صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الجوع يخرج محمداً صلى الله عليه وسلم من بيته

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


" خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ساعةٍ لا يخرج فيها , ولا يلقاه فيها أحد ، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فقال : " ما جاء بك يا أبا بكر ؟" فقال : خرجتُ ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنظر في وجهه والتسليم عليه ، فلم يلبث أن جاء عمر فقال : " ما جاء بك يا عمر ؟ " قال : الجوعُ يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا قد وجدتُ بعض ذلك "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري " وكان رجلاً كثير النخل والشاء ، ولم يكن له خدم فلم يجدوه ، فقالوا لامرأته : أين صَاحِبُك ؟ فقالت : انطلق يستعذب لنا الماء ، فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربةٍ يزْعَبُها فوضعها ثم جاء يلتزمُ النبي صلى الله عليه وسلم ويفديِّه بأبيه وأمه ، ثم انطلق بهم إلى حديقته فَبَسَطَ لهم بِساطاً ، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بِقنوٍ فوضعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفلا تنقيت لنا من رُطَبَه " فقال : يا رسول الله . إني أردت أن تختاروا أو قال : تخيّروا من رُطَبه وبُسَرهِ ، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد ، ورَطَبٌ طيب ، وماء بارد " فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاماً فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تذبحن ذات در " قال : فذبح لهم عناقاً أو جَدْياً فأتاهم بها فأكلوا ... الحديث " رواه الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه .
حديث شريف ، وقصة عظيمة ، أقف وإياكم معها خَمَس وقفات ، وأصحاب الألباب ، وأولى النهى هم الذين تستوقفهم المشاهد ، وتستهويهم العبر والعظات ، ولا يخرجون من خلال نظراتهم الثاقبة ، وتفكيرهم العميق ، إلا بفوائد جمة ، وثمرات يانعة " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار "

الوقفة الأولى :-

لم يخرجْ محمد صلى الله عليه وسلم وهو أشرف من وطئت قدماه الثرى إلا الجوع وفي هذا دليل على حجم معاناته صلى الله عليه وسلم في طريق الدعوة إلى الله تعالى ، وهذا ابتلاءٌ آخر من مجموعة الابتلاءات التي واجهته في ذلك الطريق وهو قلة ما في اليد حتى أن وصل به الحال إلى أن تدور الثلاثة الأشهر ولم يوقد في بيته نار ، وهو الذي لو أراد أن تسير الجبال له ذهباً وفضة لكان له ذلك .

الوقفة الثانية :-

في الحديث يبين محمد صلى الله عليه وسلم في قلوب تابعيه حب التواضع ، ويعلمهم مكانة الرفق واللين ، فخروجه من بيته عليه الصلاة والسلام في وقت لا يعتاد الخروج فيه ، ويخرج لوحده بعيداً عن أنظار الناس ، لم يقلق أحداً ، ولم يتسبب في إزعاج أحداً في الوقت لو أراد أن تخرج المدينة كلها معه لكان له ذلك .

الوقفة الثالثة :-

تتجلى في هذه القصة مكانة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهما أفضل الخلق بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وفي هذا دليل على مكانتهما وعلو شأنهما ومنزلتهما ، فكانا القريبين اللصيقين بحبيبهما و حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يكن يدخل إلا و أبو بكر وعمر معه ، ولم يكن يسافر إلا و أبو بكر وعمر معه ، رضي الله عنهما وأرضاهما .

الوقفة الرابعة :-

يتضح أيضاً فضيلة الصحابي الجليل أبو الهيثم بن التيهان إذ كان هو المختار من بين صحابة محمد صلى الله عليه وسلم في أن يكون المضياف له ولصاحبيه ، فها هو يظهر فرحه بذلك بأن يلتزم بحبيبه عليه الصلاة والسلام ويفدِّيه بأبيه وأمه بل ورد عنه قوله لإمرته " ليس على وجه الأرض هذا اليوم أكرم مني "

الوقفة الخامسة :-

تلاحظون رؤية محمد صلى الله عليه وسلم للدنيا و أنها متاع في قوله :" ظل بارد ، ورَطَبُ طيب ، وماء بارد " ومع هذا فهاهو عليه الصلاة والسلام يربطنا بالآخرة ، بدار السؤال و يقول " هذا والذي نفسي بيده النعيم الذي ستسألون عنه يوم القيامة " هذا كلامه صلى الله عليه وسلم وهو لم يُقِّدم له سوى رُطب وماء فماذا نقول نحن ونحن نعيش بين جُدُر مكينة وتحت أسقف ظليلة , ويأتينا رزقنا رغداً من كل مكان , لذا كان حريٌّ بالمؤمن أن يربط حياته وتعاملاته مع نفسه ومع الآخرين بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم ففيها النجاة من النار ، وفيها الفوائد لا تحصى ولا تعد . جمعنا الله به في الفردوس الأعلى إنه علي كل شيء قدير .


كتبه / حسين بن سعيد الحسنية


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية