اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/huseen/50.htm?print_it=1

ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة

حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih


بسم الله الرحمن الرحيم


كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه بالموعظة والزيارة والدعوة والتحفيز، وكان ينمّي فيهم حب العطاء والعناية بالنفس والإحسان إلى الآخرين، وفي ذات صباح دخل عليه الصلاة والسلام على نفر منهم فقال: (مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟)، قال أبو بكر: أنا، قال: (فمَن تَبِعَ منكم اليوم جنازة؟)، قال أبو بكر: أنا، قال: (فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟)، قال أبو بكر: أنا، قال: (فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟)، قال أبو بكر: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخل الجنَّة) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
لقد كان صباحاً مختلفاً وزيارة تحمل من العبر الكثير، وأسئلة أربعة من المربي الصادق عليه الصلاة والسلام، يتعاهد بها أصحابه، ويتفقد من خلالها أحوال تلاميذه، ويعطي للأمة جمعاً دروسه في المسابقة إلى فعل الطاعات، وإلي الهمة العالية والبذل والعطاء.
يسأل عليه الصلاة والسلام أصحابه عن مجموعة من العبادات والطاعات التي يقوم بها العبد في اليوم والليلة، وهذا يعني أن العبد متى ما صدق مع الله وأخلص العمل له، وكانت له همة عالية ونفس تواقة إلى الجنة فإنه باستطاعته أن يعمل من الطاعات والعبادات في يومه وليلته الشيء الكبير والمستمر والمتعود أيضاً، فللعبد أن يصوم ويصلي ويقرأ القرآن ويحافظ على الأذكار ويتصدق ويزور ويصل رحمه ويزور مريضاً ويتبع جنازة،...الخ في اليوم الواحد، وهناك من الأعمال اليسيرة أيضاً التي تعود على صاحبها بالأجر العظيم من عند الله تعالى يستطيع أن يعملها في يومه وليلته، ومن وفّقه الله لذلك استطاع أن ينمّي الهمة العالية في صدره، وأن يحافظ على وقته، وأن يقرب من ربه، وأن يكون له أثراً حسناً باقياً له في حياته وبعد موته.
وفي القصة أيضاً بزوغاً واضحاً لأبي بكر رضي الله عنه وكيف لا؟ وهو الصاحب الصادق، والعالم العامل، وصاحب اليد الطولي، والقدح المعلى في الإسلام، ففضائله ومناقبه أكبر وأعظم من أن يجمعها كتاب أو يحتويها جواب، هنا.. يعلمنا أبو بكر رضي الله عنه فضل المسابقة إلى الله والمسارعة إلى فعل الطاعات, فها هو يجيب على أسئلة معلمه وقدوته وصاحبه محمد عليه الصلاة والسلام الأربعة، فيصبح صائماً في ذلك اليوم ويعطي مسكيناً ويتبع جنازة ويعود مريضاً، وهذا يدل على المؤمن الايجابي مع إخوانه، والعضو المؤثر في مجتمعه، وصاحب البذل والعطاء للآخرين، وكم هي حاجة المجتمع المسلم لقدوات يعملون لأنفسهم ثم لغيرهم، ويقدمون للأمة التضحيات بأوقاتهم وبأفكارهم وأقلامهم ومقالاتهم.
في القصة أيضاً تنوّع اهتمام أبو بكر رضي الله عنه فتجده يعتني بنفسه التي بين جنبيه وهو يزكيها بالصيام، ويدربها على الصبر، ويترفع بها عن ملذات الدنيا وأهوائها، ويعتني بإخوانه أصحاب الحاجات فيعطي المسكين مالاً أو عطاءً معيناً فيغتني به ويسد به جوعه أو يقضي به حاجته، ويزور المريض ليشعره بالمؤانسة وينسيه بزيارته من هموم آلامه ومرضه، ويعتني أيضاً – رضي الله عنه – بالأموات كعنايته بالأحياء فها هو يتبع جنازة أخ له إلى قبره ويدعو له ويصلي عليه ويواريه التراب لعل ذلك السير ينفع ذلك الميت في قبره.
إنّ ما جعل أبو بكر رضي الله عنه يبادر إلى فعل الطاعات بعد توفيق الله تعالى له هو الهمّة العالية التي تسكن في صدره، فهو يعلم يقيناً بقوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ) النجم 39, فهو يسعى في دنياه لآخرته، ويقدم في حياته الفانية ليلقاه في الحياة الباقية، فلله دره رضي الله عنه.
ويختم عليه الصلاة والسلام تلك الأسئلة بعبارة تحفيزية، وجملة مشجعة للأمّة جمعاء: (ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخل الجنَّة)، ليبيّن أن السابق إلى عمل الصالحات ليس له إلا أن يسكن الجنات، جعلني الله وإياكم من أهلها.
وقد قيل:

فلا تحسبوا أن المعالي رخيصة ولا أن إدراك العـلا هين سهلُ
فما كل من يسعى إلى المجد ناله ولا كل من يهوى العلا نفسه تعلو
 

حسين بن سعيد الحسنية
h_alhasaneih@

 

حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية