث هذه الحقائق: مع ضمان ولاء جميع من يشغلون مناصب عليا وحساسة في مؤسسات الدولة المختلفة، وأملهم في استمرارهم في الحصول على المكاسب التي وصلوا إليها، ومع ضمان حياد الأجهزة الأمنية كالجيش والشرطة وما إليها، يصبح سيناريو التوريث أقرب للتحقيق. فلا يتصور للنخب المسيطرة على مقاليد الأمور في البلاد أن تسعى لحدوث تغيير لا تعرف نتيجته على وجه اليقين!! وما دام أمر التوريث يضمن بقاء هذه النخب في أماكنها وتمتعها بنفس المزايا التي تتمتع بها في الوقت الراهن، يصبح احتمال التوريث أيضا هو السيناريو الأقرب للحدوث!!

وفي النهاية لابد للجميع من إدراك أننا نسير وفق سنن ربانية لا تتخلف أبدا. لقد قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿ ِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [ الرعد: 11 ]. فلابد من تغيير ما بداخلنا حتى يتغير ما حولنا. أما التباكي على الأوضاع من حولنا، دون القيام بتحركات إيجابية من أجل إتمام هذا التغيير، فلن يؤدي لتغيير الواقع الذي نعيشه، ولو امتد هذا التباكي ألف عام!!

ويدعم هذا الرأي ما ينتشر بيننا من مقولات شائعة، مثل: " ومن أعمالكم سلط عليكم "، أو " كما تدين تدان ". ومن الآثار الضعيفة أيضا: " كيفما تكونوا يولى عليكم ". فلنبدأ بالخطوات الأولى من أجل التغيير، ثم ننتظر المدد من الله بإتمام هذا التغيير المنشود.

14 من المحرم عام 1428 ( الموافق في تقويم النصارى 2 من فبراير عام 2007 ).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد حسن يوسف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • مقالات اقتصادية
  • كيف تترجم
  • دورة في الترجمة
  • قرأت لك
  • لطائف الكتاب العزيز
  • الصفحة الرئيسية