صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







موعظة جميلة في محاسبة النفس !

جهاد حِلِّسْ
‏@jhelles

 
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الغزالي -رحمه الله-:

اعلم أن مطالب المتعاملين في التجارات المشتركين في البضائع عند المحاسبة سلامة الربح وكما أن التاجر يستعين بشريكه فيسلم إليه المال حتى يتجر ثم يحاسبه فكذلك العقل هو التاجر في طريق الآخرة وإنما مطالبة وربحه تزكية النفس لأن بذلك فلاحها قال الله تعالى قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها وإنما فلاحها بالأعمال الصالحة

والعقل يستعين بالنفس في هذه التجارة إذ يستعملها ويستسخرها فيما يزكيها كما يستعين التاجر بشريكه وغلامه الذي يتجر في ماله وكما أن الشريك يصير خصما منازعا يجاذبه في الربح فيحتاج إلى أن يشارطه أولا ويراقبه ثانيا ويحاسبه ثالثا ويعاقبه أو يعاتبه رابعا

فكذلك العقل يحتاج إلى مشارطة النفس أولا فيوظف عليها الوظائف ويشرط عليها الشروط ويرشدها إلى طريق الفلاح ويحزم عليها الأمر بسلوك تلك الطرق ثم لا يغفل عن مراقبتها لحظة فإنه لو أهملها لم ير منها إلا الخيانة وتضييع رأس المال كالعبد الخائن إذا خلا له الجو وانفرد بالمال

ثم بعد الفراغ ينبغي أن يحاسبها ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها فإن هذه تجارة ربحها الفردوس الأعلى وبلوغ سدرة المنتهى مع الأنبياء والشهداء فتدقيق الحساب في هذا مع النفس أهم كثيرا من تدقيقه في أرباح الدنيا مع أنها محتقرة بالإضافة إلى نعيم العقبى ثم كيفما كانت فمصيرها إلى التصرم والانقضاء ولا خير في خير لا يدوم بل شر لا يدوم خير من خير لا يدوم لأن الشر الذي لا يدوم إذا انقطع بقى الفرح بانقطاعه دائما وقد انقضى الشر والخير الذي لا يدوم يبقى الأسف على انقطاعه دائما وقد انقضى الخير
ولذلك قيل
أشد الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا

فحتم على كل ذى حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها فإن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد فانقباض هذه الأنفاس ضائعة أو مصروفة إلى ما يجلب الهلاك خسران عظيم هائل لا تسمح به نفس عاقل

فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغى أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطه النفس كما أن التاجر عند تسليم البضاعة إلى الشريك العامل يفرغ المجلس لمشارطته
فيقول للنفس ما لي بضاعة إلا العمر ومهما فني فقد فنى رأس المال ووقع اليأس عن التجارة وطلب الربح

وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه وأنسأ في أجلى وأنعم على به ولو توفانى لكنت أتمنى أن يرجعنى إلى الدنيا يوما واحدا حتى أعمل فيه صالحا فاحسبي أنك قد توفيت ثم قد رددت فإياك ثم إياك أن تضيعي هذا اليوم فإن كل نفس من الأنفاس جوهرة لا قيمة لها ..

وهكذا تعرض عليه خزائن أوقاته طول عمره فيقول لنفسه اجتهدى اليوم في أن تعمرى خزانتك ولا تدعيها فارغة عن كنوزك التي هي أسباب ملكك ولا تميلى إلى الكسل والدعه والاستراحة فيفوتك من درجات عليين ما يدركه غيرك وتبقى عندك حسرة لا تفارقك وإن دخلت الجنة فألم الغبن وحسرته لا يطاق وإن كان دون ألم النار

الإحياء (4/395)

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
جهاد حِلِّسْ
  • فوائد من كتاب
  • درر وفوائد
  • الصفحة الرئيسية