صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







صور من ابتلاء العلماء

جهاد حِلِّسْ
‏@jhelles

 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد :
فهذه
مواقف مشرقة من تاريخ امتنا الإسلامية
من كتاب للشيخ وحيد بن عبد السلام بالي
اسمه "صور من ابتلاء العلماء"
 



بين سعيد بن جبير والحجاج الثقفي
كان الحجاج بن يوسف, فاسق بني ثقيف, واليا لعبد الملك, يأخذ بالشبهات ويتحرى المناوئين في جميع البلاد الاسلامية لحكم أميره وسيده. فيصب المحن عليهم دون هوادة ولا خوف من الله المقتدر الجبار, وكان خالد بن عبد الملك القسري واليا على مكة المكرمة وقد علم بوجود ابن جبير في ولايته فألقى القبض عليه واعتقله, ثم أراد أن يتخلص منه فأرسله مخفورا مع اسماعيل بن واسط البجلي الى الحجاج بن يوسف.
قال الحجاج: ما أسمك؟
سعيد: سعيد بن جبير.
الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
سعيد: بل كانت أمي أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيت أمك وشقيت أنت.
سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
الحجاج: لا بد لك بالدنيا نارا تلظى.
سعيد: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك الها.
الحجاج: ما قولك في محمد؟.
سعيد: نبي الرحمة وامام الهدى.
الحجاج: ما قولك في علي, أهو في الجنة أم هو في النار؟..
سعيد: لو دخلتها وعرفت من فيها, عرفت أهلها.
الحجاج: ما قولك في الخلفاء؟.
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: فأيهم أعجب اليك؟.
سعيد: أرضاهم لخالقي.
الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟.
سعيد: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم.
الحجاج: أحب أن تصدقني.
سعيد: ان لم أحبك لن أكذبك.
الحجاج: فما بالك لم تضحك؟.
سعيد: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين, والطين تأكله النار!!.
الحجاج: فما بالنا نضحك؟.
سعيد: لم تستو القلوب.
ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت, فجمعه بين يديه.
قال سعيد: ان كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح والا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت, ولا خير في شيء من الدنيا الا ما طاب وزكا.
ثم دعا الحجاج بالعود والناي, فلما ضرب بالعود ونفخ بالناي بكى سعيد.
فقال: ما يبكيك؟ أهو اللعب؟.
قال سعيد: هو الحزن, أما النفخ فذكرني يوما عظيما يوم ينفخ في الصور, وأما العود فشجرة قطعت من غير حق!! وأما الأوتار فمن الشاة تبعث يوم القيامة!!.
قال الحجاج: ويلك يا سعيد.
فقال لا ويل لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة.
قال الحجاج: اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك؟.
فقال: اختر أنت لنفسك فوالله لا تقتلني قتلة الا قتلك الله مثلها في الآخرة.
قال: أتريد أن أعفو عنك؟.
فقال: ان كان العفو فمن الله, وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر.
قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه, فلما خرج ضحك فأخبر الحجاج بذلك فردوه اليه.
وقال: ما أضحكك؟.
فقال: عجبت من جرأتك لى الله وحلم الله عليك.
فأمر بالنطع فبسط.
وقال: اقتلوه.
فقال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجهوا به لغير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله.
قال الحجاج: كبوه على وجهه.
قال سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: أما أنا فأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله, خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة, اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
(وفيّات الأعيان 2\371).
 



بين حطيط والحجاج
جيىء بالعالم حطيط الزيات الى الحجاج, فلما دخل عليه..
قال: أنت حطيط.
قال: نعم.
قال حطيط: سل عمّا بدا لك, فاني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال: ان سئلت لأصدقن, وان ابتليت لأصبرن, وان عوفيت لأشكرن.
قال الحجاج: فما تقول فيّ؟.
قال: أقول فيك أنك من أعداء الله في الأرض تنتهك المحارم وتقتل بالظنة.
قال: فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؟
قال: أقول أنه أعظم جرما منك, وانما أنت خطيئة من خطاياه.
فأمر الحجاج أن يضعوا عليه العذاب, فانته به العذاب الى أن شقق له القصب, ثم جعلوه على لحمه وشدوه بالحبال ثم جعلوا يمدون قصبة قصبة, حتى انتحلوا لحمه, فما سمعوه يقول شيئا, فقيل للحجاج أنه في آخر رمق.
فقال: أخرجوه فارموا به في السوق.
قال جعفر (وهو الراوي): فأتيته أنا وصاحب له, فقلنا له: يا حطيط ألك حاجة؟.
قال: شربة ماء.
فأتوه بشربة ثم استشهد, وكان عمره ثماني عشرة سنة رحمه الله.
(الحياء الجزء الخامس ص 54).
 



 
بين سعيد بن المسيّب وهشام بن اسماعيل
قال يحيى بن سعيد, كتب هشام بن اسماعيل والي المدينة الى عبد الملك بن مروان أن أهل المدينة قد أطبقوا على البيعة للوليد وسليمان الا سعيد بن المسيّب.

فكتب أن اعرضه على السيف, فان مضى فاجلده خمسين جلدة وطف به في أسواق المدينة, فلما قدم الكتاب على الوالي, دخل سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله على سعيد بن المسيّب وقالوا: جئناك في أمر؛ قد قدم كتاب عبد الملك ان لم تبايع ضربت عنقك, ونحن نعرض عليك خصالا ثلاثا فأعطنا احداهن, فان الوالي قد قبل منك أ، يقرأ عليك الكتاب فلا تقل لا ولا نعم.
قال: يقول الناس بايع سعيد بن المسيّب, ما أنا بفاعل. وكان اذا قال (لا) لم يستطيعوا أن يقولوا نعم.
قالوا: تجلس في بيتك ولا تخرج الى الصلاة أياما, فانه يقبل منك اذا طلبك من مجلسك فلا يجدك.
قال: أنا أسمع الآذان فوق أذني حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة, ما أنا بفاعل.
قالوا: فانتقل من مجلسك الى غيره, فانه يرسل الى مجلسك فان لم يجدك أمسك عنك.
قال: أفرقا من مخلوق!! ما أنا متقدم شبرا ولا متأخر. فخرجوا وخرج الى صلاة الظهر فجلس في مجلسه الذي كان فيه, فلما صلى الوالي بعث اليه فأتي به.
فقال: ان أمير المؤمنين كتب يأمرنا ان لم تبايع ضربنا عنقك.
قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين: بيعة للوليد ومثلها لسليمان في وقت واحد, فلما رآه لم يجب أخرج الى السدة فمدت عنقه وسلّت السيوف, فلما رآه قد مضى أمر به فجرّد فاذا عليه ثياب من شعر.
فقال: لو علمت ذلك ما اشتهرت بهذا الشأن, فضربه خمسين سوطا ثم طاف به أسواق المدينة. فلما ردّوه والناس منصرفين من صلاة العصر قال: ان هذه الوجوه ما نظرت اليها مذ أربعين سنة*. ومنعوا الناس أن يجالسوه فكان من ورعه اذا جاء اليه أحد يقول له قم من عندي, كراهية أن بسببه.
*(لأنه كان لا ينظر الى قفا رجل في الصلاة. اذ كان يصلي في الصف الأول ولم تفته تكبيرة الاحرام رضي الله عنه).


(وفيات الأعيان 2\377, وسير أعلام النبلاء 4\231, والحلية 2\170)
 



بين أبي حازم وسليمان بن عبد الملك

حين قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وهو يريد مكة, أرسل الى عالمها الجليل أبي حازم فلما دخل عليه قال سليمان: يا أبا حازم, ما لنا نكره الموت؟.
فقال: لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم, فكرهتم أن تنقلوا من العمران الى الخراب.
فقال سليمان: كيف القدوم على الله؟.
قال: يا أمير المؤمنين, أما المحسن كالغائب يقدم على أهله, وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه.
فبكى سليمان وقال: ليت شعري, ما لي عند الله؟.
قال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله حيث قال:{ انّ الأبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم}.
قال سليمان: فأين رحمة الله؟.
قال: قريب من المحسنين.
قال: يا أبا حازم أي عباد الله أكرم؟.
فقال: أهل البر والتقوى.
قال: فأي الأعمال أفضل؟.
فقال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.
قال: أي الكلام أسمع؟.
فقال: قول الحق عند من تخاف وترجو.
قال: فأي المؤمنين أخسر؟.
فقال: رجل خطأ في هوى أخيه وهو ظالم, فباع آخرته بدنياه.
قال سليمان: ما تقول فيما نحن فيه؟.
فقال: أو تعفيني؟.
قال: لا بد, فانها نصيحة تلقيها اليّ.

فقال: ان آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة المسلمين ولا رضا منهم, حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة وقد ارتحلوا فلا شعرت بما قالوا وما قيل لهم.
فقال رجل من جلسائه: بئسما قلت.
قال أبو حازم: ان الله قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.
فقال سليمان: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح للناس؟.
قال: تدع الصلف وتستمسك بالعروة وتقسم بالسويّة.
قال: كيف المأخذ به؟.
قال: أن تأخذ المال في حقه وتضعه في أهله.
قال: يا أبا حازم ارفعاليّ حوائجك؟.
قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة؟.
قال:ليس ذلك اليّ.
قال: فلا حاجة لي غيرها.
ثم قام فأرسل اليه بمائة دينار فردها اليه ولم يقبلها.
(وفيات الأعيان 2\423).

 


بين عالم وسليمان بن عبد الملك
دخل أحدهم على سليمان بن عبد الملك, فقال له سليمان: تكلّم.
فقال: يا أمير المؤمنين اني مكلمك بكلام فاحتمله وان كرهته, فان وراءه ما تحب ان قبلته.
فقال: انا نجود بسعة الاحتمال على من نرجو نصحه ولا نأمن غشه, فكيف بمن نأمن غشه ونرجو نصحه.
فقال: يا أمير المؤمنين انه تكنّفك رجال أساؤوا الاختيار لأنفسهم وابتاعوا دنياهم بدينهم, ورضاك بسخط ربهم, خافوك في الله تعالى ولم يخافوا الله فيك, حرب الآخرة سلم الدنيا, فلا تأمنهم على من ائتمنك الله عليه, فانهم لم يألوا في الأمانة تضييعا وفي الأمّة خسفا وعسفا, وأنت مسؤول عما اجترحوا وليسوا بمسؤولين عما اجترحت, فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك, فان أعظم الناس غبنا من باغ آخرته بدنيا غيره.
فقال له سليمان: أما أنك قد سللت لسانك وهو أقطع من سيفك.
قال: أجل يا أمير المؤمنين ولكن لا عليك.
(الاحياء الجزء الخامس ص 122).
 


بين غلام عمر بن عبد العزيز
لما وليّ الخلافة عمر بن عبد العزيز, وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجتها وللتهنئة, فوفد عليه الحجازيون فتقدم غلام هاشمي للكلام وكان حديث السن.
فقال عمر: لينطق من هو أسنّ منك.

فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين, انما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه, فاذا منح الله عبدا لسانا لافظا وقلبا حافظا استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه, ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك من هذا منك.
فقال عمر: صدقت, قل ما بدا لك.
فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين: وحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة, وقد أتيناك لمنّ الله الذي منّ علينا بك, ولم يقدمنا اليك الا رغبة ورهبة.
أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا, وأما الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك.
فقال عمر: عظني يا غلام.
فقال: أصلح الله أمير المؤمنين, ان ناسا من الناس غرّهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم, فزلّت بهم الأقدام فهووا في النار.
فلا يغرّنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك, فتزل قدمك فتلحق بالقوم.
فلا جعلك الله منهم وألحقق بصالحي هذه الأمة.
ثم سكت.
فقال عمر: كم عمر الغلام؟
فقيل له ابن احدى عشرة سنة, ثم سأل عنه فاذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهم, فأثنى عليه خيرا ودعا له.
بين مكحول ويزيد بن عبد الملك
جلس التابعي الجليل مكحول عالم أهل الشام في مجلسه يلقي درسه كعادته وحوله طلاب العلم يأخذون عنه, اذ أقبل الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك في زينته وتبختره وجاء الى حلقة مكحول, فأراد الطلاب أن يوسعوا له.
فقال مكحول: دعوه يتعلم التواضع.
(سير أعلام النبلاء 5\150).

 


بين طاووس وهشام بن عبد الملك
إن هشام بن عبد الملك قدم حاجا إلى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة.
فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا.
فقال: من التابعين.
فأتي بطاووس اليماني العالم الجليل رحمه الله.
فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين.
ولكن قال: السلام عليك يا هشام. ولم يكنه وجلس بإزائه.
وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبا شديدا حتى همّ بقتله.

فقيل له: أنت في حرم الله وحرم رسوله, ولا يمكنك ذلك.
فقال: يا طاووس, ما الذي حملك على ما صنعت؟.
قال: وما الذي صنعت.
قال هشام: خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم تقبّل يدي ولم تسلم بإمرة المؤمنين ولم تكنني وجلست بإزائي دون إذني وقلت كيف أنت يا هشام؟!.
فقال: أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك فاني أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب عليّ, وأما قولك لم تقبّل يدي فاني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: لا يحلّ لرجل أن يقبّل يد أحد إلا امرأته من شهوة أو ولده من رحمة.
وأما قولك لم تسلم عليّ بإمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك, فكرهت أن أكذب, وأما قولك لم تكنني فان الله سمّى أنبياءه وأولياءه فقال يا داود ويا يحيى ويا عيسى, وكنّى أعداءه فقال تبّت يدا أبي لهب وتب. وأما قولك جلست بازائي فاني سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام.
فقال هشام: عظني.
قال: سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول: إن في جهنّم حيّات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيّته. ثم قام وخرج.
(وفيّات الأعيان 2\510).



بين طاووس والمنصور :
ورد أن أبا جعفر المنصور استدعى طاووس _احد علماء عصره_ ومعه مالكبن أنس_ رحمهما الله تعالى. فلما دخلا عليه, أطرق ساعة ثم التفت الى طاووس.
فقال له: حدثني عن أبيك يا طاووس (ابن كيسان التابعي).
فقال: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أشدّ الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله".
فأمسك ساعة.
قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن يملأني من دمه.
ثم التفت اليه أبو جعفر, فقال: عظني يا طاووس.
قال: نعم يا أمير المؤمنين, ان الله تعالى يقول:{ ألم ترى كيف فعل ربك بعاد * ارم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد* وثمود الذين جابوا الصخر بالواد* وفرعون ذي الأوتاد* الذين طغوا في البلاد* فأكثروا فيها الفساد* فصبّ عليهم ربك سوط عذاب* ان ربك لبالمرصاد}.
قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن يملأني من دمه. فأمسك عنه ثم قال: ناولني الدواة, فأمسك ساعة حتى اسودّ ما بيننا وبينه, ثم قال: يا طاووس, ناولني هذه الدواة.
فأمسك عنه.
فقال: ما يمنعك أن تناولنيها؟.
فقال: أخشى أن تكتب بها معصية لله فأكون شريكك فيها. فلما سمع ذلك قال: قوما عني.
قال طاووس: ذلك ما كنا نبغ منذ اليوم.
قال مالك: فما زلت أعرف لطاووس فضله.

(تذكرة الحفاظ 1\160. وفيات الأعيان 2\511).
 



بين ابن أبي ذؤيب وأبي جعفر المنصور
عن الامام الشافعي رحمه الله تعالى, قال: حدثني عمي محمد بن علي قال: اني لحاضر مجلس أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور وفيه ابن أبي ذؤيب وكان والي المدينة الحسن بن يزيد.
قال: فأتى الغفاريون فشكوا الى أبي جعفر شيئا من أمر الحسن بن يزيد.
فقال الحسن: يا أمير المؤمنين, سل عنهم ابن أبي ذؤيب.
قال: نسأله.
فقال: ما تقول فيهم يا ابن أبي ذؤيب؟.
فقال: أشهد أنهم يحطمون في أعراض الناس, كثيرو الأذى عليهم.
فقال أبو جعفر: أفسمعتم؟.
فقال الغفاريون: يا أمير المؤمنين, سله عن الحسن بن يزيد.
فقال: يا ابن أبي ذؤيب, ما تقول في الحسن بن يزيد؟.
فقال: أشهد أنه يحكم بغير الحق ويتبع هواه.
فقال: سمعت يا حسن ما قال فيك وهو الشيخ الصالح؟.
فقال: يا أمير المؤمنين, سله عن نفسك.
فقال: ما تقول فيّ؟.
قال: تعفيني يا أمير المؤمنين.
قال: أسألك بالله الا أخبرتني؟.
قال: تسألني بالله كأنك لم تعرف نفسك!!.
قال: والله لتخبرني؟.
قال: أشهد أنك أخذت المال من غير حقه فجعلته في غير أهله وأشهد أن الظلم ببابك فاش.
قال: فجاء أبو جعفر من موضعه حتى وضع يده في قفا ابن أبي ذؤيب فقبض عليه.
ثم قال: أما والله لولا أني جالس ههنا لأخذت فارس والروم والديلم والترك بهذا المكان منك.
قال: فقال ابن أبي ذؤيب: يا أمير المؤمنين قد ولّي أبو بكر وعمر وأخذا الحق وقسما بالسوية وأخذا بأقفاء فارس والروم وأصغرا أنوفهم.
قال: فخلّى أبو جعفر قفاه وخلى سبيله.
قال: والله لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك.
فقال ابن أبي ذؤيب: والله يا أمير المؤمنين اني لأنصح لك من ابنك المهدي.
قال: فبلغنا أن ابن أبي ذؤيب لما انصرف من مجلس المنصور لقيه سفيان الثوري.
فقال: يا أبا الحارث: لقد سرّني ما خاطبت به هذا الجبار ولكن ساءني قولك له "ابنك المهدي".
فقال: يغفر الله لك يا أبا عبد الله كلنا مهدي, كلنا كان في المهد.
(الاحياء الجزء السابع ص 27)
 



بين الحسن البصري والحجاج الثقفي:
لما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي العراق وطغى في ولايته وتجبّر, كان الحسن البصري أحد الرجال القلائل الذين تصدوا لطغيانه وجهروا بين الناس بسوء أفعاله وصدعوا بكلمة الحق في وجهه, من ذلك أن الحجاج بنى لنفسه بناء في واسط, فلما فرغ منه نادى في الناس أن يخرجوا للفرجة عليه والدعاء له بالبركة.
فلم يشأ الحسن أن يفوّت على نفسه فرصة اجتماع الناس هذه, فخرج اليهم ليعظهم ويذكّرهم ويزهدهم بعرض الدنيا ويرغبهم بما عند الله عز وجل, ولما بلغ المكان ونظر الى جموع الناس وهي تطوف بالقصر المنيف مأخوذة بروعة بنائه مدهوشة بسعة أرجائه مشدودة الى براعة زخارفه, وقف فيهم خطيبا, وكان في جملة ما قاله: لقد نظرنا فيما ابتنى أخبث الأخبثين فوجدنا أن فرعون شيد أعظم مما شيّد وبنى أعلى مما بنى ثم أهلك الله فرعون وأتى على ما بنى وشيّد.
ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه, وأن أهل الأرض قد غرّوه..
ومضى يتدفق على هذا المنوال حتى أشفق عليه أحد السامعين من نقمة الحجاج فقال له: حسبك يا أبا سعيد.. حسبك, فقال له الحسن: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه وفي اليوم التالي دخل الحجاج الى مجلسه وهو يتميز من الغيظ وقال لجلاسه: تبا لكم وسحقا, يقوم عبد من عبيد أهل البصرة ويقول فينا ما يشاء أن يقول ثم لايجد فيكم من يردّه أ, ينكر عليه, والله لأسقينّكم من دمه يا معشر الجبناء. ثم أمر بالسيف والنطع فأحضرا, ودعا بالجلاد فمثل واقفا بين يديه, ثم وجه الى الحسن البصري بعض شرطة وأمرهم أن يأتوا به. وما هو الا قليل حتى حضر الحسن, فشخصت اليه الأبصار ووجفت عليه القلوب, فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد حرّك شفتيه, ثم أقبل على الحجاج وعليه جلال المؤمن وعزة المسلم ووقار الداعية الى الله.
فلما رآه الحجاج على حاله هذا هابه أشد الهيبة وقال له: هاهنا يا أبا سعيد.. هاهنا.. ثم ما زال يوسع له ويقول: هاهنا.. الناس ينظرون اليه فيدهشة واستغراب حتى أجلسه على فراشه.
ولما أخذ الحسن مجلسه التفت اليه الحجاج وجعل يسأله عن بعض أمور الدين, والحسن يجيبه كل مسألة بجنان ثابت وبيان ساحر وعلم واسع. فقال له الحجاج: أنت سيّد العلماء يا أبا سعيد, ثم دعا بغالية وطيّب له بها لحيته وودّعه.
ولما خرج الحسن من عنده تبعه حاجب الحجاج وقال له: يا أبا سعيد لقد دعاك الحجاج بغير ما فعل بك, واني رأيتك عندما أقبلت ورأيت السيف والنطع فحرّكت شفتيك, فماذا قلت؟.
فقال الحسن: لقد قلت: يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي, اجعل نقمته بردا وسلاما عليّ كما جعلت النار بردا وسلاما على ابراهيم.
(صور من حياة التابعين 2\17)
 



بين أبي يوسف القاضي وهارون الرشيد

عندما طلب هارون الرشيد من أبي يوسف القاضي وضع كتاب الخراج لم يفت القاضي أن يقدم النصيحة للخليفة في مقدمة الكتاب فقال: يا أمير المؤمنين: ان الله وله الحمد, قد قلّدك أمرا عظيما, ثوابه أعظم الثواب, وعقابه أشد العقاب, قلدك أمر هذه الأمة, فأصبحت وأمسيت وأنت تبني لخلق كثير, قد استرعاكهم الله وائتمنك عليهم وابتلاك بهم وولاك أمرهم, وليس يلبث البنيان اذا أسس على غير التقوى أن يأتيه الله من القواعد فيهدمه على من بناه وأعان عليه. فلا تضيّعن ما قلدك الله من أمر هذه الأمة الرعية, فان القوة في العمل باذن الله, لا تؤخر عمل اليوم الى الغد, فانك اذا فعلت ذلك أضعت, ان الأجل دون الأمل, فبادر الأجل بالعمل فانه لا عمل بعد الأجل, ان الرعاة مؤدون الى ربهم ما يؤدي الراعي الى ربه فأتم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهاره, فانّ أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت رعيّته, ولا تزغ فتزيغ رعيّتك, وايّاك والأمر بالهوى والأخذ بالغضب واذا نظرت الى أمرين, أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فاختر أمر الآخرة على الدنيا, فان الآخرة تبقى والدنيا تفنى ولكن من خشية على حذر, واجعل الناس عندك في أمر الله سواء القريب والبعيد, ولا تخف في الله لومة لائم, واحذر فان الحذر في بالقلب وليس باللسان, اتق الله فانما التقوى بالتوقي, ومن يتقي الله يتقه.
اني أوصيك يا أمير المؤمنين بحفظ ما استحفظك الله, ورعاية ما استرعاك الله, وألا تنظر في ذلك الا اليه وله, فانك ان لا تفعل تتوعّر عليك سهولة الهدى وتعمى في عينيك وتتخفى رسومه, ويضيق عليك رحبه, وتنكر منه ما تعرف, وتعرف منه ما تنكر, فخاصم نفسك خصومة من الفلج لها لا عليها, فان الراعي المضيّع يضمن ما هلك على يديه ما لو شاء رده عن مواطن الهلكة باذن الله.
وأورده أماكن الحياة والنجاة فان ترك ذلك أضاعه وان تشاغل بغيره كانت الهلكة عليه أسرع وبه آخذ. واذا أصلح كان أسعد من هنالك بذلك, ووفاه الله أضعاف ما وفى له.
فاحذر أ، تضيع رعيّتك فيستوفي ربها حقها منك ويضيّعك بما أضعت أجرك, وانما يدعم البنيان قبل أن ينهدم, وانما لك من عملك ما عملت فيمن ولا الله أمره, فلست تنسى ولا تغفل عنهم وعما يصلحهم, فليس يغفل عنك ولا يضيع حقك من هذه الدنيا. وأوصيك في هذه الليالي والأيام بكثرة تحريك لسانك في نفسك بذكر الله تسبيحا وتهليلا وتمجيدا والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة وامام الهدى.
(مقدمة كتاب الخراج للامام أبي يوسف القاضي).
 



بين أبي حنيفة والمنصور (1)
انتفض أهل الموصل على أبي جعفر المنصور, وقد اشترط المنصور عليهم أنهم ان انتفضوا تحل دماؤهم له, فجمع المنصور الفقهاء وفيهم الامام أبو حنيفة.
فقال: أليس صحيحا أنه عليه السلام قال/"المؤمنون عند شروطهم"؟ وأهل الموصل قد شرطوا ألا يخرجوا عليّ, وقد خرجوا على عاملي وقد حلذت دماؤهم.
فقال رجل منهم: يدك مبسوطة عليهم وقولك مقبول فيهم, فان عفوت فأنت أهل العفو وان عاقبت فبما يستحقون.
فقال لأبي حنيفة: ما تقول أنت يا شيخ؟ ألسنا في خلافة نبوة وبيت أمان؟.
فأجاب: انهم شرطوا لك ما لايملكون (وهو استحلال دمائهم) وشرطت عليهم ما ليس لك, لأن دم المسلم لا يحل الا بأحد معان ثلاث*.
فأمرهم المنصور بالقيام فتفرقوا فدعاه وحده.
فقال: يا شيخ, القول ما قلت. انصرف الى بلادك ولا تفت الناس بما هو شين على امامك فتبسط أيدي الخوارج.
*يشير الامام أبي حنيفة رحمه الله تعالى الى قوله عليه الصلاة والسلام:" لا يحلّ دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث: الثيّب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة". متفق عليه.

(المناقب لابن الجوزي ج2 ص 17)
 



بين أبي حنيفة المنصور (2)

أراد أبو جعفر المنصور أن يولّي أبا حنيفة القضاء فأبى, فحلف عليه ليفعلنّ, فحلف أبو حنيفة ألا يفعل, فقال الربيع بن يونس الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف؟.
فقال أبو حنيفة: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني, وأبى أن يلبّي الأمر.
قال الربيع: رأيت المنصور ينازل أبا حنيفة في أمر القضاء وهو يقول: اتق الله ولا ترعي أمانتك الا من يخاف الله, والله ما أنا مأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب؟ لو اتجه الحكم عليك, ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو تلي الحكم لاخترت أن أغرق, ولك حاشية يحتاجون من يكرمهملك, ولا أصلح لذلك فقال له: كذبت أنت تصلح, فقال له: قد حكمت لي على نفسك, كيف يحل لك أن تولي قاضيا على أمانتك وهو كذاب؟!,
(وفيات الأعيان 5\407).
 



بين الأوزاعي وعبد الله بن علي
لما دخل عبد الله بن علي دمشق, بعد أن أجلى بني أميّة عنها, طلب الأوزاعي, فتغيّب عنه ثلاثة أبام, ثم حضر بين يديه, قال الأوزاعي: دخلت عليه وهو على سريره وفي يده خيزرانة والمسودة عن يمينه وشماله معهم السيوف مصلتة, والغمد والحديد, فسلمت عليه فلم يرد. نكت بتلك الخيزرانة التي في يده.
ثم قال: يا أوزاعي ما ترى فيما صنعناه من ازالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد؟ أجهادا ورباطا هو؟
فقلت: أيها الأمير سمعت يحيى بن سعيد الأنطاري التيمي يقول: سمعت محمد بن ابراهيم يقول سمعت علقمة بن وقاص يقول: قال عمر بن الخطاب رضي الله عن سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول:" انما الأعمال بالنيّات وانما لكل امرىء ما نوى, فمن كانت هجرته الى الله ورسوله, فهجرته الى الله ورسوله, ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه".*
فنكت بالخيزرانة أشدّ ما ينكت وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم.
ثم قال: يا أوزاعي ما تقول في دماء بني أميّة؟
فقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يحلّ دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث, النفس بالنفس, والثيّب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة".*
فنكت أشد من ذلك.
ثم قال: ما تقول في أموالهم؟.
قلت: ان كانت في أيديهم فهي حرام عليك أيضا, وان كانت حلال فلا تحل لك الا بطريق شرعي.
فنكت أشد ما ينكت قبل ذلك.
ثم قال: ألا نوليك القضاء؟.
قلت: ان أسلافك لم يكونوا يشقون عليّ في ذلك, اني أحب ما ابتدأوني به من الاحسان.
فقال: كأنك تحب الانصراف؟.
فقال: ان من ورائي حرما وهنّ يحتجن القيام عليهنّ وسترهن وقلوبهن مشغولة بسببي.
انتظرت رأسي أن يسقط بين يدي, فأمرني بالنصراف.
*رواه البخاري ومسلم.
(مجلة العربي العدد 71 سنة 1964 م : الأوزاعي فقيه أهل الشام).
 



بين الأوزاعي والمنصور
وهذا الامام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي قال محدثا عن نفسه: بعث الي أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل, فأتيته, فلما وصلت اليه سلّمت عليه بالخلافة, فرد عليّ واستجلسني, ثم قال لي: ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي؟.
قلت: وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟.
قال: أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم.
قلت: انظر يا أمير المؤمنين انك لا تجهل شيئا مما أقول.
قال: وكيف لا أجهله وأنا أسألك عنه, وفيه وجهت اليك وأقدمتك له.
قلت: أخاف أن تسمعه ثم لا تعمل به.
قال الأوزاعي: فصاح بي الربيع وأهوى بيده الى السيف فانتهره المنصور وقال: هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة.
فطابت نفسي وانبسطت في الكلام, فقلت: يا أمير المؤمنين حدثني مكحول بن عطية بن بشر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فانها نعمة من الله سيقت اليه, فان قبلها بشكر والا كانت حجة من الله عليه ليزداد اثما ويزداد الله بها سخطا عليه".
يا أمير المؤمنين: من كره الحق فقد كره الله, ان الله هو الحق المبين, ان الذي ليّن قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمورهم لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد كان بهم رؤوفا رحيما مواسيا لهم بنفسه من ذات يده محمودا عند الله وعند الناس, فحقيق بك أن تقوم له بالحق, وأن تكون بالقسط لهم فيهم قائما, ولعوراتهم ساترا, ولا تغلق عليك دونهم الأبواب ولا تقم دونهم الحجاب, تبتهج بالنعمة وتبتئس بما أصابهم من سوء.
يا أمير المؤمنين: قد كنت في شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم أحمرهم وأسودهم ومسلمهم وكافرهم. وكل له عليك نصيب من العدل, فكيف اذا انبعث منهم فئام وراء فئام, وليس منهم أحد الا وهو يشكو بليّة أدخلتها عليه, وظلمة سقتها اليه.
يا أمير المؤمنين: ان الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل اليك, وكذا لا يبقى لك كما لم يبقى لغيرك.
يا أمير المؤمنين بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"لو ماتت سخلة على شاطىء الفرات ضيعة لخشيت أن أسأل عنها" فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك؟ يا أمير المؤمنين: قد سأل جدك العباس النبي صلى الله عليه وسلم امارة مكة أو الطائف أو اليمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا عباس يا عم النبي! نفس تحييها خير من امارة لا تحصيها". نصيحة منه لعمه وشفقة عليه وأخبره أنه لا يغني عنه من الله شيئا اذ أوحى الله اليه:{ وأنذر عشيرتك الأقربين}, فقال: يا عباس, يا صفيّة عمة النبي, ويا فاطمة بنت محمد, اني لست أغني عنكم من الله شيئا, لي عملي ولكم عملكم.
وقال عمر بن الخطاب الأمراء أربعة:
فأمير قوي ظلف نفسه وعماله فذلك كالمجاهد في سبيل الله, يد الله باسطة عليه بالرحمة؛ وأمير فيه ضعف ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه فهو على شفا هلاك الا أن يرحمه الله؛ وأمير ظلف عماله وأرتع نفسه فذلك الحطمة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" شرّ الرعاة الحطمة" فهو الهالك وحده؛ وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعا.
ثم قال: يا أمير المؤمنين, ان أشدّ الشدّة القيام لله بحقه, وان أكرم الكرم عند الله التقوى, وانه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله وأعزه, ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه, فهذه نصيحتى اليك والسلام عليك. ثم نهضت فقال لي: الى أين؟
فقلت: الى الولد والوطن باذن أمير المؤمنين ان شاء الله.
فقال: أذنت لك وشكرت نصحك وقبلتها.
قال محمد بن مصعب: فأمر له بمال يستعين به على خروجه فلم يقبله.
وقال: أنا في غنى عنه وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض الدنيا.
وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في ذلك*
*أي لم يغضب عليه.
(روى هذه النصيحة الحافظ ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء)
 



بين سفيان الثوري والخليفة المهدي
قال الامام سفيان الثوري: لما حج المهدي قال: لا بد لي من سفيان, فوضعوا لي الرصد حول البيت, فأخذوني بالليل. فلما مثلت بين يديه قال لي: لأي شيء لا تأتينا فنستشيرك في أمرنا؟ فما أمرتنا من شيء صرنا اليه وما نهيتنا عن شيء انتهينا عنه.
فقلت له: كم أنفقت في سفرك هذا؟.
قال: لاأدري, لي أمناء ووكلاء.
قلت: فما عذرك غذا اذا وقفت بين يدي الله تعالى فسألك عن ذلك؟ لكنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حج قال لغلامه كم أنفقت في سفرنا هذا؟.
قال: يا أمير المؤمنين ثمانية عشر دينارا.
فقال: ويحك أجحفنا بيت مال المسلمين.
وقد علمت ما حذثنا به منصور عن الأسود بن علقمة عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ربّ متخوّض في مال الله ومال رسوله فيما شاءت نفسه له النار غدا", فيقول أبو عبيد الكاتب: أمير المؤمنين يستقبل بمثل هذا؟.
فيجيبه سفيان بقوة المؤمن وعزة المسلم: اسكت, انما أهلك فرعون هامان وهامان فرعون.
(المسند للأستاذ أحمد شاكر: الجزء الأول_ وفيات الأعيان 2\387).

وهذا موقف ثان له:
في يوم قال الخليفة المهدي للخيزران: أريد أن أتزوج, فقالت له: لا يحلّ لك أن تتزوج عليّ, قال: بلى, قالت له: بيني وبينك من شئت.
قال: أترضين سفيان الثوري؟
قالت: نعم.
فوجه الى سفيان فقال: انّ أم الرشيد تزعم أنه لا يحل لي أن أتزوج عليها وقد قال تعالى:{ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} ثم سكت, فقال له سفيان أتم الآية, يريد قوله تعالى:{ فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة}, وأنت لا تعدل.
فأمرله بعشرة آلاف درهم فأبى أن يقبلها.
(وفيات الأعيان 2\389).

وهذا موقف ثالث له:
قال القعقاع بن حكيم: كنت عند المهدي وأتى سفيان الثوري كبير علماء المسلمين في عصره, فلما طخل عليه سلّم ولم يسلّم بالخلافة, والربيع قائم على رأسه متكئ على سيفه يرقب أمره, فأقبل عليه المهدي بوجه طلق, وقال له: يا سفيان انظر هاهنا وهاهنا, أوتظن أن لو أردناك بسوء لم نقدر عليك, فقد قدرنا عليك الآن, أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا؟.
قال سفيان: ان تحكم فيّ يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل.
فقال الربيع له: يا أمير المؤمنين, الهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا؟ أتأذن لي أن أضرب عنقه؟.
فقال له المهدي: اسكت! ويلك, وهل يريد هذا وأمثاله الا أن نقتلهم فنشقى لسعادتهم! اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه في حكم, فكتب عهده ورفعه اليه, فأخذه وخرج ورمى به في دجلة وغاب عن أنظار الناس, فطلب في كل بلد فلم يوجد فتولى القضاء مكانه شريك النخعي.
(تذكرة الحفاظ 1\160, وفيات الأعيان 2\390).

وهذا موقف رابع له:
دخل على أبي جعفر المنصور, العالم الجليل سفيان الثوري, وسأله أن يرفع اليه حاجته فأجابه: اتق اله فقد ملأت الأرض ظلما وجورا, فطأطأ المنصور رأسه ثم أعاد السؤال عليه, فأجابه: انما نزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار, وأبناؤهم يموتون جوعا, فاتق الله وأوصل اليهم حقوقهم, فطأطأ المنصور شاكرا ثم كرّر السؤال, ولكن سفيان تركه وانصرف.
(الاحياء الجزء الخامس ص 120).
بين حمّاد بن سلمة ومحمد بن سليمان
قال ابن سليمان, دخلت على حماد بن سلمة فاذا ليس في البيت الا حصير, وهو جالس وفي يديه مصحف يقرأ فيه وجراب فيه عملة ومطهرة يتوضأ منها, فبينما أنا جالس اذ دق الباب.
فقال حمّاد: يا حبيبة اخرجي فانظري من هذا؟.
فقالت: رسول محمد بن سليمان الى حماد بن سلمة, فأذن له بالدخول
فقال بعد أن سلّم: أما بعد فصبّحك الله بما صبّح به أولياءه وأهل طاعته.
وقعت مسألأة فأتينا نسألك عنها, والسلام.
فقال: يا حبيبة, هلم الدواة.
ثم قال لي: اقلب كتابه, واكتب أما بعد:
فأنت صبّحك الله بما صبّح به أولياءه وأهل طاعته, انا أدركنا العلماء وهو لا يأتون لأحد, فان وقعت لك مسألة فأتنا وسل ما بدا لك وان أتيتني فلا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك, ولا أنصح الا تقيّا, والسلام.
فبينما أنا جالس اذ دق الباب.
فقال: يا حبيبة فانظري من هذا؟.
قالت: محمد بن سليمان.
قال: قولي له يدخل وحده, فدخل وجلس بين يديه وبدأ.
فقال: ما لي اذا نظرت فيك امتلأت منك رعبا؟.
قال حمّاد: حدثني ثابت البناني قال سمعت أنسا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ان العالم اذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء, واذا أراد أ، يكنز الكنوز هاب من كل شيء".
فقال: ما تقول _رحمك الله_ في رجل له ابنان وهو على أحدهما أرضى, فأراد أن يجعل له في حياته ثلثي ماله؟.
فقال حماد: لا يفعل_ رحمك الله_ فاني سمعت أنسا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" اذا أراد الله أن يعذب عبدا من عباده في حياته وفقه الى وصيّة جائرة".
فعرض عليه مالا فلم يقبل وخرج.

(الاسلام بين العلماء والحكام ص 99).
 



بين صالح المرّي والمهدي
بعث المهدي الى صالح المرّي, قال صالح: فلما دخلت عليه قلت: يا أمير المؤمنين, احمل لله ما أكلمك به اليوم, فان أولى الناس بالله أحملهم لغلظة النصيحة فيه, وجدير بمن له قرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرث أخلاقه ويأتمّ بهديه, وقد ورثك الله من فهم العلم وانارة الحجة ميراثا قطع به عذرك. فمهما ادّعيت من حجة, أو ركبت من شبهة لم يصح لك فيها برهان من الله, حل بك من سخط الله بقدر ما تجاهلته من العلم أو أقدمت عليه من شبهة الباطل, واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصم من خالف أمته, يبتزها أحكامها, ومن كان محمد صلى الله عليه وسلم كان الله خصمه, فأعد لمخاصمة الله ومخاصمة رسوله حججا تضمن لك النجاة, أو استسلم للهلكة.
واعلم أ، أبطأ الصرعى نهضة صريع الهوى, وأن أثبت الناس قدما يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم, فمثلك لا يكابر بتجديد المعصية ولكن تمثل له الاساءة احسانا, ويشهد عليه خونة العلماء وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظرائك, فأحسن الحمل فقد أحسنت اليك الأداء.
فبكى المهدي ثم أمر له بشيء فلم يقبله.
وحكى بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوبا في دواوين المهدي
(وفيات الأعيان 2\494).
 



بين الامام مالك وجعفر بن سليمان
سعي بالامام مالك الى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وهو ابن عم أبي جعفر المنصور وقالوا له: انه لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء, فغضب جعفر ودعا به وجرّده وضربه بالسياط, ومدت يده حتى انخلعت كتفه وارتكب منه أمرا عظيما, فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة.
وذكر ابن الجوزي في (شذور العقود) في سنة سبع وأربعين ومائة وفيها ضرب مالك بن أنس سبعين سوطا لأجل فتوى لا توافق غرض السلطان.
( وفيات الأعيان 4\137).
 



بين الفضيل بن عياض والرشيد
قال الفضيل بن الربيع: كنت بمنزلي ذات يوم وقد خلعت ثيابي وتهيأت للنوم, فاذا بقرع شديد على بابي, فقلت في قلق: من هذا؟.
قال الطارق: أجب أمير المؤمنين, فخرجت مسرعا أتعثر في خطوي, فاذا بالرشيد قائما على بابي وفي وجهه تجهّم حزين, فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت اليّ لأتيتك.
فقال: ويحك قد حاك في نفسي شيء أطار النوم من أجفاني وأزعج وجداني شيء لا يذهب به الا عالم تقي من زهادك, فانظر لي رجلا أسأله.
ثم يقول ابن الربيع: حتى جئت به الى الفضيل بن عياض.
فقال الرشيد: امض بنا اليه, فأتيناه, واذا هو قائم يصلي في غرفته وهو يقرأ قوله تعالى:{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم, ساء ما يحكمون}.
فقال الرشيد: ان انتفعنا بشيء فبهذا.
فقرعت الباب.
فقال الفضيل: من هذا؟.
قلت: أجب أمير المؤمنين.
فقال: ما لي ولأمير المؤمنين.
فقلت: سبحان الله, أما عليك طاعته؟.
فنزل ففتح الباب, ثم ارتقى الى الغرفة فأطفأ السراج, ثم التجأ الى زاوية من زوايا الغرفة, فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف الرشيد كفي اليه.
فقال: يا لها من كف ما ألينها ان نجت من عذاب الله تعالى غدا.
قال ابن الربيعك فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي.
فقال الرشيد: خذ فيما جئناك له يرحمك الله.
فقالالفضيل: وفيما جئت وقد حمّلت نفسك ذنوب الرعيّة التي سمتها هوانا, وجميع من معك من بطانتك وولاتك تضاف ذنوبهم اليك يوم الحساب, فبك بغوا وبك جاروا وهم مع هذا أبغض الناس لك وأسرعهم فرارا منك يوم الحساب, حتى لو سألتهم عند انكشاف الغطاء عنك وعنهم أن يحملوا عنك سقطا _جزءا_ من ذنب ما فعلوه, ولكان أشدهم حبا لك أشدهم هربا منك.ثم قال: ان عمر بن عبد العزيز لما وليّ الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب ورجاء بن حيوة _ وهو ثلاثة من العلماء الصالحين_ فقال لهم: اني قد ابتليت بهذ البلاء فأشيروا عليّ. فعدّ الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة.
فقال سالم بن عبد الله: ان أردت النجاة غدا من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا, وأوسطهم عندك أخا, وأصغرهم عندك ابنا, فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك.
وقال رجاء بن حيوة: ان أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحبّ للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك, ثم مت ان شئت, واني أقول لك يا هارون اني أخاف عليك أشدّ الخوف يوما تذل فيه الأقدام فبكى هارون.
قال ابن الربيع: فقلت أرفق بأمير المؤمنين.
فقال: تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا؟
ثم قال: يا حسن الوجه, أنت الذي يسألأك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة, فان استطعت أن تقي هذا الوجه فافعل, واياك أن تصبح أو تمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيّتك, فان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة".*
فبكى الرشيد.
ثم قال: هل عليك دين؟.
فقال: نعم دين لربي لم يحاسبني عليه, فالويل لي ان سألني والويل لي ان ناقشني والويل لي ان لم ألهم حجتي.
قال الرشيد: انما أعني دين العباد.
فقال: ان ربي لم يأمرني بهذا وقد قال عز وجل:{ وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.
فقال الرشيد: هذه ألف دينار خذها وأنفقها على عيالك وتقوّ بها على عبادتك.
قال: سبحان الله. أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا.
قال ابن الربيع: فخرجنا من عنده.
فقال هارون الرشيد: اذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا, هذا سيّد المسلمين اليوم.

*رواه البخاري( 13\112) (142) في كتاب الايمان.
(سير أعلام النبلاء 8\378).
 



بين شعيب بن حرب وهارون الرشيد
قال شعيب بن حرب: بينما أنا في طريق مكة, اذ رأيت هارون الرشيد, فقلت في نفسي: قد وجب عليك الأمر والنهي, فقالت لي: لا تفعل فان هذا رجل جبار ومتى أكرته ضرب عنقك.
فقلت في نفسي: لا بد من ذلك. فلما دنا مني صحت: يا هارون, قد أذيت الامة وأتعبت البهائم, فقال: خذوه. ثم أدخلت عليه وهو على كرسي وفي يده عمود يلعب به.
فقال: ممن الرجل؟.
فقلت: من أفناء الناس.
فقال: ممن ثكلتك أمك؟.
قال: من الأبناء.
قال: وما حملك أن تدعوني باسمي؟.
فقلت: أنا أدعو الله باسمه فأقول يا الله, يا رحمن, وما ينكر من دعائي باسمك, وقد رأيت الله سمى في كتابه أحب الخلق اليه محمدا, وكنى أبغض الخلق اليه أبا لهب.
فقال: أخرجوه.
(وفيات الأعيان 2\470).
 



بين منذر بن سعيد والخليفة الناصر
لقد أقبل الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله على عمارة الزهراء أيما اقبال, وأنفق من أموال الدولة في تشييدها وزخرفتها ما أنفق, وهي في حقيقة حالها مجموعة من القصور الفاخرة. وكان يشرف بنفسه على شؤون البناء والزخرفة حتى شغله ذلك ذات مرّة عن شهود صلاة الجمعة , وكان منذر بن سعيد يتولى خطبة الجمعة والقضاء, ورأى_ خروجا من تبعة التقصير فيما أوجبه الله على العلماء _ أن يلقي على الخليفة الناصر درسا بليغا يحاسبه فيه على إسرافه وإنفاقه في مدينة الزهراء , ورأى أن يكون ذلك على ملأ من الناس في المسجد الجامع بالزهراء فلما كان يوم الجمعة اعتلى المنبر والخليفة الناصر حاضر والمسجد غاصّ بالمصلين وابتدأ خطبته فقرأ قوله تعالى:{ أتبنون بكل ريع ءاية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * واذا بطشتم بطشتم جبّارين * فاتقوا الله واطيعون *واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون * أمدّكم بأنعام وبنين * وجنّات وعيون * اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}. سورة الشعراء (128_135).
ثم مضى في ذم الاسراف على البناء بكل كلام جزل وقول شديد, ثم تلا قوله تعالى:{ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هاو فانهار به في نار جهنّم, والله لا يهدي القوم الظالمين}. التوبة (109).
وراح يحذر وينذر ويحاسب حتى ادكر من حضر من الناس وخشعوا وأخذ الناصر من ذلك بأوفر نصيب , وقد علم أنه المقصود به فبكى وندم على تفريطه. غير أن الخليفة لم يحتمل صدره لتلك المحاسبة العلنيّة ولشدة ما سمع .
فقال شاكيا لولده الحكم: والله لقد تعمّدني بخطبته وما عنى بها غيري, فأسرف عليّ وأفرط في تقريعي.. ثم استشاط غيظا عليه متذكّرا كلماته وأراد أن يعاقبه لذلك!!.
فأقسم أن لا يصلي خلفه صلاة جمعة, وجعل يلزم صلاتها وراء أحمد بن مطرف خطيب جامع فرطبة.
ولكن لما رأى ولده الحكم تعلق والده بالزهراء والصلاة في مسجدها العظيم.قال له: ما الذي يمنعك من عزل منذر عن الصلاة به اذا كرهته ؟ ولكن الناصر زجره قائلا: أمثل منذر بن سعيد في فضله وخيره وعلمه (لا أمّ لك) يعزل لارضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير القصد؟.
هذا ما لا يكون, واني لأستحي من الله ألا أجعل بيني وبينه في صلاة الجمعة شفيعا مثل منذر في ورعه وصدقه, ولكن أحرجني فأقسمت, ولوددت أن أجد سبيلا الى كفارة يميني بملكي, بل يصلي منذر بالناس حياته وحياتنا ان شاء الله, فما أظن أنا نعتاض منه أبدا. ولما اشتدت الفجوة بين الشيخ منذر بن سعيد والخليفة عبد الرحمن نتيجة محاسبة المنذر له في اسرافه على بناء الزهراء, أراد ولده الحكم أن يزيل ما بينهما فاعتذر له عند الخليفة.
فقال: يا أمير المؤمنين انه رجل صالح وما أراد الا خيرا, لو رأى ما أنفقت وحسن تلك البنية لعذرك ( ويريد بالبنية هنا القبة التي بناها الناصر بالزهراء واتخذ قرامدها من فضة وبعضها من مغش بالذهب, وجعل سقفها نوعين صفراء فاقعة الى بيضاء ناصعة يستلب الأبصار شعاعها).
فلما قال له ولده ذلك أمر ففرشت بفرش الديباج وجلس فيها لأهل دولته.
ثم قال لقرابته وزرائه: أرأيتم أم سمعتم ملكا كام قبلي صنع مثل ما صنعت؟.
فقالوا: لا والله يا أمير المؤمنين, وانك الأوحد في شأنك.
فبينما هم على ذلك, اذ دخل منذر بن سعيد ناكسا رأسه, فلما أخذ مجلسه قال له ما قال لقرابته, فأقبلت دموع المنذر تنحدر على لحيته لسوء ما رأى.
وقال: والله يا أمير المؤمنين ما ظننت أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ, ولا أن تمكنه من قيادتك هذا التمكن مع ما آتاك الله وفضلك به على المسلمين حتى ينزلك منازل الكافرين.
فاقشعر الخليفة من قوله.
وقال له: انظر ما تقول كيف أنزلني الله منازلهم؟.
فقال: نعم, أليس الله يقول:{ لولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقف من فضة ومعارج عليها يظهرون}. الزخرف(33).
فوجم الخليفة ونكس رأسه مليا, وجعلا دموعه تنحدر على لحيته ثم أقبل على المنذر وقال له:
جزاك اله خيرا وعن الدين خيرا, فالذي قلت هو الحق.
ثم قام من مجلسه, وأمر بنقض سقف القبة وأعاده أميرها ترابا على صفة غيرها.

(مقال بين خليفة وقاض في مجلة الأزهر لشهر رمضان 1371 للأستاذ عبد الحميد لبعبادي, وانظر الاسلام بين العلماء والحكام 93)



بين عبد القادر الكيلاني والمقتفي
وهذا الشيخ عبد القادر الكيلاني _ رحمه الله تعالى_ يقف على منبره محاسبا المقتفي لأمر الله, ومنكرا عليه توليه يحيى بن سعيد المشهور بابن المزاحم الظالم القضاء, فقال له مخاطبا: ولّيت على المسلمين أظلم الظالمين وما جوابك غدا عند أرحم الراحمين؟.
فارتعد الخليفة وعزل المذكور لوقته.
(قلائد الجواهر ص8).
 



بين العز بن عبد السلام ونجم الدين أيوب
كان لمماليك الأراك نفوذ في الدولة الاسلامية في أواخر حكم العباسيين, وامتد نفوذهم حتى أصبحوا امراء في الدولة أيام حكم نجم الدين أيوب في مصر, وكان الشيخ العز قاضيا للقضاة فيها, وقام_ رحمه الله_ مصلحا لأمر القضاء منفذا بحزم أحكام الشرع, لا تأخذه في ذلك لومة لائم, فنظر في حقيقة قضية أولئك الأمراء التي أثارها هو ثم أصدر قضاءه الآتي:
قال السبكي: ذكر كائنة الشيخ مع أمراء الدولة من الأتراك وهو جماعة, ذكروا أن الشيخ لم يثبت عنده أنهم أحرار وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين. فبلغهم ذلك, فعظم الخطب فيه واحتدم الأمر, والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا, وتعطلت مصالحهم بذلك, وكان من جملتهم نائب السلطنة فاشتاط غضبا واجتمعوا وأرسلوا اليه.
فقال: نعقد لكم مجلسا وينادى عليكم لبيت مال المسلمين ويحصل عتقكم بطريق شرعي, فرفعوا الأمر الى السلطان, فبعث اليه فلم يرجع فجرت من السلطان كلمة فيها غلظة, حاصلها الانكار على الشيخ في دخوله في هذا الأمر, وأنه لا يتعلّق به, فغضب الشيخ وحمل حوائجه على حمار, وأركب عائلته على حمير أخرى, ومشى خلفهم من القاهرة قاصدا الشام فلم يصل الى نحو نصف بريد حتى لحقه غالب المسلمين, لم تكد امرأة ولا صبي ولا رجل لا يؤبه له يتخلف, ولا سيما العلماء والصلحاء والتجار وأنحاؤهم, فبلغ السلطان الخبر, وقيل له متى راح ذهب ملكك قبله, فرجع واتفق معه على أن ينادى على الأمراء فأرسل نائب السلطنة بالملاطفة, فلم يفد فيه, فانزعج النائب.
فقال: ميف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟ والله لأضربنّه بسيفي هذا.
فركب بنفسه في جماعة, وجاء الى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده, فطرق الباب, فخرج ولد الشيخ.. فرأى من نائب السلطنة ما رأى فعاد الى أبيه وشرح له الحال, فما اكترث لذلك ولا تغيّر.
وقال: يا ولدي أبوك أقلّ من أن يقتل في سبيل الله, ثم خرج كأنه قضاء الله قد نزل على نائب السلطنة, فحين وقع بصره على النائب وسقط السيف منها ارتعدت مفاصله, فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له, وقال: يا سيدي, خير أي شيء تعمل؟.
قال: أنادي عليكم وأبيعكم.
قال: ففيم تصرف ثمنا؟.
قال: في مصالح المسلمين.
قال: من يقبضه؟.
قال: أنا. فتمّ له ما أراد ونادى على الأمراء واحدا واحدا وغالى في ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير _ وهذا لم يسمع قبله أحد رحمه الله ورضي عنه.
(الاسلام بين العلماء والحكام 197).
 



بين العز بن عبد السلام والصالح اسماعيل
ان خلافا نشأ واشتد, وخصاما طفق منذرا بالكيد والحرب بين الأخوين: سلطان الشام الملك الصالح اسماعيل, وسلطان مصر الصالح نجم الدين أيوب وقد أوجس اسماعيل خيفة من نجم الديت أيوب فاستعان بالصليبين أعداء الاسلام, وتحالف معهم على قتال أخيه, وأعطاهم مقابل ذلك مدينة صيدا على رواية المقريزي وغيره, وأمعن اسماعيل في هذه الخيانة فسمح للصليبين أن يدخلوا دمشق ويشتروا منها السلاح وآلات الحرب وما يريدون, وأثار هذا الصنيع المنكر استياء المسلمين وعلماءهم. فهب الشيخ العز بن عبد السلام واقفا في وجه الخيانة والخائنين, وأفتى بتحريم بيع السلاح لهم, وصعد على منبر جامع الأموي بدمشق في يوم الجمعة, حيث كان خطيبه الرسمي وأعلن الفتوى وشدد في الانكار على السلطان بومئذ, وصار يدعو بدعاء " اللهم أبرم لهذه الأمة ابرام رشد يعز فيه أولياؤك ويذل فيه أعداؤك ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك" والمصلون يضجون بالتأمين على دعائه, ولم يكن السلطان حاضرا لتلك الخطبة, اذ كان خارج دمشق, ولما أعلمه رجاله بذلك أمر بعزل الشيخ عن خطبة الجمعة زاعتقاله مع صاحبه الشيخ ابن الحاجب المالكي لاشتراكه معه في هذا الانكار.
وكان أنصار الشيخ قد أشاروا عليه بأن يغادر البلاد وينجو بنفسه من يد السلطان وأعدوا له وسائل الهرب, ولكنّه أبى ذلك, وألحّوا عليه, فأصر على الاباء, فعرضوا عليه أن يختبىء في مكان أمين لا يهتدي اليه السلطان ورجاله, فرفض هذا الغرض أيضا وقال:" والله لا أهرب ولا أختبىء وانما نحن في بداية الجهاد ولم نعمل شيئا بعد, وقد وطنت نفسي على احتمال ما ألقى في هذا السبيل, والله لا يضيع عمل الصابرين".ثم لما قدم اسماعيل الى دمشق أفرج عنهما بعد الاعتقال, ولكن العز بن عبد السلام أمر بملازمة داره وأن لا يفتي ولا يجتمع بأحد البتة, فاستأذنه في صلاة الجمعة مؤتما بامامها وأن يعيد اليه طبيب أو مزين اذا احتاج اليهما وأن يدخل الحمام فأذن له في ذلك, ومرّت الأيام والشيخ في اقامته الجبرية وقد منع من الافتاء والاتصال بأحد من اخوانه أو طلابه, وتعطلت هوايته المفضلة وواجبه المقدّس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فطلب الهجرة من دمشق قاصدا مصر. وأفرج عنه بعد محاورات ومراجعات فأقام بدمشق ثم انتزع منها الى بيت المقدس. فوافاه الملك الناصر داود في الفور فقطع عليه الطريق وأخذه وأقام بنابلس مدة وجدت لهمعه خطوب, ثم انتقل الى بيت المقدس حيث أقام مدة, ثم جاء الصالح اسماعيل والملك المنصور صاحب حمص وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم الى بيت المقدس يقصدون الديار المصرية, فسير الصالح اسماعيل بعض خواصه الى الشيخ بمنديله, وقال له: تدفع منديلي الى الشيخ وتلطف له غاية التلطف وتستنزله وتعده بالعودة الى مناصبه على أحسن حال, فان وافقك فتدخل به عليّ, وان خالفك فاعتقله في خيمة الى جانب خيمتي. فلما اجتمع الرسول بالشيخ, شرع في مسايسته وملاينته.
ثم قال له: بينك وبين أن تعود الى مناصبك وما كنت عليه زيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير.
فقال الشيخ: والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي فضلا عن أقبّل يده,يا قوم أنت في واد وأنا في واد الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به.
فقال الرسول: يا شيخ قد رسم لي أن توافق على ما يطلب والا اعتقلتك.
فقال الشيخ: افعلوا ما بدا لكم. فأخذه واعتقله في خيمة الى جانب خيمة السلطان وكان الشيخ يقرأ القرآن في معتقله والسلطان يسمعه.
فقال يوما لملوك الفرنج: تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن؟.
فقالوا: نعم.
قال: هذا أكبر قسوس المسلمين, وقد حبسته لانكاره علي تسليمي لكم حصون المسلمين وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه ثم أخرجته فجاء الى القدس وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم!!.
فقالت له ملوك الفرنج: "لو كان هذا قسيسنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها".
(واسلاماه لأحمد باكثير 100, وانظر الطبقات للسبكي).
 



بين النووي والظاهر بيبرس
لما خرج الظاهر بيبرس الى قتال التتار بالشام, أخذ فتاوى العلماء بجواز أخذ مال من الرعيّة يستنصر به على قتالهم, فكتب له فقهاء الشام بذلك فأجازوه.
فقال: هل بقي أحد؟.
فقيل له: نعم بقي الشيخ محيى الدين النووي.
فطلبه فحضر.
فقال له: اكتب خطابك مع الفقهاء, فامتنع.
فقال: ما سبب امتناعك؟.
فقال: أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير( بندقار) وليس لك مال, ثم منّ الله عليك وجعلك ملكا وسمعت عندك ألف مملوك, كل مملوك له حياصة من ذهب, وعندك مئتا جارية لكل جارية حق من الحليّ, فاذا أنفقت ذلك كله وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلا من الحوائص وبقيت الجواري بثيابهن دون الحليّ, أفتيتك بأخذ المال من الرعية. فغضب الظاهر من كلامه.
وقال: أخرج من بلدي _ يعني دمشق.
فقال: السمع والطاعة, وخرج الى نوى.
فقال الفقهاء: ان هذا من كبار علمائنا وصلحائنا وممن يقتدى به, فأعده الى دمشق.
فرسم برجوعه, فامتنع الشيخ.
وقال: لا أدخلها والظاهر فيها, فمات بعد شهر.
(من أخلاق العلماء الجزء التاسع).



بين ابن تيمية وغازان
وردت الأنباء في أواخر سنة 698ه, بزحف غازان التتري وجيشه من ايران نحو حلب. وفي وادي سليمة يوم 27 ربيع الأول سنة 699 التقى جمع غازان بجمع الناصر بن قلاوون, وبعد معركة حامية لوطيس هزم جمع الناصر وولى الجند والأمراء الأدبار, ونزح أعيان دمشق الى مصر يتبعون سير الناصر, حتى خلت دمشق من حاكم أو أمير أو أعيان البلاد, لكن شيخ الاسلام ابن تيمية بقي صامدا مع عامة الناس فاجتمع شيخ الاسلام مع من بقي من أعيان البلاد, واتفق معهم على تولي الأمور, وأن يذهب هو على رأس وفد من الشام لمقابلة غازان. فقابله في بلدة البنك, وقد دارت بينهما مناقشة عنيفة. قال البالسي: قال الشيخ ابن تيمية لغازان وترجمانه يترجم كلام الشيخ: أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاض واماموشيخ ومؤذنون على ما بلغنا, فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدك كانا كافرين وما غزوا بلاد الاسلام بعد أن عاهدونا, وأنت عاهدت فغدرت, وقلت فما وفيّت.
وجرع مع ابن تيمية وغازان أمور قام بها ابن تيمية كلها لله, ثم قرب غازان الى الوقد طعاما فأكلوا الا ابن تيمية فقيل له: ألا تأكل؟.
فقال: كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتوه من أغنام الناس وطبختوه بما قطعتم من أشجار الناس؟.
وغازان مصغ لما يقول شاخص اليه لا يعرض عنه, وان غازان من شدة ما أوقع في قلبه من الهيبة والمحبة سألأ: من هذا الشيخ؟؟ اني لم أر مثله, ولا أثبت قلبا منه, ولا أ,قع من حديثه في قلبي ولا رأيتني أعظم انقيادا لأحد منه..
فأخبر بحاله, وما هو عليه من العلم والعمل. ثم طلب منه غازان الدعاء.فقام الشيخ يدعو فقال: اللهم ان كان عبدك ها انما يقاتل لتكون كلمتك العليا وليكون الدين كله لك, فانصره وأيّده, وملّكه البلاد والعباد, وان كان قد قام رياء وسمعة وطلبا للدنيا ولتكون كلمته هي العليا ليذل الاسلام وأهله فاخذله وزلزله ودمّره واقطع دابره, وغازان يؤمّن على دعائه ويرفع يديه. قال البالسي: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفا من أن نتلوّث بدم ابن تيمية اذا أمر بقتله, فلما خرجنا من عنده قال قاضي القضاة نجم الدين وغيره:
كدت تهلكنا وتهلك نفسك, والله لا نصحبك من هنا, فقال: واني والله لا أصحبكم.
قال البالسي: فانطلقوا عصبة وتأخر هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه, فتسامعت به الخواتين والأمراء وأصحاب غازان فأتوه يتبرّكون بدعائه وهو سائر الى دمشق, ووالله ما وصل الى دمشق الا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه.
وكنت أ،ا من جملة من كان معه, وأما أولئك الذين أبوا أ، يصحبوه, فخرج عليهم جماعة من التتار فشلحوهم أي سلبوهم ثيابهم وما معهم.
(مختصر منهاج السنة للذهبي ص332).


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
جهاد حِلِّسْ
  • فوائد من كتاب
  • درر وفوائد
  • الصفحة الرئيسية