صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ )

حسين بن سعيد الحسنية
@hos3030


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وجعل في سطوره الحق والتسديد والصواب، وتكفل بحفظه عن النقص والزيادة والتخليط إلى يوم الحساب، نحمده ما قرأ قارئٌ للقرآن ورتل، وما ازدان مؤمن بالإيمان وتجمّل.
لك الحمد يا ذا الكبرياء ومن يكن بحمدك ذا شكر فقد أحرز الشكرا
لك الحمد حمداً سرمدياً مباركاً يقل مداد البحر عن كنهه حصرا
وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة نسير بها على يقين، وندخرها إلى يوم الدين، واشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الصادق الأمين، والإمام الرصين، أصدق من تمسّك بحبل الله المتين، صلى الله عليه وعلى الأربعة البررة وبقيّة العشرة وعلى أصحاب الشجرة وعلى من هاجر معه ونصره ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فاتوا الله عباد الله فقد أوضح لكم سبيل الحق وأنار لكم طريق الهدى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .
معاشر المؤمنين:
إنّنا نعيش في الزمن الصعب، زمن تحتدم فيه الفتن والمحن، وتتبارى فيه الشهوات والشبهات، كل بليّة أعظم من أختها، وكل مصيبة تتنافس مع ضرّتها، فاحتار الكثير من الناس بعد ثبات، وانتكس الكثير من أصحاب المبادئ عقب استقامته، وارتعدت فرائص قوم كناّ نعدهم أصحاب شأن وحضور.
زمن خارت فيه الهمم، ودنت فيه العزائم، وتقهررت فيه النفوس المتوثّبة إلى الوراء، فغدى الفرد منّا – إلا من رحم الله – أسيراً لهواه, أو تابعاً لشيطانه، أو غارقاً في ملهيات الدنيا ومشغلاتها، وغدت بعض الأسر في مجتمعنا تتعامل بالقسوة والتهميش، وبالتمرد والعقوق، فكثر الطلاق، وتفكّكت الأسر، وهدّمت البيوت من الداخل، وأضحى المجتمع المسلم أيضاً يئن من ويلات الاحتلال ومن الآم التنازع والفرقة ومن تبعات تسلّط الأعداء على اختلاف مشاربهم وتنوع توجهاتهم.
ودعوني أقف معكم في هذه الجزئية المهمّة وهي أعظم ما في الأمر وأثقل ما على النفس الكريمة الأبيّة إلا وهي تسلّط الأعداء على دين الله وعلى كتابه وعلى سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى عباده المؤمنين، وتأمّل معي هذا التسلّط البغيض والاعتداء الجسيم من نواحي عدة ومن أعداء مختلفون وعلى جبهات متعددة.
يهود يعبثون بالمسجد الأقصى من عشرات السنين تسوقهم إلى ذلك صهيونية كافرة وتدفعهم إليه صليبية مارقة، ومن بعض أدواتهم أذناب لهم من بعض الخونة العرب يمررون لهم أهدافهم، ويبررون للعالم تجاوزاتهم.
وروافض أنجاس يطعنون في عرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ليل نهار، ويسعون في الأرض فساداً بنشر عقيدتهم الباطلة ومنهجهم الفاسد، حتى اغترّ بهم الكثير وانخدع من طقوسهم وصيحاتهم السذّج من الناس.
وليبراليون خدعوا الناس بأسمائهم وأجسامهم وأثروا عليهم بأقلامهم ومقالاتهم، فظنهم الناس أوفياء وهم غششة، يدسون سم رغباتهم الشهوانية، ومطامعهم الشيطانية في عسل يدّعونه زوراً وبهتاناَ بالحرية والمساواة والديمقراطية وغيرها من الألفاظ البرّاقة والجمل الأخّاذة.
وخوارج خرجوا عن جادة الحق بزعمهم أن ذلك من الحق، ونكسوا على من كانوا لهم الرحم والأهل، وكفّروا كل مؤمن يحمل عقيدة الإسلام في قلبه، وغرروا بشباب الأمة حتى جعلوهم جنوداً للشيطان وأعوانه.
وتجّار مخدرات أسهموا في هدم عقول الشباب وضياع أعمارهم ونسف مقدراتهم وطاقاتهم وتدمير مجتمعات كاملة بهذا السمّ الزعاف، وذلك بترويج تلك الأنواع والأحجام المختلفة من المخدرات إلى المجتمعات المسلمة المحافظة لتكون مجتمعات موبؤة وساقطة ومنهارة.
وإعلاميون يهمّهم في المقام الأول نشر الرذيلة، وتسويق الفاحشة من خلال منابرهم المختلفة وميادينهم المتعددة، ولعلك تلاحظ ما تدعوا إليه الكثير من القنوات الفضائية ومواقع الانترنت وحسابات التواصل الاجتماعي لتدرك أنها تحركات مناوئة لأعداء متربصين ينوون الشر والفساد لكل مسلم.
عباد الله:
إنّنا نتحدث عن الزمن الصعب وعن أهم الأسباب التي جعلته مليئًا بالفتن والشهوات، وهو تسلّط الأعداء ورغبتهم الجامحة في تدمير هذا الدين في قلوب أهله إضافة إلى خيانة بعض من أغرته راية الغرب ودعوى الانفتاح، وإلى تخبّط الكثير من أمة الإسلام الذين شعروا مع تحركات أعداهم بشيء من الخوف والهلع، وتعلّق بعضهم بدنياهم الزائلة وانكبابهم على لذاتها ومتعها وسعيهم خلف حظوظهم فيها، إضافة إلى انشغال القدوات بأنفسهم وشؤونهم الخاصة عن تثبيت الناس على دينهم وبث الطمأنينة في قلوبهم، أقول ونحن ونتحدث عن ذلك كلّه لحريّ بنا أن نعود إلى الله جل وعلا فهو المعين الناصر، وهو القوي القاهر وهو العلي الظاهر.
نعم..عباد الله:
إنّ من أهمّ الأدوار التي يقوم بها أهل الكفر والنفاق هو بثّ الخوف في قلوب عباد الله المؤمنين، فتارة بالأسلحة والجيوش، وتارة بالإعلام والتقنية، وتارة بالجنس والمخدرات، وتارة بالخيانة والغدر، والله سبحانه وتعالى يقول: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ )
لقد أعزنا الله بالإسلام ومتى ما تمسّكنا به حق التمسك كنّا أعزاء به على غيرنا، قال تعالى: ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس متى ما بذلنا كل ما نستطيع في إصلاح الناس والسعي إلى هدايتهم وربطهم بخالقهم جل وعلا قال تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ )
وأمرنا سبحانه وتعالى بان لا نستسلم للهوان أو نكون أسرى للخوف والأحزان لكي نكون في أسمى مقام، وأعلى مكان مادمنا على الإيمان قال تعالى: ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) .
عباد الله:
من خاف من ربه حق الخوف، وتوكل عليه حق التوكل، وركن إلى عزّته ومنعته وقوته فلن يُضام لأنه استند إلى خير الجناب ولجأ إلى باب العزيز الوهاب، ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى، ومن يتوكل على الله ترفّع عن خوفه من المخلوقين.
( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ )
أية عظيمة تبعث في النفس الأمن والاستقرار الطمأنينة، فمن كان الله مانعه وكافيه لن يخاف من غيره، ومن كان الله معينه وناصره فلن يأبه بقوة أحد من خلقه، فقط ما على المؤمن إلا أن يحقّق العبودية لربه وأن يستقيم على أمره، وأن يبتعد عن أسباب غضبه، وسيكفيه حينها كل شر يخافه وكل بلاء يحذره، ولتعلم – يا عبد الله – أن كل عبودية منك لربك يقابلها حماية منه لك، فكلما أوجست خيفة بدّدها بعبادة.
( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ )
بلى.. وإن اجتمعت جيوش الكفر، وتعاونت قوى الباطل، وأحاط بنا الأعداء من كل مكان، فالله معنا وهو كافينا وحامينا، ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ، ( وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) .
( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ )
بلى.. فقد أنقذ يونس من ظلمات ثلاث، وعافى أيوب من الضر، وحمى إبراهيم من النار، وسلّم موسى من فرعون وقومه، وعصم يوسف من فعل الخطيئة، وحفظ محمد وصاحبه من أعين المتربصين: ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ ) .
يا عبد الله:
إن من أسباب حماية الله لك أن تكون حافظاً لحدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، وأن تكون حافظاً لجوارحك من التعدّي في الحرام أو التمادي في الباطل، وأن تكون محافظاً على فعل الطاعات وإيتاء الصالحات وبذل المعروف والإحسان إلى الآخرين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ومتى ما كنت محافظاً لذلك كله حفظك الله من كل سؤ وشر ومكيدة قال تعالى: ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ ) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ) .
ولنعلم جميعاً أيضاً أن من أسباب حفظ الله للمجتمع المسلم من كيد الأعداء هو حينما يكون مجتمعاً يسير أفراده على المنهج الذي بيّنه الله جل وعلا في كتابه العظيم ورسمه محمد صلى الله عليه وسلم في سنّته الشريفة، وأيّ تنكّب أو انحراف من هذا الطريق الحق، فسيكون ذلك المجتمع عرضه لتعدّي المعتدين، وإجرام المجرمين، عافانا الله وجميع المسلمين.
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، وبعد:
تأمل معي يا عبد الله:
كم من نعم تترا علينا من ربنا جل وعلا، فقد يسّر لنا السبل, وفكّ عنا الضيق، وألان لنا الصعب, وذلّل لنا المسير، وعافانا من الأمراض، وهدانا من الضلال, وأعطانا من المال، وقضى عنّا الدين، وقرّب لنا البين، وحفظنا من أعداءنا، وسلّمنا من خصومنا.
ولو لم يكن لنا من ذلك كلّه إلا أن اصطفانا من كافة خلقه لئن نكون من عباده المؤمنين، فسبحانه ما أكرمه, وسبحانه ما أعظمه، وسبحانه ما أحلمه، لا إله إلا هو الحفيظ العليم، البر الرحيم: ( يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ ) .
اللهم يا خير حافظ أحفظ علينا ديننا وعقيدتنا وبلادنا وأمننا وأهلينا وأبناءنا إنك أنت الحفيظ العليم.
اللهم أحفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، وأمنن علينا بستر، وتكرم علينا بحلمك، وأدم علينا نعمك إنك أنت البر الرحيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمي حوزة الدين، وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، اللهم أصلح حال إخواننا أهل السنة والجماعة في كل مكان وحين.
اللهم أحفظ جنودنا على حدودنا وانصرهم على عدوك وعدوهم وعدونا، وأيدهم بتأييدك، وكن لهم معيناً وظهيراً يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين،،.


حسين بن سعيد الحسنية
h_alhasaneih@
02/01/1436هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية