اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/khabab/151.htm?print_it=1

فَلْسَفَةُ اَلْعِيْد وبَهْجَتُه

خبَّاب بن مروان الحمد
@khabbabalhamad


ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله *** تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ
كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه *** يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ


لست أكتمكم سراً أنَّي مذ مدَّة، ومع مبتدأ ليلة كل عيد يهلُّ هلاله على أمَّتنا، تنتشيني حالة من الضيق الداخلي، لما أُراه في عموم واقعنا الإسلامي الأليم من حسرة تكفي عن كثرة الكلام! لكنَّها سرعان ما تتضاءل وتتقزَّم إن قرأت في سنَّة المختار، وما عليه سلف هذه الأمَّة الأبرار، بالفرح بعيد المسلمين على الرُّغم من مصائب لحقت بهم؛ لأنَّ السنَّة في العيد الفرح، ولو كانت بنا قروح وجروح وترح!

وكم أتذكَر يوم أن كُنت سجيناً عند بني صهيون، وكيف اصطنعنا مع الأبطال الأسرى فرحاً لطيفاً فيما بيننا؛ فكنَّا ننشد نشيد العيد، ونهزج بأهازيج صباحيَّة دون كلل ولا ملل مع ضحكات تتعالى من هنا وهنالك!!

صحيح أنَّه ضحك كالبكاء لكنَّه ضحك بلا بكاء، بل كان ذلك في زنازين الأسر حيث عشنا فيها عدداً من أيام العيد!!!

ويكأن الله تعالى يصنع هذه الأحداث؛ ليبتلينا بها فنصبر وقت الألم، ونشكر ساعة النعم، وليس غير هذا من هُدانا !

ليست قضيَّة العيد بمنأى عن قصص الغابرين من الأمم السابقة، فكلُّ الأمم لديها عيدها، وأغلبها تعيش هموماً سواء أكانت بمآسيها وضعفها الديني، أم بمصائبها الدنيويَّة.... لكنَّهم يلهون ...ويتمتَّعون...ويمرحون....ويفرحون فرح المستكبرين العابثين...ولا عجب فسيلهيهم الأمل فسوف يعلمون...

فكان الله لهذه الأمَّة؛ ليصطنع لها عيداً بعد طاعة، فعيد الفطر بعد صيام الشهر، وعيد الأضحى بعد الصلاة لربنا ضحى..

أول ما نبدأ به عيدنا صلاة خاشعة لربَّنا؛ فإنَّها إطلالات التوحيد في حياة العبيد احتفاء بزيارة العيد..

فدلَّني عن أمَّة تفرح بعيد بعد طاعة متكاملة دون شرك أو بدعة مُقنَّعه...!!!

قد بحثتُ وطالعتُ في ذلك فلن نجد عند هذه الأمم شيئاً من ذلك، إلاَّ عند أمَّة الإسلام...

إنَّهما عيدان (عيد الأضحى وعيد الفطر) هما عيدا السَّنة ، وعيد السَّعة، وعيد السعادة، وعيد السيادة...

إنَّا لو فكّرنا بمن اختار لنا العيد؛ لرقص لذلك كلّ قلب سعيد..وطربت له رؤوس العبيد....

إنّه اختيار (الله جلَّ في علاه)!!

لهذا نقول : (الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلاَّ الله ، والله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد)

فأي فرحة تعمُّنا حينما نرى اختيار ربنا لأعيادنا:(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)...

فيا لله ما أجمل عيدنا أهل الإسلام وما أحلاه وما أبهاه ، وما أرقاه وما أزكاه، فحبور وسرور، وفرحة لإرضاء الربِّ الودود الغفور...

في يوم العيد ولدقائق معدودات طالما أطرقت رأسي ناكتاً التراب بعود في يدي في خلوة عن جلوة الناس أختارها لنفسي، فأحادث هذه النفس عن أسرار أفراح العيد التي ترتسم على شفاه المسلمين العابدين...وأتمنى أن تفيض عليَّ الروح بشيء من ريح العيد وعبقه....

لكنَّني رأيت أنَّ من أعظمها أثراً تمام الصلة مع الله بالصلاة والتكبير، ومن ثمَ الصلة مع الناس بالمحبَّة والتقدير....

إنَّها أفراح الروح تطفح على الوجوه....

إنَّها نفوس تسوقها العاطفة، هي في حُبُّها للغير واكفة، تصنطع المعروف، تضحك، تبتسم، تتآلف، تتعارف، تتواد تتحاب...

حقاً ما أجمل بسمة العيد...تخرج من بيتك فترى الناس جميعاً تعلوهم السكينة ... ويلُفُّهم التفاؤل ... وتكسوهم السعادة ... ولا تفيض ألسنتهم إلاَّ بالكلام الطيب...فتتمنَّى كل السنَّة عيداً.

إنَّها أكف تلامس الأكف، وعيون تنطق مع العيون،وشهد كلام تفوح منه رائحة عطر زكيَّة، مع كلام يوازيه مذاقه أزكى من رائحة المسك والعنبر.

إنَّه الوضع الطبيعي لذلك، فإن رأيت عبوساً قمطريراً، ووجهاً كئيباً دون سبب يختصُّ به ذلك الشخص في يوم العيد؛ وإلاَّ فاستعذ بالله من شرّ شياطينه وإياك أن تخوض معه في دواوينه... فإني أربأ بك أن تصيبك حالة من دُّوار الرأس مع تصدُّع في بنيانك الداخلي!!

حينها ابحث عن ضحكات الأطفال يوم العيد، وربَّما صاحوا فوق رأسك في يوم العيد: متى سيأتي (عمو العيد)؟!

فسبحان من غرس محبَّة العيد في قلوب الأطفال؛ بما لا تشعر به من فرحة لهم خارج هذه الأيام ولو كانت أيام أنُس وإيناس!!

فالحمد لله على نعمة العيد رغم ما بالأمَّة من البأس الشديد ..
 

والعيد أقبل مـزهوًا بطلعته *** كأنه فارس في حلة رفـلا
والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم *** كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا


إنَّ من أروع دروس العيد كونه مدرسة للتفاؤل والابتسامة، وجامعة نتعلَّم فيها المقدرة على طاقة التحمُّل لإيذاء الآخرين لنا فنعفو ونصفح ... ونتحابب ونتسامح .... ونتلاطف مع بعضنا ونفرح...

ماذا عسانا أن نقول في يوم العيد إلاَّ كليمات أقول في خواتمها:

إن لم تعش العيد بفرحة أهل الإيمان الكبار ؛ فلا أقلَّ من أن تعيشه مع فرح الأطفال الصغار.

 

خباب الحمد