اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khabab/140.htm?print_it=1

(رؤية فقهيَّة مُختصرة حول حكم عمل المرأة سكرتيرة!!)

خبَّاب بن مروان الحمد


في البداية فإنَّني أرثي حال كثير من الفتيات المسكينات التي تٌداوم سكرتيرة عند الرجال، حيث تعمل لمدَّة تزيد عن ثمانية ساعات، ويُستغلّ فقرها أو حاجتها للعمل، براتب زهيد ضئيل للغاية، وقد تُهان كرامتها بما يُقدمه لها (مدير المكتب) من فُتات ماله، مع كثرة طللباته!
وقد يُشترط وجود فتاة أنيقة جميلة، وخذ من هذه الأوصاف التي تُستدرّ بها أنوثة الفتاة أكثر من طبيعة عملها كسكرتيرة!!

• رؤية فقهية حيال هذه القضيَّة:

إنَّ كثيراً من النسوة يخرجن لعملهنَّ سكرتيرات متزينات متعطرات متمكيجات، وكأنَّها ذاهبة لملاقاة زوجها!!
فأي جواز يُقال في ذلك ؟ وأي ضرورة للعمل تخرج بها المرأة لذلك؟!
بل هذا حرام بدون أدنى شك!
ومما لا يعلمه كثير من الناس أنَّ المحفل الماسوني أقام مؤامرة تقتضي أن لا يخلو مكتب من سكرتيرة أنثى، وقصدهم بذلك حصول الخلوة والإختلاط بين العاملين من الرجال والنساء!!

أمَّا إن خرجت الفتاة متجلببة بالحجاب الشرعي الكامل، فالحكم الشرعي في ذلك (عدم الجواز) للآتي:


1) وجود الإختلاط المحرَّم مع الرجال في أغلب الأحيان.

2) سيكون هنالك خلوة مُحرَّمة بين صاحب المكتب والسكرتيرة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال:(ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) أخرجه البخاري .

3) القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف يشاء، وإذا كانت الشريعة قد حرَّمت نظر الرجال للنساء، سداً للذريعة، ولئلاَّ يقع الرجال فيما لا يُحمد عقباه، فما بالك إن كانت فتاة تجلس ساعات طويلة (سكرتيرة) لسنوات أو شهور عديدة، وتتعامل المرأة مع صاحب المكتب طويلاً وكثيراً، فإنَّ الأُلفة تزيل الكُلفة، ويرتفع الحياء تدريجياً في كثير من الأحيان.

لقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت) !
بالله عليكَ وعليكِ تأمَّلا كلام رسول الله حين قال عن (الحمو:الموت) فلقد أشار الإمام المازري إلى أنه ذكر للتنبيه على منع غيره بطريق الأولى، وتبعه ابن الأثير في النهاية.

وعليه أفلا يُقاس على ذلك قياس أولويَة بأنَّ عمل المرأة سكرتيرة لمدير المكتب مُشابهة تماماً للتحذير من مثل حالة (الحمو/أقارب الزوج من الرجال) لأنَّ كليهما يتمكَّنان من الوصول للمرأة والحديث معها بل والخلوة دون أن يُنكر عليهما، بل عادة الناس المُساهلة والمسامحة فيهما – ويا للأسف -، خلافاً لشخص آخر لو كان بينه وبين فتاة أخرى لقاء معين، فيستنكر الأمر!!

لهذا فإنَّ خطر عمل المرأة (سكرتيرة) مع صاحب المكتب أشد من عملها في مكتب قد يكون فيه مدير للمكتب مع عدد من الزملاء والزميلات، وكُلُّ ذلك فيه من المفاسد والمخاطر، ما الله به عليم، وصدق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم القائل:"ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجل من النساء" أخرجه البخاري ومسلم.

وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".

وإذا كان رسول الله قال عن أفضل حالة طُهرٍ يقوم بها الشخص حالة أدائه الصلاة:"خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"أخرجه مسلم في صحيحه.
إذا كان ذلك كذلك فما بالك إن كان هذا في عمل يستغرق وقت المرأة؟!

وقبل الختام:

فإنَّ الله تعالى قال:(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب:53)، وبغضِّ النظر عن الخلاف الواقع في حكم (سؤال المرأة حاجة من خلف حِجَاب) وهل هذه الآية شاملة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهن من النساء، أو أنَها خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم...


فإنَّ ما يتبادر إلى ذهني ملمح عجيب؛ حيث يغيب عن بعض الناس حينما يدرسوا هذه المسألة، فإذا كان الأخيار من صحابة رسول الله البررة الأتقياء، وتلك الصالحات التقيات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم الله عز وجل بأن لا يتخاطبوا إلا من وراء حجاب للمحافظة على طهرية قلوب الفريقين، فكيف بحال رجالنا وفتياتنا في هذه الأيام ؟!!!

أمَّا إن كانت المرأة مُضطّرَّة للعمل لفقرها الشديد، وعدم وجود أحد يصرف عليها - وهذه حالات ضيِّقة فيما أعلمه - فأرى أن تستفتي من تثق به في أمور دينها، وتطلعه على طبيعة العمل، فهذه حالات تحتاج لفتوى خاصَّة، قد تُجيز ذلك اضطراراً لا اختياراً، والضر
ورة تُقدّر بقدرها، وتقديرها لا يكون لآحاد الناس، بل لأهل العلم العارفين بواقعهم، فالأصل المُقرَّر في ذلك التحريم.


اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبعفوك عمَّن سواك، واجعلنا ممَّن يتقيك في السر والعلن، لتجعل لنا مخرجاً وترزقنا من حيث لا نحتسب.

(جزى الله خيراً من نشر وشارك هذه الرؤية الفقهيَّة)

 

خباب الحمد