اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khabab/121.htm?print_it=1

حنين وتذكرة بكبار علماء الزهد والتواضع في الجزيرة

خبَّاب بن مروان الحمد


عشتُ في بلاد الحرمين مدَّة طويلة، شهدتُ فيها العديد من المواقف والأحداث - يَسَّرَ الله تدْوِينَها - ففيها من المواقف والطرائف، والعجائب والغرائب، والنوازل والحوادث، والأفراح والأتراح الشيء الكثير!
مِمَّا رأيته هنالك عند بعض أهل العلم الكبار - وكنتُ أحب القراءة عليهم أكثر مِن غيرهم - حالة غريبة من الزهد والتواضع، وكراهة الشهرة، والبُعد عن الأضواء.
ولعلي أذكُر في هذه المقالة المُتواضعة طرَفًا يسيرًا، وبداية خيط في الحديث عن سيرتهم، لعلَّ الله تعالى يفتح عليَّ لأكتب عنهم ما أعرفه، فلقد شرَّفني اللهُ تعالى بالجلوس معهم والقراءة عليهم، وكثيرٌ منهم قارَب أو جاوز 70 عامًا وقت قراءتي عليهم، ولربما جاوز بعضهم الآن التسعين عامًا أطال الله أعمار الأحياء منهم وبارك فيه، ورحم الله مَن توفِّيَ منهم.
 

(1)
شيخنا العلامة الرَّباني: حمود بن عقلاء الشعيبي - رحمه الله رحمة واسعة

وقد كتبتُ عنه بعد وفاته مقالة بعنوان: (الصفات العمليَّة لشيخ الجزيرة العربية حمود بن عقلاء الشعيبي)، أتذكر أنَّها نُشرت في بعض المنتديات والمواقع، إلا أنني بحثتُ عنها ولم أجدها وضاعت مني، فيا للحَسْرة!!

وقد ضمَّنتها عددًا مِنْ مَواقفي الشخصيَّة معه، وحديثًا عن مدى زُهْد الرجل، مع أنَّه من أهل الثراء والغِنَى، والكرَم والجُود، وذكَرْتُ فيها مدى حبه لبلادي (فلسطين).

حتَّى إنَّه أفردني - جزاه الله خيرًا - بدروسٍ لَم يفردْها لغيري مِمَّن هم أكبر مني سنًّا وأعلى قدرًا مِن طلبة العلم الأجِلاَّء في السعودية، وكان ذلك بسبب محبَّتِه لفِلَسْطين، كما كان يُسرُّ إليَّ.

ولقد رأيْتُ منه عجبًا عُجابًا في تواضُعه، فدروسُه التي كانتْ تُعقَد في مزرعته الواسعة، كانت في (خيمة الشعر)، وقد ترى في أطرافها خيوط العنكبوت، وتراه يلبس لباسًا نظيفًا أنيقًا، ولا يأبَه أن يكون الثوب مكويًّا أو لا!]

لقد رأيُت في شيخنا حمود العقلاء- رحمه الله - مَظهرًا جليلاً من مظاهر التواضُع، وعدم تقليله من شأن طلبته، ولو كانوا صغارًا، بل ربَّما سألَهم لاستزادة مَعْلوماته.

وأذْكُر في هذا الصدَد أنَّ الشيخ (حمود) - رحمة الله عليه - سُئل عن جماعة (الأحباش)، فقال: معلوماتي عنهم ضئيلة، ثمَّ سأل أحدَ طلبته الذين يصغرونه بخمسين عامًا على الأقلِّ، فقال له: حدِّثنا عنهم، فلقد سمعتُ أنَّك مُعتنٍ بأخبارهم! فخَجِل ذلك الشابُّ، وذكر طرفًا يسيرًا مِمَّا يعرفه؛ احترامًا لقدر شيْخِه وجلالته.

ومِن مَظاهِر تواضُعِه العَجيب الذي انبهرتُ منه: أنَّني كُنتُ أقرأ عليه في مَزرعته كتاب: (تجريد التوحيد المفيد)؛ للإمام المقريزي - رحمه الله، وكنَّا في صيفٍ شديد الحرارة جدًّا، حتَّى إنني وقت قراءتي عليه كنتُ آخُذ معي مروحةً مِن قَشٍّ أُرَوِّحُ بها عنه؛ لكي يتحرَّك الهواء من شدَّة الحر! وذات مرة كنتُ أقرأ عليه - وكان ضريرًا - فقام من مجلسه، وذهب ما يقارب أربعة أمتار، فقلت له:

شيخنا، أحْسَن الله إليك، هل من خدمة أقدمها إليك؟
فقال لي باللهجة النجدية: (خلِّك جالس)!
ثم قام فشرب ماء، وأتى لي بكأس ماء بارد، وقال لي: اشرب فالجو حار!
فقام الشيخ، وهو أعمى وشرب ماء، ولم يطلبْ مني أن آتي له بالماء، ثمَّ أتى لي بكأس، فما أجمله وأجمل تواضُعه! قدَّس الله روحَه، ونوَّر ضريحه، وصبَّ عليه من شآبيب برِّه.
 

(2)
شيخنا الزاهد العالم بالله، المُعَمَّر بقية السلفِ الصالح في تعبُّده وتنسُّكه، الشيخ محمد بن سليمان العليط، حفظه الله وبارك في علمه وعمره.

كنتُ أقرأ عليه كتابَ الزُّهد لأبي حاتم، فهالَنِي منه بكاؤُه الشديدُ حينما كانتْ تَمُرُّ بنا الآيات والأحاديث عن النار، وسرور وجهه وحبور نفسه عندما كُنَّا نَمُر على الآيات التي تتحدث عن الجنة ونعيمها، لقد فعل بكاؤُه في نفسي شيئًا عجيبًا، حتَّى إنني كنت أهمُّ بالتوقف عن القراءة رفقًا به!
ولقد حدَّثني بعضُ طُلابه عن صلاته، فقلتُ في نفسي: سأرى الموقف أمامي، فما راءٍ كمن سمعا!
فأتيتُ مرَّة قبل صلاة الظهر بساعتين، فوجدته دخل المسجد، وقام يصلِّي ويُصلي طويلاً إلى قبيل وقت النهي قبل صلاة الظهر، ما بين قيام طويل وسجود طويل!
ومِمَّا علمتُه عن الشيخ - حفظه الله - أنَّه كثير الدُّعاء لطلابه، فطلبتُ منه الدعاء لي، فجعل جزاه الله خيرًا يدعو الله تعالى لي دعاءً ما أجمله وأروعه!
ومن عجيب جلَدِه في مجال نشر العلم والتعليم، أنه جلس للتدريس في مسجده (مسجد المطوع) شرق سوق الخضار في بريدة بمدينة القصيم، وكان يجلس على هذه الحالة منذ خمسين عاماً (!!)، ويخص بهذا الجلوس طلبة العلم، وكانتْ جلساته على ثلاثة أوقات: فالجلسة الأولى من طلوع الشمس، والجلسة الثانية بعد الظهر، والثالثة بعد العشاء.


(3)
شيخنا الزاهد العابد، عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسين أبا الخيل

وهو ووالده وجده من أهل العلم والمنزلة.هو الشيخ وابن الشيخ والشيخ جدُّه!
قرأتُ عليه بعض كتب العقيدة؛ للإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله، وكنت أرقب صلاته ووقوفه بين يدي ربه وخشوعه وتدبره للآيات، ما يجعلني أتذكَّر ما كُنت أطالعه في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، من عبادة العلماء وخشيتهم لله.
بعد أن أتممتُ عليه قراءة أحد المتون العلمية، عزمني في بيته لتناول طعام العشاء، حيث علِم أننا قد قصدناه من مدينة الرياض - محل إقامتي سابقًا - وأتيناه إلى محل إقامته في مدينة القصيم - تبعد عن الرياض (400) كيلو مترًا فأكْرَمَنا جزاه الله خيرًا.
لقد استَغْرَبْتُ من ذلك البيت الذي يعيش فيه الشيخ هو وأولاده، بل من تلك الحارة التي ندخل إليها في زقاق ضيق - ذكرتني بمخيماتنا في فلسطين - وتعجبتُ من مدى البساطة الغريبة لرجل عالِم عنده من المال الشيء الوفير، إلاَّ أنه زهد في متاع الدنيا الرخيص الزائل.
كان دائمَ الصمت أمامنا وحينما نسأله يجيب.
وفي آخر مجلسه حدَّثنا عن آداب طالب العلم، وضرورة اتِّباع العلم بالعمل، فجزاه الله خيرًا وبارك فيه وجزاه عنا خير الجزاء.


(4)
شيخنا الفقيه النحوي الفرضي، ناصر الطريري - حفظه الله تعالى.

الشيخ ناصر حجَّة إمام في الفقه الحنبلي، وعلامة بارع في الفرائض والنحو، ولقد كنتُ أرى القضاة الكبار يأتونه يسألونه عن مسائل أشكلتْ عليهم في الميراث!

من المواقف الجميلة معه أني كنتُ أقرأ عليه زاد المستقنع في الفقه الحنبلي، وكان يشرح لي المتن كاملاً، ويذكر أدلَّة المذهب الحنبلي وتعليلهم، وحينما أسأله عن الراجح لديه؛ كان يقول لي: أنت الآن في المسجد لدراسة فقه الحنابلة، وحينما نخرج من المسجد اسألني عن الراجح لديَّ! ولم يكن الشيخ - حفظه الله - متعصِّبًا للفقه الحنبلي، فلربَّما خالفهم إن سألته خارج المسجد لأخذ رأيه في بعض المسائل الفقهيَّة!

كان يسمح لي ولغيري من طلبة العلم بمناقشتِه في بعض اختيارات الحنابلة، ولربما كان لهم قول مرجوحٌ، وقد يكون هو من اختيارات شيخنا ناصر الطريري - حفظه الله - ولربَّما طال النِّقاش في ذلك، ولم أشهد منه انزعاجًا أبدًا من نقاشنا، بل كان يُتيح لنا الفرصة لذلك، ويقول: لا أريد أن يكون الدرس مجرَّد شرح لكم فحسبُ، فإن لم تفهموا شيئًا، أو إن كان عندكم نقاش في مسألة فقهية فلنتناقش فيها، ولربما اقتنع الشيخ أحيانًا برأي أحد طلابه أثناء النقاش!

كنتُ أحبُّ درسه جدًّا؛ حيث كان يتيح لنا أربعة أيام في الأسبوع لقراءة كتاب زاد المستقنع عليه بعد صلاة العصر، ولم أتغيَّب عن درسه ولله الحمد إلاَّ مرَّة واحدة، وحينما سألني عن سبب غيابي - وقد كنت معذورًا فيه - أعاد لي شرح ما فاتني في ذلك الدرس مرَّة أخرى، وقد كان بإمكانه أن يحيلني لرفيقي في الطلب الذي كنتُ أذهب معه للقراءة عليه، إلاَّ أنَّه جزاه الله عني خيرًا لم يكلَّ ولم يملَّ بل أعاد لي شرح الدرس السابق كاملاً.

وحينما أتممتُ قراءة كتاب زاد المستقنع عليه، وطلبتُ منه قراءة الروض المربع في شرح زاد المستقنع، ذكر لي أنَّه يشرحه لأحد طلابه وقت العصر، فبيَّنتُ له أنَّ وقتي لا يسمح لي بالمجيء إليه عصرًا بسبب الدوام الطويل الذي يأخُذ من وقتي الكثير، فكان يسمح لي أن آتيه في بيته ومنزله بعد صلاة الفجر، وحينما كنتُ أتأخَّر عليه لدقائق - غفر الله لي! - كنتُ أجده خارج بيته ينتظرني، ويقول لي: عساك بخير، تأخرتَ! عسى ما هو شر! فكان يخجلني من فرط أدبه وتواضعه - جزاه الله خيرًا - وما أنا إلا بمنزلة أحفاده أمام قامتِه وعلْمِه ونبله، جزاه الله خيرًا وبارك لنا فيه، آمين.
 

(5)
شيخنا العلامة الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين،رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

وقد أكرمني ربي بملازمة كثيرٍ مِنْ دُروسِه بما يقارب ست سنوات - ولله الحمد.
لقد وجدتُ فيه آيات من الزهد والانخلاع عن الدنيا وبهرجها، كان يبذل وقتَه ونفسه لنشر العلم، وكان من أهل العمل والدعوة! وحينما توفي - رحمة الله عليه - ألقيتُ محاضرة في فِلَسْطين كانتْ بعنوان: (مِنْ فِلَسْطين أتحدَّث لكم عن ابن جبرين!)، ذكرتُ فيها عددًا من أخلاقه ومزاياه وقوَّة علمه رحمه الله.

ما كنتُ أراه إلاً وهو حاملاً لكتاب، أو شارحًا لكتاب، أو قائماً يصلي لرب الأرباب.
كانت دروسه تتجاوز (45) درسًا في الأسبوع لطلابه.
وكنتُ أراه يطرب بسماع نونيَّة ابن القيم - رحمه الله - حينما كان يقرؤها عليه الشيخ سليمان الشويهي بصوته النجدي الشذي الجميل.

وكان كثيرَ الاهتمام بقضايا المسلمين، يفرح لفرحهم، ويحزن لحُزنِهم، ويصدر البيانات تلو البيانات عمَّا كان يجري في بلاد المسلمين؛ (فلسطين، والعراق، والشيشان، وأفغانستان، والبوسنة، وغيرها كثير)، وكان شيخنا ابن جبرين - رحمه الله - إن استشهد أحد الشباب مِمَّن نفروا للجهاد في الشيشان أو العراق، نراه أول الناس مجيئًا لزيارة أهلِهم وتثبيتِهم، مُبيِّنًا لهم مكانة الشهيد عند الله، وكانتْ لزيارته أثرٌ طيب في شدِّ أزر أهالي الشُّهَداء.

وكان آيةً في التواضع، لطالما رأيته قبَّل رأس بعض طلبته، كما حصل هذا في تقبيله لرأس الشيخ العلامة د. سفر الحوالي، والشيخ الدكتور سلمان العودة، وكان يرفُض - رحمه الله - كذلك أن يقبل رأسه أحدٌ، بل كان يضع يده في نحره، وحصل ذلك معي مرَّة فأوْجَعَنِي؛ فحرَّمت تقبيل رأسه!

ومِن جميل تواضُعِه - رحمةُ الله عليه - أنَّني كنتُ أراه يأتي مبكرًا قبل موعد درسه، في بعض المساجد التي كانتْ تقوم فيها بعض الدورات العلمية؛ كمسجد الإمام ابن المديني في الرياض، ولربما كان أحد الأشياخ - أحدهم الشيخ عبد المحسن الزامل - لا يزال يشرح لطلابه لأنَّ وقت الشيخ ابن جبرين لم يبدأ بعد، فيقعد الشيخ ابن جبرين كالتلميذ مطأطئ الرأس، حتى ينتهي الشيخُ من درسه!

وكان - رحمةُ الله عليه - صاحِبَ مواقف قويَّة تجاه المسؤولين في بلاده، وبسبب ذلك أُقِيلَ من عضوية الإفتاء!
وكان رجلاً داعيًا فذًّا لا أظنه ترك مدينة أو قرية في السعودية (على كبر مساحتها 2 مليون وربع كيلو مترًا)، إلا وذَهب إليه وزاره وألقى فيه درسًا.
رحمة الله على تلك الأرواح وبركاته على هاتيك الأشباح، وسقى الله تلك الأيام!
رحم الله مشايخنا من أهل العلم والزهد والفضل والتواضع.

بقي أن أقول في نهاية هذه الخاطرة:
إنَّني تحدَّثت عن هؤلاء الأعلام من نبلاء العلماء في جزيرة الإسلام؛ لأنَّ قليلاً من قليل من قليل في عالمنا الإسلامي مَن يعرفهم ويعرف مكانتهم العلمية، ومدى زُهدهم وتواضُعهم.
فالعالِم عند كثيرٍ من الناس بعد انتشار الفضائيات هو مَن يظهر على القنوات الفضائيَّة، أمَّا غيره ولو كان أعلم منه، فهو جاهلٌ مغمور، وما هذه إلاَّ قسمة ضِيزَى، مائلة عن الطريقة المُثلى، في معرفة أقدار العلماء.

ومع تأكيدي على أهمية ظهور أهل العلم على الفضائيات؛ إلاَّ أنَّها ليست معيارًا لقوَّة علم الرجل ومكانته الفقهية، ولطالما سمعتُ مِن بعض الناس، بل من بعض طلبة العلم، حينما تُحدثه عن أحد العلماء المعاصرين، فيقول لك: ومن هو ذلك العالِم؟ وهل هو مشهور؟ لأني لم أسمع عنه أنَّه خرج في برنامج أو كان له برنامج! فهو إن ظهر فيها فهو من أهل العلم والرِّضا، وإن لم يظهر فيها فالرجل ليس بذاك!

فيا سبحان الله! وعجبًا مِن هذه العقول التي تشترطُ شُهرة الرجل؛ ليكون عالمًا، مع أنَّني على يقين بأنَّ كثيرًا مِمَّن يظهر على قنوات الفضاء يعلم علم اليقين أنَّ هنالك مِن أهل العلم من هو أولى وأفضل منه، ولكنَّه معذور بظُهوره ليبين للناس دين الله، وينصح لهم، ولعلَّ لأولئك العلماء الكبار عُذْرهم الخاص بهم الذي يمنعهم من الخروج في هذه الفضائيات.

إنَّ هذه المقالة جرعة دواء وتذكرة لنا جميعًا - معشر طلبة العلم - بضرورة إتْباع العلم بالعمل في زمن البحث عن الشهرة وحب الأضواء والنجوميَّة، والحذر مِمَّا تجرُّه علينا هذه الأمور من ضعف في الإيمان، حيث نحتاج في كلِّ يوم لتجديد إيماننا، وزيادة إخلاصنا، ومُحاسبة أنفسنا، وصلات وعلائق إيمانيَّة بربنا، ومقارنة حالنا بحال أولئك القوم الذي عاشوا في عصرنا، وما زالوا؛ حيث ابتعدوا عن حب الظهور والشهرة، وما زالوا يفرون منها فرارنا من الأسد، مع أنَّهم كانوا حريصين على أحوال أمَّتهم ومعايشة واقعهم.

ولقد تحدَّثت عنهم لأنَّ بعض الناس يظنون أنَّ الزهد هو ما يقوم به كثير من الصوفية من انقطاع تام عن الدنيا، وانشغال بالعبادة عن العلم، وابتعاد عن هموم وأحوال المسلمين، مع شيء من البدَع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان! وليس هذا الوضع مِمَّا تقره شِرعَةُ الإسلام، فالزهد الحقيقيُّ أن تعيش عصرك وواقعك، وتنقطع عن الناس وقتًا للعبادة والطاعة، يليها شيء من الازدياد العلمي ومواصلة التأصيل؛ لأنَّ عبادة بدون علم، فسنجني منها الضلال والانحراف عن منهج الشرع الحنيف.

ولا نبالغ في مشايخنا الأجلاء الذين ذكرتُهم، فهم بشر يصيبون ويخطئون؛ والكمال لله وحده؛ لكني أعتقد أنَّهم كانوا مثالاً للزهد والورع، وكراهية الشهرة؛ فوفاء لهم ولفضلهم على طلبة العلم وعلى نفع أمَّتهم، كان من اللازم علينا كتابة شيء من سيرتهم وتدوينها، فبسيرتهم ننتفع، وبذكرهم عن دنايا الدنيا نرتفع.

كَرِّرْ عَلَيَّ حَدِيثَهُمْ يَا حَادِي = فَحَدِيثُهُمْ يَشْفِي الفُؤَادَ الصَّادِي!

ثبَّتنا الله وإيَّاكم على دينه، وتقبَّل منَّا ومنكم أعمالنا، وجعلها خالصة لوجهه، موافقة لسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

خباب الحمد