صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الوضوء ,, صفته وآثاره

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


فإن من ينتمي لدين الإسلام يعيش في مواطن عزيزة، ويلتحف برداءات شريفة، ويسمو بأمارات عظيمة، تثبت أن العزة لأهل الإيمان في الدنيا والآخرة .
وإن من ذاك الشرف وتلك العزّة نقاءه وطهارته، فالمؤمن طاهر، طاهرٌ من الشرك والنفاق، وطاهرٌ من البدعة والضلال، وطاهرٌ قلبه من الحقد والحسد، وطاهرٌ عمله من الرياء والسمعة، وطاهرةٌ جوارحه من المعاصي والآثام.
المؤمن طاهرٌ بإيمانه بربه جل وعلا، ولجوؤه إليه، وتوكله عليه, وطاهرٌ بمادراته للعمل الصالح، وسباقه للخيرات, وطاهرٌ بأخلاقه الراقية التي يحملها، وبتعاملاته السامية التي يتعامل بها.
وإضافة إلى ما تقدم، فقد أكرم الله المؤمن أن أعدّ له كل مطهّر في الجنة, قال تعالى: " قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" آل عمران: 15 .
وجعل الله بيوته التي يرتادها المؤمن طاهرة، بل أمر أن تكون كذلك، وأن يساهم الجميع في إبقائها طاهرة, قال تعالى: " وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ " البقرة: 125 .
وطهّر الله كتابه الذي هو المنهج لكل مؤمن, قال تعالى: " صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ" عبس: 13-14, وقال عز من قائل: " رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً " البينة: 2, ومن هنا فلا يمسه إلا طاهر, قال تعالى " إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ " الواقعة: 77-80.
والله يحب كل مؤمن متطهر، ومن هنا تتجلى لنا أهمية أن يكون المؤمن طاهراً متطهراً, قال تعالى: " لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " التوبة: 108, وقال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " البقرة: 222.
والمؤمن ولي الله، لذا أعزّه الله وطهّره، أما أعداء الله تعالى فقد تنجسوا بالكفر والعناد والتجبر والاستكبار، فهم أولى بكل نجاسة, قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " التوبة: 28 , وقال جل وعلا: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " المائدة: 41.
والكافر النجس لا يحب أهل الإيمان والطهارة، بل يتواصى مع إخوانه الكفار أن يطردوا أهل الإيمان، وأن يبعدوهم عن منتديات الكفر ومجالس الشيطان, قال تعالى في حقّ قوم لوط: " وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ " الأعراف: 82 , أي: أخرجوا أهل الإيمان والطهارة – لماذا؟ - : لأنهم يتطهرون.
ولقد أمر الله نبيه ﷺ في أول خطواته في الدعوة إلى الله تعالى أن يطهّر ثيابه فقال: " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ " المدثر 1-4, قال أهل العلم: والطهارة هنا تشمل الطهارة المعنوية، وهي ما ذكر سابقاً، والطهارة الحسيّة، وهي طهارة البدن والثياب والمكان.
وإن من أعظم أنواع الطهارة وأهمّها في شرع الله:" الوضوء " ,, تلك العبادة العظيمة، والشعيرة الجليلة، التي تتقدم كل صلاة لله تعالى؛ إذ لا صلاة لمن لا وضوء له , ومن عِظَمِ قدر شعيرة الوضوء فإن لها آثاراً عظيمة جدير بالمؤمن أن يقف عندها ويتأملها لتكون له دافعا للإتيان بها على الوجه الذي يرضي الله عنه .

ومن آثار الوضوء :

أولا ً: أن إسباغ الوضوء سبب في محو الخطايا، ورفع الدرجات , قال ﷺ: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة» رواه مسلم , وقال ﷺ: «إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت خطاياه من فيه، فإذا استنثر خرجت خطاياه من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظافر يديه، فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظافر رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة " رواه الحاكم وابن ماجه .

ثانياً : أنه علامة للمؤمن يوم القيامة، وأمارة له في يوم الوقوف بين يدي الله رب العالمين, قال الصحابة للرسول ﷺ: كيف تعرف من لم يأت بعدُ من أمتك يا رسول الله؟ قال: " أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غُرٌّ محجّلة بين ظهري خيلٍ دُهمٍ بُهم، ألا يعرف خيله؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " فإنهم يأتون غرّاً محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض " رواه مسلم , وقال ﷺ: " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " رواه مسلم.

ثالثاً : أن صاحب الوضوء تفتح له أبواب الجنة متى ما أخلص به وجه الله، وأتقن صفته، وقال بعده كلمة التوحيد, قال ﷺ: " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيِّها شاء " رواه الترمذي .

رابعاً : أن الملائكة تستغفر للمؤمن الذي ينام متوضئاً، وهذا والله فضل عظيم، أن يسخّر الله من ملائكته عند رأسك من يستغفر لك، ويدعو الله أن يتوب عليك، وأنت نائم على فراشك, قال ﷺ: " طهِّروا هذه الأجساد طهّركم الله؛ فإنه ليس عبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه ملك في شعاره، لا ينقلب ساعةً من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فلان، فإنه بات طاهراً " رواه الطبراني .

وأما صفة الوضوء
فقد بيّن عثمان بن عفان رضي الله عنه صفة الوضوء، التي تعلمها من معلمه محمد بن عبد الله ﷺ؛ حيث دعا رضي الله عنه بوضوء ثم توضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال ﷺ : " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه غُفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه .
وإن مما يجب التنبيه عليه أن يحذر المؤمن من عدم إسباغه الوضوء، تهاوناً في شأنه، أو جهلاً بصفته، ولما في عدم إسباغ الوضوء من الوعيد الشديد، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال " تخلّف عنّا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أَرجلنا ، فنادى بِأَعلى صوته : " ويل للأعقاب من النار " مرّتين أَو ثلاثا , متفق عليه .
كما يجب الحذر من الإسراف في الماء أثناء الوضوء , فقد كان حبيبكم ﷺ - كما ذكر ذلك ابن القيم – من أيسر الناس صباً لماء الوضوء، وكان يحذر أمته من الإسراف فيه، وأخبر أنه يكون في أمته من يتعدى في الطهور, " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " الأعراف: 31 .
 

كتبه
حسين بن سعيد الحسنية

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية