صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ألا تدعو لنا ؟

أبوأنس-حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih


بسم الله الرحمن الرحيم


كان محمد عليه الصلاة والسلام متوسّداً بردة له في ظِل الكعبة، في وقت هو عليه عصيب أليم، فبين جنبيه همّ دعوة الناس إلى دين الله، وهو في نفس الوقت يُعاني من كيد الأعداء الأقارب، وفي نفس الوقت أيضاً يتألم مما هو حاصل على أصحابه الأُول - رضي الله عنهم أجمعين - من العذاب والنكال، من قريش وحلفائها.

لقد كانت السنوات الأولى من سنوات الاسلام صعبة للغاية، فقد اجتمعت فيها أغلب وسائل النكاية بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأعظم أنواع العذاب بأصحابه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم.

فلقد اتهموه بأقذع التهم، وأقذر الصفات، وهو البريء منها كلها عليه الصلاة والسلام، فاتهموه بالسحر، والجنون، والكذب، وأنه يقول الشعر، وحاصروه وهو وأهل بيته، وبنو عمومته من آل هاشم، في الشعب قرابة الثلاث سنوات، تجرعوا فيها المُرَّ، وأكلوا فيها الجيف، وأُقصوا أقصاءً عنيفاً مؤذياً.

وكان يسير عليه الصلاة والسلام في شوارع وأزقة وأحياء مكة، وهو يرى أصحابه رضي الله تعالى عنهم يُعذبون، ويعظم الألم والبلاء حينما يراهم يُعذبون من أجل الرسالة التي جاء بها إليهم، فعمّار يُجلد، وأمه سميّة تقتل، وبلال يسحب في رمضاء مكة، وخباب يكوى بحديد من نار، وابن مسعود يضرب، وهكذا، وهو عليه الصلاة والسلام يصبّرهم ويسليهم بموعود الله جلا وعلا الحق، وهو الجنّة، فيقول: " صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ".

وبعد أن وجد ما وجد عليه الصلاة والسلام قرر أن يغيّر البيئة والمكان، ويخرج من مكة لعلّه يجد من يستقبله، ويرحب به، ويحمل معه هم تبليغ الاسلام، فذهب إلى الطائف، وبعد أن عَلِمَ أهلها بقدومه، وأحسّ دعاة الشر والفتنة بأنه سيكون له شأن وحضوه، قرروا طرده بأي طريقة، فأرسلوا عليه الصبيان ليرجموه بالحجارة، وكان لهم ذلك فقد طردوه، ورموه بالحجارة، وادموا قدميه، حتى خرج منها متألماً مجروحاً، ومن شدة ما ألمّ به من الحزن والألم هام على وجهه عليه الصلاة والسلام.

تقول عائشة رضي الله عنها له عليه الصلاة والسلام: ( هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال: (لقد لقيت من قومك ، فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم - على وجهي ، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: (فناداني ملك الجبال، فسلم علي ثم قال: "يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئا) متفق عليه.

الشاهد من الحديث ما يدل إلى ما وصل إليه الرسول عليه الصلاة والسلام من الشدة والبلاء، فالذي حصل هو أشد ما حصل له، وكان ذلك سبباً في أن يكون مهموماً على وجهه لم يشعر بنفسه إلا وهو في مكان يسمى قرن الثعلب، وقد عَلِمَ ربه سبحانه وتعالى ما وصل إليه نبيه عليه الصلاة والسلام من الشدة كذلك، فيرسل عليه جبريل، ومعه ملك الجبال لينفذ ما يأمره به، تأديباً للقوم الذين كذبوه وآذوه وعذبوه.

وأعود إلى المشهد الذي كان فيه الرسول عليه الصلاة والسلام متوسداً بردته في ظل الكعبة، فيأتيه بعض أصحابه رضي الله عنهم يشكون له حالهم في مكة وما يلاقونه من عذاب، وسخرية، وطرد، واستهزاء، من قريش وحلفاءها، وكانوا يقولون له: " ألا تستنصر لنا؟ " " ألا تدعو لنا؟ "، فقال عليه الصلاة والسلام: " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون " رواه البخاري.

لا يعني تحقيق معنى التفاؤل في القلوب أن لا ندعو الله جلا وعلا، ونرجوه النصر والتمكين، بل ندعوه ونلح في دعاءه، ونستمر بصدق وإخلاص مع حسن ظن بالله تعالى أنه ناصرنا، ومعزّنا، ورافعنا على القوم الكافرين، مع التفاني في العمل والإنتاج.

انتهى


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين الحسنية
  • مقالات
  • كتب
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية