صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







" أليس الله بكاف عبده "

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد .
إننا نعيش في الزمن الصعب , زمن تحتدم فيه الفتن والمحن , وتتبارى فيه الشهوات والشبهات , كل بليّة أعظم من أختها , وكل مصيبة تتنافس مع ضرتها , فاحتار الكثير من الناس بعد ثبات , وانتكس الكثير من أصحاب المبادئ بعد استقامة , وارتعدت فرائص قوم كنا نعدّهم أصحاب بأس وشأن وحضور .

زمن خارت فيه الهمم , ودنت فيه العزائم , وتقهقرت فيه النفوس المتوثّبة إلى الوراء , فأضحى الفرد منا – إلا من رحم الله – أسيراً لهواه أو تابعاً لشيطانه أو غارقاً في ملهيات الدنيا ومشغلاتها , وغدت بعض الأسر في مجتمعنا تتعامل بالقسوة والتهميش , والتمرد والعقوق , فكثر الطلاق , وتفكّكت الأسر , وهدّمت البيوت من الداخل , وأضحى المجتمع المسلم أيضاً يئنّ من ويلات الاحتلال ومن آلام التنازع والفرقة ومن تبعات تسلّط الأعداء على اختلاف مشاربهم وتنوّع توجهاتهم .

ودعوني أقف معكم في هذه الجزئية المهمّة وهي أعظم ما في الأمر وأثقل ما على النفس الكريمة الأبيّة , ألا وهي تسلّط الأعداء على دين الله وعلى كتابه العزيز وعلى سنة نبيه عليه الصلاة والسلام وعلى عباده المؤمنين , وتأمل معي هذا التسلّط البغيض والاعتداء الجسيم من نواحي عدّة ومن أعداء مختلفون وعلى جبهات متعددة .

مرتزقة يعبثون بالمسجد الأقصى من عشرات السنين تسوقهم إلى ذلك يهودية كافرة , وتدفعهم إليه صليبية مارقة , ومن بعض أذنابهم من الخونة العرب والذين يمررون لهم أهدافهم , ويبررون للعالم تجاوزاتهم .

وروافض أنجاس يطعنون في عرض نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ليل نهار , ويسعون في الأرض فساداً بنشر عقيدتهم الباطلة ومنهجهم الفاسد , حتى اغترّ بهم الكثير وانخدع من طقوسهم وصيحاتهم السذج من الناس .

وليبراليون خدعوا الناس بأسمائهم وأجسامهم , وأثّروا عليهم بأقلامهم ومقالاتهم , فظنهم الناس أوفياء وهو غششه , يدسّون سمّ رغباتهم الشهوانية ومطامعهم الشيطانية في عسل ما يدّعونه زوراً وبهتاناً بالحرية والمساواة والديمقراطية وغيرها من الألفاظ البرّاقة والجمل الأخّاذة .

وخوارج خرجوا عن جادة الحق بزعمهم أن ذلك من الحق ونكسوا على من كانوا لهم الرحم والأهل , وكفّروا كل مؤمن يحمل عقيدة الإسلام في قلبه , وغرّروا بشباب الأمة حتى جعلوهم جنوداً للشيطان وأعوانه .

وتجّار مخدرات ومروجين لها أسهموا في هدم عقول الشباب وضياع أعمارهم ونسف مقدراتهم وطاقاتهم وتدمير مجتمعات كاملة بهذا السم الزعاف , وذلك بترويج تلك الأنواع والأحجام المختلفة من المخدرات إلى المجتمعات المسلمة المحافظة لتكون مجتمعات موبؤة وساقطة ومنهارة .

وبعض الإعلاميين المفسدين الذين لا يهمّهم في المقام الأول إلا نشر الرذيلة وتسويق الفاحشة من خلال منابرهم المختلفة وميادينهم المتعددة , ولعلك تلحظ ما تدعو إليه الكثير من القنوات الفضائية ومواقع الانترنت وحسابات التواصل الاجتماعي لتدرك أنها تحركات مناوئة لأعداء متربصين ينوون الشر والفساد لكل مسلم .

إننا ونحن نتحدث عن الزمن الصعب وعن أهم الأسباب التي جعلته مليئاً بالفتن والشهوات وهو تسلّط الأعداء ورغبتهم الجامحة في تدمير هذا الدين في قلوب أهله إضافة إلى خيانة بعض من أغرته راية الغرب ودعوى الانفتاح وإلى تخبط الكثيرين من أمة الإسلام الذين شعروا مع تحركات أعداءهم بشيء من الخوف والهلع , وتعلّق بعضهم بدنياهم الزائلة وانكبابهم على لذاتها ومتعها وسعيهم خلف حظوظهم فيها , إضافة إلى انشغال القدوات بأنفسهم وشؤونهم الخاصة عن تثبيت الناس على دينهم وبثّ الطمأنينة في قلوبهم , أقول ونحن نتحدث عن ذلك كلّه حريٌّ بنا أن نعود إلى الله عز وجل فهو المعين والناصر وهو القوي والقاهر وهو العلي والظاهر .

نعم .. فإن من أهم الأدوار التي يقوم بها أهل الكفر والنفاق هو بثّ الخوف في قلوب عباد الله المؤمنين , تارة بالأسلحة والجيوش وتارة بالإعلام والتقنية وتارة بالجنس والمخدرات وتارة بالخيانة والغدر والله سبحانه وتعالى يقول " أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ" الزمر 36-37 .

لقد أعزّنا الله بالإسلام ومتى ما تمسّكنا به حق التمسك كنّا أعزاء به على غيرنا , قال تعالى : " ... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ " المنافقون 8 .

وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس متى ما بذلنا كل ما نستطيع في إصلاح الناس والسعي إلى هدايتهم وربطهم بخالقهم جل وعلا قال تعالى : " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " آل عمران 110 .

وأمرنا سبحانه وتعالى بأن لا نستسلم للهوان أو نكون أسرى للخوف والأحزان لكي نكون في أسمى مقام وأعلى مكان ما دمنا على الحق والإيمان قال تعالى : " وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " آل عمران 139 .

إنَّ من خاف من ربه حقّ الخوف , وتوكّل عليه حقّ التوكّل , وركن إلى عزّته وقوّته فلن يُضام لأنه استند على خير الجناب ولجّأ إلى العزيز الوهّاب , ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى , ومن توكل على الله ترفّع عن خوفه من المخلوقين .

" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ .. " الزمر 36 .
آية عظيمة تبعث قي النفس الأمن والاستقرار والطمأنينة , فمن كان الله مانعه وكافيه لن يخاف من غيره , ومن كان الله معينه وناصره فلن يأبه بقوة أحد من خلقه , فقط ما على المؤمن إلا أن يحقق العبودية لربه وأن يستقيم على أمره وأن يبتعد عن أسباب غضبه وسيكفيه حينها كل شر يخافه وكل بلاء يحذره , وكل عبودية يحققها العبد لربه يقابلها حماية منه تعالى له , فكلما أوجس المؤمن خيفةً في قلبه فعليه أن يبدّدها بعبادة لربه .

" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ .. " الزمر 36 .
بلى .. وإن اجتمعت جيوش الكفر , وتعاونت قوى الباطل , وأحاط بنا الأعداء من كل مكان , فالله معنا وهو كافينا وحامينا , " قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " التوبة 51 " ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك "

" أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ .. " الزمر 36 .
بلى .. فقد أنقذ يونس عليه السلام من ظلمات ثلاث , وعافى أيوب عليه السلام من الضر , وأنجى إبراهيم عليه السلام من النار , وسلّم موسى عليه السلام من فرعون وقومه , وعصم يوسف عليه السلام من فعل الخطيئة , وحفظ محمد عليه السلام وصاحبه من أعين المتربصين " ... إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ... الآية " التوبة 40 .

إن من أهم أسباب حماية الله لك أن تكون حافظاً لحدوده وحقوقه , وأوامره ونواهيه , وأن تكون حافظاً لجوارحك من التعدي في الحرام او التمادي في الباطل , وأن تكون محافظاً على فعل الطاعات وبذل المعروف والإحسان إلى الآخرين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله , ومتى ما كنت محافظاً لذلك كله حفظك الله من كل سوء وشر ومكيدة قال تعالى " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ.. الآية " الرعد 11 , وقال عليه الصلاة والسلام " احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك " .

ومن أسباب حفظ الله للمجتمع المسلم من كيد الأعداء هو حينما يكون مجتمعاً يسير أفراده على المنهج الذي بيّنه الله جلا وعلا في كتابه العظيم ورسمه محمد عليه الصلاة والسلام في سنته الشريفة , وأي تنكّب أو انحراف عن هذا الطريق الحق فسيكون ذلك المجتمع عرضه لتعدّي المعتدين وإجرام المجرمين . عافانا الله وإياكم وجميع المسلمين .

والله أعلم , وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 

حسين بن سعيد الحسنية
03/03/1438هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية