الرَدّ الأَسْمَى على القَوْلِ الأَسْنَى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بُعث رحمة للعالمين . وبعد :
فقد كتب الأخ أحمد بن صالح الزهراني كتاباً صدر عام 1419هـ بعنوان
((ضبط الضوابط في الإيمان ونواقضه)) ضمنه اعتقاد المرجئة المذموم في أن العمل الظاهر شرط كمال في الإيمان، وقد أصدرت اللجنة الدائمة بياناً وتحذيراً من الكتاب قالت عنه: ((كتاباً يدعو إلى مذهب الإرجاء المذموم، لأنه لا يعتبر الأعمال الظاهرة داخلة في حقيقة الإيمان)) وكان ذلك برئاسة الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله وعضوية كلٍ من: آل الشيخ والغديان والفوزان وبكر أبوزيد.
ثم يفاجئنا الزهراني مرة أخرى بكتاب آخر بعنوان: ((القول الأسنى في الحد الأدنى )) يؤكد فيه معتقده الإرجائي الردي، في الوقت الذي كنا نعتقد أنه سيهتدي بهدي السلف ويتبع منهجهم ويقتفي أثرهم ويحذو حذو علمائهم. ولما كانت أدلته في هذا الكتاب لا تختلف كثيراً عن أدلته في سابقه، ولما كان الجديد منها سبق أن طرحه هو بنفسه على ساحات الحوار ورد عليه أهل السنة الغيورون على منهج السلف الصالح دون أن يكون هناك أي تراجع منه إلى الحق فإني رأيت أن الرد العلمي على الأدلة دليلاً دليلاً لا طائل تحته ولا فائدة مرجوة منه، فعدلت عن ذلك بطرح مسائل من كتابه هذا ((القول الأسنى)) بينت عوارها وتناقضها بما سميته ((الرد الأسمى على القول الأسنى)) وكان ذلك في ثلاث وثلاثين مسألة:
وقبل البدء في عرضها والتعليق عليها أحب أن أنبه إلى نقطتين:

الأولى: أنني سأمر على الكتاب صفحة صفحة من أوله إلى آخره وكلما وجدت كلاماً له يحتاج إلى تعليق نقلته وجعلته مسألة وعلقت عليها.
الثانية: أعتذر سلفاً للقارئ مما يجد من تكرار لبعض الكلام والتعليقات وما ذلك إلا لأن الكتاب يكرر نفس الفكرة والخطأ والتناقض وسوء فهم عبارات السلف فاقتضى ذلك التكرار للرد عليه.

المسألة الأولى:
قال غفر الله له: ((ولم يشذّ في ذلك إلاّ فرقتان، هوّنت من شأن الكلمة، كلمة التّوحيد، فأمّا إحداهما فأفرغتها من محتواها وجرّدتها من لوازمها، وظنّت أنّ النّجاة المطلقة والأمن المطلق يحصل لمن قالها ولو لم يعمل، وهؤلاء هم المرجئة . وأمّا الأخرى فزعمت أنّها لا قيمة لها في ذاتها، وأنّ قيمة الكلمة في العمل بإطلاق، فكفّرت مرتكب الكبيرة وتارك الفرائض، وزعمت أنّه خالد مخلّد في النّار، وأتبعت ذلك بتطبيق كافّة أحكام المرتد في حقه، وهؤلاء هم الخوارج الحروريّة كلاب النّار .))
التعليق:
يوهم -هداه الله- أن ليس ثمت إلا هاتين الفرقتين :
الأولى: المرجئة وهم عنده من ظن أن النجاة المطلقة تحصل لمن قال كلمة التوحيد ولو لم يعمل .
والثانية: الخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة وتارك الفرائض، وفي هذا من التدليس والتلبيس ما فيه .
فأولاً نقول له وماذا عن الفرقة التي تقول أن النجاة تحصل لمن قال كلمة التوحيد ولو لم يعمل هل هي من المرجئة أم لا ؟ طبعاً سيقول لك لا! لأنه من هذه الفرقة فهو يقول بالنجاة ولو لم يعمل لكن ليست النجاة المطلقة، لأن الزهراني ومن نحا نحوه يرون نجاة من قال كلمة التوحيد ولو لم يعمل شيئاً، لكنه لا يرى النجاة المطلقة –يعني يعذب ثم يخلد في الجنة- وهذه الفرقة لم يذكرها مع وجودها .
فنقول له وماذا عمن عدها من المرجئة هل هو من الخوارج كلاب النار وقد علمت قبل قليل من قال بذلك من العلماء المعاصرين.
وثانياً: لماذا الخلط بين من كفر مرتكب الكبيرة ومن كفر تارك الفرائض مع أن الأول من الخوارج بالإجماع والثاني قال به بعض أهل السنة، أهو الجهل أم التدليس على الجهلة؟! أحلاهما أمرهما.

المسألة الثانية:
أطال في الكلام عن الخوارج وسمات الخوارج وكأن الخلاف بينه وبينهم فقط مع أنه كما مرَّ معك الخلاف بينه وبين كبار العلماء وعلى رأسهم الإمام عبدالعزيز بن باز فتأمل!!

المسألة الثالثة:
تحت عنوان: ((الحدّ الأدنى للإسلام)) قال: ((هذه هي الصّورة الّتي أودّ الحديث عنها وهي رجل ينطق بالشّهادتين مقرّاً بها قلبُه ولم يأت بناقض لها، هل هو تحت المشيئة أم لا؟))

التعليق:

 لو كان مقراً بها حقاً لأتى بمقتضياتها، وما رأيك لو قال قائل: رجل ينطق بالشّهادتين مقرّاً بها قلبُه وأتى بناقض لها ألا يعتبر هذا تناقضاً؟! فهذا كهذا، لأن مخالفك يعد ترك عمل الجوارح بالكلية ناقضاً من نواقض الإيمان.

المسألة الرابعة:
ثم قال: (( وبعض النّاس يجعل هذه الصّورة وهميّة لا تقع في الشّاهد، ويستدلّ بكلامٍ لشيخ الإسلام رحمه الله كقولـه: ( ولهذا فرض متأخّروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أنّ الرّجل إذا كان مقرّاً بوجوب الصّلاة فدُعي إليها فامتنع واستُتيب ثلاثاً مع تهديده بالقتل فلم يصلّ حتّى قتل، هل يموت كافراً أو فاسقاً ؟ وهذا فرضٌ باطل، فإنّه يمتنع أن يكون الرّجل يعتقد أنّ الله فرضها عليه وأنّه يعاقبه على تركها ويصبر على القتل مقابل أن لايسجد لله من غير عذر، هذا لايفعله بشرٌ قـط، بل لا يُضرب أحـدٌ مـمّن يقرّ بوجوبها إلاّ صلّى )
التعليق:
ما رأيك لو قتل وهو مقرٌ بها قلبه هل تكفره؟ فإن قلت: يمتنع، قلنا لك: وذاك الذي لم يعمل العمل الظاهر مطلقاً يمتنع أن يكون مقراً بقلبه، فدليلك على امتناع ذاك هو دليلنا على لمتناع هذا.

المسألة الخامسة:
ثم قال: ((ولكنّ النّصوص من الكتاب والسّنّة دالّةٌ كذلك على أنّ من تركه مع بقاء أصل الإيمان لديه وهو التّصديق بقلبه والإقرار بلسانه داخل في عموم المشيئة، وأنّه من الموحّدين الّذين يخرجون من النّار بشفاعة الشّافعين ورحمة أرحم الرّاحمين ..))
التعليق:
 قلت: الزهراني أتي من حيث أتى الخوارج، فالخوارج اعتمدوا على آيات و أحاديث مطلقة في الوعيد فأجروها على ظاهرها دون أن يجمعوا بينها وبين نظائرها من أحاديث الوعد، والزهراني اعتمد على أحاديث مطلقة في الوعد دون أن يجمع بينها وبين نظائرها في الوعيد وسترى هذا أخي القارئ واضحاً جلياً مما سيأتي من مسائل وتعليقات عليها، والله المستعان والوسط عزيز إلا على من أعزه الله بهدي السلف.

المسألة السادسة:
ثم قال: ((وهاك بيانه من الكتاب والسّنّة وأقوال الأئمّة والنّظر الصّحيح: )) ولم يستشهد إلا بآية واحدة وهي قولـه تعالى: {إِنَّ الله لَاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ باللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء:116]
التعليق:
 أين الشاهد هنا؟ فإن قال: الشاهد أن الله جعل الشرك وحده هو الذي لا يغفر أما غيره فهو تحت المشيئة ومن ذلك ترك أعمال الجوارح لأنها ليست شركاً. قلنا له يلزمك أن تقول سب الله ورسوله وسائر النواقض تحت المشيئة لأنها ليست شركاً. فإن قلت هذه نواقض قلنا وتلك أيضاً نواقض. فإن قلت هذه كفر ولا فرق بين الكفر والشرك قلنا وتلك كفر أيضاً وكل ما تقولـه عن النواقض الفعلية ينطبق عليك هنا في النواقض التركية. فأين الشاهد من الآية؟!

المسألة السابعة:
ثم قال: ((ومن السنة أحاديث الشّهادتين: . قولـه صلى الله عليه وسلم: ( من مات لايشرك بالله شيئاً دخل الجنّة ) . . قولـه صلى الله عليه وسلم: ( ما من عبد قال لا إله إلاّ الله ثمّ مات على ذلك إلاّ دخل الجنّة، قال أبوذر: وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق) . . قولـه صلى الله عليه وسلم: ( من قال لاإله إلاّ الله أنجته يوماً من دهره أصابه قبل ذلك ما أصابه ) .
وجه الدّلالة: دلالة أحاديث الشّهادتين على عدم كفر تارك العمل الظّاهر من أوجه:
أوّلها: أنّها تشترك في قيد واحد على اختلاف ألفاظها وتعدد مخارجها، وهو قول: لا إله إلاّ الله، وفُسّر هذا في الأحاديث الكثيرة جداً بقولـه: ( لا يشرك بالله شيئاً )،كما في حديث جابر وغيره، وهذا القيد منطبق تماماً على من قالها وترك الشرك ولو لم يعمل من الخير شيئاً، ومن قال إنّها لا تكفي فقد استدرك على النّبيّ)) وفي موطن آخر قال: ((في ذلك اتّهامٌ للنّبي صلى الله عليه وسلم بالتّقصير في البيان)) .
التعليق:
أولاً: هذه أحاديث الشهادة الواحدة وليس الشهادتين، والمؤلف يرى أن الأحاديث تؤخذ على (ظاهرها المحض) وهذا لفظ عبارته -كما سيأتي- فهل سيأخذها هنا على ظاهرها المحض أم أنه حسب الهوى؟!
ثانياً: يقال عن الحديث الأول ما قيل عن الآية.
ثالثاً: الحديث الثاني والثالث فيهما: ((من قال لا إله إلا الله)) وليس فيهما ((وأن محمداً رسول الله)) فما رأي المؤلف فيمن لم يقلهما؟ فإن قال: المقصود الشهادتين قلنا له كيف عرفت ذلك؟ أليس من أحاديث أخر؟ فإن قال: بلى، كان هذا حجة عليه في استشهاده بحديث البطاقة وحديث ((لم يعمل خيراً قط)) كما سيأتي.
رابعاً: قوله: ((ومن قال إنّها لا تكفي فقد استدرك على النّبيّ)) فهل هو يقول أن هذه الكلمة وحدها (لا إله إلا الله) بدون (وأن محمداً رسول الله) تكفي؟! أم أنه سيستدرك على النبي؟! وهل لو قال لا تكفي يكون قد اتّهم النّبي صلى الله عليه وسلم بالتّقصير في البيان؟!

المسألة الثامنة:
ثم قال: ((أنّ النّبيّ عندما أراد أن يبيّن القيود اللازمة لكون الشّهادتين نافعة في النجاة من الخلود أو لدخول الجنة مطلقاً قيّدها بالصّدق القلبي فقط)) ثم استشهد بحديث محمود بن الرّبيع عن عتبان: (( أليس يشهد أن لا إله إلا الله فلما كان في الثالثة قالوا إنه ليقولـه،قال والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقا من قلبه لا تأكله النار أبدا وفي رواية البخاري: ((فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) يعني مخلصاً فيها صادقاً ومدار هذا على القلب.
التعليق:
عوداً على التصديق القلبي، هل يكون من ترك جميع أعمال الجوارح لا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا صدقة ولا حج ولا ذكر ولا قراءة قرآن ولا أي خير أو عمل صالح يبتغي به وجه الله ؛ هل يقال عن هذا أنه يشهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه؟! وهل يقال عنه أنه قالها يبتغي بذلك وجه الله؟! هل يقول هذا من يعرف منهج أهل السنة في الإيمان ويعرف علاقة الظاهر بالباطن؟! ثم نقول له مرة أخرى ما رأيك فيمن يقول كما في الحديث: ((لا إله إلا الله صادقاً من قلبه)) ويقولها ((يبتغي بذلك وجه الله)) لكن لا ينطق بالشهادتين هل تنجيه؟!

المسألة التاسعة:
استشهاده بحديث: ((وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه)) . يقال فيه ما قيل في سابقه.

المسألة العاشرة:
استشهاده بحديث: ((ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر الله لها)) ويقال فيه ما قد قيل من قبل، وأي يقين في قلب لم تخضع جوارحه ولم تعبد الله قط بأي وجه من وجوه العبادة؟! وتذكر أخي القارئ وأنت تقرأ هذا الكلام ما ذكرته لك من أن الزهراني هذا أوتي من حيث أوتي الخوارج من تغليب أحاديث على أخرى دون الجمع بينها كما هو منهج الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة، وسأذكرك بهذا بين فينة وأخرى حتى يظهر ذلك لك جلياً.

المسألة الحادية عشر:
استشهاده بحديث: ((انطلق بهما وبشّر من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا لإله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنّة)) ويقال فيه ما قد قيل من قبل، وأي استيقانٍ هذا، من قلب لم تخضع جوارحه ولم تعبد الله قط بأي وجه من الوجوه ؟!

المسألة الثانية عشر:
ثم قال: ((وفي هذه النصوص لم يذكر العمل، بل ذكر الصدق في قولـه:أن يصدق لسانه قلبه، ولم يقل: يصدق عمله قولـه))
التعليق:
وأيضاً لم يذكر هنا عمل القلب فما تقول؟!

المسألة الثالثة عشر:
ثم قال: (( وممّا يدلّ على أنّ تلك الأحاديث على ظاهرها المحض))
التعليق:
سبق أن ذكرت لك أخي القارئ في المسألة الخامسة أن الزهراني هذا أوتي من حيث أوتي الخوارج شعر أم لم يشعر، فهم قد أتوا بأحاديث الوعيد كحديث ((لا يدخل الجنة من فعل كذا وكذا000)) وقالوا: تلك الأحاديث على ظاهرها المحض وكفروا مرتكب الكبيرة ولم ينظروا إلى قوله تعالى مثلاً: { إِنَّ الله لَاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} والزهراني أخذ أحاديث الوعد وقال: ((تلك الأحاديث على ظاهرها المحض)) بل الخوارج اطردوا وهو اضطرب كما مرَّ معك. فتأمل هذا جيداً فإنه يتكرر كثيراً.

المسألة الرابعة عشر:
ثم قال: ((الشّهادة وحدها منجية من الخلود في النّار)) نقول له الشهادة أم الشهادتان وهل تلك الأحاديث التي فيها الشهادة وحدها نجريها على ظاهرها المحض أم لا؟

المسألة الخامسة عشر:
ثم قال معلقاً على حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((انطلق بهما وبشّر من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنّة)): ((وشيءٌ آخر:وهو أنّ حمل الحديث على أنّ الشّهادتين لا تنفع إلاّ بعمل يفقد الحديث أهمّيّته))
التعليق:
لاحظ هو الآن يتكلم عن حديث فيه ((يشهد أن لا إله إلاّ الله)) وليس فيه ((وأن محمداً رسول الله)) فلم لم يجره على ظاهره المحض؟ فإن قال: كلمة التوحيد إذا أفردت يفهم منها الشهادتان وهذا ديدن السلف، قلنا له هذا صحيح وكذلك إذا ورد في الحديث: (صادقاً من قلبه) أو (موقناً بها قلبه) أو (إلا بحقها) فهموا منه العمل القلبي والبدني، أما قرأت حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مانعي الزكاة وكيف جعل الزكاة وهي عمل بدني من أعمال الجوارح من حقها؟!

المسألة السادسة عشر:
ثم قال تعقيباً على الحديث نفسه: ((إنّ للشّهادتين ميزةٌ خاصّة، وهي أنّها سبب لدخول الجنّة ولو بعد حين على أيّ حال كان عليه الإنسان مادام لم ينقض معناها))
التعليق:
أولاً: من أين لك بالشهادتين وليس في الحديث إلا شهادة واحدة؟
ثانياً: من أين لك أن الشهادة سبب في دخول الجنة ما لم ينقض معناها وليس في الحديث ذكر شئ من ذلك؟ فأين جريان الحديث على الظاهر المحض؟
ثالثاً: مخالفك يرى أن ترك جميع أعمال الجوارح من نواقض معنى الشهادة فما أنت قائل؟

المسألة السابعة عشر:
ثم طنطن كثيراً حول حديث: ((لم يعمل خيراً قط))
التعليق:
كنت قد رددت عليه قبل مدة برد موجز أعيده هنا للفائدة، فأقول: توجيه الأحاديث التي فيها: (لم يعمل خيراً قط )
الوجه الأول: التمسك بعموم هذه اللفظة يلزم منه عدم تكفير تارك جنس عمل القلوب. لأن كلاهما يطلق عليه عمل فهذا عمل القلب وهذا عمل الجوارح . فإن قيل جنس عمل القلب موجود في الحديث وهو الخشية من الله، قيل وجنس عمل الجوارح موجود كذلك وهو ذكره لله.
الوجه الثاني: أنه يصح في اللغة والشرع إطلاق لفظ لم يعمل خيراً أو شيئاً بصيغة النكرة في سياق النفي ولا يعنون به النفي بالكلية ، قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان (ص 41): ((000 فإن قال قائل: كيف يجوز أن يقال:ليس بمؤمن ، واسم الإيمان غير زائل عنه ؟ قيل:هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المتستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا عمله على غير حقيقة ، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً ، وإنما وقع معناه هاهنا على نفي التجويد لا على الصنعة نفسها ، فهو عندهم عامل بالاسم ، وغير عامل في الاتقان ، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا .... وقد وجدنا مع هذا شواهد لقولنا من التنزيل والسنة)). وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد (2/732): (( هذه اللفظة (لم يعملوا خيراً قط) من الجنس الذي يقوله العرب ، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل {لم يعملوا خيراً قط } على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه وأمر به وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي)) أ.هـ. وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 7/27): (( لأن ما لم يتم ينفى كقوله للذي أساء في صلاته (صل فإنك لم تصل) فنفي الإيمان حيث نفي من هذا الباب)) أ.هـ.
الوجه الثالث: جاء في السنة إطلاق (لم يعمل خيراً قط) على من عمل بعض أعمال الجوارح ، كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان ممن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ...) الحديث وفيه: (فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى ، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط). فالمجيء المصحوب بالتوبة من أعمال الجوارح والقلوب ومع هذا قيل في حقه (لم يعمل خيراً قط) وأذكرك أخي القارئ بطريقته في عدم جمعه بين الأحاديث كطريقة الخوارج في تعاملهم مع أحاديث الخوف والوعيد.

المسألة الثامنة عشر:
ثم أورد حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وهو حديثٌ طويلٌ نسوق منه موضع الشّاهد، قال عليه الصّلاة والسّـلام: (حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار، 000 فيقبض قبضةً من النّار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط 000قال: فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنّة، هؤلاء عتقاء الله الّذين أدخلهم الجنّة بغير عمل عملوه ولاخير قدّموه) وهذا الحديث قمّةٌ ليس بعدها إلاّ انحدار، وحقٌّ ماوراءه إلاّ الباطل، فانظر إلى هذه الصّورة المشرقة لرحمة الله تعالى، وإلى التّدرّج في إخراج العصاة من النّار ابتداءً بأهل العمل الظّاهر من صلاة وصوم وحج حتّى من ليس معهم إلاّ كلمة التّوحيد دون عملٍ عملوه .
التعليق:
أولاً: هذا المنحدر الذي زعم هو الذي سلكه علماؤنا الأجلاء وعلى رأسهم ابن باز رحمه الله. وهذا الذي سماه الزهراني باطلاً هو ما يقولون به وهو يعلم ذلك يقيناً. فتفكر في جرأته على العلماء –ومن رأى مني قسوة عليه في الرد فليتذكر قسوته عليهم وإن لم يسمهم-.
ثانياً: من أين لك يا زهراني أن ليس معهم إلا كلمة التوحيد وليس في الحديث ذكر لها البتة، ثم أليست هي من العمل الظاهر، أليست هي تلفظ بالشهادة أم هي تصديق قلبي فقط، فإن قلت بل هي من عمل الظاهر فلماذا لم تدرجها مع قولك: من صلاة وصوم وحج 000لِمَ لَمْ تقل وتلفظٍ بالشهادة؟ وإن قلت بل هي تصديق قلبي-ولا اخالك- فقد وقعت فيما وقعت فيه الجهمية.
ثالثاً: ثم كيف تجمع بين قولك أن معهم كلمة التوحيد وبين قوله في الحديث: (ولا خير قدموه) وهل هناك قول أو عمل هو أخير من كلمة التوحيد؟! بل هي الخير كله، فكيف يقال عمن قال كلمة التوحيد أنه لم يقدم خيراً؟! أم أن للحديث معنى غير الذي فهمته؟ راجع: المسألة السابقة.

المسألة التاسعة عشر:
أورد حديث: (وعزّتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجنّ من قال لاإله إلاّ الله ) فلو كان مع هؤلاء شيء من أعمال الجوارح لذكره النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولأخرجه مع من قبله ولكنّه صريحٌ أنّه إنّما استأذن ربّه تعالى في قومٍ لم يجد مـعهم إلاّ كلمة التّوحيد وأنعم بها.
التعليق:
مرة أخرى ما رأي الزهراني لو قال قائل: لو كان مع هؤلاء شهادة أن محمداً رسول الله لذكره النّبيّ صلى الله عليه وسلم.؟! وما رأي الزهراني لو استشهد الخارجي بحديث ظاهره الخلود في النار لمرتكب المعصية وقال لو كان هذا ينجيه لذكره النبي صلى الله عليه وسلم. لكنا نقول له وللخارجي ما هكذا يا سعد تورد الإبل، والأحاديث تُجمع ويوفق بينها ولا تضرب ببعضها.

المسألة العشرون:
ثم قال –وليته ما قال-: ((وقبلاً أريد بيان أمر هام: وهو أنّ ثقل الأعمال يوم القيامة في الميزان ليس بكثرتها، بل بما يقوم بقلب فاعلها من الأعمال القلبيّة الّتي تزيد في وزن العمل أو تنقصه سلباً أو إيجاباً. فالحسنات يثقلها في الميزان ما يقوم بقلب فاعلها من يقيٍن وإخلاصٍ ورجاءٍ وخوفٍ واتّباعٍ للسّنّة، وكلّما زاد الإخلاص واليقين زاد ثقل العمل في الميزان وكلّما نقصا خفّ وزن العمل في الميزان . وكذلك السّيّئات، فإنّ ثقلها في الميزان وخفّتها راجعٌ إلى ما قام بقلب فاعلها يوم فعلها: فالاستخفاف والتّهاون والإصرار وعدم تحديث النّفس بالخوف من الله والاستغفار والتّوبة، كلّ هذه أمور تزيد من ثقل الذّنب في الميزان))
التعليق:
هذا سرُّ وقوعه فيما وقعت فيه المرجئة، فأهل السنة والجماعة يقولون الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذه الزيادة والنقصان في الإيمان ليس على ما يقوم بقلب الفاعل فحسب بل بحسب زيادة هذه الطاعات والمعاصي،فمن تزكى لا كمن تزكى وذكر اسم ربه وصلى، ومن زنا مرة لا كمن زنا مرتين، ومن زنا فقط لا كمن زنا وشرب الخمر، وهكذاكلما زادت أعمال الجوارح زاد الإيمان أو نقص بحسب كونها طاعات أو معاصٍ. كما أنه كلما زادت أعمال القلوب زاد الإيمان أو نقص بحسب كونها إخلاص ويقين 000أو استخفاف وتهاون. فتأمل هذا جيداً فإنه مهم جداً، فإذا تبين لك هذا علمت وجه خطئه في قوله: ((ثقل الأعمال يوم القيامة في الميزان ليس بكثرتها، بل بما يقوم بقلب فاعلها من الأعمال القلبيّة)) ومشابهته لاستهانة المرجئة بعمل الجوارح وصدق فيهم قول سفيان الثوري -رحمه الله- : ((تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري)) وهي الثياب الرقيقة.

المسألة الحادية والعشرون:
ثم ذكر حديث البطاقة وقال: وهاك قول ابن كثير رحمه الله بعد أن أورد الحديث: ((وهذا دال على أن العلم قد يُرفع من الناس في آخر الزمان ...وهم يقولون: لا إله إلا الله فهم يقولونها على وجه التقرب إلى الله عزوجل فهي نافعة لهم وإن لم يكن عندهم من العمل الصالح والعلم النافع غيرها000))
التعليق:
سبحان الله لا ينقضي عجبي وأنا أقرأ لأخينا الزهراني هذا، كيف يفهم النصوص، وكيف يستشهد بما لا شاهد فيه بل قد يكون دليلاً عليه، فكلام ابن كثير هنا بعد رفع العلم وماذا بعد رفع العلم إلا الجهل، والجهل كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة من موانع التكفير فهذا الذي وقع في ناقض من نواقض الإيمان سواءً عملاً أم تركاً لو وقع فيه جهلاً منه في زمن رفع فيه العلم ولا يعلمون فيه ما صلاة ولا زكاة ولم يبق فيه إلا كلمة التوحيد أنكفره؟ وهل يصح أن يقاس هذا على من يعيش في بلد الإسلام والتوحيد والعلم والعمل أيضاً وهو لا يعمل أي شيء من أعمال الإسلام؟! سبحان الله ما أسوأ الجهل كيف يودي بصاحبه المهالك.

المسألة الثانية والعشرون:
ثم ذكر حديث الجارية المشهور وفيه: ((فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السّماء، قال: من أنا ؟ قالت: أنت رسول الله فقال له: اعتقها فإنّها مؤمنة)) ثم قال: ((أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّما أخبر عن تلك الأمة بالإيمان الظّاهر الّذي عُلّقت به الأحكام الظّاهرة، وإلاّ فقد ثبت عنه أنّ سعداً لمّا شهد لرجل أنّه مؤمن قال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (أو مسلم) ، وكان يظهر من الإيمان ما تظهره الأمة وزيادة، فيجب أن يُفرّق بين أحكام المؤمنين الظّاهرة الّتي يحكم بها على النّاس في الدّنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثّواب والعقاب))
التعليق:
يقال له هنا: أليس في هذا استدراك على النبي صلى الله عليه وسلم، أليس فيه اتهام له بالتقصير في البيان، كما هي قاعدتك؟

المسألة الثالثة والعشرون:
ثم قال: ((ثمّ تأمّل معي هذا الدّليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ). تأمّل قولـه: من أخيه، فقد أثبت له الأخوّة الإيمانيّة مع قولـه في الحديث ( وإن لم تكن له حسنات) فماذا يعني هذا ؟ ألا يدلّ على أنّ المؤمن قد يوافي الله بلا حسنات ولا عمل صالح إلاّ توحيده ؟.))
التعليق:
أولاً: في الحديث لم تكن له حسنات وليس فيه لم يأت بحسنات، فهو قد يكون أتى بحسنات وأخذت منه وأعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى لم تكن له حسنات فيؤخذ من سيئات خصمه وتطرح عليه.
ثانياً: أليست أعمال القلوب حسنات فهل هذا وافى الله بلا شيء من أعمال القلوب؟! ثالثاً: مَن مِن العلماء فهم ما فهمته من هذا الحديث؟ ثم يقال له ما قد قيل من قبل بضرورة الجمع بين الأحاديث وعدم ضربها ببعض.

المسألة الرابعة والعشرون:
((ثم نقل كلام عدد من الأئمة وهم: الزّهري، أحمد، الطّبري، ابن بطّة، البيهقي، ابن مندة، محمّد بن نصر، ابن عبدالبر، ابن حزم، الحميدي، النّووي، أبي يعلى، ابن تيميّة، ابن القيّم، ابن رجب، ابن كثير، ابن حجر، ابن الوزير، السّفّاريني، المقبلي، القاسمي، ثم زعم أن هذا مذهب جمهور أهل الحديث)) ولا يعنيني الرد على ما نقله هنا، فقد كفانا ذلك أخونا السلفي الشيخ (الموحد) بارك الله فيه في سلسلة فريدة لم تنته بعد، تطرق فيها لما نقله من أقوال العلماء وردَّ عليها واحداً واحداً، لكني سأقف معه وقفتين ليعلم القارئ كيف يعمل الهوى بصاحبه:
الأولى: زعمه أن هذا مذهب جمهور أهل الحديث، وبعد الرجوع لمن نقل عنهم هذا الزعم من أئمة أهل الحديث كما هو المفترض وإذا به ينقل عن البيهقي، والبيهقي كما هو معلوم فيه أشعرية والأشاعرة مرجئة في الإيمان والمتأثر بمنهجهم متأثر بمنهج المرجئة ولا شك، فلا أدري ألا يعلم الزهراني عقيدة البيهقي، أم يعلم لكن لايعلم أن الأشاعرة مرجئة في الإيمان، أمران أحلاهما مرٌ، أم يعلم ذلك ثم يدلس على القراء حتى يثبت أن ما هو عليه هو مذهب جمهور أهل الحديث، هذا إن سلمنا له أن البيهقي نقل هذا عن جمهور أهل الحديث والواقع أن النقل الذي نقله عن البيهقي وأردفه بنقل آخر عن محمد بن نصر لاعلاقة له بمسألة النزاع وهي ترك جنس العمل البتة. فتأمل!!
الثانية: زعمه أن هذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا من المضحكات والمكابرات ، وقد كنت فتحت معه حواراً لمناقشة أقوال العلماء الذين أوردهم وقلت له نبدأ بشيخ الإسلام فإن ثبت أنه يرى ما تراه انقطع الحوار ورجعت عن قولي وإلا فيلزمك أن تعترف بأن هذا ليس مذهب شيخ الإسلام واستمر الحوار أياماً ثم انقطع عن الحوار ولم يحر جواباً فيما أوردته عليه من كلام شيخ الإسلام والعجيب أنه لم يورد كلام شيخ الإسلام الذي أوردته عليه، لا عند نقله أقوال العلماء التي تؤيده تحت عنوان (سلف هذا القول) ولا تحت عنوان (توجيه كلام الأئمّة الّذي يُفهم منه تكفير تارك العمل) وقد كنت والله أظن أنه سيأتي بكلام ابن تيمية الذي أوردته عليه ثم يوجهه، لكن كعادة أهل البدع يأخذوا ما لهم ويدعوا ما عليهم، وسأورد هنا بعض ما نقلته له من كلام ابن تيمية ولم يورده مع علمه به ثم هو يتبجح بضم شيخ الإسلام مع الذين يقولون بعدم كفر تارك جنس العمل فياسبحان الله!! قال شيخ الإسلام عليه رحمة الله: (( وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا غير ذلك من الواجبات ... )) انظر: مجموع الفتاوى (7/621)، وقال أيضاً: ((... وهنا أصول تنازع الناس فيها ، منها : أن القلب ، هل يقوم به تصديق ، أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح ، وإنما يظهر نقيضه من غير خوف؟ فالذي عليه السلف والأئمة ، وجمهور الناس أنه لابد من ظهور موجب ذلك على الجوارح. فمن قال : أنه يصدق الرسول ، ويحبه ، ويعظمه بقلبه ، ولم يتكلم قط بالإسلام ، ولا فعل شيئاً من واجباته ، بلا خوف ، فهذا لا يكون مؤمناً في الباطن ، وإنما هو كافر...)) انظر: مجموع الفتاوى (14/120) وقال أيضا: ((000إن حقيقة الدين هو الطاعة و الإنقياد و ذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئاً فما دان لله ديناً، و من لا دين له فهو كافر)) انظر: شرح العمدة ( 2/86 ) فهل بعد هذه النقول الصريحة يقول عاقل منصف أن شيخ الإسلام لا يرى كفر من ترك جنس الأعمال، اللهم رحماك رحماك!!

المسألة الخامسة والعشرون:
قال تحت عنوان (جنس العمل): ((يعتقد بعض النّاس أنّ المراد بجنس العمل هو العمل الظّاهر فقط أي أعمال الجوارح وهذا خطأ بلاريب، فإنّ المراد من هذا الاصطلاح كلّ ما دخل تحت مسمّى عمل ممّا أمر الله به ورسوله، وهذا يشمل نوعين من الأعمال، أحدهما عمل القلب وهو أصل الإيمان، والآخر عمل الجوارح وهو من الإيمان قطعاً، فمن ترك جنس العمل أي عمل القلب وعمل الجوارح فهذا الّذي لا يمكن أن يتصوّر معه إسلام أو إيمان، لأنّ من هذا حاله لم يبق معه إلاّ التّصديق أو المعرفة والتّفريق بينهما عسير كما قال شيخ الإسلام))
التعليق:
سبحان الله كيف يعمل الهوى بصاحبه انظر كلامه قبل صفحات قال: ((التّعبير بأعمال القلب تعبيرٌ حادث هو من تصنيف العلماء من باب محاجّة المرجئة، وأمّا إذا ذُكر العمل في النّصوص الشّرعيّة فالمقصود به العمل الظّاهر أي عمل الجوارح وإنّما يُعبّر عن العمل القلبي في النّصوص بالإيمان) وهنا يقول إذا ذكر العمل فالمقصود به عمل القلب والجوارح فأي القولين نأخذ؟ ثم إننا نقول كما يقول إذا انتفى عمل القلب وعمل الجوارح لا يمكن أن يتصوّر معه إسلام أو إيمان لكن نزيد على ذلك ونقول: وإذا انتفى عمل الجوارح انتفى عمل القلب لارتباط الظاهر بالباطن وهذا ما صرح به ابن تيمية بقوله: ((ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم ، لابد أن يظهر على الجوارح ، وكذلك بالعكس ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن)) وبقوله عن المرجئة: ((لكنّهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم وإن أدخلوها لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً فإنّها لازمة لها أيضاً))

المسألة السادسة والعشرون:
عدم فهمه لكلام العلماء بل قل لويه لأعناق كلامهم حتى تطاوع فهمه، نقل قول ابن تيمية رحمه الله قوله: ((وبهذا تعرف أنّ من آمن قلبه إيماناً جازماً امتنع أن لا يتكلّم بالشّهادتين مع القدرة ، فعدم الشّهادتين مع القدرة مستلزمٌ انتفاء الإيمان القلبي التّام ، وبهذا يظهر خطأ جهم ومن اتّبعه في زعمهم أنّ مجرّد إيمان بدون الإيمان الظّاهر ينفع في الآخرة فإنّ هذا ممتنع ، إذ لا يحصل الإيمان التّام في القلب إلاّ ويحصل في الظّاهر موجبه بحسب القدرة ...)) وقد جعل كلمة التام بخط أسود عريض وفسرها بمعنى الإيمان الكامل أو الواجب، والسؤال هنا هل الذي لا ينطق بالشهادتين مع القدرة يكون إيمانه صحيح لكن غير كامل؟ أم نقول إيمانه غير صحيح؟ الجواب البدهي أن نقول من لم ينطق بالشهادتين مع القدرة فلا إيمان له أي إيمانه مردود عليه غير مقبول غير صحيح، هذا الإيمان عبر عنه ابن تيمية بالإيمان القلبي التام فما معنى التام هنا؟ وقارن ذلك بما فهمه الزهراني يظهر لك مدى فهمه لكلام العلماء.، فإذا علمت أن معنى التام هنا أي الصحيح المقبول ثبت لك أن ابن تيمية يقول يمتنع أن يكون للعبد إيمان تام (صحيح) دون أن يكون منه إيمان ظاهر وهو عمل الجوارح. ومثال آخر، نقل عن شيخ الإسلام قولـه: ((لكنّهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم وإن أدخلوها لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً فإنّها لازمة لها أيضاً)) . فعلق الزهراني: ((فثبت بهذا أنّ المحكّ وأنّ موضع النّزاع الحقيقي مع المرجئة هو عمل القلب)) - نقول ثور يقول احلبوه- ابن تيمية يقول أعمال القلوب مستلزمة لأعمال الجوارح فيأتي الزهراني ويقول: فثبت أن المحك وموضع النزاع مع المرجئة هو عمل القلب، ويقف، وكان الأولى إنصافاً أن يكمل فيقول: المحك و موضع النّزاع 000هو عمل القلب المستلزم لعمل الجوارح! أي أن أعمال الجوارح داخلة في النزاع بين أهل السنة والمرجئة بدليل أنهم لا يقولون الإيمان يزيد وينقص وأهل السنة يقولون يزيد بطاعات الجوارح والقلب وينقص بمعاصي الجوارح والقلب، كما مرَّ في المسألة العشرين.

المسألة السابعة والعشرون:
ثم قال: ((وفي الحقيقة، فإنّ القول بزيادة الإيمان ونقصانه أكبر دليل على ماقرّرناه في حقيقة الإيمان وحدّه الأدنى، لأنّ السّلف القائلون بأنّه ينقص، لم يبيّنوا إلى أيّ حدّ ينقص إيمان المؤمن، وليس في الشّرع حدٌّ ينتهي إليه إيمان المؤمن، إلاّ النّطق بالشّهادتين مع القدرة فقد دلّ عليه النّصّ والإجماع، وإلاّ انتفاء الإيمان القلبي الّذي لايدلّنا عليه شيء غير الوقوع في النّاقض))
التعليق:
قلت: في هذا الكلام مغالطات عدة، منها: قوله ((أن السلف القائلون بأنّه ينقص، لم يبيّنوا إلى أيّ حدّ ينقص إيمان المؤمن)) وهذا غير صحيح فقد بينوا أنه ينقص حتى ينعدم أي لا يبقى منه شيء، وكل ما كان قابلاً للنقص كان قابلاً للعدم فهو ينقص وينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء. ومنها قوله: ((وليس في الشّرع حدٌّ ينتهي إليه إيمان المؤمن)) وأنا لا أعلم من أين يأتي هذا الرجل بهذه الاطلاقات كيف يقول ليس في الشرع حد ينتهي به إيمان المؤمن؟! الشرع حدًّ إيمان المؤمن بحدود يخرج بها عنه كالشرك به سبحانه والوقوع في ناقض من نواقض الإسلام والتي منها عدم التصديق والاعتقاد القلبي وعدم التلفظ بالشهادتين وترك جميع أعمال الجوارح، لذلك قال السلف : الإيمان قول وعمل واعتقاد، فحدوه بهذه الحدود فمن لم يقل أو يعتقد أو يعمل فقد خرج عن حدود الإيمان ودخل في حدود الكفر والعياذ بالله.

المسألة الثامنة والعشرون:
قوله: ((رابعاً: أنّ المعارض غفل عن حقيقة مهمّة، وهي أنّ تارك العمل مازال عنده إيمان ظاهر وهو النّطق بالشّهادتين، وترك الشّرك، ولاشكّ أنّ ترك الشّرك أعظم الأعمال وأحبّها إلى الله وبه يستحق العبد الشّفاعة والخروج من النّار، وأنت ترى أنّ هذا إيمان ظاهر دال على وجود الإيمان الباطن وإن كان ضعيفاً وبهذا تزول شبهة من ظنّ أنّ القول بإسلام من ترك العمل الظاهر يتعارض مع قاعدة أهل السنة في التلازم بين الظاهر والباطن))
التعليق:
في هذا الكلام استغفال للقارئ وإيهامه أن أهل السنة يعنون بالتلازم بين الظاهر والباطن، أن الظاهر هو النطق بالشهادتين وترك الشرك، وهذا غير صحيح فهم يعنون بالظاهر عمل الجوارح والأبدان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : ((ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم ، لابد أن يظهر على الجوارح ، وكذلك بالعكس ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن)) ويقول: ((‎... لكنهم ( أي المرجئة ) إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم ، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح - أيضاً - فإنها لازمة لها )) ويقول: ((... وهنا أصول تنازع الناس فيها ، منها : أن القلب ، هل يقوم به تصديق ، أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح ، وإنما يظهر نقيضه من غير خوف؟ فالذي عليه السلف والأئمة ، وجمهور الناس أنه لابد من ظهور موجب ذلك على الجوارح. فمن قال : أنه يصدق الرسول ، ويحبه ، ويعظمه بقلبه ، ولم يتكلم قط بالإسلام ، ولا فعل شيئاً من واجباته ، بلا خوف ، فهذا لا يكون مؤمناً في الباطن ، وإنما هو كافر... )) ولاحظ كيف فرَّق بين الجوارح واللسان بقوله((ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح)) ويقول: (( و أيضا فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضا وهذا باطل قطعا فإن من صدق الرسول وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر قطعا بالضرورة وإن أدخلوا أعمال القلوب في الإيمان أخطأوا أيضا لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن)) ويقول: (( وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه ودليله ومعلوله)) ، فممن نأخذ فهم قاعدة أهل السنة في التلازم بين الظاهر والباطن من الزهراني أم من ابن تيمية؟!.

المسألة التاسعة والعشرون:
ثم تكلم كلاماً عقلياً عن تصور المسألة لا داعي للتعليق عليه .

المسألة الثلاثون:
ثم تكلم عن نواقض الإيمان يريد بذلك نفي التهمة عنه بمشابهة المرجئة، ونسي أن التهمة تلحقه لا بسبب خطئه في نواقض الإيمان العملية كما هو الحال عند بعض مرجئة العصر، لكن بسب عدم تكفيره لتارك جنس أعمال الجوارح، لذلك لا داعي للتعليق على كلامه هنا، لأننا نتفق معه في الجملة وليست موضع نزاع.

المسألة الحادية والثلاثون:
قال راداً على من اشترط العمل للإيمان: ((فإنّ قولـه يستلزم الدّور، فإنّ العمل يُشترط له الإيمان لصحّته، فإذا كان العمل لا يصحّ إلاّ بالإيمان والإيمان لا يصحّ إلاّ بالعمل كان هذا دوراً وهو باطل عند العقلاء .))
التعليق:
المؤلف يشترط النطق بالشهادتين مع التصديق فماذا لو قال له قائل: هذا يستلزم الدَّور، فإن التصديق تُشترط له الشهادتان وبدونهما لا يصح، والشهادتان يشترط لهما التصديق وبدونه لا تصح، فكان هذا دوراً، وهو باطل عند العقلاء ؟! ولكن انظر إلى كلام ابن تيمية وقارنه بما سماه الزهراني باطل عند العقلاء لتعرف من هم العقلاء، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- : ((اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة، فقال فى تحقيق ذلك: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه} وقال فى تحقيق الإيمان بالعمل: {ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى} )) مجموع الفتاوى ( 7/333)، فما يقول الزهراني الآن، أمَّا آن له أن يعود ويرجع؟

المسألة الثانية والثلاثون:
ثم نفى أن يكون العمل الظاهر –عمل الجوارح- شرط صحة أو ركن للإيمان يكفر تاركه، مستشهداً بعدم كفر تارك الصوم مع أنه من أركان الإسلام، وهذا من المضحكات أيضاً ومن المغالطات فهو من أوائل من يعلم أن هذا ليس موضع النزاع معه وأن هذه تسمى أركان الإسلام أو الفرائض أو المباني الأربعة وأن في كفر تاركها خلاف بين أهل السنة، والخلاف معه حول تارك جنس العمل فما أدري لماذا يستغفل الزهراني قرَّاءه ويستخف بعقولهم؟ اللهم عفوك.

المسألة الثالثة والثلاثون:
ثم تكلم عن حكم ترك الصلاة وعن الحكم بغير ما أنزل الله، وهما أيضاً ليستا محل نزاع معه والخلاف فيهما مشهور، لذلك لا أرى داعٍ للتعليق عليهما اختصاراً للوقت، إلا أني أقول لم يوفق فيهما للصواب.

اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واهدنا سبل الرشاد، وجنبنا البدع والفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلي اللهم على خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

وكتبه العبد الكريم .